اطبع هذه الصفحة


تذويب الأديان.. بينما المسلمون نيام

أ. د. زينب عبد العزيز
أستاذة الحضارة الفرنسية



نعم.. بينما المسلمون نيام، أصدر الفاتيكان قراره بترسيم قس أصبحت مهمته يطلق عليها: "خادم الوحدة" بين الديانات الأربع.. وتم ذلك يوم الأحد 2 يونيو 2019.. والديانات الأربع الجاري توحيدها هي: المسيحية، اليهودية، الإسلام والبوذية.. تفعيلا لقرار "الحوار بين الأديان" الصادر عن مجمع الفاتيكان الثاني (1965)، الشديد التفعيل في مدينة ڤيلبانت، بمقاطعة "سين سان دني" بشمال فرنسا. والقس الذي تم ترسيمه هو الإفريقي جاسبار تاكيروتيمانا، وتم ترسيمه تحت أقبية كنيسة "نوتر دام دي لاسونسيون" بمدينة ڤيلبانت، وهي كنيسة محلية وليست بازليكا كما جرت العادة..

وامتلأت الكنيسة بالحضور، وكان أولهم الشيخ عبد النور التلمسان، وراهب بوذي. أما الحاخام داوود، الممثل للأقلية اليهودية في ڤيلبانت، فقد رفض الدخول وظل واقفا في ساحة الفناء قرب المدخل.. وهو ما يكشف عن حقيقة موقف بعض المشاركين الأساسيين، لأنه سيحضر وليمة الإفطار..

ولقد بدأت لعبة الحوار بين الأديان في تلك البلدة منذ ست سنوات، بين الكاثوليك والمسلمين، ثم انضم إليهم فريق اليهود.. والغريب انه ما من أحد من المسئولين المسلمين مدرك للوضع أو حتى تدخل للتصدي له بأي شكل.. ويتواصل الحوار بين الأديان بإنشاء مقر مدني في نفس المدينة، يعمل به ممثلو هذه الديانات الأربع الذين احتفلوا معا بإفطار بمناسبة نهاية شهر رمضان، وسوف يحتفلون معا في نهاية شهر ديسمبر القادم بالعيد اليهودي "الحانوكا". والهدف من كل هذه اللقاءات هو أن يسمح لهذه الجماعات ان تتعارف وتعيد تفعيل نشاط تلك الفكرة التدميرية لتذويب الديانات الأساسية في العالم في مسخ واحد.. ليسهل التحكم فيه.

ولمن لا يعلم، فقد كانت محطة "فرنسا 24" قد أذاعت يوم 22/6/2014، بدء تنفيذ هذه الفكرة في شهر يونيو 2014، في مدينة برلين بألمانيا، حيث تم تخصيص مكان واحد للعبادة، خاص باليهودية والمسيحية والإسلام، أطلقوا عليه اسم: "بيت الواحد"، زعما بأن كل ديانة من هذه الديانات تزعم ان إلهها هو "إله واحد"، والمكان مفتوح لكل من يود الصلاة حتى وإن كان ملحدا كما يقولون..

وبينما تم الحديث عن ذلك المبنى المرحب بالديانات الأربع، المقام في شمال فرنسا، تم قبل ذلك بناء مبنى مثمّن الشكل، من الزجاج، على مساحة سبعة آلاف متر مربع، بتكلفة 33 مليون يورو.. وسوف يخصص هذا المبنى لكل الديانات، حتى الشيطانية منها، وهو مزود بصليب شديد الارتفاع أعلى قمته، ونغض الطرف عن معناه.. كما قد ساهم بنك ج. ب. مورجان بمبلغ ثلاثين مليون دولار في هذا المبنى، مع تخصيص جزء من المبلغ لفقراء الحىّ..

والطريف، أنه رغم محاولة ترسيخ فكرة تذويب الديانات في قالب واحد، يقول جي فوكس: "انه لا يوجد سوى إله واحد صادق، هو السيد المسيح، فهو الطريق، والحقيقة، والحياة، وما من إنسان يمكنه ان يصل للآب إلا عن طريقه"..

