اطبع هذه الصفحة


《إعلام القريب والبعيد بترجمة العلامة عبدالله بن صالح العبيد》

عبدالله سعيد أبوحاوي القحطاني

 
بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله الذي جعل في كل قرن بعد زمان سيد المرسلين بقايا من أهل الحديث الجوالين العارفين، ينفون عن كتاب الله وسنة رسوله تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين، فكم من جاهل قد علّموه، وكم من تائه قد أرشدوه،وكم من وضّاع قد عرفوه، قد حفظ بهم الحميد المجيد كثيرا من الأسانيد، وجمعوا للأمة منها ماهو كالفانيد،
بصر الله بهم أهل العمى وأحيوا ونشروا كتاب الله وسنة المصطفى. أما بعد :
فقد عقدتُ النية أن أترجم لعالم من علماء الأمة، والذي قد طار ذكره في الأمصار، وتتلمذ عليه أمة من الناس في جميع الأقطار،بل وله من الفضل بعد فضل الله عليّ ما أعجز عنه وأحار.
ثم إنه قد عزّمني على مثل هذا وأكثر أن طلب مني أحد أصحابنا في اليمن السعيد شيئا من مناقب شيخنا وصفاته، فأجبته إلى ذكر شيء من مناقبه ونعوته.
وها أنا أشرع في المقصود بإعانة الملك المعبود،فمن ذلك :

-《اسمه ونسبه ومولده》 :

هو العلامة الكبير والرحالة الشهير، المقرئ المجود، والمفسر الأوحد، المحدث المسند والفقيه المسدد، العابد المتهجد ،والنجدي النشأة والمولد، الشيخ عبدالله بن صالح بن محمد العُبيد التميمي النجدي.
من قبيلة بني تميم المشهورة.

《مولده》

-ولد سنة ست وثمانين وثلاثمائة وألف من الهجرة النبوية بمدينة الرياض.

《نشأته العلمية ووظيفته》:
لقد نشأ الشيخ منذ صغره نشأة علمية، دلّ على ذلك اعتناء والده به في سن مبكرة،وكذلك ما حفظه الشيخ في صغره من متون علمية متقدمة كالزاد في الفقه، والألفية في النحو، بل وقراءة كتب كبار كسِير أعلام النبلاء وكلها هذا وهو لم يتخرج من المرحلة المتوسطة!!
-درَس الشيخ المرحلة الابتدائية في إحدى مدارس الرياض، ثم درَس بعد ذلك المرحلة المتوسطة والثانوية في معهد إمام الدعوة بالرياض أيضا، وقد انتفع بهذا المعهد كثيرا كما يظهر، ولما تخرج من الثانوية التحق بجامعة الإمام محمد بن سعود قسم الشريعة، وتخرج منها عام ١٤٠٩، ثم حصل بعد ذلك على درجة الماجستير من كلية الدراسات الإسلامية في واشنطن من قسم الفقه وأصوله، وكان عنوان الرسالة وقد طبعت (الدلالات عند الأصوليين دراسة مقارنة بين منهج الفقهاء والمتكلمين) ، ثم حصل بعد ذلك على درجة الدكتوراة من جامعة صنعاء من قسم الفقه والأصول، وكان عنوان الرسالة تحقيق ودراسة (تحرير الأحكام في تدبير أهل الإسلام) لابن جماعة الشافعي رحمه الله.

《وظيفته》:

لقد باشر شيخنا التدريس في المدارس الحكومية وذلك إثر تخرجه من الجامعة مباشرة، وقد درَّس أولا خارج الرياض ثم انتقل بعد ذلك إلى الرياض، وقد عمل الشيخ مستشارا ب(وزارة التعليم) المعروفة سابقا ب(وزارة المعارف)، وكتب للطلاب في هذه الفترة أكثر من ثلاثين مقررا دراسيا غالبها يخص القرآن والقراءات حرص -سدده الله- أن تكون صياغتها على مذهب السلف الصالح، وذكر لي الشيخ أن هذا من أرجى الأعمال التي يرجو ثوابها ونفعها عند الله؛ لأنه قد حفظها وانتفع بها خلائق لا يحصون من الطلبة.
-وفي سنة ١٤٢٤ انتقل الشيخ إلى التدريس في دولة اليمن ، وذلك ضمن البعثات التعليمية المتداولة بين السفارة اليمنية والسفارة السعودية درَّس الشيخ فيها في أكثر من مدرسة في صنعاء كان نهاية ذلك عام ١٤٢٧.
-وقد كانت مدة عمل الشيخ الوظيفية ثمانية وعشرين عاما تقاعد بعدها أطال الله في عمره على الطاعة.

