اطبع هذه الصفحة


تنازلات على نغمة المحبة !..

الدكتورة زينب عبدالعزيز
أستاذة الحضارة الفرنسية

 
أخيرا ، وبعد تسعة أشهر من تعيينه رئيسا للفاتيكان، أعلن البابا بنديكت السادس عشر عن خطابه الرسولى الأول يوم الأربعاء 25 / 1/ 2006 . و نقول " أخيرا " مواكبة للعديد من التعليقات الصحافية الفرنسية ، إذ عادة ما يبادر البابا بإعلان خطابه لأنه بمثابة برنامج العمل الذى يسير عليه هو و كل من يتّبعونه - حتى الملوك والرؤساء ، عليهم أن يلتزموا به ولو بصورة غير معلنة او غير رسمية ، فالخطاب موجه للأساقفة والقساوسة بدرجاتهم ، والأشخاص المعنيين وكل الأتباع العلمانيين – اى غير العاملين بالكنيسة ، حول المحبة المسيحية .. و إن كان قد أشار إلى ان هذا الخطاب ليس برنامج عمل للحكومات !

ويبدو ان الخطاب ، من عنوانه الى تاريخ التوقيع عليه ، ييثر التعليقات والتساؤلات : فتاريخ الكنيسة الكاثوليكية الرسولية ، منذ إنشائها و حتى يومنا هذا ، أبعد ما يكون عن ان يتخذ من مثل هذا العنوان شعارا له.. فما من إنسان أصبح يجهل ذلك التاريخ ، خاصة بعد كل ما كُتب فى الغرب المسيحى ، منذ عصر التنوير خاصة، فى إيقاع متزايد الحدة و الكشف حتى هذه اللحظات.. فالأبحاث والإدانات لم تعد تتوقف ، بدأً من إتهامها بتحريف النصوص إلى إبادة وإقتلاع الآخر ، مروراً بالمحارق أو حرق الناس أحياء ، واستخدام وسائل التعذيب بقرار من البابوات والمجامع، واقتلاع كل من يعترض او يكشف عما يتم فرضه مخالفة لتعاليم السيد المسيح، وفرض اللعنة و الحرمان ، ومحاكم التفتيش التى لم تتوقف وانما تغيّر اسمها مرتان، والحروب الصليبية التى اقتلعت ملايين البشر من مسلمين ويهود وسكان أصليين ، وتدخلها فى فيتنام واطلاق اسم "جنود الرب" على جيش الولايات المتحدة المحتل، وتدخلها فى حرب الإبادة فى رواندا ، والتعتيم او الصمت على مجازر البوسنة والهرسك وأفغانستان والعراق وفلسطين ، وعمليات التنصير المواكبة لحروب الإستعمار ، فالتاريخ المعاش يذخر بما يعجز القلم عن حصره أو وصفه .. ورغمها ، ان من يحمل مثل هذا التاريخ الجبّار على كاهله، من الصعب أن يصف نفسه قائلا بأن رسالته هى "المحبة" ! وهو ما يتغنى به الخطاب تقريبا !!

أما تاريخ التوقيع على هذا الخطاب الرسولى الأول فهو يوم 25 / 12 / 2005 ، أى فى يوم عيد ميلاد السيد المسيح والذى اتضح أنه عيد ميلاد الإله مثرا وقد تم الإستحواذ عليه فى القرن الرابع ، وقد أقر البابا يوحنا بولس الثانى هذا الإتهام.. و التساؤل عام لدى كل من قرأ تاريخ الإنتهاء من صياغته وتاريخ الإعلان عنه رسميا فى 27 يناير الحالى ، أى بعد شهر ويومين. والمناسبة الوحيدة التى تتبادر إلى الذهن والتى يمكن أن ترتبط بهذا الخطاب هو ما كانت قد حددته الجمعية العامة للأمم المتحدة فى شهر نوفمبر الماضى بأن يكون يوم 27 يناير من كل عام إحتفالا و تخليداً لذكرى التحرير من معسكرات النازى أو "عيد المحرقة" !!؟

و يتكون الخطاب الذى يقع فى 78 صفحة من القطع الصغير، من مقدمة (بند 1 ) وجزء أول (بنود 2– 18 ) و جزء ثانى (بنود 19–39 ) وخاتمة ( بنود 40- 42 ) ، وهو بعنوان " الله محبة". ويدور أساسا حول فكرة ان إكتشاف الآخر يمثل علاقة الكنيسة بالعالَم. والعالَم هنا كما سيفاجأ او كما سيكتشف القارىء هو: الدين الإسرائيلى و الفكرالإسرائيلى والمحبة الإسرائيلية ، وكيف انها كانت الأصل الذى نهلت منه الكنيسة المسيحية ونقلت عنه وعن الإسرائيليين و واصلت تعميق المسيرة !!

