اطبع هذه الصفحة


إعترافات ووثائق مخجلة ..

الدكتورة زينب عبدالعزيز
أستاذة الحضارة الفرنسية

 
ما أكثر العلماء أو رجال اللاهوت الذين يتهمون أو يتحدثون عن تحريف نصوص الأناجيل ، منذ ما قبل عصر التنوير بكثير ، بما أن هناك عدد منهم يرجع إلى عصر القديس جيروم فى ، القرن الرابع ، والذى صاغها فى شكلها الحالى التى هى عليه .. فلقد عرفت هذه الأناجيل معارك طويلة دامية ، منذ بداية صياغتها وحتى مجمع مدينة ترانت (1545-1563) Trente))، الذى فرضها على أنها نصوص "مقدسة" ، وأن " الله هو مؤلفها الوحيد"! وهو ما نطالعه فى المرجع الفاتيكانى الخاص ب"المجامع المسكونية" ، دار نشر لوسير ، ثلاثة مجلدات ضخمة ، 1994. ويقول النص :
" إن المجمع المقدس يتقبل ويبجل بنفس شعور التقديس ونفس الإحترام كل إصحاحات العهد القديم والعهد الجديد ، بما أن الله هو المؤلف الوحيد لكل منها ".. ولا يغفل النص أن يشير كالمعتاد فى كافة المجامع ، أن الحرمان واللعنة سيلحقان بكل من يجاذف بعدم تصديق ذلك ! (الدورة الرابعة ، 8 إبريل 1546 ، البند الأول من وثيقة "تلقى الإصحاحات المقدسة"، مجلد 3، صفحة 1351).. وهو ما يكشف فى آن واحد عن مدى الوقت الذى استغرقه عدم تقبل مثل هذه النصوص من الأتباع ومسؤليهم ، بحيث إقتضى الأمر أن تمتد الصراعات فيما بينهم حتى القرن السادس عشر ليتم فرضها بقوة المجمع ، دون أن ننسى – فى تلك الفترة تحديدا – وجود محاكم التفتيش وكافة الوسائل الترويعية الأخرى !

وفى البند الثانى من قرارات نفس هذه الدورة ، فى صفحة 1353 ، ينص المجمع ويعلن أن الطبعة القديمة للأناجيل والمعروفة بإسم "الفولجات" Vulgate)) ، التى إتخذتها الكنيسة وإستعانت بها طوال تلك القرون الماضية، يجب إعتبارها نصا أصليا فى كل من الدروس العامة ، والمناقشات، وعمليات التبشير والتفسير ، وألا يتجرأ أى شخص على أن يستبعدها تحت أى سبب كان " ، فاللعنة والحرمان يتصديان كالمعتاد لأى إنحراف !..

و نفس هذا المجمع هو الذى فرض بصورة قاطعة عقيدة الإفخارستيا أو المناولة التى تنص على أن يؤمن الأتباع إيمانا قاطعا بأنهم يأكلون لحم السيد المسيح ويشربون دمه إيمانا قاطعا ويقينيا .. وهو ما يكشف عن مدى القرون التى إستغرقتها هذه العقيدة لكى تستتب أو لكى " يبتلعها " الأتباع فرضا وقمعا ! فالمعروف أن هناك فِرق مسيحية بأسرها لا تقبلها أو لا تعترف بها كعقيدة أو استبعدتها من طقوسها !..

وهو نفس المجمع أيضا الذى قرر و فرض على كل من "الإمبراطور، والملوك ، والدول ، والأمراء ، وغيرهم ، كل منهم و جميعهم ، وأيا كان مستواهم أو منصبهم ، وكلما ازدادوا ثراء فى الخيرات الزمانية والسلطوية عن غيرهم ، كلما كان عليهم احترام ما يعد ملكا للكنيسة على أنه ملكية شخصية لله وفى حمايته الذاتية " !! (الفصل العشرين ، قرارات عامة ، صفحة 1617) .. وليقم من شاء بالربط بين هذه القرارات ليرى كيف أن جميعها لا تهدف إلا لتدعيم وترسيخ السلطة الدنيوية للكنيسة.

