اطبع هذه الصفحة


فضيحة الفاتيكان في حق المسيح

أ. د. زينب عبد العزيز
أستاذة الحضارة الفرنسية



تحت عنوان كاشف وصادم في أن واحد كان الباحث الأسترالي توني باشبي قد أصدر كتابه الثامن سنة 2008، مؤكدا ادانة صارخة للكيان الفاتيكاني علي مدى تاريخه، والكتاب بعنوان: "فضيحة المسيح". وما سبقه من كتب نذكر منها "إحتيال الكتاب المقدس"؛ "صلب الحقيقة"؛ "خيبة أمل التوأم"، ويقصد به توأم السيد المسيح الذي تم التعتيم عليه.. إلا أن كتاب "فضيحة المسيح" يختلف من حيث كمّ الثائق التي ينشرها، فالكتاب يقع في 773 صفحة، وجميعها تمثل وثائق يصعب الإلتفاف حولها.. ولعل ذلك هو ما دفع شركة آمازون، التي كانت تقوم بتسويقه، الى رفع سعره الي 1000 دولار بدلا من 34، ثم ألغت بيعه في منافذها للعالم العربي وتكتفي عند طلب شراء الكتاب بعابرة تقول: "هذا الكتاب لا يصدّر الي مصر"!

ولعل كمّ الوثائق المنشورة، والكثير منها يتم نشره لأول مرة، هو ما أدي بالكاتب الى اتّباع تبويب متفرد. بل لقد بدأ هذا التبويب بغلاف عليه اختصار شديد لما يتناوله: إذ تتوسطه صورة لأحد رجال الدين محاطة بعبارات مقتضبة من قبيل: "تدليس البابوات.. تحريف الأناجيل.. عربدة الفاتيكان.. آباء آكلوا لحوم البشر.."، وتحت الصورة المنشورة علي الغلاف نطالع عبارة: "مجموعة كاملة من الوثائق والمعلومات الملغية والخاصة بيسوع والكتاب المقدس ورجال الدين وأصول المسيحية".. ويعلو كل ذلك عبارة توضح المنهج الذي اتبعه المؤلف في فهرسة الكتاب، في عبارة تقول: "تلخيص شديد من الألف للياء لمئات المطالب الكنسية المزيفة".

ولقد اهتم توني باشبي بتجميع أكبر قدر من الوثائق تدعيما لما يقوله. لذلك اتبع في تبويبها ترتيب الحروف الأبجدية اللاتينية من A الي Z ، أو كما نقول في اللغة العربية: من الألف الي الياء. وتحت كل حرف أبجدي أدرج كمّ الوثائق التي تدخل تحته. وهو ما يكشف من ناحية أخري عن عدد هذه الوثائق. ومن أهم ما أورده:
* ان الكنيسة لا يمكنها إثبات وجود يسوع المسيح بالصورة التي تقدمه بها ؛
* ان الأناجيل عبارة عن صناعة كهنوتية وليست منزّلة ؛
* ان مدينة الناصرة لم تكن موجودة على الإطلاق حتى القرن الثاني عشر ؛
* ان الفاتيكان عبارة عن بيت دعارة (وفضائح الشواذ الحالية قد مسّت كل تدرجاته) ؛
* أنه لا توجد أية وثائق تاريخية حول يسوع المسيح كما تقدمه الكنيسة ؛
* ان البابوات قد سمحوا بمحو التاريخ ؛
* ان الكتاب المقدس ليس حقائق تاريخية ؛
* ان آباء الكنيسة كانوا دجّالين ومتسكعين ؛
* وان إثني عشر قرنا من تاريخ المسيحية لم يحدث على الإطلاق..

ولقد وُلد توني باشبي في استراليا سنة 1948، وألّف سبعة كتب تعد جميعها من الكلاسيكيات الأساسية في التاريخ الكنسي بفضل انتشارها ولكل ما تكشفه في طريق ممتد لعدة قرون من الزيف والتحريف. وجميعها تدّرس في الجامعات الأمريكية والمراكز العلمية لما تحتوي عليه من وثائق. فالكثير منها يتضمن معلومات تنشر لأول مرة، أو ملغية أو ممنوعة من النشر حول يسوع المسيح والكتاب المقدس ورجال الكهنوت وأصول المسيحية..

كما يحتوي هذا الكتاب على الأدلة التاريخية الثابتة بأن يسوع المسيح كشخص إلهي وفوق طبيعة البشر لم يوجد على الإطلاق، وان القصة التي يقدمها رجال الكهنوت في العهد الجديد هي قصة مزيفة، بل أنها تكشف عما يدين العديد من الكنسيين بأنهم أخفوا عمدا المعلومات الحقيقية عن الأتباع، كما يؤكد أن تاريخ الأناجيل عبارة عن انتاج بشرى صرف، ولا يجب بل ولا يجوز تقديمها على أنها كتاب منزّل من عند الله.

