اطبع هذه الصفحة


الأنبا يوحنا قُلته
وكتابه "الإنسان معجزة الخلق"

أ. د. زينب عبد العزيز
أستاذة الحضارة الفرنسية


لقد سبق وتناولت التعليق على أحد كتب الأنبا يوحنا قولته سنة 2003. والأنبا قولته هو النائب البطريركي للأقباط الكاثوليك بمصر، وكان عنوان كتابه: "المسيحية والألف الثالثة". ويا لكَمّ المغالطات والتعتيم الذي احتوي عليه.. أما اليوم، فأتناول كتابه المعنون: "الإنسان معجزة الخلق" (2016)، بعد أن طالعت عرضا له في جريدة الأهرام بتاريخ 18/5/2016. وأول ما لفت نظري هو تشابه العنوان مع كتاب الباحث الإسلامي هارون يحي: "معجزة خلق الإنسان"، فهي نفس الكلمات الثلاث مع تبديل الأماكن.

يتكون كتاب الأنبا قولته من إحدى عشر فصلا ويقع في 221 صفحة بالبنط الصغير. وعلى الرغم من تقسيم الكتاب إلى فصول، وتقسيم الفصول داخليا بعناوين فرعية داخل إطار واضح المعالم، إلا ان أول ما يلفت النظر عند محاولة قراءة هذا الكتاب، من الناحية المنهجية، هو الخلط والتداخل والتكرار بحيث يصعب على القارئ تتبع الفكرة بوضوح، إضافة إلى عدم الالتزام بوضع الإستشهادات داخل شولتين أو كتابة المصدر. بحيث يبدو الاستشهاد وكأنه جزء من نص المؤلف. فعلى سبيل المثال لا الحصر، قوله: "كتب أحد الأدباء في مذكراته" (صفحة 151) دون التعريف باسم الأديب أو بعنوان المذكرات.

وإن أمكن التغاضي مجازا عن هذه الملاحظة، فلا يمكن السكوت عليها حين تتعلق بالنص القرآني. فلقد جرى العرف حين يكون الاستشهاد بآية من آيات القرآن الكريم، أو حتى بجزء منها، أن تكتب الآية أو ذلك الجزء بين شولتين يتبعهما مباشرة، وبين قوسين، اسم السورة ورقم الآية. وهي أبجدية منهجية لا يجوز أن يخطئ فيها من يحمل درجة علمية كالدكتوراه. وما أكثر ما استشهد به الأنبا يوحنا قلته، من القرآن الكريم، دون الإشارة إلى المصدر فيبدو النص وكأنه ضمن كتابته..

لقد أشرت بدايةً إلى الخلط إجمالا، فلا أعتقد أن هناك كلمة يمكنها وصف الصياغة أدق من "الخلط"، أو إن شئنا الدقة "الخلط والتمويه". الخلط بين المفاهيم والأحداث، الخلط بين المسيحية والإسلام، بين التاريخ الزمني والواقع الفعلي. والتمويه لرفع شأن التاريخ الكنسي وعقائده، والتمويه بين تسلسل الأحداث، والتمويه على التاريخ الكنسي المؤسف الثابت وثائقيا، وخاصة التمويه إصرارا لفرض ألوهية السيد المسيح.

الخلط والتمويه:

ومن أبسط الأمثلة على الخلط ما يرد في صفحة 135: إذ يتحدث الكاتب عن الشرق والغرب، و"اكتشاف الغرب المسيحي بعد النهضة للعالم الجديد وراء المحيطات".. والفقرة التالية، والحديث موصول بما قبله، يتحدث عن "زلزال الحروب الصليبية أو الفرنجية"، ويشير إلى التداخل والمعايشة بين الفرنجة الغزاة، والعرب المنبهرين بهم، الخ.. ولا أناقش هنا هذه الجزئية، لكنني أشير إلى أن عصر النهضة يقع تاريخيا في القرنين الخامس عشر والسادس عشر. أما كريستوفر كولومبس الذي اكتشف العالم الجديد فرضا، فهناك من سبقه من الرحالة المسلمين، فقد وُلد سنة 1450 وتوفى سنة 1506، والحروب الصليبية قد وقعت قبل ذلك بكثير، إذ بدأت الحملة الأولى سنة 1096 وانتهت 1099؛ وتوالت الحملات لتبدأ الحملة الثامنة والأخيرة سنة 1270. أي قبل عصر النهضة بحوالي ثلاثة قرون!