ورغمها ، ودون أن نتوقف عند هذا الحد ، قد تواصلت الإتهامات بين مختلف الجهات المعنية ، سواء أكانت علمانية أم إكليروسية ، حول هذه النصوص "المقدسة" ومصداقيتها ، إلى أن تم إنعقاد المجمع المسكونى الفاتيكانى الأول (1869-1870) ، الذى إنعقد للتصدى لحملات عصر التنوير الكاشفة لكل ما تم فى هذه النصوص من تحريف وتبديل ، و إضطر إلى أن يفرضها مرة أخرى ، على أنها نصوص مقدسة ، مع تحديد : "أن إصحاحات العهد القديم والجديد ، كما هى واردة بعددها فى قرار هذا المجمع ومثلما نجدها واردة فى "الفولجات" اللاتينية Vulgate))، يجب تقبلها على أنها مقدسة وقانونية بكاملها وبكل مختلف أجزائها (...) لأنها مكتوبة بوحى من الروح القدس ، والله هو مؤلفها ، وقد تسلمتها الكنيسة بشكلها الذى هى عليه " (الدورة الثالثة ، الفصل الثانى "النصوص" ، المجلد الثالث ، صفحة 1639).

ونلاحظ هنا أنه قد تم حشر إضافة صغيرة هى : " أنها مكتوبة بوحى من الروح القدس " – حتى و إن كان " الله هو مؤلفها " !! وهنا لا يسعنا إلا أن نتساءل : كيف يمكن للروح القدس أن يلهم الله ؟! هل الله بحاجة إلى الروح القدس ، الذى هو وفقا لعقيدة التثليث الشهيرة : الآب والإبن والروح القدس يمثلون إلها واحدا ؟! وذلك يعنى أن جزء من الله قد ألهم أو أوحى إلى الجزء الآخر ؟؟ وياله من منطق ! أما عن باقى الجملة التى تقول : " وقد تسلمتها الكنيسة بشكلها الذى هى عليه " ، فمن الواضح أنها أضيفت لإضفاء شرعية إلهية على نص لم يكفّ عن التعرض للتعديل والتبديل ..

وفى المجمع الفاتيكانى المسكونى الثانى (1962-1965) ، أو المجمع الفاتيكانى الثانى كما يقولونها إختصارا ، فنجد تعديلا آخرا أو تغييرا فى الموقف أكثر وضوحا وإن كانت لا تنقصه محاولات التعتيم الواضحة والتلاعب بالألفاظ :
"إن الوقائع المنزّلة إلهيا ، والتى تتضمنها النصوص المقدسة والتى توجد مكتوبة ، قد تم إيداعها بنفحة الروح القدس. وبالفعل ، إن هذه الإصحاحات الواردة فى العهد القديم والجديد ،وبكل أجزائها ، فإن الكنيسة الأم المقدسة ، بإمانها الرسولى ، تعتبرها مقدسة وقانونية ، وقد تمت صياغتها بوحى من الروح القدس ، وإن الله هو مؤلفها وأنها قد اُودعت هكذا فى الكنيسة ذاتها. لكن ، لكى يتم تأليف هذه الإصحاحات المقدسة فقد اختار الله البشر ، وقد استعان بخدمتهم بكامل طاقتهم الفكرية وبكامل قوتهم الشخصية ، بحيث أنه هو نفسه قد أثر عليهم وبهم ، وقاموا هم بتدوين كل ما كان هو يريد ولا شىء آخر سواه ، على أنهم مؤلفون حقيقيون " .. ("التنزيل الإلهى" ، البند 11 ، صفحات 1980-1981).

ومن الملاحظ ، بخلاف إختفاء كلمة " الوحيد " التى كانت ملصقة بالله فى النص السابق ، إضافة مساهمة البشر ، كمؤلفون شركاء ، كما تم إدخال مجال آداب علم المقدسات، أى الأهواء الشخصية لكل مؤلف وفقا لما استقاه من الحجيج ، إضافة إلى "الأنواع الأدبية" فى الفقرة التالية من نفس الفصل السابق ، إذ نطالع :
" لكن ، بما أن الله ، فى النصوص المقدسة ، قد تحدث بواسطة البشر بأسلوب البشر، فإن مفسر النصوص المقدسة ، لكى يدرك ما الذى أراد الله شخصيا أن يوصله لنا ، يجب أن يبحث بعناية ما قاله كتبة استعانوا بعلم المقدسات وما يقصدونه وما الذى تراءى لله أن يحيطنا به علما بأقوالهم. لكن ، لكى ندرك نية كتبة علم المقدسات ، يجب أن نأخذ فى الإعتبار الأنواع الأدبية ضمن عدة أشياء أخرى " ! والمعروف فى الثقافة الفرنسية أن علم المقدسات عبارة عن نصوص هى أقرب ما تكون إلى الخرافة والأساطير ، إذ أن الحجاج هم الذين كانوا يتولون كتابتها وفقا لما يرون إقحامه لإضفاء مصداقية على ما يقولونه. بل إن نفس الكلمة الفرنسية hagiographie مشتقة من الكلمة العربية " حاج " (مع تعطيش الجيم )..