وأول ما يلفت النظر فى هذا الخطاب ، بخلاف اسلوبه المعتمد على المواربة وتغيير ملامح الأحداث ، الأمر الذى ربما قد يفلت من ملاحظة العديد من القراء حتى بين الأتباع فى الغرب المسيحى ، من كثرة ما يحوم النص حول العبارة و الحقائق، وهو ما لا يعاون القارىء الذى عادة ما يتصفح الأشياء فى عجالة أو لعدم اهتمامه بالتاريخ البعيد.. نقول ان اول ما يلفت النظر هنا هو التنازل الغريب من جانب الفاتيكان لليهود، وهو امر لا يقل فى فداحته و وقعه على القارىء المتابع للأحداث من تبرأة الفاتيكان لليهود من دم السيد المسيح ، سنة 1965 فى المجمع الفاتيكانة الثانى، و ذلك رغم عشرات الآيات الشديدة الوضوح فى اتهامها ، بل أن أنجيل يوحنا وحده يتصمّن 35 اتهاما صريحا بأن اليهود هم " قتلة الرب " – وهوما اَلفناه فى الحياة العامة من معلومات.. بل ذلك هو ما يقوله بولس فى رسائله وهى المكتوبة قبل الأناجيل بكثير هى و أعمال الرسل. الأمر الذى دفع بالدراسات الحديثة بأن تعود بأصل معادة السامية إلى تلك النصوص الكنيسة برمتها ..

ونتطرق فى عجالة للنقاط الأخرى قبل أن نعود الى الموضوع الرئيسى بشىء من التفصيل. فقد غرق الخطاب فى محاولة صفصتية النزعة لتوضيح الفرق بين ثلاثة أنواع من الحب : الحب الغريزى او الجنسى éros ، و الحب agapé ، و المحبة philia .. والإستناد الى الفلسفة ، و الرد ضمنا على نيتشه الذى كان يتهم الكنيسة بأنها افسدت وسممت مفهوم الحب لدى الأتباع بالتحكم فى حياتهم الخاصة ، و فرض التبتل على رجال الكنيسة – على الرغم من أن الحواريين وأخوة يسوع كانوا متزوجون، وهو ما يقوله بولس فى رسائله ( 1 كورنثوس 9 : 5 ) .. والإشارة الى كارل ماركس الذى اتهم الكنيسة بأنها تبنت مواقف الأثرياء ضد الفقراء وأراحت ضمائرهم .. ويشير البابا الى عدم اهمية الفكر اليسارى أو مذهب الشيوعية بدليل سقوط هذا النظام عالميا ، متناسيا أنه تم اقتلاعه بفضل تحالف الفاتيكان والمخابرات المركزية الأمريكية و جورباتشوف إلى جانب العديد من التدخلات الكنسية-السياسية ومنها اختلاق حزب تضامن فى بولندا والعام المريمى وغيرها من المسائل التى عاونت على عملية انهيار الإتحاد السوفيتى ، وكلها معلومات باتت تملأ المراجع والصحف. كما أشار إلى لاهوت التحررالذى كان هو شخصيا الطرف الأساسى فى إقتلاعه أيام شغله منصب رئيس محاكم التفتيش ، و محاربة الأب ليوناردو بوف الذى أسسه فى أمريكا اللاتينية. و الإشارة السريعة فى بند 9 إلى ان اليهود والمسيحيين وحدهم هم الذين يعبدون الله الحقيقى ، خالق السموات و الأرض ، أما " كل الألهة الأخرى فليست الله " ، ويقصد بها الإسلام أساسا لفارق النطق باللغات الأجنبية ، إضافة إلى العبادات الأخرى. وهو ما يجب توضيحه حتى يدرك القارىء كيفية التلاعب بالإلفاظ :
ففى الإسلام نقول الله ونترجمها نطقا Allah ، بمعنى أنه الإسم العلم الذى يشير الى من ليس كمثله شىء، ،اما فى اللغات الأجنبية فإن كلمةDieu بالفرنسية أو Godبالإنجليزية و مثيلاتها فى اللغات الأخرى فهى تشير إلى تركيبة الثالوث : الآب والإبن والروح القدس. وقد قامت المجامع بتأليه السيد المسيح سنة 325 ، ثم جعله إلاهاً حقاً ، وهو ما يعتبره المسلمون شركا بالله عز وجل ، فالمسيح عليه الصلاة و السلام بشر من الناس ونبى من الأنبياء ، وتدرجات تأليهه وتكفير و لعن وحرمان من لا يؤمن يذلك أو يخالفه وارد بكتب المجامع المسكونية (العالمية) . والتلاعب اللفظى الذى يقوم به الذين يعملون فى المجال الكنسى ، ومنهم البابا ، هو قول : أنهم هم الذين يعبدون الإله الحقيقى أما المسلمون فيعبدون شىء آخر من قبيل الوثنية وما إلى ذلك !!

