اطبع هذه الصفحة


الأسلحة الكيماوية والمعايير المزدوجة !

الدكتورة زينب عبدالعزيز
أستاذة الحضارة الفرنسية


في يوم الثلاثاء أول أكتوبر 2013 بدأت لجنة خبراء من لاهاى مكونة من عشرين خبيرا مهمتها لنزع الأسلحة الكيماوية المزعومة من السلطات السورية، فلم يثبت من ذا الذى استخدمها الحكومة أم الثوار والأجراء!. ويتزامن قدوم هذا الفريق مع إنهاء فريق تحقيق آخر تابع للأمم المتحدة، لبحث الإستخدامات "المحتملة" من جانب السلطات السورية للأسلحة الكيماوية، وذلك رغم كل ما فى الفيديوهات المقدمة من تلاعب واضح.. ولا أتناول هنا قضية سوريا وحقيقة ما يدور ويدار فيها ، ولكن فضيحة المعايير المزدوجة فى قضية الأسلحة الكيماوية والذرية والبيولوجية المحرمة دوليا، إلى حد الوقاحة والإستفزاز فى المغالطة، فهى بحاجة إلى وقفة جادة من الجميع ـ سواء من الغرب الصليبى الإستعمارى المتعصب أو من البلدان العربية الإسلامية ، المغلوبة على أمرها، أو تلك الحفنة المتواطئة منها مع الغرب. فالغرب بعامة والولايات المتحدة الأمريكية وسياستها العنصرية هى أول وأكثر من استخدم هذه الأسلحة المحرّمة دوليا ولم يفكر أحدا فى معاقبتها أو إعلان شن الحرب عليها أو حتى مساءلتها.. ونذكرعلى سبيل المثال لا الحصر بعض هذه المخازى :

* فيما بين عامى 1944 و1945 قام الجيش الأمريكى بقتل مئات الآلاف من المدنيين اليابانيين بالنابالم، وذلك بإلقاء قنابل ذرية على مدينتى هيروشيما ونجازاكى. مما أدى إلى محو مدن وقرى بأسرها بكل ما عليها من آدميين ومنشآت. وأثناء هذه الحرب العالمية الثانية قام الجيش الأمريكى بقذف مدينة طوكيو وحرق أكثر من مائة ألف شخصا من الأحياء وإصابة أكثر من مليون ، بينما ظل ملايين المدنيين بلا مأوى فى أعنف قذف تم فى الحرب العالمية الثانية.
والطريف أنه فى عام 1980 أعلنت هيئة الأمم أن إستخدام النابالم ضد السكان المدنيين يعد جريمة حرب. وما من أحد قام بمحاسبة هؤلاء المعتدون فيما يتعلق بالماضى أو بالحاضر فجرائم الحرب لا تموت بالأقدمية !.

* وفى حرب فييتنام، وفيما بين أعوام 1962 و1971 ألقى الجيش الأمريكى ثمانون مليون لترا من المواد الكيماوية المحرمة دوليا على الغابات وعلى المناطق السكنية والبلدان المجاورة. مما أدى إلى هدم الزراعات الحياتية والبيئة وإقتلاع حياة آلاف المدنيين الأبرياء. ويقدر الفييتناميون أن نتيجة هذا العدوان الذى إمتد عشر سنوات قد أبيد أكثر من أربعمائة ألف شخصا ونصف مليون طفل وُلدوا بتشهوات خلقية مرعبة وأكثر من مليونين من المصابين بالسرطان وأمراض أخرى نتيجة تعرضهم للمواد الكيماوية أو الإشعاعية.
والطريف هنا أيضا أنه فى عام 2012 أعلن الصليب الأحمر الدولى أن هناك أكثر من مليون فييتنامى يعانون من التشوهات ومن مشكلات صحية أخرى نتيجة تعرضهم للأسلحة المحرمة، ويخيم الصمت بلا خجل.