ومن الواضح ان تنفيذ فكرة توحيد الأديان لتسهيل قيادة العالم، قد بدأت في عدة أماكن، بدليل أنه عند الاحتفال بمرور عشرين عاما على السلام، في كوسوڤو، قامت سفارة كوسوڤو بباريس بترتيب الاحتفال بعيد النصر في كاتدرائية "سان لوي دي زنڤاليد"، يوم 22 مايو 2019، والسماح بأن يذاع الآذان في الكاتدرائية بصوت بَشَري.. وهو ما أغضب بعض الحضور وخاصة العسكريين منهم وهم المسؤولون عن إدارة هذه الكاتدرائية..



صورة للكاتدرائية ويبدو فيها المؤذن في أقصي اليمين تحت المظلة، والرابط لسماع الاذان بنهاية المقال


وما أكثر ما تمت كتابته حول هذا الموضوع والسماح بأن يصدح الاذان داخل الكاتدرائية، معتبرينه أمرا استفزازيا.. وفى القداس الذي أقيم بمناسبة "عيد صعود مريم" في نفس الكاتدرائية، قام المونسنيور أنطوان رومانيه بإعلان تبرئته من تلك الاحتفالية واحتجاجه على إقامتها. كما صدر بيانا في أول يونيو 2019، وقّع عليه مائة ضابط، يحتجون فيه على "تدنيس قلوب الضباط والجنود بتلك الفضيحة المؤلمة لقلوبهم كفرنسيين وكمسيحيين".. وفي مقال صدر يوم 31 مايو 2019، في جريدة "لا كروا" التابعة للفاتيكان، تمت الإشارة فيه الى ان اقتراح كارل چنكينز، الذي قام بتنظيم الاحتفالية، قد سبق وتم تقديمها عدة مرات في كاتدرائيات أخرى، مثلما حدث فعلا في كاتدرائية مدينة "ليل" بشمال فرنسا، تخليدا لنهاية الحرب العظمى، وأيضا سنة 2018 في كاتدرائية "نوتر دام دفريك" بالجزائر..

وعودة الى حفل الإفطار الذي أقيم يوم 28 مايو 2019 في بلدة "سين سان دني"، فقد شارك فيه قس البلدة وحاخامها، الذي رفض الدخول في الكنيسة عند ترسيم قس "خادم الوحدة".. واحتفل الجميع بنهاية شهر رمضان وبما يطلقون عليه "العيش معا"..

وقد أعربت مارتين ڤالتون، عمدة المدينة: "ان هناك اختلافات ومخاوف متولدة من الديانات المختلفة، وهي في الأساس ناجمة عن عدم معرفة الآخر"، مؤكدة ان البلدية ستقوم بتفعيل كل ما يمكنه خلق جو التعايش معا".. أما عبد الرحمن عيسى، ممثل المسجد (وليس الإمام) فقال: "بكل تأكيد لدينا اختلافات، فالوضع الحالي المتعلق بالهجوم المسلح أو التطرف يجعل من الصعب أي تقارب ويدفع الى التقوقع، أما فكرة هذا الإفطار فيجب ان تتكرر 365 مرة في العام، فالشعار أصبح: دعونا لا نقبع بين الجدران الأربعة الخاصة بكل منّا".. بينما أضاف أحد الحضور بجلبابه الناصع قائلا: "في الحياة العامة الدين يظل مسالة شخصية، وأنا شخصيا لا أختار أصدقائي بناء على الدين"..

ولو اضفنا الى هذا التهريج الممجوج ما يتم في كواليس اللقاءات المختلفة بزعم "الحوار بين الأديان" وما تم ترتيبه لشهر أكتوبر القادم ممن عملية تنصير عالمي تساهم فيه كافة الكنائس في العالم برجالها ونسائها، لربما أدركنا ما نحن مساقون اليه..


زينب عبد العزيز
8 يونيو 2019

رابط إذاعة الآذان
 

الدكتورة زينب
  • مقالات
  • كتب
  • أبحاث علمية
  • Français
  • الصفحة الرئيسية
  • ملتقى الداعيات
  • للنساء فقط