اطبع هذه الصفحة


مسابقات خط (700)

 
السؤال :
فضيلة الشيخ: ما حكم الاشتراك في المسابقات التي تتطلب الاتصال بالرقم 700 ، حيث تكون قيمة الاتصال على هذا الرقم باهظة الثمن، تترواح ما بين 3 إلى 5 ريالات، وكيف أتصرف لو فزت بالجائزة؟ أفتونا مأجورين

المجيب : سامي بن عبد العزيز الماجد

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فكل المسابقات التي تجرى على الرقم (700) هي - بلا شك - من صريح القمار، بل ما هي إلا صورة جديدة لـ (اليانصيب) المعروف بصورته البدائية الساذجة.
والفرق بينهما صوري لا يشغب على اتفاقهما في الحقيقة والمعنى؛ فإن الأجرة التي يتكلفها المتسابق (وهو في حقيقة الأمر مقامرٌ)؛ بسبب اتصاله بالرقم (700)، هي بمثابة ثمن قسيمة الاشتراك (الكوبون) في اليانصيب.
والمال الذي يغنمه أحد المتسابقين (المقامرين) في مسابقات الرقم (700) - والمتمثل في الجائزة التي يفوز بها - ، هو في الحقيقة جزءٌ من الأموال التي تكبدها المتسابقون الآخرون جرّاء اتصالهم على هذا الرقم، وهو بمثابة المال الذي يغنمه بعض المقامرين في اليانصيب، والذي هو جزء مما تكبّده المقامرون الآخرون في شراء قسائم الاشتراك.
وكلتا الصورتين لليانصيب ( الصورة القديمة المتمثلة في قسائم اشتراك (كوبونات) تباع في الأسواق، والصورة الحديثة المعروضة في تقنيتها الحديثة من خلال الاتصال بالرقم (700) كلتاهما قمارٌ داخلٌ في الميسر الذي نزل تحريمه صريحاً في كتاب الله، قال –تعالى-: "يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون" [المائدة 90-91].
قال القرطبي (الجامع لأحكام القرآن 1/53) : "قال مالك: الميسر مَيْسِران: ميسر اللهو، وميسر القمار؛ فمن ميسر اللهو النرد والشطرنج والملاهي كلها. وميسر القمار: ما يتخاطر الناس عليه" أ.هـ .
وضابط هذه المخاطرة المحرمة:
"أن يخرج المتسابق من المسابقة إما غانماً وإما غارماً، إما أن يغنم ما غرمه غيره من المتسابقين فيكسب الجائزة التي هي من أموالهم، وإما أن يغرم ما دفعه ويذهب عليه".
وعلى هذا فكل مسابقة تحققت فيها هذه المخاطرة فهي حرامٌ، ولا يستثنى منها إلا ما استثناه الرسول- صلى الله عليه وسلم- في قوله: " لا سَبَقَ - بفتح الباء - إلا في نصل أو خف أو حافر" أخرجه أحمد (2/256) والترمذي (1/317) والنسائي (2/122) وأبو داود (2574)، وصححه غير واحد من أهل العلم .
واستثناء هذه الثلاث دليل على أن ما عداها لا يجوز، وإنما جرت بها الرخصة واستثنيت من التحريم؛ لما فيها من معنى إعداد القوة للجهاد في سبيل الله.
لقد كان ميسر الجاهلية الذي نزل القرآن بتحريمه شبيهاً بهذه المسابقات، بل هو أهون منها من وجه كما سيأتي، وصفته - كما حكاه الأزهري وغيره - أنه كانت لهم عشرة أقداح، لكل واحد منها نصيب معلوم من جزورٍ ينحرونها، ويجزِّؤنها عشرة أجزاء، ثم يجعلون هذه الأقداح في خريطة، ويضعونها على يد عدل، ثم يجلجلها ويدخل يده فيخرج منها واحداً باسم رجل، ثم واحداً باسم رجل ..إلخ، فمن خرج له قدح من ذوات الأنصباء أخذ النصيب الموسوم به ذلك القدح، ومن خرج له قدح لا نصيب له لم يأخذ شيئاً، وغرم ثمن الجزور كلِّه. وكانوا يدفعون تلك الأنصباء إلى الفقراء ولا يأكلون منها، ويفتخرون بذلك، ويذمّون من لم يدخل فيه. ينظر الكشاف للزمخشري 1/259 .
