اطبع هذه الصفحة


زيارة البابا للبنان.. والمسكوت عنه

أ. د. زينب عبد العزيز
أستاذة الحضارة الفرنسية

 


نشرت مواقع الفاتيكان "زنيت" و "لا كروا" وغيرها من الجرائد الرئيسية الفرنسية، يوما 22 و23/4/2021، نبأ لقاء البابا فرانسيس والسيد سعد الحريري، رئيس وزراء لبنان، لمدة نصف ساعة على انفراد. وأكد له البابا أنه سيزور لبنان قريبا شريطة أن يتم تكوين حكومة، كأحد الشروط لتتم الزيارة. ولم يتم الإفصاح عن باقي الشروط التي يفرضها البابا لإتمام الزيارة في أيّ من هذه المواقع.. كما أعرب البابا عن "تضامنه مع الشعب اللبناني الذي يعيش فترة شديدة الصعوبة وعدم الاستقرار". وخلال هذا اللقاء أشار البابا إلي "مسئولية كل القوي السياسية الدولية لتهتم بفائق السرعة بصالح البلد"..

وفي نهاية اللقاء قدم الحريري للبابا هدية تذكارية عبارة عن عمل فني يمثل "القديس جورج والتنين". والمعروف والثابت تاريخيا ان هذا الموضوع الذي تم نقله واستقر ضمن التراث الكنسي، منقول حرفيا من الديانة المصرية القديمة، والموضوع معروف باسم "حورس المنتقم لأخيه".. وهو مجرد مثال واحد من ضمن العديد من الموضوعات التي نقلتها الكنيسة الفاتيكانية لترسيخ زعم أصلها المصري.

وأعاد البابا التأكيد على ذهابه إلى لبنان ما أن تتوافر الشروط التي طالب بها. كما أعرب عن رغبته في أن يجسد المجتمع الدولي مكانة "قلعة الصنوبر". وأكد "أنه يساند لبنان ويؤكد توجهه في أن يكون أرض لقاء وتعايش مشترك وتعددية". وهو ما يعني تهدئة الجو شكلا بين الديانات المتعايشة، لكي يواصل الفاتيكان وأذنابه تغيير الواقع في صمت أخرص خطوة خطوة..

بينما أكد رئيس الوزراء اللبناني على العلاقات التاريخية بين البلدين والدور الذي يمكن أن يقوم به الفاتيكان لمساعدة لبنان على مواجهة الأزمات التي يمر بها.

كما التقي سعد الحريري بالأمين العام للفاتيكان، وكذلك رئيس الدبلوماسية الفاتيكانية، وفي المساء التقي رئيس الوزراء الإيطالي ووزير خارجيته.. وكأن مصير ومستقبل لبنان يحاك ويتم ترتيبه وتنسيقه في أقبية الفاتيكان ودهاليزه..

والمعروف أن الحكومة اللبنانية كانت قد استقالت في شهر أغسطس الماضي بعد أيام من الانفجار المدمر الناسف لميناء بيروت يوم 4/8/2020، والذي أدي إلى اغتيال أكثر من مائتين شخصا وآلاف الجرحى، كما أتي على أحياء بأسرها في العاصمة بيروت. مما أدي الي أزمة اقتصادية وإنسانية عارمة نتيجة انخفاض قيمة العملة.

ومن غريب الأقدار أن سعد الحريري كان قد استقال منذ عام بالتحديد، بناء على ثورة شعبية غير مسبوقة، بسبب غياب طبقة سياسية لم تتغير منذ عشرات السنين ومتهمة بالفساد وعدم الكفاءة. الأمر الذي يقتضي "إعادة تكوين لبنان في اتجاه إدارة أفضل للتعددية" على حد قول البابا! وكان الرئيس ميشيل عون قد اعترف يوم الأحد 30/8/2020 بضرورة تغيير النسق السياسي لبنان وضرورة إعلانه "دولة علمانية". وذلك عشية زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي يضغط لتنفيذ الإصلاحات. والمطروح على السطح إقامة دولة تقبل التعددية الطائفية دون أن تتدخل هذه التعددية في شئون الدولة. أو بقول آخر إقامة دولة علمانية لا علاقة لها بالدين، إلا دين الفاتيكان، إن كان له دينا وليست مجرد أطماع سياسية تمددية.

والمعروف أن النظام اللبناني مدني، لأن الدستور اللبناني لا يشير إلى الدين. وتقسيم الرئاسة بين المارون والسنة والشيعة ناجم عن عادة دستورية، التي تكون أحيانا أقوي من النصوص. وهذه العادة الدستورية لها قصتها.. والواضح ان زيارة البابا فرانسيس تهدف، مثلها مثل كل زياراته السابقة، الي تدعيم كيان الأقلية المسيحية، وتزايد الصبغة المسيحية على لبنان أكثر مما هي عليه..

المسكوت عنه في مأساة لبنان:

المسكوت عنه في قضية أو مأساة لبنان يتمثل في عدة نقاط، أهمها:
* نسف ميناء بيروت العام الماضي، بقنبلة ذرية محدودة الفاعلية، ثبت أن من قام بهذه الجريمة الثابتة هم الصهاينة. والإثبات قائم من نفس نوعية الانفجار المسجل. والقيادات السياسية العالمية جميعها تعلم ذلك لكن الصمت والتعتيم تم فرضهما بضراوة، على الرغم من فتات ما تم نشره من حقائق واختفي بسرعة البرق!
* معروف ان لبنان كانت مستعمرة فرنسية منذ الحرب العالمية الثانية، لكن قلة هم من يعلمون أن الاستعمار الفرنسي قام قبل المغادرة بفرض دستور لا يزال ساريا حتى اليوم، ينص على أن يكون رئيس الدولة مسيحيا، ورئيس الوزراء مسلما. وذلك في بلد أغلبيته الساحقة مسلمين!
وهذه هي المشكلة الحقيقية خاصة وان من يزور بيروت ويتجول بين شوارعها وأزقتها أو تلالها وجبالها يهيئ إليه أنه يتجول في كنيسة، وذلك بسبب كمّ التماثيل والصور التي تمثل السيد المسيح أو السيدة مريم التي توجد في كل مكان وبكل الأحجام والألوان..

لذلك هرع ماكرون إلى بيروت، فور الانفجار الذري الذي قام به الصهاينة، وتم التعتيم عليه على الصعيد العالمي. فليس بجديد ان تقوم القيادات العالمية بتغميض عينيها حين يتعلق الأمر بالصهاينة. فهم يعلمون من يدبر ويخطط ويقود نظام السياسة العالمية من وراء الكواليس وأحيانا في العلن.. ويذكرنا حدث مرفأ بيروت بضرب الصهاينة للسفينة الحربية ليبرتي، سنة 1967 وراح ضحيتها 34 بحارا أمريكيا، والتي تمر ذكراها هذه الأيام.. وابتلع الساسة الأمريكان الأمر في صمت القبور..

لذلك كله هرع ماكرون بأحضانه الواسعة الدافئة ليحتضن بيروت.. راح يحتضنها بتمثيلية عاطفية واضحة ممجوجة، لكيلا تفلت من سلطته الاستعمارية السياسية الاقتصادية والدينية، لأن لبنان ليست مجرد مدخله إلي قلب الشرق الأوسط فحسب، لكنها خاصة بوابته الي عالم جنوب شرق آسيا وغيرها..


زينب عبد العزيز
24 ابريل 2021


 

 
  • مقالات
  • كتب
  • أبحاث علمية
  • Français
  • الصفحة الرئيسية
  • ملتقى الداعيات
  • للنساء فقط