وأختار مثال آخر للخلط والتمويه، وما يقوله الكاتب متحدثا عن الدمار الذي تخلفه الحروب: "ولا ننسى ما حدث في تشيرنوبيل وهيروشيما ونجازاكي" (صفحة 93). ومن غير المعقول ألا يعرف الكاتب الفرق الشاسع بين الإثنين، أو أنه لا يجوز دمجهما، فحادثة تشيرنوبيل كانت قضاءً وقدر، انفجر أحد المفاعلات مثلما تنقلب سيارة أو تنفجر أنبوبة بوتاجاز لأي عطل فني، أما هيروشيما ونجازاكي فالمقصود بهما قنبلتان ذريتان ألقتهما الولايات المتحدة عمدا، مع سبق الإصرار، على مدينتين يابانيتين أثناء الحرب العالمية الثانية. القنبلة الأولى يوم 6/8/1945 والثانية يوم 9/8/1945..

أو الحديث عن ويلات الحروب قائلا: "ولا أريد القول إن الأديان برغم ما قدمته للإنسانية من تنوير ورقى وشرائع إلا أن "طاقة الشر" لا تزال كامنة تنطلق بين الحين والحين لتقتل ستين مليوناً في الحرب العالمية الثانية، ثم أكثر من مليون في حرب القبائل في رواندا وفي إيران والعراق، وفي بداية هذا القرن أو أولى السنوات منه يعاني العالم كافة من مرارة الإرهاب وقبح أفعاله" (صفحة 152)..

وأبدأ بالإشارة إلى كلمة "تنوير" حشرا مع الأديان ليفهم منها أن المسيحية أتت بتنويرٍ ما، والتعتيم على كل ما تتضمنه من ظلمات وقمع وقتل منذ نشأتها حتى بدأت الدراسات تكشف عن كل التحريف والمتناقضات التي تزخر به نصوص الأناجيل، بدأً بأن من كتبوها ليست الأسماء التي هي معروفة بها، وهو ما أقره مجمع الفاتيكان الثاني، معترفا بأنها ليست نصوصا منزّلة وإنما كتبها بشر بوحيٌ من الروح القدس.. وقد تواصل عصر الظلمات الكنسي حتى أتى عصر التنوير الذي نتجت عنه معركة "الأصولية والحداثة" وكادت أن تأتي على المسيحية برمتها لولا شراسة موقفها لقمع من طالبوا بالتحرر منها، والنصوص موجودة شاهدة على ذلك.

وعودة إلى الاستشهاد السابق، لأوضح أن طاقة الشر كامنة في الغرب المسيحي المتعصب، فالحرب العالمية الأولى والثانية حربان غربيتان كنسيتان. وحرب رواندا حرب سياسية كنسية وثابت تدخل القساوسة والراهبات وحرقهم الكنائس بعد غلقها على كل من لجأوا إليها للحماية، وتم رفع قضايا على القساوسة والراهبات المشتركين في عمليات القتل بأمر من الفاتيكان. وحرب إيران قادتها الولايات الأمريكية حين أمم مصدق البترول، وحرب العراق قادها نفس الجناة، الصليبيون المعتدون، اعتمادا على أكاذيب وهم يعلمون أن صدام حسين لا يمتلك أسلحة كيماوية. و"بداية هذا القرن" يقصد بها الكاتب "داعش" وشركاه من المنظمات، وثابت أن نفس العصابة الإجرامية الأمريكية هي التي كونتهم، وسلحتهم، وتقودهم، لاقتراف أبشع الجرائم هدما للإسلام تنفيذا لقرار مجمع الفاتيكان الثاني. أنه تاريخ معاش ولا تجدي معه محاولات التمويه..

