اطبع هذه الصفحة


التبشير إجبارى ، بأمر البابا !..

الدكتورة زينب عبدالعزيز
أستاذة الحضارة الفرنسية


فى الرابع عشر من ديسمبر 2007 أصدرت لجنة عقيدة الأيمان " مذكرة توضيحية حول بعض ملامح التبشير " ، تؤكد فيها أن عملية التبشير التى يقودها الفاتيكان ( بهيستريا جامحة فى كافة الإتجاهات فى العالم ) ، هى ضرورة لا بد منها ولا نقاش فيها ، وأنها حق موكل إليها من الرب يسوع مباشرة ، على أنها الكنيسة الوحيدة بين كافة الكنائس التى تتمتع بهذا الإمتياز الخاص ـ إذ أن باقى الكنائس ناقصة أو معيبة وفقا لما أعلنه البابا فى يوليو الماضى !
وهذه المذكرة هى ثمرة جهود مضنية بدأت منذ عدة سنوات ، عندما كان رئيس اللجنة هو الكاردينال راتزنجر ، البابا الحالى الذى يترأس الفاتيكان. وفى هذه الوثيقة تعيد الكنيسة الكاثوليكية تأكيد حقها فى تنصير العالم ، وترفض بموجبها كل الإتهامات التى وجهها إليها ألكسيس الثانى ، باتريارك الروس الأرثوذكس ، إعتراضا على عمليات التبشير التى يقودها الفاتيكان فى روسيا ، لتحويل الأرثوذكس إلى كاثوليكية روما ، وذلك منذ ان تم غرس أربعة أسقفيات كاثوليكية فى روسيا عام 2002 .

ففى 12/2/2002 كانت الكنيسة الكاثوليكية قد قامت برفع درجة إدارتها الرسولية فى الأراضى الروسية إلى درجة أسقفيات. مما أدى آنذاك إلى إعتراضات عنيفة من جانب الباترياركية الأرثوذكسية فى موسكو. وعند عدم إستجابة الفاتيكان لإعتراضاتها ، قررألكسيس الثانى تجميد العلاقات الرسمية بينه و بين الكرسى الرسولى. فبالنسبة للمسؤلين الأرثوذكس الروس إعتبروا محاولات التبشير التى يقودها الفاتيكان لتحويلهم إلى الكاثوليكية ، " عمليات إستفزازية و محاولة لإقتلاعهم من عقيدتهم ".

وبخلاف الكنائس الشرقية ، التى تعترف بسيادة السلطة البابوية فى روما ، فإن "الإتهام الموجه من جانب الكنيسة الأرثوذكسية فى موسكو ضد عمليات التبشير التى يقودها الفاتيكان تسمم العلاقات بين روما و موسكو منذ فترات بعيدة ". بل لقد تسببت هذه الإتهامات من جانب الكنيسة الروسية إلى إفساد أعمال اللجنة المشتركة للحوار اللاهوتى بين الكنيسة الكاثوليكية والكنائس الأرثوذكسية إلى درجة أدت إلى وقف المناقشات خلال إجتماع لهم فى مدينة بلتيمور بالولايات المتحدة عام 2000 ، ولم يتم إستئنافها إلا عام 2006.

ولا يكف المسؤلون عن باطرياركية موسكو عن الإحتجاج بانتظام ضد عمليات محاولة إقتلاع الأرثوذكس الروس عن عقيدتهم لصالح كاثوليكية روما. وفى اللقاء الذى تم يوم 7/12/2007 بين البابا بنديكت السادس عشر وسيريل سْمولنسك Smolensk، رئيس أساقفة الروس المسؤل عن العلاقات الخارجية للكنيسة الروسية ، قد أوضح أنه لكى تكون العلاقات طيبة بين الكنيستين ، الروسية والفاتيكانية ، فإنه يتعين على الفاتيكان التخلى عن الأسقفيات التى أنشأها فى الأراضى الروسية ويكتفى بإعادتها إلى ما كانت عليه ، أى إلى مجرد إدارات رسولية لا يحق لها ممارسة أى نشاط تبشيرى,
وفى 14 ديسمبر الحالى ، عندما قام الفاتيكان بالإعلان عن تلك " المذكرة التوضيحية حول بعض ملامح التبشير" ، فإنه قد تمت مراعاة عدم ذكر أن هذه الوثيقة بمثابة رد واضح صريح لرفض إتهامات موسكو ، والإكتفاء بقول : " إن هذه الوثيقة قد تمت صياغتها قبل الإتهامات الحديثة التى أعلنتها الكنيسة الأرثوذكسية " !.

