اطبع هذه الصفحة


《 الفرح الجيّاش بنفيس ما كُتِب عن الشيخ أحمد الحوّاش》

عبدالله سعيد أبوحاوي القحطاني

 
بسم الله الرحمن الرحيم


-الحمد لله وكفى والصلاة والسلام على النبي المصطفى . أما بعد -فلا زال في الأمّة ولله الحمد والمنّة من ينافحون عن دينه ويدافعون عن أوليائه ورجاله، وحقا على من أعطي علما ودينا وإنصافا أن يكون ضمن هؤلاء الركب.
-وإني أحسب أن من هؤلاء كاتب هذا المقال صاحبنا المفضال والعلامة المتفنن النقّال الشيخ عبدالله بن علي بن فايع عسيري- نفع الله بعلومه وسدده لكل خير- ،وقد كتب هذا المقال فسال واديه حتى ملأ الخوابي وبلغ الروابي، وذلك في الثناء والدفاع عن العابد الفالح وبقية السلف الصالح الشيخ أحمد بن محمد الحواشي-رحمه الله وجمعنا به في جنته-.
-فإلى قراءة هذه الجواهر المضيّة والحجج المحكمة القوية، ففيها بإذن الله ردا على كل نفس عتيّة، حاسدة لم يسلم من شرهم عظماء البريّة. والله المستعان.
- وقد أذن الشيخ بنشره فجزاه الله خيرا، وكل ما فيه هو من كلامه وما خطه قلمه إلا هذه المقدمة والعنوان وذلك للتعريف بالمقال وصاحبه رفيع الشان ، فإلى المقصود ياكرام والله الموفق وعليه التكلان .
قال الشيخ عبدالله :《رحيل فضيلة الشيخ أحمد بن محمد الحواش》

الحمد لله يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد ، المتصرف بخلقه كيف يشاء ، لا راد لما قضى ، ولا معقب لحكمه ، جعل لكل شيء أمدًا ، ولكل مخلوق أجلًا، خلق الموت والحياة ليبلونا أينا أحسن عملا

أما بعد :

فإن من الرازيا الكبيرة ، والفواجع العظيمة ذهاب الصالحين ، نراهم يوما بعد يوم يذهب بعضهم في إثر بعض ، مثل السلك إذا انقطع تناثر خرزه ، قال عبدالله بن مسعود - رضي الله عنه - : " ليس عام إلا والذي بعده شر منه ، لا أقول : عام أمطر من عام ، ولا عام أخصب من عام ؛ لكن ذهاب علمائكم وخياركم ". رواه الدارمي في السنن

وإن من أولئك الذين كان في حياتهم متاع وبلاغ للناس في دينهم :

العالم العامل والعابد الزاهد / أحمد بن محمد الحواش


فقد كان في حياته عظات ، وكان سبّاق غايات ، وصاحب آيات ، نذر حياته لكتاب الله تلاوة وعملا ، فقام به آناء الليل وأطراف النهار ، ورابط في مسجده حتى أعاد لنا أخبار الأسلاف وما كانوا عليه من العمل والإجتهاد

لقد أدرك الشيخ من العلم غايته ، وهو : الخشية .

قال الله تعالى : " إنما يخشى الله من عباده العلماء ".

ولما ذكر معروف الكرخي لدى الإمام أحمد بن حنبل ، وصفه أحدهم بأنه قصير العلم ، فقال أحمد : أمسك ، وهل يراد من العلم إلا ما وصل إليه معروف .

على أن الشيخ كان على حظ كبير من العلم الشرعي ، يعرف ذلك من خالطه ، وكان له استحضار قوي للنصوص مع عزوها .

كان للشيخ صفات حميدة كثيرة تميز بها ؛ ولكن سأذكر وصفين مهمين :


١ -
ربط الناس بالله في كل شيء ، لا يكاد الشيخ يذكر شيئا إلا ويلمح إلى عظيم نعمة الله ، وبديع صنعته ، حتى لو كان كأسًا من ماء أو عودًا من أراك ، قال أبو الدرداء - رضي الله عنه - : " لئن شئتم لأقسمن لكم إن أحب عباد الله إلى الله الذين يحبون الله ويحببون الله إلى خلقه ". رواه وكيع بن الجراح في الزهد

٢ -
تخفيف الطعام وتقليله ، وهذا من أعظم أسباب صلاح القلب والإقبال على الله ، أخبرني من عاشر الشيخ كثيرا أنه كان يقتصر أحيانًا على تمرات وماء ، قال مالك بن دينار : " من ملك بطنه ملك الأعمال الصالحة ". رواه ابن أبي الدنيا في كتاب الجوع

قال المروزي : سألت الإمام أحمد بن حنبل عن الرجل هل يجد رقة وهو يشبع ؟ قال : ما أرى .