* فى عام 1950 قام الجيش الأمريكى بتجريب الأسلحة الكيماوية على سكان الضواحى الفقيرة للزنوج فى مدينة سان لويس التى كان 70 % من سكانها من الأطفال أقل من سن الثانية عشر. وقد أوضحت الحكومة الأمريكية أنها لجأت إلى ذلك لتمويه الروس فى هجماتهم، كما أقرت وجود عنصر آخر فى الخليط الكيماوى، إلا أنه حُفظ كمعلومة سرية !.

* وفى حرب تحرير الجزائر (1954ـ1962) قامت فرنسا باستخدام الأسلحة الكيماوية ضد الجزائريين وأمطرت السكان المدنيين بالنابالم والمواد الذرية والبكتريولوجية والكيماوية خاصة فى وادى نموس بمنطقة البشائر ورجان فى الجنوب. ولم تقم قيامة الغرب الصليبى المشارك دعما وصمتا.

* ويُعد حصار مقر "واكو" الشهير فى تكساس عام 1993 وقيام الإف بى آى باستخدام الغاز المسيل للدموع بصورة مبالغ فيها ، مع علمهم بأن المبنى كان يضم العديد من النساء والأطفال الرضع. وتم حرق 49 إمرأة ورجلا و27 طفلا بما فيهم الرضع. وذلك رغم ما يقولونه من أن الإعتداء على جنود الأعداء بالغاز المسيل للدموع يعد جريمة حرب.. لكن من الواضح أن جنود الأعداء تكون أحيانا أكثر أهمية من حياة المواطنين الثوار !!

* فى عام 1988 قامت المخابرات المركزية الأمريكية بمساعدة صدام حسين بإلإعتداء على الإيرانيين والأكراد بالأسلحة الكيماوية، وأرشيف هذه المخابرات يؤكد أن واشنطن كانت تعلم أن صدام حسين يستخدم الأسلحة الكيماوية، التى يمدونه بها فى الحرب العراقية الإيرانية. واستمرت هذه المخابرات فى مد الجيش العراقى بالمعلومات حول تحركات الفرق الإيرانية. وفى مارس قام صدام حسين ـ إعتمادا على حلفاؤه فى واشنطن، بمهاجمة قرية أكراد قاتلا خمسة آلاف شخصا وإصابة أكثر من عشرة آلاف آخرين أغلبهم من المدنيين.

* فى 20 ديسمبر 1989 قامت الولايات المتحدة بغزو بانما التى يعد تعداد سكانها آنذاك ثلاثة ملايين نسمة تقريبا، بزعم أنها تهدد الأمن الأمريكى !!! وتم إعتقال مانويل نورييجا لإقامة الديمقراطية الأمريكية .. ومن 1940 إلى 1990 إستغلت الولايات المتحدة العديد من المناطق فى بانما لإجراء تجارب الأسلحة الكيماوية، ومنها غاز المستردة والسارين وسيانور الهيدروجين وغيرها.

* وفى عام 2003 غطى الجيش الأمريكى العراق باليورانيوم المخضب بما يقدر بآلاف الأطنان. ولا يزال إرتفاع عدد الإصابات بالسرطنات المختلفة يتزايد بين الأحياء من العراقيين.

* وفى عام 2004 قامت الولايات المتحدة بقذف الثوار العراقيين فى الفالوجا بالفوسفور الأبيض، وهو ما كشف عنه عدد من الصحفيين المرافقين للحملة. وقد بدأ الجيش الأمريكى بالإنكار ثم أقر إستخدامه أسلحة كيماوية والفوسفور الأبيض لإضاءة الأهداف المراد قذفها !! وفى تلك الفترة أذاعت محطة الإذاعة الإيطالية (لا راى) فيلما وثائقيا بعنوان "الفالوجا، المذبحة الخفية"، إضافة إلى فيديوهات بشعة وصور وأحاديث لشهود عيان من الجنود الأمريكان الذين أكدوا أن الحكومة الأمريكية قد غطت مدينة الفالوجا بالفوسفور الأبيض الذى أذاب الرجال والنساء والأطفال وسمم الأرض لمدة آلاف السنين القادمة...