-《مناصبه》:

الشيخ في حياته لم يتقلد أي منصب ولم يتطلع إلى شيء من ذلك، بل قد ذكر لي مرة أنه لو أراد شيئا من ذلك لكان ذلك أيسر من كل يسير وأهون من شرب العصير ولكنه تركها للعلي القدير ، وكأنه يقول: الدين والعلم تحتاج إلى تجرد لله سبحانه وتعالى، والمناصب ولو كانت دينية قد تذهب بدين العبد فاحذر فما طلبها أحد فاستمر.
-ومن الجدير بالذكر أن الشيخ قد درّس في المسجد النبوي عدة سنين ثم توقف بعد ذلك .

-《رحلاته》:

هذه المرحلة بالأخص هي في سيرة شيخنا مربط الفرس ولب الكلام وسر هذا العَلَم الهُمام، وقد حاولت جاهدا كرات ومرات أن أستجلب شيخنا لكي يتكلم بكلام خاص عن شيء من رحلاته فأبى وامتنع، ففكرتُ وجمعت أنا وبعض الأحبة من طلاب العلم مائة سؤال أو أكثر حول رحلته الكبرى، ثم طلبته في لقاء مفتوح فوافق أولا ثم اعتذر بعد ذلك ولعله فهم المغزى، ولا زال الأمل في الله العلي الأعلى أن يمُن ولو بشيء يسير لينتفع الأقصى والأدنى .
- لقد ذكر لي شيخنا أن بداية الرحلة كانت علاجية وهو طالب في الثانوية، وقد كانت إلى مصر ثم إلى الأردن، ثم فتح الله بعد ذلك ما فتح وتوقف الشيخ عند ذكر هذا وما صرّح بشيء آخر، وقد أخبرني بعدة طرائف في سفره هذا.
-لا أعلم في عصرنا أكثر رحلة منه، فقد طاف المشرق والمغرب مرات وكرات، وتعب أشد التعب، بل ولقي كل نصب، ومع ذلك فهو صابر محتسب.
-لقد كاد الشيخ أن يهلك في رحلته من الجوع والعطش، وقد ذكر لنا مرة أنه كان يضطر إلى أكل ما تعفّن من الأكل وما تغير من الماء،وقد أضر به مؤخرا عافاه الله وشافاه، وأوصى كل رحّالة أن يتزود من المؤنة والمال في كل الأحوال.
-لقد ذكر لنا شيخنا أن من الطرائف التي حصلت له في الرحلة أنه طُرِد أكثر من مرة، ومع ذلك لم ييأس ولم يفتر، ومثل هذا هو اختبار من الرازق للطالب الصادق ونحسب شيخنا كذلك.
-حصل في الرحلة أنْ سمع مشايخ يسبون شيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب، فكان من طريقة الشيخ أن يترك الرد عليهم مباشرة، ويستنزف ما عندهم من العلم ، ثم يبين لهم منهج الشيخ بحكمة وموعظة حسنة،فيتغيرون ويرجعون عما كانوا عليه .
-ذكر لي أحد المقربين من الشيخ أنه أوصاه بأن يرحل إلى بعض العلماء في منطقة ما، فرحل وأخذ عن الأول ثم الثاني وهكذا، وذكر أن الآخرين لم يستطع الوصول إليهم لوعورة الطريق وطوله، وحرارة الجو ورطوبته،ويحْكي متعجبا كيف وصل الشيخ إلى تلك المناطق!!
-لقد اعترض للشيخ في رحلته الواسعة لصوص وقطاع طرق فيُسَلّم الله وينجو، وقد وعدنا بذكر شيء من ذلك.
-الشيخ في رحلته صاحب جلد وصبر وخلوة لا يصبر عليها إلا من اختاره الله وتفضل عليه، وقد ذكر لي مرة أن أحدهم ذهب إلى الهند في رحلة علمية، فاتصل على شيخنا يسأله عن أبرز العلماء هناك إلا أن الشيخ سأله هو عن مكوثه في تلك المنطقة، فقال أسبوع، فرد عليه الشيخ بردًّ طريف حاصله أنه لن يُحصّل شيئا، فسألته كم تمكث في رحلاتك في تلك البلاد؟فذكر لي أنه يمكث بالأشهر وأغلب ظني أنها لا تنقص عن ثلاثة أشهر،فلله أبوه ما أعظم صبره.