وقال بشر الحافي : إن الجوع يصفي الفؤاد ، ويميت الهوى ، ويورث العلم الدقيق .

ولذلك جاء وصف من يجيء بعد القرون المفضلة بأنه يظهر فيهم السمن ، ففي الصحيح عن عمران بن الحصين - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " خير أمتي قرني ثم الذين يلونهم " قال عمران : فلا أدري أذكر بعد قرنه مرتين أو ثلاثا ، ثم إن بعدكم قوما يشهدون ولا يستشهدون ، ويخونون ولا يؤتمنون ، وينذرون ولا يوفون ، ويظهر فيهم السمن ".

لقد كان الشيخ من النمط الذين ينتفع الناس برؤيتهم والجلوس إليهم ، فإذا خرج من داره متوجها إلى محرابه رمقته الأعين مهابة وإجلالا، وانجذبة إليه القلوب تأثرا وانتفاعا ، ولهجة الألسن بذكر الله ، يصدق فيه ما جاء عن أسماء بنت يزيد أم سلمة الأنصارية قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

" ألَا أُنبِّئُكم بخِيارِكم؟ قالوا : بلى يا رسولَ الله! قال: خياركم الذين إذا رءوا ذكر الله عز وجل ". رواه ابن ماجه في السنن

قال أبو عوانة : رأيت محمد بن سيرين في أصحاب السكر ، فكلما رآه القوم ذكروا الله . رواه السهمي في تاريخ جرجان

إن الشيخ أحمد الحواش كان من أولئك الذين يؤثرون في الناس بهديه ودله وسمته ، قال عبد الله بن عباس - رضي الله عنهما - قال النبي صلى الله عليه وسلم :

" إن الهدي الصالح والسمت الصالح والاقتصاد جزء من خمسة وعشرين جزءا من النبوة ". رواه أبو داود في السنن

قال يونس بن عبيد : إن كان الرجل ليرى الحسن البصري لا يسمع كلامه ولا يرى عمله ؛ فينتفع به .

وقال الإمام مالك : كلما أجد في قلبي قسوة آتي محمد بن المنكدر ، فأنظر إليه نظرة ؛ فأتعظ بنفسي أياماً .

ولذا قال عطاء بن أبي رباح : " النظر إلى العابد عبادة ". رواه أبو نعيم في الحلية

وهذا التأثير يمتد إلى صلاح القلب واستقامته ، فرؤية الصالحين ومخالطتهم تحدث في القلوب خيرا وإيمانا

يقول الراغب الأصفهاني : ليس إعداء الجليس الجليس بمعاشرته فقط ؛ بل بالنظر إليه .

وجعل أبو حامد الغزالي في فيصل التفرقة بين الإسلام والزندقة من مدارك الإيمان : مشاهدة حال رجل متدين ، وسراية نوره إليه عند صحبته ومجالسته .

وقال صالح بن الإمام أحمد بن حنبل : كان أبي يبعث خلفي إذا جاءه رجل زاهد أو رجل متقشف لأنظر إليه ، يحب أن أكون مثله . رواه الخطيب في تاريخ بغداد

إن العبادة والصلاح يتعلمان كما يتعلم العلم ، وقد خص الله بهذا الشأن رجالا أعلى الله مقامهم في هذه الأمة ، ونحسب الشيخ أحمد منهم ، فكم فتح للعابدين في مواسم الطاعات من أبواب ؟! وكم من شاب تنسك به واستقام ؟! وكم من غافل تيقظ به وتاب ؟! وكم نبه الناس على دقائق الورع وفقه القلوب وخفيات الرياء ؟!

قال سفيان : ما زلت أرائي حتى لقيت أبا هاشم ؛ فعلمني ترك الرياء . رواه ابن الأعرابي في معجم الشيوخ

يقول محمود شاكر في جمهرة المقالات ٦٤٢/١ :


" أنبل جهد أن توقظ إنسانا حتى يحس ".

