اطبع هذه الصفحة


سيف عبد الله للفاتيكان ..
والمافيا الإيطالية!

الدكتورة زينب عبدالعزيز
أستاذة الحضارة الفرنسية


من أغرب المقالات الغربية التى تناولت زيارة الملك عبد الله بن عبد العزيز إلى الفاتيكان ، الكاشفة عن أغوار تلك المؤسسة ، ذلك المقال المنشور فى جريدة " جورنال كريتيان " (Journal Chrétien) المسيحية ، يوم 7 نوفمبر 2007 ، بدون توقيع ..

فبعد أن تناول عرض الزيارة بادئا بأنه لا توجد علاقات دبلوماسية بين الفاتيكان والمملكة السعودية ، إلا ان الملك قد التقى بوزير خارجية الفاتيكان ، ثم أشار إلى البيان الذى أصدره الفاتيكان فور الزيارة ، وإلى معظم النقاط الرسمية التى ظهرت فى مختلف المقالات التى تناولَتها ، دون إغفال ذكر "الوجود الإيجابى والمثمر تجاريا للمسيحيين فى المملكة" ، والإشارة إلى أنه لا يحق لهم بناء كنائس لأن أرض المملكة كلها حَرَم . وهو ما يوضح المطلب الخفى المرتقب تنفيذه من جانب خادم الحرمين الشريفين ..

ثم إختتم المقال قائلا : " وغير ذلك ، فيمكن أن نقف مضطربين أمام الهدية التى قدمها الملك للبابا : سيف من الذهب المرصع بالجواهر. وحينما ندرك أهمية ورمز السيف فى الإسلام ، لا يمكننى منع نفسى من رؤية أن ذلك يشبه التوابيت الصغيرة التى ترسلها المافيا " ، ـ أى كإنذار إلى قرب اغتيال الشخص الذى تلقاه !
ومن الواضح أن الأخ "الكريم" الذى كتب هذه الإشارة الكاشفة عن نوعية هذه الضمائر ، يجهل أن السيف منذ مطلع التاريخ الإسلامى مقرون بالرجل الذى يضرب به، وبالمعركة التى يُعلى فيها كلمة الله ، ويعز بها الإسلام ، ويثبت فيها راية التوحيد .

ولو تتبعنا بعضا من معانى السيف ومفهوم الإسلام كنظام حكم وشريعة وعدل ، لرأينا : أن السيف يقوم بالحسم العادل وأن يكون صاحب السيف والكلمة الحقة هو المصلح المقيم للحقوق لا المفرط فيها .. فكلمة الحاكم الراشد العادل من القوة والقدرة ما تستقيم به ظروف الأمة فى جوهرها . وفى إصلاح حال الأمة بالكلمة والقول الحكيم ما يُغنى عن حد السيف .

و قد اقترنت الفتوة عند العرب فى كل العصور بالشهامة والقوة فى الحق . وعندما سأل أحدهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وما الفتوة ؟ قال : "صدق الحديث، والوفاء بالعهد ، وأداء الأمانة ، وترك الكذب ، والرحمة باليتيم ، وإعطاء السائل ، وبذل النائل ، وإكثار الصنائع وقرى الضيف " .. وقد كانت هذه الخصال سارية بين المسلمين إلى زمن قريب ، طيب الله ثرى من يقوم بإحيائها وإعادتها إلى الأمة لتعود إلى ما كانت عليه من ترابط وتضامن !..

وقد عُنى العرب فى الجاهلية وفى الإسلام بالسيف واقتنائه والدقة الشديدة فى اختيار معدنه حتى أصبح جزء لا يتجزأ من عدة الفتى فى السلم والحرب ، بل فى الحياة والميراث ..

ومن أشهر التعبيرات فى وصف السيف : " أن السيف محاء للخطايا " ، و" أن السيف ليمحو النفاق والرياء ، ولوحمل المنافق سيفا " .. ومن كرامة الفتى أن يترفع بسيفه عن الدنيا وأن يكرمه ، فما أن يسكن القتال حتى يبادر المجاهد بمسح سيفه والإعتناء به . ويربأ الفتى بنفسه عن أن يسل سيفه إلى امرأة ، أو يجهز به على خصم إذا ما تكشف ضعفه ، وكلها من قواعد وأصول مفهوم الجهاد فى الإسلام.

وإذا كان السيف بهذه المكانة الرفيعة عند العرب ، فلا غرو أن يكون هو أعز ما يهدى لرجل وأعز ما يورث . لذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "إنا معاشر الأنبياء ، لا نورث ذهبا ولا فضة ولا أرضا ولا عقارا ، ولا دارا ، ولكنا نورث الإيمان والحكمة والعلم والسُنة " ! وكان الرسول قدوة فى الإعتزاز بالسيف شهامة وجهادا فى سبيل الحق والتوحيد بالله .

وللسيف معانٍ عدة فى مختلف الحضارات ، فهو يرمز إلى الصفة العسكرية وفضائل خصالها ، وخاصة مهمتها التى هى القوة ، بمعنى تدمير الظلم والعمل الضار والجهل وما إلى ذلك ، وبالمعنى البنّاء لإقامة السلام والعدل والحفاظ عليهما. وهو يرمز أيضا فى الإسلام إلى الحرب الجهادية التى هى أولا حرب داخلية ذاتية بمعنى مجاهدة النفس ، وهو ما أطلق عليه سيد خلق الله " الجهاد الأكبر ".

