اطبع هذه الصفحة


إهداء إلي الشيخ نشأت زراع

أ. د. زينب عبد العزيز
أستاذة الحضارة الفرنسية



أياً كان الدافع الذي أدي بالشيخ نشأت زراع الي ذلك الموقف الغريب ومطالبته الأزهر الاعتذار عن "الفتوحات الإسلامية"، خاصة وأنه رئيس دعاة، أي يمكنه جر فيلقا من الدعاة لينساقوا خلفه ولو من باب التقليد، فمن الواضع أن فضيلته لم يطّلع على ما في الكتاب المقدس من عنف متفرد لا يتخيله عقل، بغض الطرف عن ان ما قام به هو مجرد بلونة اختبار... لذلك أهدي اليه هذه الشذرات من المعلومات علها تنفعه في شيء..

لقد تزايدت منذ سنوات صيحات العنف ضد الإسلام بعامة وضد القرآن الكريم بصفة خاصة، حتى راح يؤججها بعض المسلمين بانضمامهم الي هذه الموجة، التي لم يتوقف الغرب الصهيوصليبي المتعصب عن قيادتها وتأجيجها. فلقد لجأوا الي توحيد قواهم الدينية والكنسية والسياسية والإعلامية لاقتلاع الإسلام ـ وجميعها وقائع ثابتة ومعروفة.

ولو تناولنا ما يطلقون عليه آيات العنف في القرآن، وهي حوالي سبعون آية يرد فيها كلمة القتال، وجميعها مقنن مشروط أساساً بألا نبدأ بالعدوان وبأن يكون الرد بقدر الهجوم وأن نعامل غير المسلمين بالتي هي أحسن.. فالرقم المزعوم كإرهاب هو حوالي 70 آية من ضمن 6236 آية تمثل القرآن الكريم، وذلك مقابل 1400 جملة عنف إرهابي بشع موجودة في الكتاب المقدس بعهديه. ولو تأملنا الأرقام فحسب لخجل كل الذين يتشدقون بالعنف والإرهاب في القرآن الكريم، بعد أن ألصقوا به تهمة الإرهاب بجرائمهم وفرقهم المصنّعة لديهم، فقد أعلنت هيلاري كلينتون وهي تخطب في المارينز، أنهم أمضوا عشرون عاما لتكوين داعش وغيرها.. وفيما يلي مجرد شذرات من النماذج على سبيل المثال مما يحتوي عليه الكتاب المقدس:
فمن بين جمل البشاعة الواردة في العهد القديم بكتاب صموئيل 2 نطالع: "فجمع داود جميع الشعب وسار إلى رابة يحارب أهلها وفتحها وأخذ تاج ملكهم عن رأسه وكان وزنه قنطارا من الذهب وكان فيه جواهر مرتفعة ووضعوه على داود، وغنيمة القرية أخرجها كثيرة جدا. والشعب الذين كانوا فيه أخذهم ونشرهم بالمناشير وداسهم بموارج حديد وقطعهم بالسكاكين وأجازهم بقمين الأجر. كذلك صنع بجميع قري عمون ورجع جميع الشعب الي أورشليم" (12: 29ـ31). والنص وارد في طبعة 1667 لأن التعديلات بعد ذلك عيّنتهم موظفين على المناشير والافران!
ولا تعليق هنا على تاج وزنه قنطار من الذهب ومرصع بالجواهر، لكنهم أخذوه ووضعوه على رأس ملكهم داود بخلاف الاستيلاء على كافة الغنائم الأخرى. أما نشر الشعب بالمناشير ودهسهم بالموارج الحديد وتقطيعهم بالسكاكين وحرقهم في أفران كمائن الطوب، الأمر الذي كرروه في جميع قري عامون، وما زالوا يواصلونه بالفلسطينيين بأساليب متنوعة فذلك لا يسمي إرهابا..