ولا اعتبار لما يتحجّج به بعضهم من أن هذه المسابقات (بل المقامرات) قد انتفع بها بعض الفقراء، فكم من فقيرٍ اغتنى بسببها في أقل وقت وجهد، فهي فرصة ينبغي ألا يحرم منها الفقراء!
وهذه حجة داحضة إنما يُخادَعُ بها الصبيان، فإن العرب في الجاهلية كانوا يدفعون ما غنموه من لحم الجزور الذي تقامروا عليه إلى الفقراء ولا يأكلون منه، ومع ذلك حرَّمه الإسلام، ونهى عنه أشد النهي، ولم يستثنِ هذه الصورة مع أن فيها خيراً للفقراء، فكيف إذا كان المقامر يأكل ما قامر عليه، ولا يدفعه للفقراء؟!.
بل حتى لو صح أن فقيراً انتفع بهذه المسابقات يوماً ما، فكم فيها من ملايين الخاسرين - والذين منهم فقراء يطمعون في الغنى - ، الذين غرموا أموالاً طائلة طمعاً في الفوز بالجوائز المغرية.
إن الشرع لم يحرم الميسر (ومنه القمار) لأنه لا منفعة فيه، كيف وقد أثبت القرآن أن فيه منافع للناس، ولكن حرّمه لأن إثمه أكبر من نفعه، (يسألونك عن الخمر والميسر، قل فيهما إثمٌ كبيرٌ ومنافعُ للناس، وإثمهما أكبرُ من نفعهما) ]البقرة: 219[، فكل ما كانت مضاره وإثمه أكبر من منفعته فهو حرام، عملاً بهذه القاعدة الشرعية.
وقد عدّ العلماء للميسر مفاسد كثيرة قد أشار الله إلى بعضها في قوله -تعالى-: (إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة) ]المائدة: 90-91[. وأسهب فيها الشيخ محمد رشيد رضا في تفسيره (تفسير المنار 2/ 331-336 ) فليراجع.
على أنه لو كان الاتصال بـالرقم (700) بالمجان، لا يتكبد فيها المشترك رسوماً (المتمثِّلة في أجور الاتصال الباهظة) لكانت حلالاً كالماء الزلال - بشرط أن تخلو من المحذورات الشرعية الأخرى - ؛ لأن جوائزها عندئذ تكون من غير أموال المتسابقين قطعاً، فخرجت من شبهة القمار؛ لأن كل متسابق يدخلها وهو بين احتمالين: إما أن يغنم، أو لا يغرم، وما يغنمه ليس من مال المتسابقين (فهم قد سابقوا بالمجان)، بل هو مال لشخص متبرعٍ غيرهم، ولذا فليس فيه أكلٌ لأموال الناس بالباطل؛ بخلاف القمار الذي يكون حال المقامر فيه متردداً بين أن يغنم ما غرمه غيره من المتسابقين، أو يغرم أجرة اتصاله بالرقم (700).
هذا بالنسبة للمتسابقين، وأما الجهة التي تقيم هذه المسابقات (المقامرات)، وتتاجر بأحلام المتسابقين وأمانيهم، وتستأكل من حرصهم وتشوفهم للجوائز - والتي لا تمثل إلا قدراً ضئيلاً من عوائد اتصالات المتسابقين على الرقم (700) - فعليها إثمان:
إثم الإعانة على الإثم، ولا شك أنها معينة على الإثم بإقامتها لهذه المقامرات، وأنها بصنيعها هذا داعيةٌ إلى ضلالة.
وإثمُ أكل أموال الناس بالباطل. وكل ما ربحته من هذه المسابقات فهو سحت، وكل لحم نبت من سحت فالنار أولى به.
فعلى المسلم أن يتقي الله سبحانه، وأن يحذر الدخول في هذه المسابقات (التي هي في حقيقتها مقامرات) بعد أن قامت عليه الحجة بحرمتها، وألا يجادل في الحق بعدما تبيَّن، وألا يغترّ بكثرة المسارعين فيها المخدوعين بها، فإن الله قد قال لنبيه (وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله) ]الأنعام:116[ ، وقال: (ولن ينفعكم اليوم إذ ظلمتم أنّكم في العذاب مشتركون) ]الزخرف: 39[.
ومن ربح (وبئس الربح) شيئاً من جوائز هذه المقامرات، فعليه أن يخرجها من ماله بصرفها في أبواب البر تخلّصاً لا تصدقاً.
نسأل الله أن يغنينا بحلاله عن حرامه، وبفضله عمن سواه.
والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .

المصدر : موقع الإسلام اليوم


السؤال :
فضيلة الشيخ / سليمان بن ناصر العلوان حفظه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
انتشر في هذه الأيام الاتصال على الرقم الذي يبدأ 700 وقيمة المكالمة بحدود 5 ريال للدقيقة الواحدة ، وعلى ضوء الاتصال تدخل في مسابقة أو سحب فوري ، وقد تكسب مبلغاً مالياً أو تخسر قيمة المكالمة .
أرجو توضيح الحكم الشرعي مفصلاً ؟ والله يحفظكم ويرعاكم .

الجواب : عليكم السلام ورحمة الله وبركاته
هذا الأمر من القمار الذي حرمه الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم ، وهو مؤسس لجلب الأموال سواء كانت من حلال أو من حرام ، وقائم على أكل أموال الناس بالباطل ، واستنـزاف أموالهم ، بطرق ما كرة ، وحيل ملتوية ومحرمة ، ولهذه المسابقة سلبيات كثيرة ، ومضار متعددة ، فمن ذلك : تبذير مال المسابق ، نتيجة المكالمات ومنها إضاعة الوقت في المكالمات الخيالية التي هي إلى ضررها أقرب منها إلى نفعها ، ومنها التلاعب بعقول الناس ، ومنها الاعتماد على سبب قد لا يمت للحقيقة بصلة ، ومنها أن هذه المسابقة قد تعطل على بعض ضعاف النفوس من الناس أعمالهم التجارية الصحيحة فبدلاً من أن يكسب من عمل يده يجلس الأيام في متابعة هذه المسابقة ويُمضي الساعات في ملاحقة هذه الأمور الوهمية .
ومن صور القمار أن تخاطر بدفع المال دون عين أو منفعة رجاء أن تنال أكثر كما في برنامج من سيربح المليون المبثوث عبر قناة إم بي سي ، ومنها مسابقات كنـز الأحلام والتي انتشرت في بعض الفضائيات العربية ، ومن ذلك جوائز السحب في بعض المحلات التجارية ، فيشتري أحدهم سلعة – لعله ليست له بها حاجة - بقصد أن يغنم هذه الجائزة ، ومن ذلك ، اللعب بالنرد ، والشطرنج والبلوت ونحو ذلك على عوض ، ومنه التأمين على النفس والرخصة ، والبيت ، والسيارة ، والبضاعة ، مالم تكن إكراهاً ، أو اضطراراً.
وهذه البرامج ، والجمعيات ، والتأمينات ، المؤسسة على القمار سلبياتها الاقتصادية متعددة بل توقع الاقتصاد في هوة سحيقة ، ولا تضيف شيئاً يستحق الذكر إلى ثروة المجتمع ، وميزانية الفرد ، فلا عجب حين أجمع العلماء على تحريم القمار ، وتجريم فاعله وتأديبه ، أو الحجر عليه ، والحث على التجارة ، والترغيب في ذلك ، بطرق زاكية وغايات محمودة ، وليست التجارة في الإسلام نـهب أموال المجتمع بالمكر والخديعة وغير ذلك من أساليب الترويج المغرية والغربية المضللة ، وفي نفس الوقت ليست وظيفة مالية شأنها إنماء الثروة الاقتصادية فحسب .
وهذا الأمر الذي جاء في السؤال هو من الميسر الذي جاء تحريمه في قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ. إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمْ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنْ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ ) والمتأمل في الآيات القرآنية يجد أن الله تعالى كثيراً ما يقرن الميسر بالخمر (يَسْأَلُونَكَ عَنْ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ ) (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ . إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمْ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنْ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ ) ذلك لأن كلاً منهما يستحوذ على الفكر ، ويمنعه من التفكير السليم ، ويسيطر على دينه ودنياه ويورث العداوة والبغضاء ، وقليله يدعو إلى كثيره ، ومفاسده راجحة ، ونفعه مرجوح وعاقبته سيئة .