الانتقاد "المقنّع" للإسلام والمسلمين:

أي قارئ منصف لا بد وأن يشمئز من كمّ العداوة والازدراء الواضح في هذا الكتاب، ضد العرب والإسلام والمسلمين، حتى وإن كان مقنّعا شكلا في بعض الأحيان! وأقبح ما تجدر الإشارة إليه هو وصف الأنبا يوحنا قولته للفتح الإسلامي بأنه "احتلال".. إذ يقول خبثا ومواربة: "وأغلب ظني أن قيمة العمل، واحترام المهن والإبداع أمور طمسها زمن الاحتلال الذي أطبق على مصر منذ سقوط دولة الفراعنة على عهد بسماتيك في القرن الثالث قبل الميلاد وحتى جلاء الإنجليز عن مصر سنة 1954؛ أي خلال آلاف السنين لم يشعر المصريون إلا فترات متوهجة من التاريخ لم تتصل بأن مصر وطنهم، وفقدوا كثيرا من الحماس الوطني" (صفحة 23).

أيها الأخ الفاضل، تعلم تماما أن الإسلام لم يتم تنزيله من رب العالمين كثالث وآخر بلاغ لرسالة التوحيد إلا بعد أن قام أصحاب الرسالتين التوحيديتين السابقتين، اليهودية والمسيحية، بتحريفها والابتعاد عن رسالة التوحيد. فقد عاد اليهود لعبادة العجل وقتل الأنبياء، كما وقع المسيحيون في الشرك بالله بتأليه السيد المسيح في مجمع نيقيه الأول سنة 325، ثم باختلاق وفرض الثالوث في مجمع القسطنطينية الأول سنة 381.. وهي أمور يعرفها تماما ويقينا الدكتور البطريرك يوحنا قولته، لكن من الواضح أن شحن الأتباع بالأكاذيب والفريات وتزييف ضمائرهم وعقولهم لا يزال يتواصل عمدا بكل أسف.

وما أكثر ما يمكن الإشارة إليه من عبارات على هذا المستوى من عدم الأمانة أو التسفيه بالعرب والمسلمين، حتى وإن أشار إلى أمجادهم مضطرا في بعض الأحيان، أو إلى انبهار الغرب بهم وبحضارتهم، في عبارات تُعد على أصابع اليد الواحدة.

تحريف الأناجيل:

إن محاولة إثبات أن الأناجيل هي مصدر علمي تعد محاولة ميؤوس منها، وتكفي الإشارة إلى كتاب موريس بوكاي "الكتاب المقدس والقرآن والعلم"، ومما انتهى إليه من إثباتات بعد مقارنة الكتب الثلاثة: أنه ما من مُعطى علمي وارد في الكتاب المقدس بعهديه إلا وأطاح به العلم، وما من مُعطى وارد في القرآن استطاع العلم أن يفنده. وسأضرب بعض الأمثلة فيما يلي من نص كتاب الأنبا قولته:
1 ـ يقول الكاتب أن الآية 27 من سفر التكوين الإصحاح الأول تقول: "خلق الله الإنسان على صورته على صورة الله ذكرا وأنثي خلقهم"، ثم يستند إلى فعل "خلقهم" بالجمع ليواصل: "مما يجيز التفكير في خلق أجناس متنوعة من البشر" (صفحة 86). وهذه الآية التي يستشهد بها تحديدا تثبت بالقطع تحريف الأناجيل، إذ أن طبعة سنة 1671، يرد بها النص بالمثنى وليس بالجمع. وفي الصورة التالية نطالع الآيات من 27 إلى 30 بكاملها في المثنى وليست بالجمع. بل لا يمكن أن تكون بالجمع والنص يتحدث عن بداية خلق الإنسان:


سفر التكوين (1: 27) طبعة سنة 1671

ولا تمثل هذه الآيات كل التناقضات، وإنما تكاد لا تخلو منها صفحة من صفحات الأناجيل، وفيما يلي مثالا واحدا مما يرد عن يسوع أو من أقواله في موضوع واحد:
* متى (10: 34) "جاء يسوع ليلقى سيفا وليس سلاما" ؛
*لوقا (12 : 49 – 53) "جاء يسوع ليلقى ناراً وانقساما" ؛
*يوحنا (16 : 33) "جاء يسوع ليلقى سلاما" ! ؛
بينما يقول يسوع وفقا لإنجيل لوقا (19: 27):
* "أما أعدائي أولئك الذين لم يريدوا أن أملك عليهم فاْتوا بهم إلى هنا واذبحوهم قدامي" !