والمعروف أن الكاردينال وليم جوزيف ليفادا ، رئيس لجنة توحيد الكنائس تحت لواء كاثوليكية روما ، لم يحضر حفل الإعلان عن هذه المذكرة ، وأنه كان قد أعرب رسميا يوم 23 نوفمبر الماضى عن " ضرورة تحسين طريقة تقديم الوثائق العقائدية للكرسى الرسولى ، خاصة عندما تكون هذه الوثائق قد تؤدى إلى جرح مشاعر المسيحيين الآخرين " !! وعلى الرغم من عدم موافقته على أسلوب المذكرة ، فمن الواضح أن البابا قد مررها إعتمادا على باقى الأعضاء متخطيا رئيس اللجنة وإحتجاجه..
فالمذكرة تنص على " أن التبشير يتم أيضا فى بلدان يعيش فيها مسيحيون غير كاثوليك ، خاصة فى البلدان التى لها تراث وثقافات مسيحية قديمة " ، إشارة إلى البلدان التى بها أرثوذكس ، وأن ذلك " يتطلب إحترام تراثهم وضرورة إيجاد روح التعاون بينهم".. إحترام ، لكنه لا يمنع عملية إرتدادهم ! لذلك تشير المذكرة بنفس الأسلوب الملتوى ، الشبيه بتلك النكتة التى تكشف عن الديمقراطية والحرية فى عالم الحيوان ، حينما يسأل الأسد ضحيته : " أكلك مسلوق ولا مشوى ؟! " .. إذ تنص المذكرة قائلة بوضوح :
" إذا تقدم أحد المسيحيين غير الكاثوليك ، لأسباب ترجع إلى ضميره وقناعته بالحقيقة الكاثوليكية ، طالبا التحول إلى الكاثوليكية ، فلا بد من إحترام رغبته على إنها من عمل الروح القدس " !.

كما تشير المذكرة إلى الميزة العقائدية للكنيسة الكاثوليكية ، مستشهدة بأحد اقوال البابا بنديكت السادس عشر : " إن التبشير بالمسيحية والإعلان عن الإنجيل هى الخدمة الأولى التى يمكن للمسيحيين أن يقدمونها لكل إنسان وإلى الإنسانية جمعاء ، بما أن ذلك مطلوب منهم للتعبير عن حب الله الذى تكشّف كلية فى إبنه ، فالفادى الوحيد للعالم هو: يسوع المسيح " !!.

ولم أتناول هذه هذه الجزئية من المذكرة وما تحتويه من عبارات تؤكد أن عملية تبشير وتنصير العالم وفقا لكاثوليكية روما ، بناء على قرارات مجمع الفاتيكان الثانى (1965) ، هى مسألة محسومة ولا رجعة فيها ولا نقاش ، إلا لأوضح للذين ينفونها مندهشين أو لا يتصورون إمكانية حدوثها ، أو لا يستعقلونها ، فهذا القرار من جانب الفاتيكان هو أمر واقع لا محالة ، وغنى عن القول الإشارة إلى ما يدور اليوم من عمليات تنصير إستفزازية فى كافة بلدان العالم الإسلامى ، وهو ما يضع أمانة الإخوة المسيحيين تجاه البلد محل نظر !. وإذا أخذنا فى الإعتبار بعض العبارات الواردة بهذه المذكرة على سبيل المثال ، وغيرها كثير:
" أن التبشير بالإنجيل لا يعنى المطالبة بتغيير الدين وإنما هو واجب كنسى ، وإن التعبير عن الإيمان المسيحى والإعلان عن الإنجيل لا يعنى أنه القيام بعملية تبشير غير مشروعة ، وإنما هى من صميم حق المسيحية " ! وإن "دعوة الشخص بصورة أمينة ، مع مراعاة ذكاءه وحريته ، لأن يذهب طواعية للقاء المسيح وإنجيله ، ليس تدخلا فى غير مكانه فى حقه ، وإنما هى خدمة شرعية وجليلة تقَدَم له بحيث تجعل العلاقات بين البشر أكثر ثراء " !!. أو أنه " لا بد من الفهم بوضوح أن الإنضمام كاملا إلى المسيح ، الذى هو الحق ، والدخول فى كنيسته ، لا يقلل من الحرية الإنسانية وإنما يرفع من شأنها" ! و " أن كل النشاط الكنسى له بُعد تبشيرى أساسى ولا يمكن فصله أبدا عن الإلتزام بمساعدة كل البشر على لقاء يسوع فى الإيمان ".. وأن المسيحية هى " الحقيقة الوحيدة التى يجب أن تنغرس فى قلوب البشر " ، أو : " إن الإعلان عن المسيح ، إبن الله الذى تجسد بشرا ، وأنه المنقذ الوحيد ، بصراحة وإخلاص تبشيرى ، دون خشية مخاوف لا أساس لها، إعتمادا على قوة الحق الناجم عن الرب شخصيا سيساند الحقيقة الوحيدة التى يجب أن تنغرس فى قلوب البشر " ..

