اطبع هذه الصفحة


"هل يجب تنصير المسلمين؟"

أ. د. زينب عبد العزيز
أستاذة الحضارة الفرنسية



تحت هذا العنوان الصريح نشرت جمعية "الأخوية الكهنوتية للقديس بيوس العاشر" (FSSPX) ومقرها سويسرا، يوم 19 أغسطس 2020، مقالا في موقعها تتساءل فيه عما يجب عمله تجاه المسلمين. وأبدأ بتوضيح أنها جمعية تنتمي إلى اليمين الكنسي الكاثوليكي، وأية خلافات بينها وبين الفاتيكان هي خلافات منهجية داخلية.
ويطرح الأب جيوم جو، كاتب المقال، سؤالا محددا: "من الضروري أن نطرح السؤال صراحة بما له وما عليه، لكي نجيب علي هذا السؤال بروح المسيح وليس بعقلية العالم. وعبر أربع فقرات يسرد النقاط الموجهة للرد. ففي الثلاث فقرات الأولي يرد بالنفي وعدم تنصير المسلمين، أما في الفقرة الرابعة فيردّ بالإيجاب المؤكد. وفيما يلي فقراته الأربعة:
* الرفض، رفض تنصير المسلمين لأن ذلك سوف يبدو كدعاية ترويجية للمسيحية. وهو أكبر خطأ للوضع الراهن الذي يؤكد "إن الديانات في الواقع ليست علي حق أو على خطأ، وأنها تعريف عن الوجود الإنساني وكأنها مسألة ليعيش المرء حياته وفقا لبعض الآراء. وذلك يعني الخلط بين التنصير والدعاية له. لا.. لسنا بحاجة إلى اجتلاب أعضاء جدد في "النادي الكاثوليكي"، وإنما المفروض أن نوضح من هو المسيح: فهو الذي يكشف عن نفسه من خلالي ومن خلال تصرفاتي. * لا، لأن ذلك يناسب البعض أن يكون هناك خلاف بين المسيحيين والمسلمين، خاصة داخل الشعوب المسيحية للقضاء عليها. فمن ناحية هناك الفوضويون الذين يعنيهم كل ما يهز النظام الاجتماعي المعنوي، من ناحية أخري فإن هذه الحرب في نظر بعض الصهاينة ضرورية ليحارب كلا منهما الآخر. فالإرهاب هو أجمل خبر لتاريخنا اليهودي الجديد. فعندما يختفي مقر القيادة العليا في روما، وهو ما يسعي إليه الإسلام، سيدفع المسيحي الثمن أضعافا مضاعفة لما قام به ضد إسرائيل. فبدلا من أن نقوم بالمهمة يتم إرسال "إسماعيل" للقيام بها. إذ إن الإسلام هو مكنسة إسرائيل.
* لا، لأن المعروف عن المسلمين أنهم لا يمكن تنصيرهم. وتلك حجة الماضي. فهو لا يحكم مسبقا على المستقبل ولا يسفه تجارب الماضي كذهاب القديس فرانسيس الأسيزي إلى دمياط، أمام السلطان مالك الكامل، ولا الفرنسيسكان شهداء المغرب، ولا الأديرة التي تترجم القرآن وتدرس الإسلام لتفنيده. إلا أنه قد أصبحت هناك حالة جديدة أمامنا هي: وجود العديد من المسلمين المؤمنين موجودين فعلا في أوروبا. وهم شبه متباعدين عن الطوق الحديدي الذي يكبلهم به المجتمع الإسلامي الذي يمنعهم من قبول التنصير.
* نعم! وهنا لا بد لنا من إعادة النظر في أساليبنا السابقة وتصويب الأخطاء. فقد قال الرب يسوع: "مثلما أرسلني أبي أنا أيضا أرسلكم.. بشروا الإنجيل لكل الخليقة.. علّموهم الالتزام بكل ما أوصيتكم به.. أنتم نور الأمم.. أنتم ملح الأرض.. وإذا ما تحاببتم سيعرفون أنكم تلاميذي".
ولقد قال يسوع للقديس بولس في الطريق الي دمشق:
"الآن أرسلك لتفتح أعينهم لكي يخرجوا من الظلمات إلي النور، من سلطة الشيطان إلي الرب، وأنه بالإيمان الذي سوف يكنّونه لي ستغفر لهم أخطاءهم، ويكون لهم نصاب في ميراث القديسين" (أع 26: 18). ذلك لأن المسيح شخصيا سوف يعلّم أهمية ألا نتوقف عند مجرد الشهادة بلقاء المسيح المنقذ، وإنما تبشير حقيقي بكل الحقائق المنزّلة للدفاع ضد الأنظمة الخطأ: "بشّروا دوما رغم الظروف، أعد مرة أخري، أرفض، هدد، بكثير من الصبر وبهدف التعليم".
فوفقا لأية مبادئ نؤدي هذه الرسالة؟
فيجيب المونسنيور لوفڤر أسقف داكار، المندوب الرسولي لكل إفريقيا المتحدثة بالفرنسية، إذ يشير إلى احتمال خطأين:
1 ـ سنتفادى من جهة ضيق الأفق، وتراث بالي متحجر يقفل عيناه على الحقائق التي تغزوا الشباب، تتقوقع في الكنيسة وتكتفي ببعض النساء الصالحات وحفنة أطفال ؛
2 ـ من ناحية أخري روح التجديد الشبيه بالهرطقة والتنشيط.
وهنا يوضح كاتب المقال قائلا: لذلك يذكّر مونسنيور لوفڤر بأول مبدأ فيما يتعلق برسالتنا تجاه المسلمين قائلا: "أول مبدأ لرسالتنا هي تنمية جهازنا الديني فهي مهمة إلهية. والاقتناع ورؤية هذه الحقيقة الأساسية ستجنبنا عيبا رئيسيا منتشر في يومنا هذا، وهو: مقارنة عمل أعداء الكنيسة بأعمال الكنيسة أو بالروح القدس. فهذه الأعمال لا تقف على خط سواء ولا تستخدم نفس الوسائل ولا نفس الأساليب. إن نسيان هذا المبدأ للروح القدس، روح ونبع رسالتنا الدينية سيدفعنا إلى تقليد عمل أعداء الكنيسة والبحث عن حلول وقتية. غير أن ذلك لا يمنع من أنه ما أن يصبح رسولنا تحت سيطرة الروح القدس والكنيسة، فيجب عليه الاستعانة بكافة الوسائل للسماح لبركة منقذنا أن يجذب الأشخاص. وهنا أيضا فإن الكنيسة تقودنا وتوجهنا تاركة شيءٌ من البراح لحرية حماسنا وابتكارنا"..
"لا تنتظروا أساليب جديدة علينا البحث عنها عند الإنجيليين أو غيرهم. يجب علينا الالتزام بالمنهج الإجمالي التقليدي للكنيسة التي هي عالمية: التبشير الكامل بالإيمان الكاثوليكي، مرافقة الشخص برأفة واسعة وإخلاص لمعني الترحيب".. والمقصود بالترحيب هنا يعني الترحيب بالمسلم الذي خضع لكل هذه المحاولات المغلوطة للإيقاع به.
وأهم ما نخرج به من هذا الموضوع المرير، الذي بات يُعلن بصريح العبارة ويجُب كل الميادين هي عدة نقاط:
ـ أنهم يتفادون المعارك والمواجهة، ويعتمدون على الاستفراد بالضحايا المسلمة، خاصة في الغربة والحاجة إلى العمل والمساندة ؛
ـ ضرورة ان يتم التنصير بلا ضجيج بل وبالترحيب ؛
ـ ضرورة توحيد الكنائس المنشقة عقائديا، وعددها 350، تحت لواء كاثوليكية روما لتكوين جبهة واحدة ضد الإسلام. وعلي الرغم من خلافاتهم العقائدية فهم يتحدون لمحاربة الإسلام..
وهنا لا بد لي من الإشارة إلى أن كل الخطاب الكنسي بعامة وحتى في هذا المقال، لا يذكرون إلا عبارة "الإنجيل"، وكأنه لا يوجد سوي إنجيل واحد في المسيحية! في حين ان العهد الجديد يتضمن أربعة أناجيل رسمية (متي، مرقص، لوقا ويوحنا)، بخلاف إنجيل بولس وأنجيل المسيح الوارد ذكرهما في أعمال الرسل، بخلاف الأناجيل المحجبة، وقد تمت طباعة ثلاثة منها هي انجيل مريم المجدلية، وإنجيل توما، وإنجيل فيليب (دار نشر ألبان ميشيل)، ولا أقول شيئا عن إنجيل برنابا.
أما أهم ما يجب الرد عليه في هذا المقال فهو: إن الإسلام ليس ظلمات ليخرج منه المسلم الي "نور المسيحية" التي تم نسجها عبر المجامع والمعارك على مر العصور، وليس شيطانا ليفر منه المسلم إلي الرب يسوع. والمسلم ليس بحاجة الي إيمان جديد "قائم على التحريف" لغفران خطياه، ولا يعنيه الحصول على نصاب من ميراث القديسين.. بل يكفيه أنه شديد الإيمان بالله وبكتابه الذي لم يتبدل منه حرفا واحدا منذ أنزله المولي عز وجل، كما أنه لا يتبدل من طبعة لأخري كالأناجيل. أما عن استخدامهم عبارة "الإنجيل" مفردة فهي لتسهيل عملية تنصير المسلمين لأنها ترد في القرآن الكريم مفردة.
ليت المسلمين يفيقون من سباتهم وينتبهوا لما يحاك لهم.. فالحرب علي الإسلام لم تعد سرا ولا في الخفاء، وإنما قضية تنصيرهم باتت تناقش في العلن لأنها جزء لا يتجزأ من النظام العالمي الجديد!
زينب عبد العزيز
22 أغسطس 2020
 

 

الدكتورة زينب
  • مقالات
  • كتب
  • أبحاث علمية
  • Français
  • الصفحة الرئيسية
  • ملتقى الداعيات
  • للنساء فقط