صلب يسوع:

يقول الأنبا يوحنا قولته "أن المسيح اتخذ الصليب وسيلة للخلاص" (صفحة 131) ليفتدي البشرية كما يقولون. ويردد هذه المعلومة أكثر من مرة. وأيا كان المعنى المقصود، فكل الآيات الواردة في الأناجيل تشير إلى أن يسوع لم يُصلب بالشكل المعترف عليه الآن وإنما عُلق على خشبة. إن نص الأناجيل يقول بوضوح إنه عُلق على خشبة! وهو ما يتمشى مع الواقع، فالصليب بشكله الحالي لم يكن معروفا في فلسطين آنذاك ولا حتى في الإمبراطورية الرومانية، وتثبت الصور والتماثيل القديمة كيفية التعليق على الخشبة. وقد تم تكوين شكل الصليب الحالي في القرن الرابع.. وتقول الآيات:
"إله آبائنا أقام يسوع الذي أنتم قتلتموه معلقين إياه على خشبة" (اع 5: 30)؛ ".. الذي أيضا قتلوه معلقين إياه على خشبة" (اع 10: 39)؛ " ولما تمموا كل ما كتب عنه أنزلوه عن الخشبة ووضعوه في قبر" (اع 13: 29)؛ "المسيح افتدانا من لعنة الناموس إذ صار لعنة لأجلنا لأنه مكتوب ملعون كل من عُلق على خشبة" (رسالة بولس إلى أهل غلاطية 3: 13)؛ وهو ما يؤكده بطرس في رسالته الأولى إذ يقول: " الذي حمل هو نفسه خطايانا في جسده على الخشبة" (2: 24).. فأية آيات نصدق، هذه الأناجيل المتداولة أم ما تفرضه الكنيسة تمويها؟ ولا تعليق لنا على اعتبار السيد المسيح عليه السلام قد صار "لعنة" و "ملعونا"، والعياذ بالله! وقد سبق أن تناولت موضوع المتناقضات في مقالين: المتناقدات في الأناجيل (1) و (2) والصورة المرفقة توضح كيفية القتل أيام الرومان وكيف كان تعليقهم للمحكوم عليه بالقتل على الخشبة. وهي الصورة التي تشهد الأناجيل بأن السيد المسيح قد قتل وفقا لها:

تأليه يسوع:
يسهب الأنبا قولته في شرح وعرض فكرة تأليه يسوع، وتتناثر بطول الكتاب أنه خُلق من الله، أو انبثق منه، وهو مطابق له، خلقه الله على صورته، واتحد به كما سنتحد به بدورنا، وأن ذلك لا يمس بوحدانيته.. ولا يسع المجال للرد هنا على هذه الجزئية فقد سبق وتناولتها بالتفصيل في مقال بعنوان فرية تأليه يسوع لكنني سأوضح من نصوص الأناجيل، بخلاف الخلط في تاريخ ميلاده ومولده، المحيط الاجتماعي الذي نشأ فيه:
أن أمه مريم وأبوه يوسف النجار، لكنه ابن الله، ثم جعلوه الله.. وأسرته تتكون من إخوة وأخوات، هم: يعقوب، ويوسي، وسمعان ويهوذا. وأخواته هن ماريا وسالومي. وأولاد عمومته: يوحنا المعمدان، يوحنا ويعقوب الزبدي، يعقوب الصغير، وسمعان كلوباس. وقد مارس يسوع التبشير لمدة سنة وفقا لإنجيل، أو سنتين وفقا لآخر. كما مارس بعض عمليات الشفاء وطرد الشياطين.. فكيف يمكن بعد هذا الوضوح في نسبه كإنسان وعمله التبشيري أو كنبي من الأنبياء بين البشر المرسل لهم، ثم يقنعون الأتباع بأنه إله؟! لذلك ظلت الكنيسة لمدة قرون تمنع قراءة الأناجيل، ثم راحت تعتم على مسألة نسبه وعائلته، لكن مع تقدم العلوم تم فضح تعتيمها، وما أكثر ما عتمت عليه ولمّا تزل..