وإضافة إلى ذلك فإن المذكرة توجز عملية التبشير " بأنها واجب لا يمكن للمسيحيين التخلى عنه ، وفى نفس الوقت أنها أحد حقوقهم التى لا نقاش فيها ، وتعبير عن الحرية الدينية التى لها أبعادها الموازية للقيم الأخلاقية الإجتماعية والسياسية ، وأن أية شهادة مسيحية تظل عاجزة ما لم يمكنها الإعلان بوضوح وبلا مواربة عن ربنا يسوع " . أى إن المسيحى الذى لا يشارك فى عملية التبشير ، التى فرضها مجمع الفاتيكان الثانى على كافة الأتباع ، يعد إيمانه بمسيحيته ناقصا !
ومن ناحية أخرى ، إذا أخذنا فى الإعتبار الخطاب الذى سعى الفاتيكان إلى أن يكتبه بعض أعوانه من المسلمين ، ووقّع عليه 138 مسلما من جميع أنحاء العالم ، سواء ثقة أو حرجا ممن قدمه أو جهلا بكل تلك الخلفيات ، لأدركنا فداحة الموقف : فقد إعتبره قادة الفاتيكان أنه يمثل إجماعا من المسلمين !.

وما هو مطلوب من المسلمين بموجب هذا الخطاب المشبوه هو : الإعتراف بأن الإرهاب من الإسلام ، وبناء عليه لا بد من حذف آيات الجهاد من القرآن ؛ وأننا نعبد نفس الإله الذى هو بالنسبة للمسيحيين "ربنا يسوع المسيح" ، وبناء عليه لا بد من حذف كل الآيات التى تشير إلى الشرك بالله وتدين عملية تأليه المسيح وإختلاق الثالوث ، وكلها آيات تعادل ثلث القرآن الكريم تقريبا !!

وما اقوله ليس ادعاءات على من كتبوه ، فالخطاب منشور وله موقع على الإنترنت ، لكننى أجزم بأنه مكتوب باسلوب غير أمين كمن يقول " لا تقربوا الصلاة " ويقسم بأن ذلك قرآنا ، ويسقط باقى نفس الآية القائلة : " وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون " ! ويتضمن بصورة ملتوية عملية التمهيد لتنفيذ كل مطالب البابا بنديكت السادس عشر الرامية إلى إقتلاع الإسلام !! مثلما سبق للفاتيكان وتعاون مع المخابرات المركزية الأمريكية ، أيام ريجان ، بالتعاون مع جورباتشوف لإقتلاع اليسار ولاهوت التحرر ـ وفقا لقرارات مجمع الفاتيكان الثانى التى تم تنفيذها فعلا ، فكلنا عاصرنا إقتلاع اليسار ورأينا كيف تغوَّلت وفحشت تلك السياسة التى يتبعها البيت "الأبيض" !

ولقد تعمدت فى هذا المقال إبراز السبب الحقيقى الذى أدى إلى كتابة هذه المذكرة التفسيرية ، لحسم موقف الخلاف بين كنيستين مختلفتين ، ليرى المهروِلون من المسلمين كيف أن حتى الطوائف المختلفة من نفس العقيدة المسيحية يصعب عليها التخلى عن معتقداتها ، فما بالنا نحن ، المسلمون ، المطلوب منا إقتلاع الإسلام بأيدينا و تواطؤنا ، ـ علما بأن الإسلام جاء أساسا لتصويب ماتم فى رسالة التوحيد فى المسيحية من تبديل وتعديل وتحريف وشرك بالله ، فكيف نطيح بأدينا بكل ما أنزله الله سبحانه وتعالى إرضاءً للفاتيكان وتواطؤا معه ؟! إن النفس لتجذع اشمئزازا وغضبا من مجرد تصور هذا الهوان على بعض المسلمين !.

ولا يسعنى إلا أن أعرض هذه الوثائق والمعلومات على كافة المؤسسات الإسلامية فى جميع أنحاء العالم ، وخاصة إلى اولئك الذين يساهمون فى عمليات الحوار المشبوه، المعروف بالحوار بين الأديان ، والذى بات الغرض منه معلن بصريح العبارة ، فتنصير العالم بات أمرا مفروغ منه فى نظر البابا بنديت السادس عشر !
إتقوا الله ، إيها المسلمون ، وأفيقوا من ثباتكم للدفاع عن الإسلام .


 

 الدكتورة زينب
  • مقالات
  • كتب
  • أبحاث علمية
  • Français
  • الصفحة الرئيسية
  • ملتقى الداعيات
  • للنساء فقط