اطبع هذه الصفحة


أوقفوا إشعال دمار العالم

أ. د. زينب عبد العزيز
أستاذة الحضارة الفرنسية



نعم، وبكل وضوح: أوقفوا إشعال الدمار العالمي بإرسال المتطوعين إلي ميدان المعركة، خاصة وأنها حرب دينية بحتة، لا ناقة لنا فيها ولا جمل كمسلمين أو عرب، لكنها قد تؤدي إلى نهاية العالم بإشعال حرب ذرية تجتاح الجميع..

فقد نشر كلا من "موقع الشرق" و"العين الإخبارية" يوم 11 مارس 2022، ما نصه: "أعلن وزير الدفاع الروسي، سيرجي شويغو، أن 16 ألف متطوع من الشرق الأوسط طلبوا من موسكو السماح لهم بالوصول إلى منطقة دونباس، بغية المشاركة في القتال ضد قوات الحكومة الأوكرانية".

وقبل تناول الخبر بشيء من التفاصيل، أبدأ بالإشارة إلى احتمال الشك في صحة الخبر، خاصة وأن الجيش الروسي يسير بثبات في الخط الذي رسمه لنفسه، بينما الإعلام الغربي وكل ما في يد الحلف الأطلنطي من إمكانيات إعلامية ومساعدات تتجه لصالح أوكرانيا.

لكنني أركز بوضوح شديد علي أن هذه الحرب، في أساسها، حرب دينية ـ سياسية تدور رحاها تحديدا بين فرق متعددة من الكاثوليك والأرثوذكس، إضافة إلى الخلفيات السياسية التي تعود أولا إلى قرار مجمع الفاتيكان الثاني سنة 1965 باقتلاع اليسار في عقد الثمانينات.. وقد تم فعلا وتفاصيل المعركة معروفة بأسماء من قاموا بها. وتمت إعادة تشكيل الرقعة السياسية والجغرافية للاتحاد السوفييتي لتعود روسيا بعد أن تقلصت رقعتها.

أما الجانب الديني ـ الكنسي فيرجع إلى الصراع بين الكاثوليك والأرثوذكس في روسيا على أنها تضم أكبر كتلة أرثوذكسية. أي بين الفاتيكان والكنيسة الروسية أساسا. فالفاتيكان يسعي بكل ما يملك الي تنصير العالم وفقا لكاثوليكية روما، ووفقا لقرارات مجمع الفاتيكان الثاني، والذي كان من المفترض أن تبدأ الألفية الثالثة والعالم كله مسيحي. ولا يملك البابا فرانسيس تنصير العالم قبل أن يقوم بتوحيد كل الكنائس المنشقة تحت لواء كاثوليكيته، وعدد هذه الكنائس المنشقة 350 كنيسة.

وقد قام البابا فرانسيس منذ عدة أشهر بمحاولة للمصالحة مع الكنيسة الروسية في مسعاه الدؤوب لتوحيد الكنائس، إلا أن البطريرك الروسي رد بالرفض القاطع نظرا لأن الخلاف بين الكنيستين عقائدي أساسا ويرجع إلى ثمانية قرون ولا يمكن التغاضي عنه.. من ناحية أخري أن البطريرك الروسي في صراع مع بطريركية القسطنطينية وبطريركية الإسكندرية. فمن أهم نقاط الخلاف مع كنيسة القسطنطينية أنها قد سارعت بالاعتراف بكنيسة أوكرانيا عند انفصالها عن روسيا. أما الخلاف مع كنيسة الإسكندرية فيرجع إلى سنة 2019، حينما قام بطريرك موسكو بسحب ستة بطريركات إفريقية من سلطة البطريرك تواضرس الثاني وإسنادها للكنيسة الروسية..

فالمرجو من جميع العقلاء الذين في يدهم الأمر: أن يتداركوا الموقف بدلا من تصعيده من أجل خلافات عقائدية هي برمتها قائمة على التناقض الثابت علي مر العصور.. فالمسيحية كديانة تراكمية التركيب، ليست منزلة من عند الله، بل ولم يكن لها إلاها رسميا إلا بفضل قسطنطين الأول حينما أصدر أوامره لكل الكنائس المتصارعة أن تحضر في مدينة نيقية سنة 325 لتختار لنفسها إلاها واحدا يجمع بينها ليتسنى له حكم إمبراطوريته بلا نزاعات دينية.

أفيقوا يا عقلاء العالم قبل أن يبتلعكم الطوفان..


زينب عبد العزيز
13 مارس 2022


 

 
  • مقالات
  • كتب
  • أبحاث علمية
  • Français
  • الصفحة الرئيسية
  • ملتقى الداعيات
  • للنساء فقط