مكانة المرأة:

يقول الأنبا قلته "أن موقف المسيحية من المرأة فهي تساويها بالرجل في الزواج والكرامة والحقوق" (صفحة 130). "أما في الفكر العربي (...) المرأة كائن أقل دونية في القدرة والذكاء من الرجل" (122)، ثم يرجع ذلك لتأثير أرسطو (384 ـ 322 ق م)، ويا له من خلط ممجوج أو من باب التمويه هربا من النقد!

ولا أظن تاريخ الكنيسة الكاثوليكية يخفي إلى هذا الحد على الأخ الكريم، الكاثوليكي. فذلك التاريخ يدرسونه للطلبة في المدارس الفرنسية التي نشأتُ أنا بها وبتعاليمها وتبشيرها.. إن المرأة في المسيحية كانت محتقرة ومستبعدة إلى درجة أن مجمع ماكون الثاني المنعقد سنة 585 برئاسة الملك جوتران دي بورجوني، قد انعقد ليبحث من ضمن ما بحث، إذا ما كانت المرأة لها روح وتعد ضمن الآدميين أم لا!! ولم يصوت في حقها سوى قس واحد، وفي مراجع أخري ثلاثة قساوسة. وهو ما يؤكده يوهان ليزر في كتابه "انتصار تعدد الزوجات" سنة 1682 (صفحة 123) وهو وارد في "حوليات الفلسفة المسيحية". كما أكده فيما بعد كليف هارت في بحثه "أدلة جديدة ضد المرأة" سنة 1998 صفحتا 68 و69. ثم أعيد بحث نفس هذا الموضوع للمرة الثانية في مجمع ترانت سنة 1545 الذي قرر في دورته الرابعة (ابريل 1546) "مراجعة الأناجيل حيث أنها لا تخلو من أخطاء أو من انتقادات". ثم قام البابا إنوسنت العاشر بإدراج هذا الموضوع ضمن الموضوعات المحرم تناولها بمرسوم 18 يونيو 1651.

وقد كتب بيير بيل سنة 1797 في "القاموس التاريخي والنقدي" قائلا: "ما أجد أنه من أغرب الأمور أن يناقش مجمع ماكون موضوع إذا ما كانت المرأة مخلوق آدمي، وأنهم لم يقروا ذلك إلا بعد بحث ممتد". كما ظهر سنة 1744 في أمستردام كتاب بعنوان "مشكلات حول المرأة" بقلم مونييه كيرلون، يتناول نفس الموضوع. وفي سنة 1766 قام الطبيب شارل كلابييس بكتابة بحث بعنوان "تناقض حول النساء، حيث يرون أنهن ليسوا ضمن الجنس البشري".. وتتواصل القضية سخرية من الكنيسة لتدخل مجال الأدب الفرنسي، ولا يزال البعض يتناولها في القرن العشرين ومنهم الفيلسوف المعاصر ميشيل أونفريه..
ومما لا شك فيه أن دونية المرأة ترجع إلى الأناجيل وليس إلى أرسطو، كما يقول الأنبا قولته تمويها. لأن بولس الرسول، الذي يعتبرونه مؤسس المسيحية الحالية، يطالب بخضوع المرأة للرجل (افسوس 5 : 23) ويطالب المرأة بأن تصمت تماما حينما يتحدث الرجال في الاجتماعات (1 كو 14 :34)، مثلما فرض عليها الحجاب لتغطية شهرها وإلا يتم جزّه. ونفس الشيء بالنسبة لأحد مؤسسي التراث الكنسي، إذ يشرح القديس أغسطين في "الثالوث" (12: 7) قائلا "أن المرأة ليست على شكل الله كالرجل وأنها لا تصبح صورة الله إلا مع زوجها، بينما زوجها فهو على صورة كاملة لله. لأن طبيعة جسد المرأة تخصها بوظيفة مرتبطة بالرَجل". أما توماس الأكويني فيقول أيضا في كتابه "مجمل اللاهوت" (السؤال 92 بند 1) "أن دونية المرأة يؤكدها نقصان ملكاتها العقلانية وجسدها". ولا أقول هنا شيئا عن قتل الكنيسة للنساء العالمات والمثقفات تحت زعم قتل الساحرات، منذ نشأتها وطوال العصور الوسطى، وخاصة قتلها لعالمة الفلك والرياضيات هيباثيا، سنة 415، بأمر من الأسقف كيرولس في الإسكندرية. وذلك بعد سحلها في الطريق إلى داخل الكنيسة وضربها وسلخ جلدها وهي حية ثم تقطيع جسدها واخذ هذه القطع لحرقها.. وهذه وقائع ثابتة تاريخيا وسجلاتها موجودة..

