اطبع هذه الصفحة


دونالد ترامب.. خلفيات و وعود

أ. د. زينب عبد العزيز
أستاذة الحضارة الفرنسية



ترامب: "أنا أفضل شيء يمكنه أن يحدث لإسرائيل"
 


إن كانت عبارة "أنا أفضل شيء يمكنه أن يحدث لإسرائيل"، التي قالها دونالد ترامب، هي تلخيص شديد الوضوح لموقفه ولكل ما سيقوم به من أجل الكيان الصهيوني المحتل لأرض فلسطين، التي استولى عليها تقريبا، فما بقي منها من فتات لا يمت إلى كيان دولةٍ ما بأي حال من الأحوال، فإن ما وعد به ترامب في حملته الانتخابية يعطي صورة شديدة الوضوح لكل ما ينوى عمله من أجل مساعدة الصهاينة.. وقد تناولت ذلك في مقال سابق بعنوان "أقوال الصهاينة.. يا مسلمين". أما اليوم فأقوم بتوضيح عمق الصلة التي تربطه بذلك الكيان السفاح، القائم على أشلاء شعب وأنقاض دولة كانت ذات سيادة، شعب تُرك يواجه مصيره بكل جبروت بين كلمات جوفاء وصمت مهين.. علّ كل الحكام المسلمين والعرب يدركون ما تم وما سوف يتم بسبب ذلك الصمت والتواطؤ أو فتات بعض الشعارات الجوفاء..

ففي يوم 21 مارس 2016، في مدينة واشنطن، تحدث دونالد ترامب أمام حضور مكون من خمسة عشرة ألفا من اليهود، في اللقاء السنوي لمنظمة "آيباك" (AIPAC) وتعني: "لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية" (American Israel Public Affairs Committee). وهو أقوى لوبي صهيوني موجود بالولايات المتحدة، تم إنشاؤه سنة 1951، أي بعد ثلاث سنوات من قرار إنشاء الكيان الصهيوني، لمساندته وتدعيمه لاقتلاع الفلسطينيين والاستيلاء على دولتهم بكل صفاقة إجرامية وتواطؤ دولي.

وتعتمد منظمة "الآيباك" على أكثر من سبعين هيئة ومؤسسة يهودية في الولايات المتحدة، ومن أهدافها المعلنة: تكوين لوبي شديد الفاعلية لدى الكونجرس الأمريكي والبيت الأبيض لحماية المصالح الإسرائيلية ؛ التأكد من أن الفيتو الأمريكي سيعترض على أي قرار لهيئة الأمم يدين أي تصرف إسرائيلي ؛ ضمان مساعدة مالية وعسكرية سخية لإسرائيل ؛ إعداد الأجيال القادمة الممالأة لإسرائيل ؛ مراقبة الانتخابات وتصريحات المنتخبين الأمريكيين فيما يتعلق بأي مسألة تخص إسرائيل من قريب أو من بعيد ؛ تنظيم وتوجيه تبرعات المانحين اليهود الأمريكان للمرشحين أثناء الانتخابات.

وحينما يكون مثل هذا التنظيم الأخطبوطي النزعة هو المسيطر على المجال السياسي في الولايات المتحدة الأمريكية، ندرك معنى الكلمات التي أعلنها دونالد ترامب أثناء لقاءه بأعضاء منظمة "الآيباك"..

فقد بدأ ترامب بتقديم نفسه بأنه "مساند أزلي" لإسرائيل، وأعلن أن "أمن إسرائيل لا تفاوض فيه". ومن أهم العبارات التي تفوه بها في ذلك الاجتماع:

* "عندما سأصبح رئيسا، ستنتهي الأيام التي تعد فيها إسرائيل كمواطن من الدرجة الثانية" ؛
* "أتحدث إليكم اليوم كشريك مدى الحياة وصديق حقيقي لإسرائيل" ؛
* "أحب القوم الموجودين في هذه القاعة، أحب إسرائيل (...)، وابنتي إيفانكا على وشك أن تضع طفلا جميلا يهوديا"..
وهنا تجدر الإشارة إلى أن ابنة دونالد ترامب قد اعتنقت اليهودية سنة 2008 لتتزوج من الملياردير اليهودي جيرد كاشنر وأصبح اسمها يائل كاشنر، وتشغل وظيفة "نائب الرئيس التنفيذي لمؤسسة ترامب". أي إن الصهاينة موجودون بالفعل في عقر دار الرئيس المنتخب للولايات الأمريكية المتحدة..
أما فيما يتعلق بالمسألة الفلسطينية، فقد أعرب ترامب أنه يتعيّن على الفلسطينيين أن يأتوا إلى مائدة التفاوض مع إسرائيل "وهم على أتم استعداد لوقف الإرهاب الذي يقومون به على إيقاع يومي" ! أي إننا في زمن يعد المدافع فيه عن حقه وبلده "إرهابي" لا بد من اقتلاعه..