و هناك إشارة اخرى مضغمة حول الإسلام والإرهاب يقول فيها البابا "ان الحب والإحسان يجب أن يكونا فى قلب حركة الكنيسة فى عالم يتم فيه الخلط أحيانا بين الإنتقام باسم الله أو حتى ضرورة الكراهية والعنف " ، بمعنى أو بهدف الربط بين الإسلام والكراهية والعنف، ولا ندرى إلى متى سيظل المسؤلون فى المؤسسة الكنسية يختلقون الإرهاب والفتن ويلصقونها بالإسلام ؟! أليس من الأكرم مناقشة الخلافات العقائدية بين المسيحية والإسلام بموضوعية أمينة بدلا من عدم مواجهة الحقائق التى لم تعد بخافية ، وبدلا من حشد عقول الأتباع بمعلومات غير صادقة وإثارتهم عن غير وجه حق؟!

فلو أخذنا الخلاف الحقيقى بين الديانات التوحيدية الثلاث ، فيما يتعلق برسالة التوحيد نجد أن اليهود بعد الوصايا العشر التى أتى بها موسى عليه الصلاة و السلام حادوا عنها ورجعوا للعجل وقتل النبياء ، فجاء عيسى عليه الصلاة والسلام لِما قاله : وما أتيت إلا من أجل خراف بيت إسرائيل الضالة ، ومنع الحواريين من الذهاب للتبشير فى أى مكان آخر ولا حتى السامريين ، ولما حاد المسيحيون عن رسالة التوحيد بتأليه السيد المسيح و الشرك بالله عز و جل باختلاق الثالوث، اتى سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام ودعى الجميع إلى ألا يعبدوا إلا الله سبحانه و تعالى ، كما دعى كل أمة منها الإلتزام والحكم بما أنزله الله لهم ، وليس بما قاموا بتحريفه وهم يعلمون . فالإسلام لا يفرض نفسه على أحد : إن الحلال بيّن والحرام بيّن ، وما على الإنسان إلا ان يختار ، والحساب عند الخالق يوم الحساب . فما المشكلة فى فهم هذه الحقائق فى بساطتها ؟!

ومن أهم النقاط التى ركز عليها : الكنيسة العالمية الكاثوليكية التى عليها ان تسود العالم، و اشار ضمنا الى انه توجد " كنائس اخرى" دون ذكر اسمها ، والمعروف ان الكنائس الأخرى لها من يترأسونها وهم فى نفس منصبه فما معنى هذا التغافل أو التنكر لوجودهم ؟! وإن كشف هذا الخطاب عن شىء فى هذه الجزئية فهو تمسكه بنفس موقفه الذى كتبه فى الرسالة المعنونة " ربنا يسوع" وصدرت باسم البابا يوحنا بولس الثانى من ان الكنيسة الكاثوليكية هى الكنيسة الوحيدة الأصلية وعلى الكنائس الخرى ان تنصاع لها.. واشاد بجهود الجمعيات الأهلية التى نجحت فى دمج عمليات التبشير مع نشاطها الإجتماعى، وحث جميع الأتباع على ضرورة الإهتمام بالإشتراك فى عمليات التبشير كل فى مجاله أو مجال عمله. مؤكدا ان رسالة الكنيسة هى التبشير و المحبة، وممارسة الأسرار السبعة على الأ تباع وخاصة الإفخارستيا ، وهو الطقس المعتمد على وجود القس ليحوّل فعلا بصلواته الخبز والنبيذ إلى لحم و دم المسيح وإلا اصبح إيمان الفرد باطلا ، وأكد على ضرورة ممارسة المحبة او الإحسان الكنسى. .