أما الإسلام الذي ينتقده الكاتب طوال هذا الكتاب، فقد أنزل الله القرآن للبشر على السواء، الرجل والمرأة. ولم يفرق بينهما إلا في نقطتين: الشهادة والميراث. والشهادة محددة في القرآن بامرأتين لكي إذا نسيت الأولى تذكرها الثانية، فما من امرأة لا تكون مجهدة في فترة معينة من الشهر. أما الميراث فهو يقع في 32 حالة، طولا وعرضا. أي من الأب والأم فصاعدا، ومن الابن والابنة نزولا؛ ومن العم والعمة والخال والخالة وابنائهم، عرضا. وقاعدة أن ترث المرأة نصف الرجل هي حالة من اثنين وتلاثين حالة، وفقا لحالة الميراث وممن يقع. وحددها المولى عز وجل، لأن المرأة غير المتزوجة، في الإسلام، هي في حماية أقرب الرجال إليها، ولا يحق لأحد أن يسألها عن ميراثها وما فعلت به. فهنا يصبح هذا النصف، الذي ينتقده الغرب المتعصب، يصبح بذخاً وتكريما وليس حرماناً وظلما.

هذا الكتاب:

لا يمكن لما تقدم أن يفي عرض أو نقد كل ما ينبغي نقده أو التعليق عليه في هذا الكتاب، فلا تكاد تخلو صفحة من صفحاته من نقطة بحاجة إلى الرد أو الكشف والتعليق. وهو ما يتعدى حدود هذا الحيز كمقال. لكن يمكن القول إجمالا أنه صادم من حيث موقف الأنبا يوحنا قولتا من الإسلام والمسلمين والعرب وكم القذف والازدراء، صادم إلى درجة الدهشة والنفور؛ ومنفر من كم المحاولات لفرض ما لا يقبله عقل حول إثبات ان المسيح هو الله، ومخلوق على شكله وصورته وان الله تجسد في المسيح وأن ذلك لا ينفي ألوهيته؛ وصادم لكل ما به من خلط بين الأحداث والوقائع التاريخية المعاشة وخاصة الكنسية منها. وهو ما يتجرعه الأتباع بكل أسف على أنه حقائق.

وإن بدا من الطبيعي، جدلا، أن يحاول من في مركز الأنبا قولته أن يتبنى موقف الكنيسة التي يتبعها، وهنا يشرئب الفاتيكان والبابا فرنسيس وعباراته المزدوجة التوجه والمعنى، ومنها الجذور المسيحية لفرنسا تحديدا، والغرب بعامة، لاغيا بجرة قلم ثمانية قرون من الإسهام العلمي والحضاري للمسلمين والعرب، في وقت كان فيه الغرب يغط في تخلفه الحضاري. وكلها أمور مسجلة في التاريخ ولا يمكن لبعض الأيادي العابثة أن تقتلعها.

أما ما يحاول الكاتب أن يخرج به القارئ، من ضمن ما حاول، فهو دعاية ممجوجة متناثرة بطول الكتاب، دعاية للحوار بين الأديان، وهو يعلم أن معنى هذا الحوار، في النصوص الفاتيكانية، كسب الوقت حتى تتم عملية التنصير؛ كما تتكرر دعوته تمهيدا للنظام العالمي الجديد وتوحيد الأديان.

زينب عبد العزيز
24 يونيو 2016
 

الدكتورة زينب
  • مقالات
  • كتب
  • أبحاث علمية
  • Français
  • الصفحة الرئيسية
  • ملتقى الداعيات
  • للنساء فقط