قال العلامة ابن القيم رحمه الله تعالى في الفروسية (308) فقرن الميسر بالأصنام والأزلام والخمر ، وأخبر أن الأربعة رجس من عمل الشيطان ، ثم أمر باجتنابها ، وعلق الفلاح باجتنابها ، ثم نبه على وجوه المفسدة المقتضية للتحريم فيها ، وهي ما يوقعه الشيطان بين أهلها من العداوة والبغضاء ، ومن الصد عن ذكر الله ، وعن الصلاة .
وقد ذهب شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى إلى أن مفسدة الميسر أعظم من مفسدة الربا قال رحمه الله تعالى في الفتاوى (32/237)
فتبين أن (الميسر) اشتمل على مفسدتين : مفسدة في المال وهي أكله بالباطل . ومفسده في العمل ، وهي ما فيه من مفسدة المال وفساد القلب والعقل وفساد ذات البين وكل من المفسدتين مستقلة بالنهي ، فينهى عن أكل المال بالباطل مطلقاً ولو كان بغير ميسر كالربا ، وينهى عما يصد عن ذكر الله وعن الصلاة ويوقع العداوة والبغضاء ولو كان بغير أكل مال ، فإذا اجتمعا عظم التحريم : فيكون الميسر المشتمل عليهما أعظم من الربا ، ولهذا حرم ذلك قبل تحريم الربا ، ومعلوم أن الله تعالى لما حرم الخمر حرمها ولو كان الشارب يتداوى بها ، كما ثبت في الحديث الصحيح . وحرم بيعها لأهل الكتاب وغيرهم ، وإن كان أكل ثمنها لا يصد عن ذكر الله وعن الصلاة ، ولا يوقع العداوة والبغضاء ؛ لأن الله تعالى إذا حرم على قوم أكل شيء حرم عليهم ثمنه ، كل ذلك مبالغة في الاجتناب . فكذا الميسر منهي عن هذا وعن هذا . والمعين على الميسر كالمعين على الخمر ، فإن ذلك من التعاون على الإثم والعدوان . وكما أن الخمرة تحرم الإعانة عليها ببيع أو عصر أو سقي أو غير ذلك ؛ فكذلك الإعانة على الميسر : كبائع آلاته ، والمؤجر لها والمذبذب الذي يعين أحدهما ؛ بل مجرد الحضور عند أهل الميسر كالحضور عند أهل الخمر ... ).
والشريعة تحارب الميسر ، وتطارده في كل المجالات ، ولا تبيح منه شيئاً . وفساده وقبحه يعلم بالشرع ، والعقل ، ولو لم يرد في تحريمه دليل من الكتاب ، والسنة، والإجماع لكانت المصلحة تقتضي منعه ، وزجر فاعله ، فقد جاءت الشريعة بتحصيل المصالح وتكميلها ، وتعطيل المفاسد وتقليلها .
قال ابن القيم رحمه الله تعالى في الفروسية (309) وإذا تأملت أحوال هذه المغالبات ، رأيتها في ذلك كالخمر ، قليلها يدعو إلى كثيرها ، وكثيرها يصد عن ما يحبه الله ورسوله ، ويوقع فيما يبغضه الله ورسوله ، فلو لم يكن في تحريمها نص ؛ لكانت أصول الشريعة ، وقواعدها ، وما اشتملت عليه من الحكم والمصالح وعدم الفرق بين المتماثلين ، توجب تحريم ذلك ، والنهي عنه .
وحين كانت الشريعة الإسلامية مؤسسة على العدل ، ومحاربة الظلم بكل أشكاله وصنوفه وألوانه ، وجاءت بقواعد نورانية منها القاعدة العظيمة (لا ضرر ولا ضرار) وعلى هذا الأساس منعت كل المعاملات التي يتخللها ظلم ومنها الميسر ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في الفتاوى (28/385)
