اطبع هذه الصفحة


جبروت الصهاينة

أ. د. زينب عبد العزيز
أستاذة الحضارة الفرنسية


المعبد اليهودي الثالث المزمع إقامته بمساعدة الأمة العربية الكبرى

في الثاني والعشرين من شهر مارس الحالي 2018، دعي المجلس الأعلى اليهودي (السنهدرين) العرب للمشاركة في بناء الهيكل الثالث، وذلك وفقا لنبوءة النبي إشعياء! وهذا المجلس الأعلى الوليد، إذ لم يكتمل أعضاؤه بعد فهم مجرد 23 عضوا حاليا، ووفقا للعهد القديم يجب ان يتكون من 71 عضوا. هذا المجلس الوليد قد نشر خطابا بالعبرية والإنجليزية والعربية في موقع "أهم أنباء إسرائيل"، يدعو فيه العرب بصفتهم أبناء سيدنا إسماعيل عليه السلام، "أن يقوموا بدورهم في مساندة بناء المعبد الثالث الذي تنبأ به النبي إشعياء". وهذه الدعوة هي أكثر من دعوة رمزية، إذ ترمي إلى تقارب العالم أجمع في سلام عالمي سوف يميّز العصر القادم، على حد زعم الخبر...

ويبدأ الخطاب بالعبارة التالية:

"الإخوة الأعزاء، الأبناء الموقرون لإسماعيل، الأمة العربية الكبرى، بالهام حميد من حامي ومنقذ إسرائيل وخالق العالم وفقا للعهد القديم، نعلن أن خطوات الرسول مسموعة وأن الوقت قد حان لإعادة بناء الهيكل أعلى جبل موريا في القدس، في موقعه القديم.

"ونحن، اليهود، نعلن عن بناء المعبد ونطالب حضراتكم، الذين تم اختياركم عن طريق شعوبكم، لأداء القسم، أن تقوموا بالدعاء والهبات للمعبد وفقا لنيوءة إشعياء النبي، فيما يتعلق بدوركم الأساسي وموقفكم المشرف تجاه المعبد بمساندته بتقديم الذبائح والبخور لكي تنعموا ببركات الرب". ومن الواضح ان هذه الفقرة موجهة للحكام العرب والمسلمين الذين اختارتهم شعوبهم بالانتخابات الحرة..

وبعد كتابة نص إشعياء (60: 4 ـ 6)، الذي يوضح أن كل "قبائل العرب" سوف تأتي من كل صوب لتقديم فروض الولاء والطاعة والثروات والذهب والبخور، يواصل الخطاب قائلا:

"بموجب كل ذلك نحن متأكدون أنكم سوف تختارون الوسائل السلمية وتتجنبون كل طرق العداء والعنف. ونحن متأكدون من أننا معا سوف نفتح الأبواب للحب والاحترام"!!

وقد قام بالتوقيع على هذا الخطاب 23 حاخام ممن حصلوا على الترسيم الحاخامي بهدف إعادة تكوين المجلس الأعلى القديم (السنهدرين)، ويواصلون تقديمه إلى حاخامات يقومون بجمع التوقيعات ليتم عددهم إلى 71، وبعد ذلك سوف يرسلون الخطاب رسميا الى أهم المؤسسات الإسلامية والقادة العرب. كما أنهم يأملون إقامة مؤتمرا مع العرب.

وقد علق الحاخام يشياهو هولاند، من الذين وقعوا على هذا الخطاب، أن ذلك سيكون بمثابة جسر هام بينهم وبين الدول الأخرى، قائلا: "إن اليهود مأمورون بأن يكونوا أمة من الكهنة"، مستشهدا بآية من سفر الخروج (19: 6): "وأنتم تكونون لي مملكة كهنة وأمة مقدسة. هذه هي الكلمات التي تكلم بها نبي إسرائيل"، مضيفا: يتعيّن علينا أن نكون في خدمة العالم بأسره بتسجيل الدخول إلي هاشم". ثم استطرد قائلا:

"أنه هدفنا في الحياة كيهود، والمجلس الأعلى يدعوهم لانتهاز هذه الفرصة بما أن الهيكل مفيد للعالم بأسره. وهذا الملمح العالمي أساسي ليكون المعبد بيتا لكل الأمم. إذ يقول إشعياء "لأن بيتي بيت الصلاة يدعي لكل الشعوب" (56 : 7). ثم أضاف لمحاوره: "وبالطبع لكي نقوم بالخدمة يجب علي الجميع أن يتعاون معنا" !!

بينما أضاف أهارون إسحاق شْتم: "أعتقد أن الوقت قد حان لمثل هذا البيان، بما فيهم العرب، وأن بناء المعبد الثالث بات في متناول اليد. أنها خطوة نحو السلام الحقيقي، وهذا يمكن أن يتحقق عن طريق الحرب والبؤس أو عن طريق السلام والرحمة. لذلك ندعو أبناء إسماعيل أن يختاروا السلام والورع"..