ولم يحدث من قبل ان يتم تقديم أصول المسيحية بهذا الشكل من وجهة نظر غير كنسية. فمن غير المعروف على النطاق العام أنه لا توجد أدلة قطعية على وجود المسيح بالشكل الذي تقدمه الكنيسة، أو ان حقيقة طبيعة ما يطلقون عليه "كنيسة الآباء الأوائل" هي قائمة فعلا على التزييف. ومن المعلومات الحيوية التي يثيرها توني باشبي، انه قد تمت اعادة كتابة الأناجيل من القرن الرابع حتى القرن العشرين ؛ وأنه تمت إضافة قصص حديثة الي النصوص القديمة، وإلغاء أناجيل كاملة كانت مستخدمة في بدايات المسيحية. وهنا تجدر الإشارة الى المقدمة التي كتبها القديس چيروم لنص الأناجيل الخمسين التي ضمها في انجيل واحد بناء علي أمر البابا داماز في القرن الرابع، وقد أورد تفاصيل انه حرّف وزوّر وبدّل في النصوص ليخرج بنص واحد !
ومن أهم ما يتناوله الكاتب توني باشبي كمّ الوثائق الكنسية التي تؤكد أن يسوع كان له أخ توأم اسمه يهوذا طوما، كثُر الحديث عنه في وثائق باسم يهوذا كريستوس (Judas Khrestus). وهو ما يؤكد أنه لم تكن هناك قصة ميلاد غير طبيعي ليسوع المسيح وبالتالي ينفي المسيحية من أساسها.

كما يتضمن هذا الكتاب وثائق تاريخية تثبت يقينا أن يسوع المسيح كإله لم يوجد على الإطلاق وان قصة تكوين العهد الجديد كما يقدمها الكتبة الكنسيون مزيفة تماما، وان كل ما يتضمنه هي قصص من نتاج البشر ولا يجب بل ولا يجوز ان يُطلق عليها "نص إلهي".. فلا توجد يقينا أية نصوص تثبت الوهية يسوع المسيح.

كما تثبت الوثائق التي تناولها توني باشبي أنه من القرن الرابع حتى القرن العشرين أعيدت صياغة الأناجيل وأضيفت إليها قصص واقاويل لم تكن بها، بل وحذف منها نصوصا وهي متداولة داخل الكنائس، واختلاق أحداثا من أجل مجامع لم تتم إضافة الي تحريف التاريخ المسيحي.

كما يتحدث الكاتب في المقدمة عن كمّ الوثائق التي جمعها على مدي خمس وعشرون عاما، تمثل أهمية قصوى بل نافية للشكل الحالي للمسيحية. فقد عثر، على سبيل المثال، في نسخة قديمة من قاموس أوكسفورد عن الكنيسة المسيحية علي نص يصف "كيفية إختلاق الصليب". وهو ما يمكن التأكد منه من مجرد تأمل اللوحات الفنية القديمة وكيف تطورت الشجرة التي كانت مستخدمة لتعليق المحكوم عليهم بالموت، ثم طوروها الي مرينة من الخشب تنتهي بقطعة عارضة لفرد الذراعين، ثم أضيف اليها لوحة صغيرة لكتابة نص الإدانة، ثم ارتفع هذا الجزء مثلما في علامة مفتاح الحياة في الديانة المصرية القديمة وتم استبدال الاستدارة العلوية بخط مستقيم لتعطي الشكل المعروف حاليا للصليب!

وقد أسهب الكاتب في المقدمة في الحديث عن كمّ المعلومات التي طالعها واستعان بها حول العلماء الذين أحرقتهم الكنيسة على مدي تاريخها حفاظا على ما تقوم به من تحريف. من قبيل چون هاسّ الذي أحرقته سنة 1415، وچيروم، من مدينة براغ، المقتول سنة 1416، وچيوردانو برونو سنة 1600، وجاليليو الذي تم سجنه وتعذيبه حتى الموت، وأصدر الفاتيكان نص اعتذار له بمناسبة مور خمسمائة عام على وفاته لأن كل ما أتي به في علم الفلك قد ثبت مع تقدم العلوم، وڤانيني وعشرات الآلاف غيرهم الذين تم اغتيالهم بأدي رجال الدين حفاظا علي الأكاذيب..

وأهم ما يؤكد عليه الباحث ان كل ما يقدمه من وثائق في هذا الكتاب الذي يقع في 733 صفحة، ان جميع هذه الوثائق يناقض ويدين كل شيء قالته الكنيسة عن نشأتها وعن سبب حذف العديد من الوثائق والمعلومات حول يسوع المسيح ورجال الكنيسة والكتاب المقدس. كما يشير الي ان الكنيسة قد قامت بصياغة المراجع التي استعانت بها لتكتب تاريخها.. وهو ما يدفعنا الي التساؤل حول ما الذي كانت الكنيسة تحاول ان تخفيه بإعادة كتابة وثائقها التاريخية؟ أو ما المقصود حينما يقر "قاموس الأصول المسيحية" الاستعانة بالنصوص الوثنية لتكوين كلمة "مسيحي" ؟!

لعل هذا المجلد الضخم بكل ما به من وثائق، لا يتخيلها انسان، يفسر عبارة لها مغزاها حين أعلن أحد الساسة الكنيسيين: "لن نكف عن محاربة الإسلام حتى يتم اقتلاعه".. ولعل ذلك لا يرجع فحسب الي كل ما تقدم والكثير غيره على مر التاريخ، وإنما أيضا الي كل ما يتضمنه القران الكريم من ادانات صريحة لكل هذا التحريف والتلاعب بالنصوص والتزييف وخاصة لبعة تأليه السيد المسيح.. وهي آيات يصل عددها الي ثلث حجم القران تقريبا. ولقد لخص الله سبحانه وتعالي كل ذلك في صورة الإخلاص بكل وضوح:
"قل هو الله أحد، الله الصمد، لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوا أحد"..


زينب عبد العزيز
29 ديسمبر 2019

 

الدكتورة زينب
  • مقالات
  • كتب
  • أبحاث علمية
  • Français
  • الصفحة الرئيسية
  • ملتقى الداعيات
  • للنساء فقط