اطبع هذه الصفحة


أوقفوا هذه المهزلة!

أ. د. زينب عبد العزيز
أستاذة الحضارة الفرنسية

 

"إمامتان (مثني إمام) تبحثان عن مسجد"!


تحت هذا العنوان الهزلي/الكاشف/المهين نشرت جريدة "لوموند" الفرنسية أمس 11/12/2020 مقالا حول سيدتان أسلمتا منذ بضع سنين، ومعهن ثالثة لا تظهر في الصورة، "يبحثن حثيثا عن حيّز مساحته 40 40 x مترا على الأقل لتحويلها الي مسجد يقمن فيه الصلاة وفقا للشعائر الإسلامية لإسلام تقدمي.. رغم إدراكهن لريبة المجتمع الفرنسي من الإسلام". والاستجابة لطلبهن ـ في نظرهن ـ في الحصول على مسجد سيؤكد للجميع: "رغبة فرنسا في مساندة إسلام روحي وتقدمي"! ومن الواضح ان الجانب الرسمي في فرنسا هو الذي يدير هذه اللعبة غير الأمينة من الكواليس.

ويتوسط المقال رابط لمقال سابق، بتاريخ 9 /9/ 2019، يتناول إقامتهن هذه التجربة منذ عام مضي، وإصرارهن على تقديم نموذج بديل للتعصب الديني (الإسلامي) السائد. وأنهن تتمنيان "مساندة إسلام روحي وتقدمي(...) لا يهدف إلى تكوين هيكلة للعلاقات الاجتماعية ولا للنطاق السياسي، ومصالحة الإيمان مع العقل والمنطق وروح النقد".

وهذه الجزئية الأخيرة التي تطالب "بمصالحة الإيمان مع العقل والمنطق"، هي بعينها نفس الجملة حرفيا التي قالها البابا السابق بنديكت 16 سنة 2006 حين سب الإسلام والرسول صلوات الله عليه رسميا وعلنا في المحاضرة التي ألقاها بجامعة راتسبون بألمانيا. مما يكشف عن أن هناك ترتيب معيّن يحاك منذ فترة للمساس بالإسلام والمسلمين في فرنسا تحديدا.

 وفي واقع الأمر ليست جريمة الرسوم المسيئة للرسول عليه الصلاة والسلام وحدها، أو ما بعدها هي السبب لما يدور. فإن تأجيل محاكمة الجناة في جريمة شالي إبدو لمدة خمس سنوات لتتمشي مع الجريمة المرتبة للمدعو ݒاتي، يشير بأصابع الاتهام الي ان هذه مسرحية محبوكة مفضوحة منذ بدايتها. لأن فرنسا هي الدولة الغربية الوحيدة التي تضم ثمانية ملايين من المسلمين (إحصاء الفاتيكان)، والتي تعمل حثيثا على المساس بهم وبالإسلام واقتلاعه من أراضيها. كما أنها تساند عمليات التبشير في منطقة الشرق الأوسط تحديدا، لحماية مسيحيو الشرق الأوسط على حد زعمها. بل فرنسا هي التي تحاول جمع الإتحاد الأوروبي للنيل من تركيا حاليا..

والخطبة في هذه المساجد/البدعة تلقي باللغة الفرنسية، وارتداء الحجاب ليس فرضا حتى اثناء الصلاة وانما متروك لحرية من ترتديه. كما أن الأئمات يقمن بإمامة الصلاة بالبنطلون كما هو واضح في الصورة بالمقال الثاني.

وقد علق أحد المشاركين في صلاة العام الماضي قائلا: "إنها لحظة تاريخية للإسلام وللجمهورية.. كنت أنتظر ذلك الحدث منذ مدة، أن يُحمل الإسلام علي أكتاف المرأة"، بينما علق آخر قائلا: "بحثت ولا زلت أبحث عن مشاريع لمساجد مشتركة لكنني لم أجد إلا في الولايات المتحدة أو في ألمانيا. أنني أريد الخروج من القوانين والقواعد التقليدية لأجد بعدا روحيا".. بينما صاح شاب آخر قائلا: "كان أحد أحلام الطفولة أن أقف أصلي وسط إخوتي وأخواتي".