كانت خواطرنا نياما برهةً
فرزقنا من تنبيهه تنبيها

إن فقه الباطن ونور البصيرة قد لا يوجد عند كثير ممن حصل العلم ، فقد تجد العالم الكبير قليل الحظ في هذا الباب ، وتجد غيره ممن دونه ذا حظ عظيم

وقد يرجع العالم النحرير تلميذا لمن دونه لحاجته لهذا الشأن ؛ فإنه علم النجاة

ولذا لما تعجب أهل الحديث من الإمام الحافظ أبي زرعة الرازي أنه يستغرق في صلاته حتى لا يشعر بأحد ، قالوا : هذا ببركة بشر بن الحارث وأحمد بن حنبل ؟! قال : لا ، هذا ببركة صوفي - يقصد عابد زاهد - رأيته وصحبته أياما . ثم قال : بشر وأحمد هما سيدان من سادات المؤمنين ، إلا أن معارفهما دون معرفة ذلك الرجل . رواه ابن عساكر في تاريخ دمشق

يقول ابن قدامة في مختصر منهاج القاصدين ١٥ :

فأما علم المعاملة وهو علم أحوال القلب كالخوف والرجاء والرضا والصدق والإخلاص وغير ذلك ؛ فهذا العلم ارتفع به كبار العلماء ، وبتحقيقه أشتهرت أذكارهم كسفيان الثوري وأبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد ، وإنما انحطت رتبة المسمين بالفقهاء والعلماء عن تلك المقامات ؛ لتشاغلهم بصور العلم من غير أخذ النفس أن تبلغ إلى حقائقه وتعمل بخفاياه .

وأنت تجد الفقيه يتكلم في الظهار واللعان والسبق والرمي ، ويفرع التفريعات التي تمضي الدهور فيها ولا يحتاج إلى مسألة منها ، ولا يتكلم في الإخلاص ولا يحذر من الرياء ، وهذا عليه فرض عين ؛ لأن في إهماله هلاكه . انتهى

وقد أطلت في تقرير هذا الأمر لتظهر خصيصة الشيخ أحمد الحواش ، وما تفضل الله عليه به في هذه العصور المتأخرة ، وليكون جليا للناس أثر القدوة الصالحة ، وكيف كان سلف هذه الأمة يعظمون هذه المقامات والأحوال .

وأما شأن عقيدة الشيخ وعبادته وأحواله فهو سني سلفي متبع ، ولا يعني هذا عدم وقوع الخطأ في شيء من اجتهاداته ، على أن توسعه في باب العبادة منقول عن بعض أفراد السلف ، وكان يعول كثيرا على كتاب الزهد للإمام أحمد بن حنبل وحلية الأولياء للحافظ أبي نعيم الأصفهاني وصفة الصفوة لابن الجوزي وغيرها من الكتب الحافلة بأخبار العباد والزهاد .

وقلما يعمل شيئا أو يتكلم به إلا ويعزوه إلى خبر أو أثر

أما البدع فلم يكن للشيخ نصيب منها ، ولذا لما سئل العلامة محمد بن إبراهيم آل الشيخ كما في فتاويه ٢١١/١ عما نقل عن بعض السلف في ليلة النصف من شعبان والإجتهاد فيها ، قال :

ليس معنى ذلك أنه لا يخطأ كل أحد ولا في كلمة واحدة ، لكن الأمور المبتدعة ليس لهم منها نصيب . انتهى

وأما منامات الشيخ وما كان يقع له من باب الكرامة ؛ فليس فيها ما يستنكر أو يدخل في خزعبلات الصوفية ، بل هي مقبولة تقع لأفراد المؤمنين عموما ، فكيف والشيخ كان طاهر الباطن ، كثير العبادة ، قدسي النفس ، فلا يستكثر عليه تلك الملاطفات الإلهية .