- ومما يُتعجب منه أن الشيخ قد وصل في رحلته إلى جبال الهملايا وهي أعلى قمة في العالم وفيها من البرد والوعورة ما يعلمه كل جغرافي، وكان سبب ذهابه أن سمع بمقرئ هناك وقد مُدح كثيرا، فذهب إليه الشيخ ووجد شيخا ليس عنده من العلم ما يُذكر، بل قال لي الشيخ أنه أعلى منه بأربعة عشر درجة، وهذه المواقف مع الشيخ ليست بقليلة أن يُمدح أحد بما ليس فيه،فيتعنى الشيخ ويتحمل المشاق والطرق الصعاب ثم لا يجد عنده شيء يزداد به، ومع ذلك لا يذهب من عند أحدهم حتى يستفيد منه ولو شيئا يسيرا، والله المستعان، وهذا إن دل فإنما يدل على نهمة في العلم ما قرأتها إلا في كتاب وأصحابها تحت التراب.
-واجه الشيخ في رحلاته كعادة المحدثين الأوئل مشايخ عسرين في الرواية والأخلاق، ومع ذلك صبر الشيخ عليهم، وقد أخبرنا أن بعض شيوخه قد اختبر صبره مرات عديدة في أيام كثيرة، وذلك أنه لا يسمح بالقراءة عليه إلا في ساعات محددة غالبها في آخر الليل، ويذكر الشيخ أنه كان بين سكنه الأصلي وبين مقام الشيخ الذي يأتيه أكثر من ساعة، والطريق وَعِر وفيه مجرمين كُثر، ومع ذلك لم يراعيه الشيخ ولا فكّر، ثم بعد هذا قرّبه وأحبّه وأكرمه فأكثر .
-لقد فات الشيخ في رحلته على موسوعيتها مشايخ في بعض البلدان أصحاب علو وفنون، وذلك لأن الشيخ في بدايته كان لا يسمح لنفسه ولا لغيره بالذهاب إلى أماكن الاختلاط والمجون أو غير ذلك من الأسباب التي رآها في ذلك الزمان .
-وقد ذكر لي الشيخ أنه قرأ وقر بعير من الكتب على أحد مدعي العلم والأسانيد،ثم لما فرغ تبين له أن دجال من الدجاجلة، يركب الأسانيد ويخلط الغث بالسمين بل ويكذب على النبي الأمين!!
أقول: هذه عجيبة من عجائب شيخنا ،ولك أن تتعجب من صبره وكثرة ما قرأه على هذا الرجل، ثم لما فرغ تبين له كذبه.
-رحل الشيخ إلى جلّ دول العالم الإسلامي، وشبه القارة الهندية،وبالغ وأكثر ،وطاف وزار ما اشتهر.
- أخبرني الشيخ أنه رحل إلى اليمن ومكث بها أربع سنين قرأ على جل علمائها وزار أكثر بلدانها،وهو يحب تلك البلاد وأهلها كثيرا، بل وصاحبه الخاص والقائم على مؤسسته المُختص هو من تلك المناطق، وقد كان أصغر من قرأ عليه من علمائها في سن الخمسين وكان عالما بحق.
-سألت شيخنا عن سؤال يتكرر وهو هل يجمع الطالب بين الرحلة في طلب العلم والسياحة؟ فذكر لي جوابا مختصرا معبّرا، وقال: والله لا أعلم أني رحلت في يوم من الأيام للسياحة!
-الكلام عن رحلة الشيخ يصعب حصره وتفتر اليد عن كتابه، ولكني أُبَشّر القراء الكرام أن الشيخ قد كتب مسودة رحلته والموسومة ب"رحلة الشتاء والصيف " في ثلاثة مجلدات يسر الله ظهورها وانتشارها .