وعلي الطرف الآخر من الأطلسي، أي في الولايات المتحدة، يطلقون على هذه المساجد "نموذج مكة (Mecca style)، المدينة المقدسة للإسلام، في غرب السعودية حيث الرجال والنساء يصلون معا". وهو ما قالته آنّي زونڤلد، "إمامة" لوس أنجلوس، ورئيسة جمعية "مسلمون من أجل القيم التقدمية"، والتي حضرت إلى باريس لحضور "الإمامات" الفرنسيات وتهنأتهن، مثلها مثل السيدة سيران آتس، إمامة المسجد المشترك المسمى "إبن رشد ـ جوته" في برلين!!

وفي هذا المقال الثاني، للصلاة التي تمت في العام الماضي نطالع: "إن هذا المشروع تقوده حركة اسمها "صوت إسلام مستنير"، التي تديرها جمعيتان إحداهما ثقافية والأخرى دينية، تم تأسيسها منذ عام برئاسة نفس السيدتان، وتضم اليوم هذه الجمعية مائتا عضوا وعضوة.

ومع المقال الثاني يوجد رابط لمقال ثالث سابق بعنوان: "مشروع مسجد تحرري في باريس حيث يمكن للجميع أن يجد مكانه". والمقال بتاريخ 3 يناير 2019، أي قبل المقال الثاني بثمانية أشهر، وقبل الأحداث الجارية بحوالي عامين.

ويبدأ المقال الثالث قائلا: "مشروع هذا المسجد سيضم في نفس قاعة الصلاة السيدات والرجال، علي يمين القاعة ويسارها". أي كل مجموعة منفصلة لكنها متجاورة. وسيقوم بالإمامة بالتناوب مرة إمام رجل ومرة "إمامة" سيدة. وتقول الجمعية الدينية ان قانون 1905 هو الذي سيدير المسجد، (وتاريخ 1905 هو إعلان مبدأ العلمانية في فرنسا والنص على أن يكون الرئيس الفرنسي رئيسا فخريا لبازيليكا سان چاك دي لاتران). وهو ما يوضح معني العلمانية الفرنسية، وكيف ان كل شيء يدار بالتشاور مع الفاتيكان، لأن هذا القانون الفاتيكان هو الذي نص عليه آنذاك. وذلك ليفهم القارئ خلفيات الموضوع، ومعني ان من سيدير هذا المسجد الذي في مرحلة الإعداد هو القانون الفرنسي لفصل الدين عن الدولة. وعند اكتمال المشروع سيطلق على المسجد اسم "فاطمة".

ونطالع في المقال الثالث أن من يقمن بهذا المشرع هن نفس الثلاث سيدات وأنهن اضطررن للقيام بهذا المشروع "بحثا عن مكان يمكن الاستماع فيه إلى خطبة حقيقية، وحيث كل إنسان له مكان يجلس فيه".. وذلك "لأنهن مللن مثل العديد من السيدات من الذهاب إلى مسجد في البدرون سيئ الإعداد ولا يسمعن أو يدركن شيئا مما يقال، بل يجلسن ككلب من خزف، الي أن ينهي الإمام خطبته ويغادرن المكان بينما تقوم بعض السيدات بإعداد الطعام للرجال".

والمقالات الثلاثة محجب نصف كلا منها بزعم أنها للمشتركين بالجريدة، وهي البدعة الجديدة في أغلب الجرائد والمواقع الفرنسية للحد من الاطلاع عليها حينما يكون بالمقال معلومات غير مرغوب في انتشارها. غير ان المنشور منها كافي ليعطي فكرة شديدة الوضوح للقارئ أيا كان.

قسما بالله لقد اصابني الغثيان مما يدور ويحاك من عبث للمساس بالإسلام والمسلمين، ولن أضيف ونحن نيام، ولكن بينما نحن متواطئون بالصمت..


زينب عبد العزيز
12 ديسمبر 2020 

 
رابط مقال سابق عن أحداث شارلي إبدو 2015 سنة
شارلى إبدو ؟ يا لها من خديعة ! (saaid.net)

 

الدكتورة زينب
  • مقالات
  • كتب
  • أبحاث علمية
  • Français
  • الصفحة الرئيسية
  • ملتقى الداعيات
  • للنساء فقط