ومن معانيه فى الحضارات القديمة أنه يرمز إلى النور والبرق واللهب ، كما يرمز للصراع من أجل المعرفة : فهو حاسم ، يشطر ظلام الجهل ، ويمثل شعاع الشمس منبع النور.. ومن صوره الشائعة فى المعارف القديمة واساطيرها أنه يمثل محور العالم، وكان يُرمز للنشاط الإلهى بالسيف المرشوق أعلى قمة الجبل ، وهو سلاح نبيل يرمز إلى الفروسية والبطولات النبيلة. كما يشار للبلاغة بالسيف لأن اللغة واللسان كالسيف سلاح ذو حدين ..

وإذا ما تأملنا معنى الذهب ، وهو المعدن المصنوع به تلك الهدية ، لوجدنا أنه أثمن المعادن ، فهو المعدن المثالى الاكمال : له بريق النور ، أو هو النور المعدنى بطابعه الملكى ، بل والإلهى . ففى بعض الأساطير لحم الآلهة مصنوع من الذهب. والذهب ـ النور عادة ما يمثل رمز المعرفة والخلود. وهو المعدن الملكى الأساسى فى العديد من الأساطير قبل أن تكون له قيمة مالية ، لأنه مهدن لا يصدأ ولا يلوث. لذلك كانوا يعدونه رمزا لأساس المعرفة وعرشا للحكمة والثبات على المبدأ بنقاء ، كما يشير فى تلك الحضارات إلى الشمس بكل رموزها المتعددة : الخصوبة والثراء والسيطرة ؛ ومركزا للحرارة والحب والعطاء ؛ ودارا للنور والمعرفة والإشعاع ..

والذهب سلاح من نور ، فالإله ابوللو عند اليونان كان مكسيا ومسلحا بالذهب. والإلهة حتحور عند المصريين القدماء كانت تجسيدا للذهب ، إذ كانت تعنى إضفاء الحياة الأبدية ..

أما الأحجار الكريمة ، المرصع بها ذلك السيف الهدية ، فترمز إلى التحول من العتامة إلى الشفافية ، أو بقول آخر من الظلمات إلى النور.. التحول والإرتقاء الجذرى بمعنى الكمال . فالأحجار الكريمة أصلها صخور او حجارة وصلت إلى أعلى درجات الإنصهار فى البلورة والنقاء إلى درجات الكمال . ومعروف ان لكل حجر معناه وخصاله وتأثيره العلاجى أو النفسى ، أو إشارته إلى الحكمة وثبات الإيمان وفضيلة الوفاء ..

ولقد أطاح كاتب المقال بكل هذه المعانى والرموز تجاهلا او جهلا ، وغيرها كثير، والتى يمكن استلهامها من تلك الهدية الملكية ، ليسب كرم خادم الحرمين الشريفين وعطاءه ، ويقوم بتشبيهه بأحد أفراد عصابات المافيا ، الذى يرسل تابوتا صغيرا لضحيته القادمة ليعلنه عن قرب اغتياله !.. ولم ير حتى ذلك المعنى المرير الذى يتعدى كل المعانى ، من ناحية علم النفس الحديث ، والذى نرجو من الله عز وجل ألا يتحقق مغزاه ، فالسيف ، رمز المملكة السعودية فى رايتها الخضراء ، قد تم تسليمه طواعية لمن لا يحلم ولا يسعى حثيثا إلا لطعن أرض السعودية الحَرَم ورشقها بالكنائس والأناجيل!

وهو ما أعرب عنه صراحة البابا الراحل ، يوحنا بولس الثانى ، فى كتاب : "الجغرافيا السياسية للفاتيكان" ( 1992) والذى يسير البابا الحالى ، بنديكت السادس عشر ، على خطاه بكل إصرار وتعنت .. إذ نطالع فى ذلك الكتاب أن الهدف المعلن بوضوح لا مواربة فيه هو فتح الأراضى السعودية على مصراعيها أمام عمليات التنصير. الأمر الذى نراه مكتوبا فى الفقرة التالية :
" كيف يمكن قبول إدعاءات السلطات السعودية باعتبار أن مجمل هذه المملكة عبارة عن منطقة مقدسة ـ وليس منطقة الحجاز التى تضم مكة والمدينة فحسب ـ لأن هذا الموقف يؤدى إلى منع المسيحيين من إقامة أى صليب على ذلك "المسجد" الذى تبلغ مساحته 2149690 كيلومترا مربعا" ( صفحة256 ) .. وفى مكان آخر تم اقتراح الإكتفاء بأسوار الحرمين واستباحة كل ما عداها !

والأمر مرفوع لخادم الحرمين الشريفين : ليدرك بوضوح ما هو المنتظر منه من جانب الفاتيكان ، وليوفقه الله عز وجل ويلهمه حسن الإختيار ..


 

 الدكتورة زينب
  • مقالات
  • كتب
  • أبحاث علمية
  • Français
  • الصفحة الرئيسية
  • ملتقى الداعيات
  • للنساء فقط