وقد كان يقع لشيخ الإسلام ابن تيمية عجائب من هذا الباب ، نقلها عنه تلاميذه

ولما وقع شيء من ذلك للخليفة الراشد عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - في حادثة سارية الجبل ، استنكر الناس ذلك ، فأخبروا علي بن أبي طالب ، فقال :

" ويحكم دعوا عمر ؛ فإنه ما دخل في شيء إلا خرج منه ". أخرجه ابن عساكر في تاريخ دمشق

يا عذولي سلم إليَّ قيادي
حبك راحتي وروح حياتي

إن تلمني أو لا تلمني فإني
حبك مذهبي وحسن اعتقادي

ومن خالف الشيخ في شيء معين ، فباب العلم مفتوح ؛ ولكن مع الأدب وحفظ الحرمة

وليحذر المتكلم من الجرأة وتحريك ستر الله عن رجال الله

قال الحافظ أبو زرعة الرازي : بت وأنا في عافية فوقع في نفسي إذا أصبحت أن أجمع أخطاء الثوري ، فلما أصبحت خرجت إلى الصلاة ، وفي دربنا كلب ما نبحني قط ، ولا رأيته عدا على أحد ، فعدا علي وعقرني وحممت ، فوقع في نفسي أن هذا عقوبة ، فأضربت عن ذلك . أخرجها الخطيب في تاريخ بغداد ١٤/ ٢٧٢

وذكر العلامة أحمد بن الأمين الشنقيطي في الوسيط في تراجم أدباء شنقيط ٣٤٤ أن قومًا تجرأوا على العلامة محمذ فال بن متالي واستخفوا بحرمته ، فقال فيهم بعض تلاميذ الشيخ قصيدة مطلعها :

هتكتم حريم الشيخ لا زلتموا نهبًا
لمن أمكم شرقًا ومن أمكم غربًا

قال : فأستجيب دعاؤه ، فإنا أدركناهم لا يخرجون من فتنة إلا دخلوا في أخرى . انتهى

وإني والله لأتعجب من أقوام يصفون الشيخ بأوصاف البدعة والجهل ، ومن تفوه بهذا فقد كذب وفجر وألقم حجر .

وسأذكر بعض المسائل التي أنكروها ، ثم أذكر ما يحضرني فيها من الحجة :


المسألة الأولى :
الخروج عن عادة المساجد في تطويل الصلوات مما يشق على الناس وعلى المجاورين .

فالجواب : أن الشيخ صار معروفا بهذه الطريقة منذ أكثر من أربعين عاما ، مما جعله معروفًا لدى الناس ، ولن يقصده إلا من يريد الصلاة خلفه ، بل أصبح متميزًا لدى المصلين والعابدين فيجدون في الصلاة مع الشيخ قرة أعينهم وبغية نفوسهم .

وقد كان في السلف من ينهج طريقة الشيخ ، فأخرج ابن عدي في الكامل عن عبدان قال : كنا لا نصلي خلف هدبة بن خالد القيسي من طول صلاته ، يسبح في الركوع والسجود نيفًا وثلاثين تسبيحة ، وكان من أشبه خلق الله بهشام بن عمار لحيته ووجهه وكل شيء منه حتى صلاته .

فهذا أثر يذكر إطالة من مضى حينما يؤمون الناس في الصلاة ، والناس ليسوا ملزمين بالصلاة معهم إذا لم تتهيأ لهم الظروف .

المسألة الثانية :
تطويل الصلاة إلى قريب من انتهاء الوقت .

والجواب : وقت الفريضة يدخل من الأذان حتى أذان الفريضة التي تليها ، كل هذا وقت للفريضة ، فلا تثريب على من استغرق الصلاة في وقتها المعلوم .

وقد أخرج عبدالرزاق وابن أبي شيبة عن أنس أن أبا بكر الصديق صلى بالناس الصبح فقرأ بسورة البقرة ، فقال عمر : كربت الشمس - أي كادت - أن تطلع ، فقال : " لو طلعت لم تجدنا غافلين ".

وفي رواية ابن حبان والطحاوي : فأستفتح بآل عمران فقام إليه عمر ، فقال :
يغفر الله لك ، لقد كادت الشمس تطلع قبل أن تسلم ، قال أبوبكر : " لو طلعت لألفتنا غير غافلين ".

المسألة الثالثة :
نزول جبريل - عليه السلام - ليلة القدر وشهود الصلاة مع الناس ، والمسح على مناكبهم .

والجواب : إذا جاء الأثر بطل النظر ، وما كان الشيخ رحمه الله ليذكر هذا إلا ولديه ما يستند إليه ويعول عليه ، فهو أتقى لله من أن يفتري على دين الله .

روى اللالكائي والبيهقي عن عبدالله بن المبارك قال : " إذا جاءت الآثارُ بشيءٍ جسرنا عليه ".