وفى الفصل التالى ، الذى يتناول العهد الجديد ، يبدو أن الله قد تنحى فى هذا النص ليفسح المجال لتفاصيل أخرى متعلقة بالمؤلفين وبأساليبهم ، والذين يراعون "موقف" الكنيسة، وذاكرتهم ، وذكرياتهم "ضمن أشياء أخرى" :
" إن الكنيسة المقدسة الأم تمسكت وتتمسك بصرامة وبأكبر ثبات أن الأناجيل الأربعة المذكورة ، والتى تؤكد تاريخيتها (أى مصداقيتها التاريخية !) بلا تردد ، تنقل بإخلاص ما قام به يسوع إبن الله أيام حياته بين البشر فعلا وما عمله من أجل خلاصهم (...) إن المؤلفين المقدَسون قد صاغوا الأناجيل الأربعة بالحفاظ على بعض من العناصر المتعددة التى تم تناقلها إما شفاهة وإما كتابة ، وقد ضموا بعضها الآخر فى شكل تجميع إجمالى ، أو بتفسيرها ، مع مراعاة موقف الكنائس ، وبالحفاظ على شكل التبشير بحيث يطلعنا على أشياء حقيقية وصادقة عن يسوع (أى أن الله لم يعد هو الذى يؤلف ويملى وإنما الكتبة "المقدسون" الذين يصيغون ، ويختارون أو يقومون بالتلخيص !) .. ونطالع فى نفس الفقرة :
وبالفعل ، سواء أكان ذلك من الذاكرة ومن ذكراياتهم أو إبتداء من شهادات مَن كانوا منذ البداية شهود عيان وخدم للكلمة ، فهم يكتبون بنيّة إطلاعنا على "حقيقة" الكلمات التى أحطنا بها علما " (الفصل الخامس ، "العهد الجديد" بند 19 ، صفحة 1985) .

ومن الملاحظ أن هناك جملة تكفى وحدها لنزع مصداقية تلك "الحقيقة" إلى الأبد من هذه النصوص ، بما أنه مكتوب بوضوح لا شك فيه فى صفحة 1983 : " على الرغم من أن هذه النصوص تتضمن أشياء غير صحيحة ومؤقتة ، فهى تشهد مع ذلك بأنها علم تربية إلهى حقيقى " ! وهو نص قد تم التصديق عليه فى المجمع بعدد 2344 صوتا موافقا بينما اعترضت ستة أصوات حيال مثل هذا التقييم الكاسح لمصداقية الأناجيل !

لذلك فليس من المستغرب أن نطالع فى مقدمة الطبعة المسكونية المسماه "توب" TOB)) ، الصادرة عام 1984 :
" ومع ذلك ، وعلى الرغم من السلطة التى حظيت بها هذه النصوص ، فلا يوجد لدينا أية شهادات مكتوبة ، قبل مطلع القرن الثانى ، تنص على أنها نصوص مقدسة أو أنها قد حظيت على سلطة مماثلة لما يتمتع به الكتاب المقدس حاليا (...) وقبل عام 140 م ، لا يوجد على أى حال أى شهادة يمكن بناء عليها القول بأنه كانت هناك أية كتابات إنجيلية . كما لم يكن هناك أى طابع معيارى متعلق بأى من هذه الأعمال " (صفحة 15). وهنا لا بد وأن نسأل : " لماذا تأخر "الله "، مؤلف هذه الأناجيل، كل ذلك الوقت ليؤلف أو ليملى هذه النصوص المزعومة القدسية ؟!