أما فى البند 23 فقد تحدث عن الكنيسة البدائية الأولى فى القرن الرابع فى مصر، وانه كان يوجد بها مراكز توزيع الغلال ، و انه فى مصر " منذ البداية و حتى أواخر القرن السادس تكونت بها جمعية بكامل الصلاحيات القانونية كانت السلطات المدنية تعهد اليها بتوزيع الغلال" ، و انه فى مصر "كان كل دير و كل ابرشية له مركزه لتوزيع الغلال" .. والغريب ان يذكر مصر ثلاث مرات فى بضعة اسطر ليوهم من جهة بأن مصر كانت " قبطية " قبل الإسلام – وهو ما لم يحدث فى التاريخ ، لأن مصر انتقلت من ايام الفراعنة الى الوثنية اليونانية و الرومانية ثم الإسلام و لم تكن " قبطية" فى أى وقت من الأوقات. وعند وصول عمرو بن العاص تسلمها من الحاكم الرومانى وليس من الكنيسة ! ومن ناحية اخرى يحاول ان يوهم بأن الأقباط فى مصر كان لهم دورا فى الحكم بأنهم كانوا يساهمون "رسميا" فى توزيع الغلال !.. والفرق جد شاسع بين تقلد مقاليد الحكم – وهو ما لم يحدث أبدا ، وبين القيام بمهام وظيفة من الوظائف ، فهم كمواطنون مصريون كانوا يعملون فى الدولة مثلهم مثل الوثنيين و اليهود وكل الملل التى كانت موجودة آنذاك .. و"سحلبة" مثل هذه المعلومات الخاطئة التى عادة ما لا يتصدى لها احد ، يؤدى الى ترسيخ معلومات غير حقيقية فى ذهن الأتباع و يؤجج الفتن..

و من الغريب ان يركز البابا على كلمة "مصر" ولا يشير الى " كنيسة الإسكندرية " التى كانت طرفا فى النزاع القائم بينها وبين روما والقسطنطسنية فى عمليات تأليه السيد المسيح و غيرها من البدع ، بحكم موقعها الساحلى ووجود الجاليات المتعددة بها و خاصة وجود أكبر مكتبة ، تلك التى قام بحرقها رهبان الأسقف ثيوفيلوس سنة 391 م .( إذ يورد الباحث جي دفيتش ان القس أوروز مؤلف "كتب ضد الوثنيين " يقول فى صفحة 417 انه " عند مروره بمدينة الإسكندرية قد شاهد دواليب الكتب التى أتى رجال زمننا عليها بتفريغها تماما" ، وذلك قبل الفتح الإسلامى الذى تم فى القرن السابع ) .

و من الغريب أيضا أن يذكر البابا فى خطابه مرتين الإمبراطور جوليان (313-363) بالإسم الذى فرضته عليه الكنيسة وهو : " جوليان المرتد ". و يستشهد به زورا وظلما بأنه "اخذ عن المسيحية بسخاء" و أنه أقام نظاما مدنيا طبقيا من القساوسة ، فى الوقت الذى يشهد فيه التاريخ والمراجع موجودة ، بأنه إرتد عن المسيحية وحاربها من كثرة المجازر التى شاهدها من رجالها ، و قد هاجم الكنيسة بعنف كاشفا فى كتاباته كل ما كانت تقترفه من تحريف فى النصوص متهما إياها بالتزوير . ورتبت الكنيسة اغتياله عن طريق حارسه فى إحدى المعارك . وعلى الرغم من إبادة أعماله إلا انه قد امكن تجميع الكثير مما قاله من الردود التى استكتبت الكنيسة بعض رجالها للقيام بها. ثم قام المركيز دارجنس فى القرن الثامن عشر بنشر خطاب الإمبراطور جوليان المعنون " ضد المسيحيين " ، و يا لهول ما يحتوى عليه ..

وعودة إلى الخطاب و كل ما به من تنويعة التنازلات الممجوجة التى قدمها لليهود فى هذا البيان الذى كاد يخلو من الإشارة إلى العهد الجديد ، و انما استند فيه أساسا إلى العهد القديم قصصه و آياته وإصحاحاته و أنبياءه ونشيد الإنشاد و"الأحابا" و "الدوديم" من كلمات المحبة فى اليهودية!.. وهو الأمر المستغرب ممن فى مثل مكانته الكنسية. بل من الواضح ان البابا نفسه قد ادرك كثرة استشهاداته اللحوحة والتى امتدت حتى البند الثانى عشر بلا توقف ، فقال : "حتى وان كنا حتى هنا قد تحدثنا عن العهد القديم ، فإن التداخل العميق بين العهدين كنص وحيد للمسيحية" الخ الخ .. بل الأكثر إستغرابا هو صمت الصحف الفرنسية وإحجامها عن التعليق على هذه الظاهرة ! ومن الواضح أن التعليمات قد صدرت بعدم إثارتها حتى تمر فى صمت ، ويبتلعها الأتباع فى صمت .. ويمتد الصمت كالمعتاد ..
أما الأمر الفاضح فى هذا الخطاب ، فهو ليس مجرد ذكر اليهود أو الإستشهاد بهم أكثر من ستين مرة فحسب ، و بتنويعات متفاوتة ، و إنما إسناد البابا رسالة المحبة ، التى ظلت المؤسسة الكنسية تردد طوال الفى عام أن أهم ما أتى به يسوع هو المحبة، وان الله محبة، وربنا يسوع محبة ، وهو الذى ابتدع المحبة ، وكانت تبيد كل من يخالف أو يقول عكس ذلك او يكشف ان هذه الوصية قد وردت فى العهد القديم ، فها هو البابا فى البند رقم 1 يعلن بكل وضوح وثقة :" الإيمان المسيحى تلقى ما يمثل نواة الإيمان اللإسرائيلى وأضفى اليها عمقا جديدا لأن سفر التثنية هو أول من قال تحب قريبك كنفسك (19-18 ) "!؟..