وما أن تم اختيار دونالد ترامب رئيسا للولايات المتحدة حتى بادر موقع "من يحكم أمريكا" بنشر قائمة تضم ستون اسما لمليارديرات يهود قاموا بمساندة الحملة الانتخابية لدونالد ترامب. وبعض الأسماء الواردة بها شديدة القرب لدونالد ترامب بما أنها تضم اسم ابنته وزوجها الذي ينافس حماه في حب اقتناء أبراج ناطحات السحاب. والأسماء واردة بالترتيب الأبجدي، مع مراعاة أنه فيما عدا مايكل عبود، الذي ينتمي إلى يهود السيفاراد، الشرقيين، فجميعهم من اليهود الأشكيناز، الذين لا ينتمون إلى الشرق أصلا، وهم من يهود أوروبا وسلالة الخزر. وفيما يلي رابط قائمة اليهود المساندين لدونالد ترامب في حملته الانتخابية:
URL
 
شذرات عن ترامب :

أثناء الحملة الانتخابية أعلن ترامب أنه "يتعيّن على هيلاري كلينتون أن تكون في السجن". وما أن تم انتخابه حتى بدأ يتراجع، ففي لقاء مع مجلة "ستون دقيقة" على قناة "بي بي سي" أعلن ترامب أنه غير متأكد عما سوف يعمله بها موضحا: "لا أريد أن أجرح مشاعرهم فهم أناس طيبون" ! وقدم الشكر إلى هيلاري موضحا أن الأمريكيين يدينون لها بالكثير لكل ما قدمته للبلد".. ومعروف باعترافها هي شخصيا أن من بين ما قدمته للبلد وللعالم: إسهامها في اختلاق مرتزقة "داعش" وشركاه في محاولة مجنونة لاقتلاع الإسلام والمسلمين..
وحينما كان أحد رؤساء مجلس الشيوخ القدامى في هايتي قد سأله أثناء الحملة الانتخابية عن استيلاء الأموال وتحويلها إلى "مؤسسة كلينتون" وعن الفساد السائد فيها، وعد ترامب بالاهتمام بالموضوع أثناء مناقشاته الرئاسية. ولم يفعل شيئا.. والمعروف أن هيلاري كانت من شديدي تأييد التدخل في العراق، لكن يبدو ان الصمت والتعتيم على الفساد هو الذي سيسود، طالما هو متعلق بالإسلام أو لصالح الصهاينة. علما بأن ترامب قبل ذلك كان قد وصف آل كلينتون قائلا: "أنهم مجرمون، تذكروا ذلك جيدا، أنهم مجرمون".

أما موقفه من الإسلام والمسلمين، فتكفي الإشارة إلى أن كلا من مايكل فلين ومايكل ليدن قد اشتركا معا في كتاب صدر في يوليو الماضي بعنوان "كيف يمكننا كسب الحرب الشاملة ضد الإسلام الراديكالي وحلفاؤه؟"، فقام جيرد كاشنر، زوج ابنة ترامب، بنشر عرضٍ مسهب عنه في جريدة "ذي نيويورك أوبزرفر" التي يمتلكها.

ودونالد ترامب، الذي سيتولى مهام منصبه يوم 20 يناير 2017، يمتلك بعض ناطحات السحاب والممتلكات الأخرى، أهمها أكبر كازينوهين للقمار والمعروف تعاملهما مع المافيا وغسيل الأموال، على حد قول موقع "فوكس نيوز"..

وإن كانت برامجه وأقواله وأفعاله معروفة من حيث تشجيعه للانفلات المطلق لمختلف أنواع الشذوذ، إلا أن أهم ما لفت نظر المؤرخة سالي هاول، الأستاذة بجامعة ميتشيجان، فهي تقول إن مقترحات ترامب فيما يتعلق بهجرة المسلمين في أمريكا "قد أدت الي ظهور موجة من العداء ضد المسلمين لم تعرفها البلاد من قبل، فهي أعنف من ردود الأفعال التي أعقبت 11/9".. كما أشارت أنه في الشهور القليلة الماضية تم حرق أكثر من مائة مسجد، وكأن ترامب بتصريحاته، تلك المتعلقة بالإسلام، قد "قننت العنف ضد الإسلام" (وارد بجريدة لوموند الفرنسية بتاريخ 27 أكتوبر 2016).
ولو تأملنا من قام بالفعل في تعيينهم لأدركنا جدية وعوده، على الأقل التهديدية منها أو المتعلقة بإسرائيل، أذكر منهم على سبيل المثال: جيمس ماتيس، ليترأس وزارة الدفاع، وبذلك سيصبح أول جنرال متقاعد يترأس البنتاجون منذ 1950. والمعروف بأنهم يلقبونه "الكلب المسعور" من قسوة ما قام به في المعارك التي يقودها ضد المسلمين والعرب، وينتمي لليمين المتطرف المرتبط بأكثر المتطرفين تطرفا بالجيش الإسرائيلي.