وبعد النص السابق بقليل ، فى صفحة 19 ، نطالع :
" فى كل هذه المخطوطات ، ما من واحد منها يعد مخطوط أصلى : أنها ليست سوى نقل منقول من نسخ نقل منقولة ، كانت فيما مضى قد كتبها المؤلف أو صيغت تحت إملائه. إن كافة إصحاحات العهد الجديد بلا إستثناء ، قد كُتبت باللغة اليونانية ويوجد أكثر من خمسة آلاف نسخة بهذه اللغة ، قد صيغت أقدمها على ورق بردى وأخرى على رق (...) والنسخة المعروفة باسم "كودكس سينايتيكوس" Codex Sinaïticus)) التى عثر عليها فى سيناء ، هى نسخة كاملة ويوجد بها إنجيل برنابا وجزء من "الراعى" هرماس. وهى أعمال لم يحتفظ بها القانون الكنسى فى الإختيار النهائى للنصوص" .. وهو ما يثبت بكل تأكيد ووضوح بأن التغيير والتبديل وإختيار النصوص وفقا للأهواء أو حجب بعضها هو ما كانت تقوم به الأيادى العابثة فى تلك المؤسسة الكنسية .. أى أنه باختصار شديد ووفقا لما تقوله مقدمة تلك الطبعة المسكونية من الكتاب المقدس بعهديه ، لا يوجد بها أى شىء إلهى ولا أى شىء مقدس ولا أى شىء أصيل !..

وهناك مفاجأة أخرى تضاف إلى ما تقدم ، إذ نطالع فى صفحة 20 من نفس هذه الطبعة المسكونية ، أى التى تقرها كافة المذاهب المسيحية :
" إن كافة نسخ العهد الجديد التى وصلتنا ليست متماثلة بالمرة ، بل على العكس من ذلك ، نلاحظ بينها إختلافات ذات أهمية متفاوتة وإن كان عددها على أية كبير جدا. وبعض هذه الإختلافات لا تتعلق إلا بتفاصيل أجرومية أو بالنحو أو بترتيب الكلمات. لكن أحيانا أخرى نلاحظ بين المخطوطات إختلافات تؤدى إلى المساس بمعنى الفقرة بكاملها " !!
وهذا العدد "الكبير جدا" من الإختلافات والذى لم يشأ من صاغ هذه المقدمة أن يذكره حرجا أو خجلا ، فقد أوردت الموسوعة البريطانية (1972) أنها قرابة المائة وخمسون ألفا من المتناقضات وأخطاء الترجمة أو التعديلات ! وقد قام العلماء ومنهم رجال دين مسيحيون برفع هذا العدد إلى الضعف ، خاصة مجموعة العاملين فى أبحاث معهد ويستار Westar)) فى الولايات المتحدة ، والتى يفوق عددهم المائتين عالما متخصصا فى علم اللاهوت أو اللغويات القديمة ، وجميعهم مسيحيون ، وأجمعوا فى ندوة عيسى Jesus Seminar)) مضيفين حقيقة أن 82 % من الأقوال المنسوبة ليسوع لم يتفوه بها ، وإن 86 % من الأعمال المسندة إليه لم يقم بها !

ولا نقول هنا شيئا عن الوعد الذى قطعه البابا يوحنا بولس الثانى بإلغاء سبعين آية من العهد الجديد ، تتهم اليهود صراحة وبلا مواربة بقتل الرب يسوع المسيح ! وهو ما لم يعد يتمشى مع التنازلات والإنحناءات المتتالية التى لا تكف المؤسسة الفاتيكانية عن تقديمها لليهود منذ أن قام بتبرأتهم القائمة على الغش والتحايل على النصوص ..