وبخصوص ما جاء في هذا الأمر ، قال الإمام الحافظ ابن أبي حاتم في تفسيره عند سورة القدر :

حدثنا أبي حدثنا عبدالله بن أبي زياد القطواني حدثنا سيار بن أبي حاتم حدثنا موسى بن سعيد يعني الراسبي عن هلال ابن أبي جبلة عن أبي عبدالسلام عن أبيه عن كعب .. فذكر خبرا طويلا في نزول الملائكة ليلة القدر ، وفيه :

" فلا يزالون ليلتهم تلك يدعون للمؤمنين والمؤمنات ، وجبريل لا يدع أحدًا من المؤمنين إلا صافحه ، وعلامة ذلك : من أقشعر جلده ، ورق قلبه ، ودمعت عيناه ، فإن ذلك من مصافحة جبريل ".

فهذا الأثر رواه أهل التفاسير المسندة ، وذكروه في معنى الآيات ، فليس ذكره ولا تفسير الآيات به بأمر منكر ؛ بل يشعر بأنهم قد تلقوه بالقبول ، وليس فيه ما يعارض المعقول

وأما مسح الملك بجناحه على العبد المؤمن ، فأخرج ابن أبي الدنيا في الرقة والبكاء عن كعب الأحبار قال : " إن العبد لا يبكي حتى يبعث الله إليه ملكا يمسح كبده بجناحه ، فإذا مسح كبده بكى ".

فمثل هذه المسائل تحتملها هذه الأخبار ، ويتناقلها أهل العلم في مصنفاتها عند ذكر مناسباتها .

المسألة الرابعة :
قول الشيخ : الإستهزاء بالمطوع ردة .

والجواب : فالشيخ لا يريد شخصا متدينا بعينه ، وإنما الإستهزاء بهم مطلقا ، والطعن دائما على أهل الدين جميعا ، وهذا أمر خطير ، وحال من أحوال أهل النفاق

يقول العلامة محمد بن إبراهيم آل الشيخ في فتاويه ١٧٥/١ :

إن الذين من شأنهم الاستهزاء بأهل الدين هذا قد يصل إلى الكفر ، الذي يكون ديدنه لا يسمع بأحد من أهل الخير إلا وتكلم فيهم ، فهذا لا يكاد يصدر إلا من منافق ، ولهذا أشار الوالد الشيخ عبدالرحمن بن حسن في حاشيته على التوحيد أنه يخشى عليه أن يكون بذلك مرتدا ، أما كونه وقع في أمر عظيم ووقع في نفاق بارز فهذا واضح .

وليس المراد من يكون بينه وبينهم شحناء دون بقية أهل الخير ، ومع ذلك فهو من الأمور المحرمة . انتهى

المسألة الخامسة :
غضب الشيخ على من لا يغلق جواله عند الصلاة ، وقوله : يخشى على من فعل ذلك إن مات بعد الصلاة مات على شر .

والجواب : هذه المسألة متعلقة بجانب اعتنى به الشيخ كثيرا ، وهي العبادة والصلاة ، وغالبا نجد أصحاب كل شأن يذكرون أمورًا لا تكون ملزمة لغيرهم ، فنجد عند القراء تدقيقات يرونها من الواجبات ، وعند الفقهاء تشديدات يرونها من المهمات ، وتجد أهل كل فن يلتزمون أمورا ليست بملزمات .

وقد ذكر الفقيه النجدي ابن منقور التميمي في الفواكه العديدة في المسائل المفيدة تشديدات كل مذهب من المذاهب الأربعة التي لا تعبأ بها المذاهب الأخرى .

على أن جانب الصلاة يبعث في القلوب الحمية ، فيشتد بعض الناس في إنكاره على المقصرين ، فروى ابن أبي حاتم في مقدمة الجرح والتعديل ٩٦/١ عن إسماعيل بن عمرو أبي المنذر قال :

رأيت سفيان الثوري ورأى رجلا يتوضأ بعدما أقام المؤذن الصلاة ، فقال : هذه الساعة تتوضأ ؟! لا كلمتك أبدًا .

المسألة السادسة : ت
عويل الشيخ في بعض المسائل العلمية على الرؤى المنامية .

والجواب : لا أدري أين الإشكال في هذا ؟! فقد سمعت بعضهم يقول : الدين قد تم ولسنا بحاجة إلى المنامات .