كما قام بتعيين نكّي هالي، حاكمة جنوب كارولاينا، سفيرة أمريكية في هيئة الأمم. وهي أول سيدة يقوم ترامب بتعيينها لتخلف سامنتا بأول، وهي على حد وصف دونالد ترامب لها: "من البارعات في التفاوض، ولدينا الكثير علينا أن نتفاوض عليه"..

محاولة لربط الأحداث :

إذا ما استعدنا سريعا أكاذيب السياسة الأمريكية الصهيو صليبية التعصب، في حربها الصارخة الظلم ضد الإسلام، ومنها على سبيل المثال: أكذوبة "صدام حسين وأسلحة الدمار الشامل"، و"مسئولية القاعدة عن العديد من المعارك"، و"الأسلحة النووية في إيران"، و"استخدام بشار الأسد للأسلحة الكيماوية ضد شعبه"، أو الأكاذيب المتعلقة بالقذافي، أو غزو روسيا لأوكرانيا، وجميعها أحداث تدميرية وقعت بعد مسرحية 11/9 الصهيو أمريكية الصنع، التي تمت أساسا بطلب صريح من مجلس الكنائس العالمي، في يناير 2001 ، حين فشل في اقتلاع الإسلام وفقا لقرار مجمع الفاتيكان الثاني (1965)، فأسند للولايات المتحدة بمهمة "اقتلاع الإسلام" وحدد لها عشرة أعوام عُرفت باسم "اقتلاع محور الشر" الذي هو الإسلام في نظرهم..

إذا ما استعدنا كل ذلك، وغيره كثير، وأضفنا إليه قائمة الستين مليارديرا صهيونيا داعما للحملة الانتخابية لدونالد ترامب، وأضفنا اليها بعض البنود التي أعلنها ترامب حديثا والتي سيعمل عليها في المائة يوم الأولي بعد توليه مهام منصبه رسميا، ومنها:

* أنه سيلغي كل القرارات التنفيذية التي أقرها أوباما حول هدم الوظائف، بما في ذلك قرارات مؤتمر الأمم المتحدة حول التغيير المناخي المنعقد في ديسمبر 2015 ؛
* سيلغي اتفاقية باريس حول المناخ ووقف دفع أية نفقات وضرائب دولاريه من الولايات المتحدة للاتحاد الأوروبي وبرامج الازدياد الحراري الشامل ؛
* إنقاذ صناعات الفحم والصناعات الأخرى التهديدية التي أقرتها أجندة هيلاري كلينتون المتطرفة ؛
* أي قانون ضار بالعمال أو غير ضروري أو مناقض للمصلحة القومية سوف يقشط تماما (الخط في النص الأصلي)؛
* أي قانون مستقبلي سيمر عبر اختبار بسيط: هل هذا القانون في صالح العامل الأمريكي ؟ إن لم ينجح في هذا الاختبار فذلك القانون لن يتم اعتماده..
وإن أمكن تلخيص ما تقدم في عبارة مقتضبة، فإن برنامج دونالد ترامب يعتمد أولا وأخيرا على استتباب وضع الصهاينة نهائيا ومحو ما بقي من خريطة فلسطين، بدليل إعلان ناتنياهو الصريح بعدم قبول "دولة فلسطينية" على الإطلاق واستمراره في بناء المستعمرات في القدس الشرقية.. إضافة إلى ذلك قد يهتم ترامب بالشأن الداخلي للمصلحة الأمريكية، فالتلويح بمصلحة العمال تتنافى منطقيا مع مصلحة أقرانه من المليارديرات الصهاينة..

أما الدول العربية والإسلامية فعليها السلام، بفضل مواقفها، إلا إذا ارتضي لها رب العلمين نهاية أخرى..

زينب عبد العزيز
5 ديسمبر 2016


رابط حملة ترامب التي يفضح فيها سياسة مؤسسة كلينتون:

URL

 

الدكتورة زينب
  • مقالات
  • كتب
  • أبحاث علمية
  • Français
  • الصفحة الرئيسية
  • ملتقى الداعيات
  • للنساء فقط