لذلك ، ليس من الغريب ، بعد عملية الكشف الكاسحة لأية مصداقية لهذه النصوص المزعومة الألوهية والتقديس ، أن نراها تتساقط و تتدنى إلى مستوى التزوير والتحريف ! وهو ما يتحدث عنه القديس جيروم Saint Jérôme)) فى المقدمة-الخطاب المرفق بنسخة الأناجيل المعروفة باسم "الفولجات" التى صاغها فى القرن الرابع بأمر من البابا داماز Damase)) ، ومن المؤسف والكاشف فى آن واحد أن نطالع هذا التصريح الدامغ الذى لا يمكن تغافله ، خاصة وأن الصفحات السابقة بعاليه تؤيده وتثبت بلا منازع ما يرد به :
"حول مراجعة نصوص الأناجيل الأربعة
"إلى قداسة الابابا داماز ، من جيروم
"تحثنى على أن أقوم بتحويل عمل قديم لأخرج منه بعمل جديد ، وتريد منى أن أكون حكماً على نسخ تلك النصوص الإنجيلية المتناثرة فى العالم، وأن أختار منها وأقرر ما هى تلك التى حادت أو تلك التى هى أقرب حقا من النص اليونانى. أنها مهمة ورعة، لكنها مغامرة خطيرة إذ سيتعيّن علىّ تغيير أسلوب العالم القديم وأعيده إلى الطفولة. وأن أقوم بالحكم على الآخرين يعنى فى نفس الوقت أنهم سيحكمون فيه على عملى. فمَن مِن العلماء أو حتى من الجهلاء ، حينما سيمسك بكتابى بين يديه ويلحظ التغيير الذى وقع فيه، بالنسبة للنص الذى اعتاد قراءته، لن يصيح بالشتائم ضدى ويتهمنى بأننى مزور ومدنس للمقدسات، لأننى تجرأت وأضفت وغيرت ، وصححت فى هذه الكتب القديمة ؟

"وحيال مثل هذه الفضيحة، هناك شيئان يخففان من روعى، الأمر الأول : أنك أنت الذى أمرتنى بذلك ؛ والأمر الثانى : إن ما هو ضلال لا يمكن أن يكون حقاً. وهو ما تقره أقذع الألسنة شراسة. وإذا كان علينا أن تضفى بعض المصداقية على مخطوطات الترجمة اللاتينية، ليقل لنا أعداؤنا أيها أصوب، لأن هناك من الأناجيل بعدد الإختلاف بين نصوصها. ولماذا لا يروقهم أن أقوم بالتصويب إعتمادا على المصادر اليونانية لتصويب الأجزاء التى أساء فهمها المترجمون الجهلاء، أو بدلوها بسوء نية، أو حتى قام بعض الأدعياء بتعديلها.
"وإذا كان علينا دمج المخطوطات، فما يمنع أن نرجع ببساطة إلى الأصول اليونانية ونبعد بذلك عن أخطاء الترجمات السيئة أو التعديلات غير الموفقة من جانب الذين تصوروا أنهم علماء، أو الإضافات التى أدخلها الكتبة النعسانين؟ أننى لا أتحدث هنا عن العهد القديم والترجمة السبعينية باللغة اليونانية التى لم تصلنا إلا بعد ثلاث ترجمات متتالية من العبرية إلى اليونانية ثم إلى اللاتينية. ولا أود أن أبحث هنا ما الذى سيقوله أكويلاّ أو سيماك، أو لماذا آثر تيودوسيان إختيار موقف الوسط بين المترجمين القدامى والحداث. لذلك سأعتمد على الترجمة التى يمكن أن يكون قد عرفها الحواريون.

"وأتحدث الآن عن العهد الجديد، المكتوب بلا شك باللغة اليونانية فيما عدا إنجيل متّى الذى كان قد استعان أولا بالعبرية لنشره فى منطقة اليهودية. إن هذا الإنجيل يختلف يقينا عن الذى بِلغتنا نظرا لتعدد المصادر التى استعانوا بها لتكوينه. وقد آثرت أن أرجع إلى نص أساسى، فلا أود الإستعانة بترجمات المدعوان لوكيانوس أو هزيكيوس التى يدافع عنها البعض بضراوة عن غير وجه حق، واللذان لم يكن من حقهما مراجعة لا العهد القديم بعد ترجمة السبعين، ولا أن يقوما بمراجعة النصوص الجديدة. فالنصوص الإنجيلية التى وصلتنا بلغات شعوب مختلفة توضح مدى الأخطاء والإضافات التى بها. وإذا كنت قد قمت بذلك بالنسبة للنسخ المكتوبة بلغتنا فلا بد وأن أعترف بأننى لم استفد منها شيئا.