فمن العدل فيها ما هو ظاهر ، يعرفه كل أحد بعقله كوجوب تسليم الثمن على المشتري ، وتسليم المبيع على البائع للمشتري ........... ومنه ما هو خفي جاءت به الشرائع أو شريعتنا – أهل الإسلام – فإن عامة ما نهى عنه الكتاب والسنة من المعاملات يعود إلى تحقيق العدل ، والنهي عن الظلم دقه وجله ؛ مثل أكل المال بالباطل . وجنسه الربا والميسر . وأنواع الربا والميسر التي نهى عنها النبي صلى الله عليه وسلم : مثل بيع الغرر ، وبيع حبل الحبلة ........ .
وإن المال هو عصب الحياة ، وهو قوام الإنسانية ، به يعمر الكون ، وهو زينة الحياة الدنيا ، به يحج ويجاهد ، وهو المقرب إلى الجنة أو النار ، أو النعيم أو العذاب ، فطوبى لمن أخذه على وجهه المشروع ، والطريق المتبوع ، وويل ثم الويل لمن أخذه بالحيل المحرمة ، والطرق المحظورة .
إن الشريعة جاءت بتنمية الاقتصاد (فَإِذَا قُضِيَتْ الصَّلاةُ فَانتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ) وذلك على وفق طرق صحيحة ، ووسائل سليمة ، وجاء فضل المال الصالح على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم (نعم المال الصالح للمرء الصالح) أخرجه الإمام أحمد في مسنده (4/197) والبخاري في الأدب المفرد (112) وابن حبان في صحيحه (8/6) من طريق موسى بن علي ، عن أبيه ، عن عمرو بن العاص رضي الله عنه .
وبينت الآيات القرآنية ، والسنة النبوية ، الطرق الصحيحة لتنمية الاقتصاد والحفاظ على الأموال ، وجاء في ضمن إطار الضروريات الخمس التي اتفقت الشرائع على المحافظة عليها ، وهي : الدين ، والنفس ، والعقل ، والعرض ، والمال .
فأهيب بالمسلمين أن يتحروا الكسب الحلال ، والمطعم الصافي الخالص من شوائب الشبه والارتياب ، وأن تكون طريقتهم المتبوعة في كسب المال ، وكل شؤن الحياة كطريقة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فهم النبراس الأعظم ، والجيل المعظم والقرن المفضل ، فهم القدوة ، وبهم الأسوة، وسلوكهم هو الذي يدل على هذا الفهم وبإطلالنا على سيرهم وتراجمهم نجدهم وكأنهم في عالم غير عالمنا ، يأخذون بالأسباب في الكسب ، ويجعلون جزءاً من أوقاتهم للعلم والدعوة وجهاد الذين كفروا ، فإذا دعا داعي الجهاد فهم الرجال ، ومنهم الأغنياء بلا بطر ، وفيهم الفقراء بلا ضجر ومع التعفف ، وفيهم من يدفع الدنيا بالراحتين والصدر ، ومنهم من أتته الدنيا وهي راغمة ، وكانوا أشد الناس بعداً عن توظيف كل أوقاتهم في التكالب على الدنيا ، وجمع الحطام الفاني ، فتحوا البلاد ، وأنشئوا المدن ، وأقاموا الدول .
وقد سار على دربهم ، وتبعهم على منهجهم تابعوهم بإحسان ، وأين نحن من قول الإمام محمد بن المنكدر ، كم من عين ساهرة في رزقي في ظلمات البر والبحر .
وقد سئل سعيد بن عبد العزيز عن الكفاف من الرزق ما هو ؟ قال : شبع يوم وجوع يوم .
ويقول أبو سليمان الداراني من وثق في رزقه زاد في حسن خلقه ، وأعقبه الحلم وسخت نفسه ، وقلت وساوسه في صلاته .
ومن شعر أبي تمام
هلكن إذاً مـن جهلهن الـبهائمُ ولو كانت الأرزاق تُجرى على الحِجى
ولا المجد في كفِّ امرىءٍ والدراهم ولـم يـجتمع شرقٌ وغرب لقاصدٍ
ودرهم من حلال خير من مئات من حرام
قليل الـمال تصـلحه فـيبقى ولا يـبقى الـكثير مـع الفسـاد

أخوك
سليمان بن ناصر العلوان
20/3/1424هـ
المصدر :
موقع المسلم
 

فتاوى وبيانات