فنقول : ليس في هذا شيء جديد أو استدراك على الشرع ، وغاية ما في الرؤيا ترشيح أو اختيار في باب الظنيات ، فمعلوم أن كثير من مسائل الفقه تتجاذبها الأدلة وقد يتوقف الناظر ، وأحيانا النص الواحد يكون ظني الدلالة فلا يتعين المراد ، وأحيانا الرؤيا تنبه على مدرك من مدارك العلم ، فيكون الإعتماد على الرؤيا من باب الإستئناس .

وقد سجل كثير من العلماء مناماتهم العلمية

قال ابن القيم في كتاب الروح ٦٩ :

وقد حدثني غير واحد ممن كان غير مائل إلى شيخ الإسلام ابن تيمية أنه رآه بعد موته وسأله عن شيء كان يشكل عليه من مسائل الفرائض وغيرها فأجابه بالصواب . انتهى

بل شيخ الإسلام ابن تيمية نفسه أرشده النبي صلى الله عليه وسلم في المنام في شيء أشكل عليه

قال ابن القيم في إعلام الموقعين :

وقال شيخنا - أي ابن تيمية - : كان يشكل عليَّ أحيانًا حالُ مَنْ أصلِّي عليه من الجنائز، هل هو مؤمن أو منافق ؟ فرأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في المنام فسألته عن مسائل عديدة منها هذه المسألة ، فقال : يا أحمد الشرط الشرط ، أو قال : علق الدعاء بالشرط . انتهى

فهل معنى هذا تشريع جديد ؟! سبحانك هذا بهتان عظيم

والعلامة محمد بن إبراهيم آل الشيخ في فتاويه ٢٣١/٣ استأنس برؤيا لبعض الناس في وصول ثواب قراءة القرآن إلى الميت ، وقال : وهذا من عجائب وصول الثواب بهذه السرعة . انتهى

ونكتفي بهذا القدر من المسائل ، ليظهر للناس بعين الإنصاف التهويل الذي يتشدق به بعض أدعياء العلم

ختامًا :
إن فقد الشيخ سيترك فراغًا كان يسده عنا ، وكان في حياته أمان لنا ، فلله تلك السجدات ، ولله تلك العبرات ، ولله تلك الدعوات الصادقات

أخرج وكيع بن الجراح في الزهد عن عبدالله بن مسعود قال : " ما مات مسلم إلا ثلم في الإسلام ثلمة لا تسد بعده أبدًا ".

وأخرج ابن جرير عن علي بن أبي طالب قال : " لولا بقية من المسلمين فيكم لهلكتم ".

وأخرج أبو نعيم في الحلية عن محمد بن المنكدر ، قال : " إن الله تعالى يحفظ العبد المؤمن في ولده وولد ولده ، ويحفظه في دويرته ، وفي دويرات حوله ، فما يزالون في حفظ وعافية ما كان بين ظهرانيهم ".

وقال الحسن بن الصباح البزار : قد كان ههنا أحمد بن حنبل وبشر بن الحارث وكنا نرجو أن يحفظنا الله تعالى بهما ، إنهما ماتا وبقي سري ، فإني أرجو أن يحفظنا الله بسري .

وقال أبو الفضل الحسن بن أعين : سمعت أحمد بن حنبل يقول : لولا بشر يعني الحافي وما نرجو من استغفاره لنا ؛ لكنا في عطلة .

وقال يحيى بن معين : سمعت محمد بن الفضل يقول : ما أحسب أن الله يدفع البلاء عن أهل الكوفة إلا بحمزة .

اللهم لا تحرمنا أجره ولا تفتنا بعده ، وألحقنا به صالحين ، وأحينا ما كانت الحياة خير لنا ، وإذا أردت بعبادك فتنة فأقبضنا إليك غير خزايا ولا مفتونين ، إنا لله وإنا إليه راجعون

وصلى الله وسلم على عبده ورسوله النبي الأمي الخاتم وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين

وكتبه / أبو الفضل عبدالله بن علي بن فايع العسيري

أبها _ يوم الأربعاء ١٤٤٤/٥/٢٠


 

 
  • فوائد وفرائد من كتب العقيدة
  • فوائد وفرائد من كتب الفقه
  • فوائد وفرائد من كتب التفسير
  • فوائد وفرائد من كتب الحديث
  • فوائد وفرائد منوعة
  • غرد بفوائد كتاب
  • فوائد وفرائد قيدها: المسلم
  • فوائد وفرائد قيدها: عِلْمِيَّاتُ
  • الرئيسية