* وفى عام 2011 إستخدم البوليس البريطانى القنابل المسيلة للدموع بشراسة لتفريق المتظاهرين فى أحداث شارع وول ستريت. وقد تناول الإعلام هذا التصدى الوحشى للمتظاهرين والإستخدام المفرط لذلك الغاز وغيره من الغازات الكيماوية الخطرة... مع العلم بأنه من المعروف أنه محرم إستخدام هذا الغاز ضد عدو عسكرى فى المعارك الحربية بموجب إتفاقية حول السلحة الكيماوية. وكأن ذلك الغرب الغاشم لا تعنيه جنوده مثلما لا يعبأ بالمدنيين !

* فلسطين المحتلة 1948 ـ 2013 :
طوال خمس وستون عاما من إحتلال الصهاينة لأرض فلسطين وحروبهم ومعاركهم الإبادية تتواصل. فمنذ أن أعلنت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارها الغائر رقم 181 الهادف إلى تقسيم فلسطين إلى دولة عربية ودولة صهيونية، التى تم إعلانها فى 14 مايو 1948، لم تتوقف الحروب الإبادية والعنصرية التى يقودها الصهاينة لإقتلاع الفلسطينيين من أراضيهم أو الإعتداء على البلدان العربية المجاورة. وتتوالى المعارك والمسميات بدك مئات القرى دكا على من فيها، وغرس مخالب الكيان الصهيونى بدلا عنها ، وتنوعت معارك من "السلام فى الجليل" الى "أعمدة الضباب" و"كروم الغضب" و"أمطار الصيف" و"دعامة الدخان" و"الرصاص المصبوب"، مرورا بالعدوان الثلاثى وحرب الأيام الستة وإحتلال سيناء والجولان والقدس الشرقية ولبنان ومذبحة صبرا وشاتلا واستخدام أطفال الحجارة أدرعة حربية ومنع أية معونات من الوصول إلى المعتقل المكشوف المسمى "غزة" الخاضعة لحصار صهيونى الإجرام...

وفى عام 2009 قامت عدة جماعات ومنظمات إنسانية منها "مراقبة الحقوق الإنسانية" و"العفو الدولية" و"الصليب الأحمر الدولى" بتأكيد أن الحكومة الإسرائيلية تهاجم الفلسطينيين بالأسلحة الكيماوية وبالفوسفور الأبيض بإفراط خاصة فى المناطق الآهلة بالسكان المدنيين. وكالمعتاد، بدأ جيش الصهاينة بالإنكار ثم بالإعتراف.. وبعدها قام بمهاجمة مقر القيادة العامة للأمم المتحدة بالأسلحة الكيماوية... وصمت قادة المجتمع الغربى الصليبى المساند للصهاينة.

وهنا لا بد من أن نتساءل ، بمناسبة ما يدور فى سوريا، لماذا لم يفكر أوباما بقذف الكيان الصهيونى بالقنابل ويمطره بالفوسفور الأبيض أو حتى بتهديده مثلما يفعل مع سوريا وغيرها ؟؟

من المضحك حقا رؤية أن النظام الوحيد الذى استخدم بإفراط وغطرسة أسلحة الرعب المدمر هذه على مدنيين وعلى مناطق آهلة بالسكان، هو نفسه النظام الذى يزعم جعل العالم أكثر أمانا بنزع أسلحة الدمار الشامل من أيدى غيره ، ليتفرد بها هو والكيان الذى غرسه فى أرض فلسطين ! ألم يحن لكل الذين يكيلون بعدة مكاييل أن يُدركوا أن زعم التفرد بالزعامة يعد سبة فى جبين المساواة الإنسانية ؟ أو أن يدركوا أن الشعوب التى جعلوا منها "شعوبا متخلفة" وبلدانا يطلقون عليها "العالم الثالث" بفضل كل ما نهبوه من ثرواتها ، أنه من حق هذه الشعوب أن تعيش وتنعم بما حباها الله من نِعم ، وأنه إن عاجلا أو آجلا سوف تهب لتأخذ بزمام مصيرها، لأن لكل شئ نهاية حتى الظلم ..

5 أكتوبر 2013

الدكتورة زينب
  • مقالات
  • كتب
  • أبحاث علمية
  • Français
  • الصفحة الرئيسية
  • ملتقى الداعيات
  • للنساء فقط