اطبع هذه الصفحة


 الفتوحات الإسلامية والغزو الاحتلالي..

أ. د. زينب عبد العزيز
أستاذة الحضارة الفرنسية



لم أتخيّل أن يأتي عليّ يوما أشرح فيه، لأحد المسلمين، الفرق بين الفتح الإسلامي والغزو الاحتلالي لليهود والنصارى! فالأبجديات الواضحة البساطة ليست بحاجة الي شرح. ولكي نضع النقاط على الحروف لا بد من العودة بأقصى اختصار ممكن الي أصل الحكاية، وهي هنا: رسالة التوحيد بالله وأنبياؤها الثلاثة: موسي وعيسى ومحمد عليهم جميعا صلوات الله. فما أن تلقّي موسي الرسالة وعاد الي قومه حتى كانوا قد عادوا إلى العجل وقتل الأنبياء. وما أن تلقي عيسى الرسالة حتى بدأ السجال بين الفريقين، اليهود والنصارى، واستمر بالحروب الإقتلاعية بينهما. حروب قائمة على الباطل: فالتوراة هدمت مع المعبد عندما غزا الرومان فلسطين، وتم طرد اليهود منها وأعيدت كتابتها من الذاكرة بعد سبعمائة عام؛ تواصلت خلالها الحروب بين الفريقين، بهدف السيطرة والاستحواذ لفرض الباطل والتحريف بعيدا كل البُعد عن رسالة التوحيد بالله، اعتمادا على تبديل وتحريف النصوص وتزوير التاريخ وفرضه بكل وسائل العنف والتعذيب.

انزوت اليهودية وتشتت قومها، أما المسيحية فكانت كل خطوة تحريف وابتعاد عن الرسالة تقابل بمقاومة تمتد أو تقهر وفقا لجبروت المتحكمين، والمسجل منها مائة "هرطقة" اعترت طريق المسيحية حتى مطلع القرن الثامن، في كتاب يوحنا الدمشقي، ووصل بهم الأمر حاليا الي 349 كنيسة منشقة عقائديا تكون مجلس الكنائس العالمي..

لقد تم تأليه المسيح في مجمع نيقية سنة 325، وتم اختلاق بدعة الثالوث وفرضها في مجمع القسطنطينية الأول سنة 381، وجعلوه ابنا لله ومساويا له.. وجميعها خطوات مسجلة ثابتة. وترأس الأسقف أريوس وأتباعه أكبر حركة مقاومة ضد تأليه المسيح والشرك بالله. وعلي الرغم من محاكمته واغتياله إلا ان هذا التيار الرافض للشرك قد امتد موازيا لامتداد محرفو الرسالة.. وهنا كانت الحروب التي تدور بين فرق المسيحية بغية الانتشار والتوسع، تتم لفرض الباطل بالقمع، تسمى غزوا لأنها ترمي الي الاحتلال والاستعمار والاستغلال في إطار الشرك بالله.

وعندما أتي سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام، وقَبلَ الرسالة، تولي نشرها بأمانة مطلقة، بكل ما بها من تعاليم الله، فالقرآن لم يتبدل فيه حرفا واحدا حتى يومنا هذا. وكانت الفتوحات من أجل نشر وترسيخ كلمة الله عز وجل، وتطبيق رسالة التوحيد وتعاليمه كما اُنزلت، بلا أدني أطماع أخري. وهو ما يوضح الفرق الشاسع بين الغزو والفتح. الغزو للاحتلال والاستغلال والاستعباد، مع تزوير الرسالة، والفتح لنشر رسالة التوحيد وعبادة الله الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له قفواً أحد، بنور العلم والمعرفة. الأمر الذي يشهد له علماء العالم الغربي قبل المسلمين. وفيما يلي بعض نماذج لعلماء من بلدان مختلفة توضح بعض أهم ملامح الإسلام والفتح الإسلامي:

* جون ويليام دريبر:

" عام 965 ميلادي، وُلد في مكة في بلاد العرب الرجل الذي مارس أعظم تأثير في حياة الجنس البشر البشري.. محمد"؛

* جوته:

"بحثت في التاريخ عن مثل أعلي لهذا الإنسان، فوجدته في النبي العربي محمد صلي الله عليه وسلم"؛

* المؤرخ البريطاني أرنولد توينبي:

"كان العرب جماعة من العشائر من خارج المجتمع الهللينى، أنجزوا مرتبة سامية من النجاح إبان مرحلة هجراتهم التي صاحبت تحلل ذلك المجتمع. وتم هذا النجاح رغما عن حقيقة قوامها أن العرب قد تشبثوا بمنحاهم الديني الأصيل عوَضاً عن اعتناقهم المذهب المسيحي المونوفيزيقي (أي ذو الطبيعة الواحدة)، الذي كان يعتنقه رعاياهم في الأقاليم التي انتزعوها من الإمبراطورية الرومانية. بيد أن الدور التاريخي للعرب المسلمين الأوائل، يعتبر دورا استثنائيا تماما"..

* چاك ريسلر:

"ينبغي أن ننظر في مسألة الفتوحات باعتبارها فرع من أصل، فالأصل هو الإسلام نفسه، فظاهرة الفتوحات المدهشة هي فرع عن الإنجاز الإسلامي المدهش، وعلى حد ما نعلم فإنه لم يتعرض أحد قط بالبحث في تاريخ الإسلام إلا وأقر بأن ما فعله محمد كان أمرا مدهشا في مسار التاريخ".