بينما أضاف الحاخام هليل وايس: "الخطاب لا يطلب أية مساعدات مالية، والمجلس الأعلى (السنهدرين) لا يطلب الإذن من الحكومات الخارجية أو حتى من الحكومة الإسرائيلية. وبناء المعبد ليس أمرا سياسيا أو تشريعيا. أنه أمر من التورة يجب على اليهود تنفيذه. والخطاب لا يتوجه للأديان الأخرى بسبب عقائدهم وإنما بسبب دورهم التاريخي كأبناء عيسو وإسماعيل. لذلك نطالبهم ليستعدوا للمساهمة في خدمة الرب"

وأول ما نخرج به من ذلك الخطاب الدال على جبروت لا حد له، أنه يكشف عما يخططون له بخطى حثيثة، عن إن بناء المعبد بات في متناول يدهم. وذلك رغم كل ما ثبت تاريخيا ووثائقيا في جميع الأبحاث والحفائر الحديثة التي قاموا بها، أنه لا حق لهم لا تاريخي ولا ديني في أرض فلسطين التي احتلوها واقتلعوها من أصحابها على مرأى ومسمع من جميع شعوب العالم الغربي الصليبي المتعصب وعلى مرأى ومسمع من جميع المسلمين والعرب، وتواطؤ جميع الأطراف، رغم تنوع المواقف واختلافها، من الصمت العربي الي القتل العرقي للفلسطينيين الذي يواصله الصهاينة بكل جبروت..

ومن الملاحظ ان الخطاب موجه للعرب بصفتهم التاريخية كأبناء إسماعيل، أي قبل ظهور الإسلام، الذي لا يرد ذكره أو اسمه، مثلما لا يرد في الوثائق الرسمية الفاتيكانية إلا لاقتلاعه. ودعوة العرب، الأمة العربية الكبرى، في المساهمة لإعادة بناء المعبد "على قمة جبل موريا في موقعه القديم"، يعنى اقتلاع المسجد الأقصى. والصياغة واضحة فهم، اليهود، يعلنون أنهم قرروا بناء المعبد، والقرار مفروغ منه سوف يتم تنفيذه.. والكلام موجه للحكام العرب الذين تم اختيارهم عن طريق الانتخابات الحرة. ومن الواضح ان الكلام موجه لمصر أساسا فمعظم البلدان العربية الأخرى تلجأ لنظام التوريث.

وقرار بناء المعبد يوضح ان كل "قبائل العرب" كما يقول الخطاب، سوف تقدم فروض الولاء والطاعة والقرابين من الذهب والبخور.. وهم معذورين ومعهم كل الحق في هذا الجبروت الكاسح، فلم يروا من العالم العربي سوى الصمت والتواطؤ أو التنازلات، الاحتجاج والرفض الشكلي والاعتراض كلاما.. فتمكنوا من اقتلاع أرض فلسطين وفرض القتل العرقي على شعبها بينما العالم الغربي الصليبي يعاونهم بالمال والعتاد والتضامن الفعلي..

وتصل الغطرسة الى قمتها حين يعلن الخطاب أنهم "متأكدون" من أننا سوف نختار الوسائل السلمية ونتجنب كل طرق العداء والعنف. بل علينا أن ننتهز هذه الفرصة للتعاون معهم وأنه لا خيار لنا إلا بين "الحرب والبؤس" أو "السلام والرحمة". لذلك ينصحوننا باختيار "السلام والورع". وكلمة الورع هنا تلميح ديني صريح، أي قبول اليهودية ضمنا..

أي إن الموقف الصهيوني بجبروته واضح وصريح: قبول العرض أو القتل عن طريق الحرب وفرض البؤس. ولا شك في أنه موقف شديد الوضوح، على عكس موقف الفاتيكان وقرارات مجمعه الفاتيكاني الثاني الذي قرر تنصير العالم بأساليب ملتوية، قلّ من فهمها في حينها، وفرض على جميع الأتباع المدنيين منهم والكنسيين، بل وعلى جميع الكنائس المحلية، المساهمة في عملية التبشير والتنصير حتى يصبح العالم بأسره مسيحي مع حلول الألفية الثانية. وحين بدأت الألفية ولم يتم تنصير المسلمين اهتموا بتنصير شكل الدولة، بحيث أصبح لدينا أربعة آلاف كنيسة مبنية بدون ترخيص، وجاري تقنين أوضاعها بهدوء صفراوي، إضافة الى فرض بدعة زيارة العائلة المقدسة، أو كما كتبت عنها: أكذوبة زيارة العائلة المقدسة التي لم تطأ أقدامها أرض مصر لكنها ترسيخ واضح لمحاولة تنصير الدولة بزعم تنشيط السياحة.

والوضع الحالي باختصار شديد هو: أننا حيال مخططين: قبول التنصير الذي يتم بنظام "السحلبة" البطيء، أي التسلل خطوة خطوة دون ضجيج والتلفع بمسوح المحبة والمواطنة. أو ابتلاع تهديد الصهاينة الفج وقبول هدم المسجد الأقصى، أولى القبلتين وثالث الحرمين، مع تقديم فروض الولاء والطاعة، لتجنب كل طرق العداء والعنف، والقرار نافذ خاصة أنهم لا يطلبون الإذن أو المساهمة المالية وإنما يحيطوننا علما بما ينوون عمله. مع العلم أن التوراة التي يتذرعون بنصوصها قد تم احتراقها وضياعها تماما عندما هدم الرومان المعبد سنة 70 م  وطردوا اليهود من فلسطين، ثم كتبوها من الذاكرة بعد قرون..

اللهم بلغت.. اللهم اشهد

زينب عبد العزيز
24 مارس 2018  

 

رابط المقال

 

 

الدكتورة زينب
  • مقالات
  • كتب
  • أبحاث علمية
  • Français
  • الصفحة الرئيسية
  • ملتقى الداعيات
  • للنساء فقط