"وهذه المقدمة المتواضعة تقترح أن يكون ترتيب الأناجيل الإسمى على النحو التالى : متّى، مرقس، لوقا، ويوحنا. وقد تمت مراجعتها من عدة مخطوطات يونانية قديمة. وهى لا تبتعد كثيرا عن فحوى النسخ اللاتينية. فلم أقم إلا بتصويب الأجزاء التى بدت بعيدة عن المعنى الحقيقى وتركت الأجزاء الأخرى كما وصلتنا فى صياغتها البدائية و وضعت حرف (ب). أما الترجمات التى قام بها يوسبيوس من القيصرية، المقسمة إلى عشرة أجزاء، وفقا لأمونيوس السكندرى، فقد ترجمتها إلى لغتنا إلتزاما بالمعنى اليونانى فحسب. وإن كان هناك أى فضولى يود معرفة الأجزاء المتماثلة أو المتفردة أو التى تختلف تماما عن تقسيمة العشرة يمكنه معرفة ذلك. لأن الأخطاء قد تراكمت مع الوقت فى كتبنا، وهو ما يجعل إنجيل ما يتفاوت عن الآخر، وأشرت إليه بحرف (ح)..." !

ويتواصل باقى هذا الخطاب-المقدمة لشرح كيفية التبويب الذى قام بها. والنص الأصلى باللاتينية ، موجود فى المكتبة القومية فرانسوا ميتران، فى باريس ، وتحت رقم C-422 ، دار نشر بنيدكتين ، سنة 1693 .. أى إن هذه الفضيحة معروفة لدى ذلك الغرب المتعصب وثابتة فى وثائقه ..
وبعد مثل هذا الإعتراف المشين ، حيث تحدث المؤلف "القديس" عن الإضافات والتغييرات والتعديلات التى قام بها شخصيا ، كما قام غيره من قبله بعملها ، بما أنه يعترف بذلك للبابا بوضوح وبالأسماء ، فمن السخرية أن نطالع أن هذه النصوص "مقدسة" وإن "الله هو مؤلفها الوحيد" أو أنه يجب إعتبارها "أصلية منزّلة" !!

ليصدقها أو ليؤمن بها من يشاء من أتباعها ، لكنه من غير المعقول أن يتم الإستعانة بمثل هذه النصوص لتنصير العالم أو لإقتلاع الإسلام والمسلمين .. فالأصالة والألوهية والقداسة لا تكتسب بالتقادم أو بألف عام من التعتيم والظلمات بل ولا حتى باقتلاع الآخر ..
لذلك لا يسعنى إلا أن أتوجه إلى البابا بنديكت 16 ، الذى يقود عملية تنصير العالم بهستيرية غير مسبوقة ، كما أتوجه إلى كافة المؤسسات الفاتيكانية التى تم تجنيدها بموجب قرارات مجمع الفاتيكان الثانى (1965) الذى فرض بكل جبروت المساهمة فى عمليات التبشير والتنصير على كافة المسيحيين ، أيا كانت أعمارهم أو وظائفهم ، أن يكفوا عن هذا الصرع الهستيرى ، الذى هو فى واقع الأمر السبب الرئيسى فى المآسى التى تجتاح العالم .. فهى تدور على مرأى ومسمع من الجميع بمساعدة التدخلات العسكرية الغاشمة .

إن حب القريب، الذى تتغنى به تلك المؤسسة العتيدة ، لم تطبقه أبدا فى يوم من الأيام تجاه الإسلام ، منذ أنزله الله عز وجل تصويبا لكل ما تم فى رسالة التوحيد بالله من تحريف كما رأينا ، ولا تزال تجاهد لإقتلاعه حتى يومنا هذا .. إن حب القريب لا يعنى إبادة الإسلام والمسلمين أو حتى أى دين من الوجود، ولا يعنى خاصة تنصير العالم تحت لواء كاثوليكية روما بنصوص لم يعد بخافيا على أحد مدى ما بها من تحريف وتزوير على مر العصور ..
كما أتوجه إلى كافة المسلمين وقياداتهم ، بكل مستوياتها ، بصيحة واحدة : أفيقوا !! أفيقوا قبل أن يجرفكم الطوفان الأسود ، فقد طال صمتكم وطال تخاذلكم وزادت تنازلاتكم ..

 

 الدكتورة زينب
  • مقالات
  • كتب
  • أبحاث علمية
  • Français
  • الصفحة الرئيسية
  • ملتقى الداعيات
  • للنساء فقط