ولا أقول شيئا عن شمشون والابادة التامة لأكثر من 3000 فلسطيني كما هو وارد في كتاب القضاة، وهو رقم يقارب لما قاموا به في أحداث الحادي عشر من سبتمبر تضامنا مع مطلب مجلس الكنائس العالمي. أما العنف ضد النساء الحوامل الذي بدأه مناحم وقتلهنّ وشق بطون جميع الحوامل، كما هو وارد في الكتاب الثاني للملوك 15: 16ـ17، وهو ما كرروه مع البوسنويات حديثا في حرب البوسنة والهرسك بينما الغرب الصليبي يرقب ويتواطأ بالصمت، فليس إرهابا. أو ان الرب قد أمر بقتل 14700 شخصا لأنهم اشتكوا من كثرة اغتيالاته، فلربما كان ذلك مداعبة!
ان عدد المجازر البشعة العنف الواردة بالكتاب المقدس أحصاها علماء الغرب بأكثر من 2,8 مليون قتيل. وقد تم رفع عدد الضحايا الي 25 مليون نسمة في الأبحاث الحديثة بعد أن أحصوها في كل معركة على حدة. وتكفي هنا الإشارة الي كتاب ستيڤ ويلز "ثمل بالدماء، مذابح الرب في الكتاب المقدس" (Drunk with Blood : God’s Killing in the Bible). وعلي من يقرأه ان يحاول المقارنة بأي آية يجدها في القرآن. ولا أقول شيئا عن الانفلات الجنسي أو جرائمه الواردة في الكتاب المقدس وجميعها معروف فاضح، أما القرآن الكريم فقد قنن العلاقات الإنسانية ولا يتضمن أي فُحش جارح من تلك الواردة في الكتاب المقدس.

إن ما قام به تنظيم داعش، الذي أعدته ودربته السياسة الصهيوأمريكية، وقد اعترفوا بذلك، يندي له الجبين، ومثل هذا العنف غير وارد بالقرآن الذي يحمي النملة من ان يدهسها جنود سليمان، وإنما يغص بها الكتاب المقدس وخاصة العهد القديم. ولن أستشهد بالعهد الجديد إلا ببضع جُمل:
"ما جئت لألقي سلاما بل سيفا. فإني جئت لأفرّق الإنسان ضد أبيه والابنة ضد أمها والكنّة ضد حماتها" (متّي 10: 24 و25). "لم أُرسل إلا إلى خراف بيت إسرائيل الضالة" (متّي 15: 24). "أتظنون أني جئت لأعطي سلاما على الأرض. كلا أقول لكم بل انقساما" (لوقا 12: 51). "أما أعدائي أولئك الذين لم يريدوا أن أملك عليهم فأتوا بهم الي هنا واذبحوهم قدامي" (لوقا 19: 27).

ولو قارنا الموقف بين الكتب السماوية الثلاثة، مع الأخذ في الاعتبار كل ما حدث في الرسالتين السابقتين من تحريف وتبديل، وهو ثابت في أبحاث علمائهم وفي القرآن، بأم تفاصيلها، لحق لنا القول بأن القران الكريم يبلّغ رسالة التوحيد لآخر مرة بعد ان قام بتنقيتها من كل ما في كتب الرسالتين السابقتين من العنف الإرهابي والمجازر.. وإن كان لأحد أن يعتذر عن جرائمه، الممتدة من كتبه "السماوية" حتى أفعاله في يومنا هذا، فالواجب يقع على ذلك الغرب المتعصب: عليه أن يعتذر للمسلمين عن كل الجرائم التي قام بها في حقهم ولا يزال.. فهو منذ ان اكتشف في القرن الثامن، ان الإسلام ليس هرطقة من الهرطقات المائة التي واجهت المسيحية، وإنما رسالة منزّلة من عند الله، أنزلها وقد نقّاها من كل ما اُدخل عليها من احداث عنف إرهابية ومجازر وتحريف، بدأت حروبه ضد الإسلام وتواصلت حتى يومنا هذا.

زينب عبد العزيز
7 فبراير 2020

 

الدكتورة زينب
  • مقالات
  • كتب
  • أبحاث علمية
  • Français
  • الصفحة الرئيسية
  • ملتقى الداعيات
  • للنساء فقط