《مقروءاته ومروياته》

لقد قرأ الشيخ من الكتب الكاملة على رواتها ما أعجز عن حصره ومعرفته، وأما بالإجازة والقراءة لبعض الكتب فحدث عن مجمع الأنهر والتقاء الأبحر ،وللشيخ في هذا ثبَتين اثنين أحدهما مختصر وهو:
١- الإمتاع بذكر بعض كتب السماع، ويقع في مجلد لطيف لم يستوعب الشيخ فيه كل شيوخه ومقروءاته بل ولا قارب، وإنما هو كالمقدمة للكتاب المطول، وتلبية لرغبة عالم فاضل ولم يفصّل، وعلى صغر حجمه ففيه لطائف وفوائد وتعليقات لشيخنا محررة ودقيقة، وقد ذكر في هذا المختصر عشرات الكتب ومئات الطرق، وأظنه في الطبعة الثانية قد زاد عليه ستين كتابا وسيطبع قريبا .
وثانيهما: وهو المطول أصل كتاب الإمتاع والذي نأمل أن يجمع فيه كل الإبداع ويشنف به الأسماع وهو كتاب(ديوان المسموعات ودليل الأثبات والمشيخات والمسلسلات) في مجلدين، بل ظني أنه سيكون في أكثر من مجلدين،وكل الصيد في جوف الفرا كما قيل ، وقد ذكر فيه ما حصل له سماعه وقراءته على شيوخ العصر، سواء كان من العلوم الشرعية أو من علوم الآلة،أو من غيرها كعلم الفلك والمنطق ،وكذا كتب الأثبات والمشيخات والمسلسلات كلها، مع تحرير السماع والاتصال وطرق الأداء .
وهذا الديوان قد قام عليه جماعة، وفتروا عن إكماله حتى الساعة؛ وذلك لكثرة ما حصّله الشيخ من الأسانيد وما جمعه من كل فريد.
وقريبا منها أي "كتب الأثبات" كتاب رحلة الشتاء والصيف، والوجيز في ذكر المجاز والمجيز بالكتاب العزيز، والمسلسلات في مجلدين وفيها أكثر من ثلاثمائة مسلسل، ومعجم الشيوخ في مجلدين .
-مما ذكره الشيخ عن بعض أشياخه أنهم كانوا يحتفون بالغريب وخاصة في شبه القارة الهندية، بل ويعطونه جل أوقاتهم، وكان يقرأ على بعضهم قرابة عشرين ساعة في اليوم والليلة !!
-الشيخ في قراءته وإقرائه لا يقرأ بسرعة فائقة أو هذرمة غير مفهومة، وطريقته دائما القراءة بتؤدة وفهم وإنجاز بعلم ، ومن رأى تعليقاته في كتبه عرف صدق ما أقول .
-يعتري الشيخ ما يعتري الناس من الأمراض والأوجاع، وقد كان يقرأ القرآن على بعضهم وهو مريض بل في أشد المرض والتعب فيَستشفي بالقرآن وهو يختم فيُشفى بإذن الله العلي القدير.
-سألت الشيخ عن حال أحد شيوخه الذين ذكرهم في "الإمتاع" وكان يبكي عندما قرأ عليه بكاء خفيا، فقال الشيخ أحوال من قرأت عليهم كثيرة وعجيبة ومنها: أنه قرأ على أحد شيوخه كتاب "النشر في القراءات العشر" لابن الجزري فكان يبكي من أول الكتاب إلى آخره!! و أظنه ذكر شيئا من ذلك في "معجم شيوخه" حفظه الله.
-لقد قرأ الشيخ من الكتب والأجزاء ما لا يحصى كثرة،لذا فإن من العسير أن يذكر النزر اليسير في هذا المعتصر الذي لا يُوفي الشيخ حقه، فكيف بما جمعه طوال السنين وخطه، وأنا أعجب أشد العجب أن الشيخ قد قرأ كتبا كبارا لا أعلم أحدا من شيوخ عصرنا قرأها كاملة بالسماع المتصل، ك"تفسير الطبري" و"تفسير ابن أبي حاتم" وغيرهما مما يتيقن المرء أن مثل هذا هي مواهب ربانية وإعانات إلهية !!
وقد قلت له في كم قرأت تفسير الطبري؟ فقال لي:قد قرأته في عدة أسفار ثلاثة أو أكثر وأنا أتردد على الهند،فضلا عن قراءة جُل كتب المذاهب الأربعة، والكتب التسعة وغيرها من كتب السنة والنحو والأدب وما تنقطع دونها الأعمار ويحول دونها طول الأسفار .
-بل قد تفرد شيخنا بأشياء سمعها، وبرواية أجزاء في أثباته أطلعها، وصار من أعظم أعيان الإسناد، وأشياخ الرحلة إليه من البلاد .
بل لعله قد تفرد أيضا بأشياء عالية، وأحيا أسانيد بالية.
- وإني أقول في ختام هذا المبحث الموعد بالتفصيل هو (ديوان المسموعات) كما ذكر الشيخ في كتابه(الإمتاع) عدة مرات، وكذلك كتبه الأخرى المذكورة آنفا،وذلك فيما يخص قراءاته ومقروءات مشايخه ومروياتهم بالتفصيل الأصيل.
-وقد قال الشيخ عن "أثباته" في كتابه "الإمتاع" ص٢٩، وإني لأرجو أن يكون هذا الثبت" الإمتاع" وأصله "ديوان المسموعات " أول ثبت بعد عصور الحفاظ في المئة العاشرة- من أمثال الحافظ السخاوي والسيوطي وابن فهد وزكريا الأنصاري - يعتني بذكر السماعات محررة، فأكون قد أحييت سنة السماع التي كادت تندثر .

