اطبع هذه الصفحة


معسكر الصهاينة لاغتيال غزة

أ. د. زينب عبد العزيز
أستاذة الحضارة الفرنسية

 


في يوم 25/12/2021 نشر الكاتب چيل مونييه في موقعه مقالا به الصورة المنشورة بعاليه، وكتب تحتها: "الانتهاء من تجديد الحاجز الأرضي بطول الحدود الإسرائيلية مع قطاع غزة إرتس، بجنوب إسرائيل، يوم 7 ديسمبر 2021 "..

أما المقال فيبدأ بالعبارة التالية:
"أعلنت إسرائيل الانتهاء من بناء جدار تحت الأرض وحاجز بحري يحيط بقطاع غزة المحاصرة".. وأول ما نلاحظه هو الاختلاف بين مضمون العنوان الرئيسي وبداية الخبر. ويواصل الخبر: "والسور مزود بأجهزة التقاط حول قطاع غزة، ومزود بمئات الكاميرات والرادارات ووسائل أخري للإبلاغ عن أية تحركات. والسور يمتد على 65 كيلومترا وارتفاعه أكثر من ستة أمتار. ومصدّه البحري يحتوي على معدات إلكترونية لالتقاط أية تسللات من جانب البحر ونظام أسلحة يتم التحكم فيها عن بُعد".

والغريب أنه ما من واحد من وسائل الإعلام، وخاصة الإعلام الأساس أو الرسمي في الغرب، قد استخدم عبارة "معسكر اعتقال لابتلاع غزة"! وعبارة معسكر اعتقال تعني في القواميس اللغوية الكبرى أنه: "مكان يتم فيه احتجاز عددا كبيرا من سجناء الحرب والسجناء السياسيين، واللاجئين أو أعضاء اقلية عرقية أو دينية، تحت حراسة الجيش. وهي تُستخدم خاصة إشارة إلى معسكرات الاعتقال التي أنشأها النازي في الحرب العالمية الثانية لاعتقال واضطهاد يهود وسجناء آخرين. كما يُطلق عليه "معسكر الموت"، وهو المعسكر الذي يتم فيه قتل عدا كبيرا من السجناء بانتظام".

وفي واقع الأمر، لقد تحول قطاع غزة المحتلة إلى الإثنين معا، فهي محتلة ومحاصرة من الصهاينة، وتم تحويلها إلى النوعين معا: السجن والقتل. مع الفارق أن قطاع غزة أكبر من أية معسكرات للاعتقال أو معسكرات الموت التي خلقتها أنظمة غربية متعصبة في القرن العشرين كمعسكر "أبو غريب" وغيرها..

وقرار الصهاينة بإعادة توزيع جنودها حول الجانب الساحلي من قطاع غزة سنة 2005 و2006، وهي منطقة كثيفة السكان، هو فرض حصار لا سابقة له في التاريخ وحطم كل وسائل ومحاولات الحياة، وقد أعقبها أربع هجمات عسكرية مكثفة قتلت أكثر من أربعة آلاف من المدنيين، بما فيهم النساء والأطفال. ويبدو أن ذلك ليس كافيا للنخبة الصهيونية الحاكمة لدولة المرتزقة التي غرست مخالبها وأحكمت قبضتها على القطاع المنهوب. علما بأنه لا حق ديني ولا شرعي ولا تاريخي يسمح لها باغتصاب ارض ذات سيادة، اعتمادا على كلَيْمات مغرضة باسم وعد بلفور.
ومن الغريب واللا منطق أن يصبح الأسلوب الذي يستخدمه الكيان الصهيوني المحتل لأرض فلسطين أو أي كلمة يقولها الصهاينة هي المرجعية لهذا المشروع الشيطاني النزعة والتنفيذ في عُرف الجميع.. فكل ما تم نشره حول هذا المشروع هو ما تفوه به وزير الدفاع بني هانتز قائلا: "الحاجز، الذي يُعد مشروعا مبتكرا ومتقدم تقنيا، يمنع منظمة حماس من إحدى إمكانياتها التي حاولت تطويرها، ويضع جدارا من الحديد وأجهزة التقاط التحركات وخرسانة مسلحة بين منظمة الإرهابيين وسكان جنوب غزة".