والجزء الأول من الخطاب بكله عبارة عن مغازلة فى غير مكانها لليهود ، بل والملاحظ فى الخطاب عدم استخدام عبارة "يهود" إلا نادرا ، فقد يكون ذكرها مرة او مرتين ، لكن الكلمة المستخدمة هى "إسرائيل" بكل تصريفاتها وتنويعاتها لترسيخها ..
واللافت للنظر هنا ان هذا الخطاب يعد بالفعل أول تطبيق عملى لما تحدثت عنه الصحف الفرنسية فى حينه ، و ما تم الإتفاق عليه ، بين نفس هذا البابا ، بنديكت السادس عشرة ، و ريكاردو سنييى ، كبير حاخامات روما ، عندما كان فى زيارة رسمية للفاتيكان هو والوفد المرافق له فى "يوم الحوار العالمى مع اليهود " فى 17 / 1 / 2006.. و قد استقبلهم البابا قائلا : " حضرة الحاخام الأكبر ، أعزائى ، شالوم " !!

وهى عبارة جد مريرة ان تصدر عن الفاتيكان ! وبعد هذه التحية "الرسمية" أضاف البابا قائلا : "ان الكنيسة الكاثوليكية قريبة منكم و صديقة لكم ، نعم نحن نحبكم ، ولا يمكننا الا نحبكم بسبب آبائنا ، فبالنسبة لهم انتم إخواننا الأعزاء المختارون. فبعد مجمع الفاتيكان الثانى ان هذه المشاعر لم تكف عن التزايد " .. فأجابه قائلا : " ان الرسالة المشتركة بيننا مزدوجة فهى رسالة تضامن بين اليهود والكاثوليك، ورسالة لتعريف الوصايا العشر للأجيال القادمة " ..

و قد قام البابا بتطبيق الدرس الأول ..
ذلك الدرس الذى يطرح سؤالا يحتاج إلى إجابة واضحة :
إذ يقول الفاتيكان ان رسالته هى تنصير العالم ، وهو يبذل قصارى جهده فى تحقيق ذلك، بل لا يكف عن حث الكنائس الأخرى واستخدامها فى عملية التبشير و التنصير ، بل لقد تم فرض هذا الموقف على الأتباع و على الكنائس المحلية فى كل مكان بزعم انها الوسيلة الوحيدة للتصدى للمد الإسلامى ، واستصدار القوانين الأمريكية الترويعية لتنفيذ ذلك .. غير آخذاً فى الإعتبار أن ذلك تحديدا هو ما يشعل الفتن ويولد العنف دفاعا عن الذات وعن الدين و عن الهوية ، فما عساه فاعلا بتلك "الدولة" التى ساعد على إنشائها ظلما و عدوانا وإنتزاعا من أهلها لقوم لا حق لهم فيها وفقا لما تقوله النصوص؟ بل ما عساه فاعلا بهذه "الدولة" التى يمثل إشاؤها خروجا سافراً عن دينه وتعاليمه ، فما من إنجيل إلا و يذخر بعشرات الآيات التى تتهم اليهود " قتلة الرب " ، بل هناك من الأبحاث ما يثبت ذلك ، ومنها رسالة الإب لاندوزى بعنوان : " هبة ارض فلسطين" ..

ولا نمزح حين نتساءل بكل مرارة وألم :
ترى هل سيقوم البابا بتنصير اليهود ، أم ان الفاتيكان هو الذى سيتهوّد ؟!
ويالها من تنويعات جد مريرة على تنازلات أكثر مرارة ..


 

 الدكتورة زينب
  • مقالات
  • كتب
  • أبحاث علمية
  • Français
  • الصفحة الرئيسية
  • ملتقى الداعيات
  • للنساء فقط