* مايكل هارت:

"لقد اخترت محمدا ليكون الأول في قائمة أهم رجال التاريخ، ولا بد أن يندهش كثيرون لهذا الاختيار، ومعهم حق في ذلك، ولكن محمدا هو الإنسان الوحيد في التاريخ الذي نجح نجاحا مطلقا على المستوي الديني والدنيوي. وهو قد دعا إلي الإسلام، ونشره كواحد من أعظم الديانات، وأصبح قائدا سياسياً وعسكرياً ودينياً، وبعد ثلاثة عشر قرنا من وفاته فإن أثر محمد ما يزال قويا متجددا"..

* رونالد فيكتور بودلي:

"لقد أنجز كل هذا رجل واحد في الإسلام، وتم كل هذا التبديل في جيل واحد.. إن عمل محمد كان جبارا، حتى إن عيسى لا يمكن أن يُسَجَل له شيء يقارب ما أتاه محمد، ولا حتى بولس"..

* ماهاتما غاندي:

"أردت أن أعرف صفات الرجل الذي يملك بدون نزاع قلوب ملايين البشر. لقد أصبحت مقتنعا كل الاقتناع أن السيف لم يكن الوسيلة الوحيدة التي من خلالها اكتسب الإسلام مكانته بل كان ذلك من خلال بساطة الرسول مع دقته وصدقه في الوعود وتفاني وإخلاصه لأصدقائه وأتباعه، وشجاعته مع ثقته المطلقة في ربه وفي رسالته. هذه الصفات هي التي مهدت الطريق، وتخطت المصاعب وليس السيف"..

* جوستاف جرونيباوم:

"كانت السرعة الفائقة التي فتح الإسلام بها ما فتح من بلاد، ولم يُضف إليها بعد ذلك أو يفقد منها شيئا كبيرا، كانت هذه السرعة نفسها هي التي جعلت توزيع العالم المتحضر نهائيا منذ زمن باكر يرجع الي منتصف القرن الثامن".

* فيليب حتّي:

"لقد تسني لمحمد ـ في سحابة عمر غير طويل ـ أن يهيئ الوسائل الفعالة في تكوين أمة متراصة من قبائل مختلفة متناحرة في بلاد لم تكن لذلك العهد إلا تعبيرا جغرافيا، وأن يقيم دولة فاقت بانتشارها السريع إلي أبعد أقطار العالم كلتا الديانتين اليهودية والنصرانية، وفضلا عن ذلك فقد وضع محمد حجر الأساس لإمبراطورية ضمت أطرافها فضلي مقاطعات العالم المتمدن يومئذ، واليوم يدين جزء كبير من العالم بالإسلام، وينادي بتعاليم هذا الرجل الأمي، الذي كان الواسطة في إخراج كتاب لا يزال سُبع سكان المعمورة يعتبره القول الفصل في العلم والحكمة والدين"..

* ألكسي جورافيسكي:

"ظهور الدين الإسلامي وترسخه السريع والقوي على آراض آسيوية وإفريقية واسعة في أثناء مسيرة الفتوحات العسكرية الدينية للعرب، حدد بصفة حاسمة مصائر المسيحية الشرقية التي قابلت الدين الجديد، الإسلام، دون أي مقاومة، بل بالترحاب في كثير من المناطق"..

* إدوارد بروي:

"ظهر الإسلام كالشهب الساطع، فحيّر العقول بفتوحاته السريعة القاصمة، وباتساع رقعة الإمبراطورية التي أنشأها. نحن أمام شعب كان بالأمس الغابر مجهول الاسم، مغمور الذكر، فإذا به يتحد ويتضامن في بوتقة الإسلام، وهذا الدين الجديد الذي انطلق من الجزيرة العربية، اكتسحت جيوشه ببضع سنوات الدولة الساسانية وهدت منها الأركان، ورفرفت بنوده فوق الولايات التابعة للإمبراطورية البيزنطية في آسيا وإفريقيا، باستثناء شطر صغير منها يقع غربي آسيا الصغرى، ولم تلبث جيوشه أن استولت بعد قليل علي معظم إسبانيا وصقلية وان تقتطع لأمد من الزمن، يقصر أو يطول، بعض المقاطعات الواقعة في غربي أوروبا وجنوبها، ودقت جيوشه بعنف شديد أبواب الهند والصين والحبشة والسودان الغربي وهددت غاليا والقسطنطينية بشر مستطير. وقد تهاوت الدول أمام الدفع العربي والإسلامي كالأكر، وتدحرجت التيجان عن رؤوس الملوك كحبات سبحة انفرط عقدها النظيم، وهذه الأديان التي سيطرت على الشعوب والقوام الضاربة بين سيرداريا والسنغال، ذابت كما يذوب الشمع أمام النار"..

* مونتجومري وات:

"لا توجد شخصية من عظماء التاريخ الغربيين لم تنل التقدير اللائق بها مثل ما فُعل بمحمد"..

* الفونس دي لامارتين:

"هذا هو محمد الفيلسوف، الخطيب النبي، المشرّع، المحارب، قاهر الأهواء، مؤسس المذاهب الفكرية التي تدعو إلى عبادة الله بلا أنصاب ولا أزلام. هو المؤسس لعشرين إمبراطورية في الأرض، وإمبراطورية روحية واحدة. هذا هو محمد بالنظر لكل مقاييس العظمة البشرية، أود أن أتساءل هل هناك مَن هو أعظم من النبي محمد وأكبر من السياسي محمد؟"

* توماس كارليل:

"إنما محمد شهاب قد أضاء العالم"..
ذلك هو الإنسان الأعظم، عليه صلوات الله، محمد الإنسان، الذي تسمي أعماله الفتوحات الإسلامية التي أضاءت العالم برسالة التوحيد المطلق بالله، بلا شريك ولا ولد.


زينب عبد العزيز
10 يونيو 2020

 

الدكتورة زينب
  • مقالات
  • كتب
  • أبحاث علمية
  • Français
  • الصفحة الرئيسية
  • ملتقى الداعيات
  • للنساء فقط