والمليونان من سكان غزة الأصليين، المحاصرون، وأغلبهم لاجئون تم طردهم بجبروت ونُزعت منازلهم وممتلكاتهم بأيدي الصهاينة الغزاة سنة 1948، كما خضعوا للرعب الصهيوني الذي لا رحمة فيه سنة 2009 لمدة أربعة أسابيع، وسنة 2012 لمدة اسبوعان، وسنة 2014 لمدة 51 يوما، وفي مايو 2021 لمدة 11 يوما.. وجميعها أيام لا تُنسي من الهلع الذي لا رحمة فيه. وقد تعمد المغتصبون بطيَرانهم وأسلحتهم دك المناطق المدنية وحولت أحياء بأسرها هي والبنيات المدنية الحيوية إلى أنقاض. كما دأبت قوات الاحتلال على هدم المدارس وكثير منها كانت تديرها منظمة إنقاذ اللاجئين الفلسطينيين التابعة للأمم المتحدة حيث يحتمي فيها لاجئون مدنيون.. لاجئون في بلدهم وفي أرضهم! ويسود الصمت دوما.

ولم يحدث من قبل أن تم حرمان شعب بأسره من الأبجديات الحيوية بسبب سياسة استعمارية وتفرقة عنصرية يصمت عن إدانتها المجتمع الدولي بهذا الشكل. مليونان من البشر يعيشون بلا تموين آمن من المياه والغذاء والكهرباء والأدوية، وقرابة نصفهم من الأطفال دون الخامسة عشرة من العمر!
وبلا أي حق أو ذنب تحول الشعب الفلسطيني إلى معتقلين في أكبر معسكر اعتقال عرفه العالم، فلم يُخطئ الرئيس الأمريكي جيمي كارتر حينما قال عند زيارته لغزة سنة 2009: "إن الفلسطينيين في قطاع غزة يُعاملون كبهائم. فلم يحدث في التاريخ أن يتم اكتساح شعب بالقنابل والصواريخ مثلما تم دكهم".. ولم يحرك ساكنا رغم هذه الجرائم التي شاهد ليعيد الأرض لأصحابها.

وبدلا من أن يثور العالم دفاعا عن هذا الظلم الذي لا يوصف في العصر الحديث، بل ولا سابقة له في التاريخ إلا اقتلاع الكاتار والبوجوميل في أوروبا لفرض المسيحية الكنسية في القرون الأولي، أو اقتلاع شعوب الأمريكتين لاحتلال أراضيها، يهَرول بعض المسلمين ويتحالف ويقيم الاتفاقيات التي تدعم وترسخ هذا الاحتلال الذي يقيم السجون المُحكمة لدفن الشعب الفلسطيني حيا. وأخرها البدعة التي تمت باسم سيدنا إبراهيم، أو "اتفاقيات أبرام"، الرامية إلى تذويب الأديان وفرض ديانة واحدة للجميع.

والمعروف والثابت تاريخيا أن سيدنا إبراهيم، الذي خاطبه المولي، حينما نزل من الجبل بالوصايا العشرة كان اليهود قد عادوا للسكر والعربدة وعبادة العجل.. وبسبب هذه العقيدة المزعومة، وفي حدث لا سابقة له، يُعد يائير لابيد رئيس الدبلوماسية الإسرائيلية هو أول من وطأت قدماه أرض الإمارات العربية المتحدة، يوم 30 يونيو 2021، بعد عام تقريبا من توقيع الاتفاقيات في صيف 2020، بعد حلقة جديدة من الحروب على فلسطين والتي هزّت المنطقة، لكن يبدو ان اتفاقيات أبراهام تصمد جيدا..

و" اتفاقيات أبرام"، أو أبراهام، أو إبراهيم تعتمد على اسم ذلك النبي للتلاعب سياسيا والوصول الي مآرب لا يعرف سراديبها إلا من يتقون الله. فهي اتفاقية انعقدت بين إسرائيل والبحرين والإمارات، ثم اتسعت لتضم السودان والمغرب لتطبيع العلاقات معها لبداية عمليات شراكة اقتصادية. وقد تم اختيار هذا الاسم لأنه مشترك في اليهودية والمسيحية والإسلام، مع غض الطرف عن ان أتباع الرسالتين الأولاتين قد حادا عن رسالة التوحيد التي أنزلها الله.

ورغمها، بل ورغم تحذيرات المولي عز وجل الواردة في نص القرآن الكريم، ورغم تحذير سيدنا محمد عليه الصلات والسلام بألا يبقي في الجزيرة العربية دينان:
أطحنا بأساسيات ديننا من أجل حفنة دولارات..


زينب عبد العزيز
27 ديسمبر 2021

 

 
  • مقالات
  • كتب
  • أبحاث علمية
  • Français
  • الصفحة الرئيسية
  • ملتقى الداعيات
  • للنساء فقط