《شيوخه وتلاميذه》

حصرُ عدد شيوخ شيخنا يصعُب ويُتعِب ،فقد ذكر في "معجم شيوخه"وهو في مجلدين ولم يُطبع ولم يحصهم أزيد من أربعمائة شيخ، فصّل فيه أحوالهم وتراجمهم وأسانيدهم ومقروءاتهم على اختلاف مذاهبهم، شاملا شيوخ الدراية والرواية. وهذا نص كلامه في كتابه الإمتاع وهو يتكلم عن هذا الكتاب، قلت : ولعل شيوخه يزيدون على هذا العدد بكثير، فقد ذكر في مقطع مشهور ومتداول أن شيوخه في القرآن والقراءات فقط أزيد من ألف شيخ فكيف بغيرها من العلوم!!

-من أبرز شيوخه :

ابن باز، وابن عثيمين، وابن جبرين، والبراك، وابن عقيل وله به خصوصية وقد أكثر عنه، ومحمد بن عبدالرحمن بن إسحاق وقد عمّر، ومحمد بن إسماعيل العمراني محدث اليمن، وعبدالرحمن الكتاني وقد عمّر،وأحمد بن نصر النعماني، وأحمد بن قاسم البحر، وعبدالعزيز بن صالح بن مرشد، وعبدالرحمن بن محمد بن فارس، وعبدالقادر بن كرامة البخاري وقد أكثر عنه، وجماعات لا يُحصون كثرة.
ثم إن لشيخنا أيضا شيخات عالمات، ومنهم: أم السعد وقد قرأ عليها العشر من طريقة الشاطبية والدرة !!.
-وكم من عالم قد سألته عنه فيذكره ويذكر أخباره ونوادره ثم يقول :وقد قرأت عليه وقر بعير .
- ولقد سألته عن الشيخ المسند عبدالقادر بن كرامة البخاري-رحمه الله- لكثرة ما يذكره في أسانيده، فذكر عنه نوادر وطرائف يطول ذكرها، ومنها أنه طورد قديما من قبل دول الاتحاد السوفيتي حتى دخل العراق ولا زالوا يبحثون عنه، وقدّر الله وقُبض عليه في تلك المنطقة،فتخلص منهم بطريقة عجيبة لا أذكرها الآن وتركوه، ثم دخل المملكة وسكن الحجاز وكان له اهتمام بالأدب،وقد قرأ عليه الشيخ وقر بعير .
-وسألته أيضا عن الشيخ ابن عقيل-رحمه الله - فقال : لم يَدُر في خلدي يوما من الأيام وأنا صغير أن أختص به أو حتى أقترب منه لأنه كان مهيبا جليلا،وكان صديقا لجدي أو قال أبي الشك مني، فذهبنا إليه يوما لنسلم عليه، فطلب منه جدي أن أقرأ عليه فرحب أشد الترحيب وسخر قلبه الرحيم المجيب.
وقد قرأ عليه الشيخ كتبا كثيرة وطويلة منها "مسند الإمام أحمد".
- والموعد أيها الشيوخ هو كتاب شيخنا "معجم الشيوخ".
-وأما تلامذة الشيخ ففي أصقاع الأرض، فكما أن الشيخ رحل للتعلم فإنه أيضا وإلى اليوم لا زال يرتحل للتعليم جزاه الله خيرا، وقناته وبرامجه على ذلك أكبر شاهد ومشاهد.
والشيخ-رفع الله مقامه في الدارين- من ثلاث سنوات يأتي إلى منطقة عسير(السودة بالأخص) في نهاية كل برد وبداية كل صيف من شهر شعبان وحتى آخر محرم، قد تفرغ في قرية مهجورة للعبادة والتأليف، وله دروس مستمرة في كل أسبوع درسين أو ثلاثة قد قرئ عليه من خلالها متونا كثيرة، وشرح جلّها بشروحات عظيمة، ويقام فيها أياما علمية ولقاءات مفتوحة، وله طلبة مستمرين معه لا يفارقونه ويحبهم ويحبونه، ويأتون من جميع المراكز، لا ينقصون عن أربعين ولا يزيدون على ستين ؛ وذلك لضيق المجلس وإلا لو فُتِح المجال لتوافد الطلاب من كل السهول والجبال.
وللشيخ طريقة في إحصاء طلابه بعد كل درس يقام، فإذا كان يوم الختم من الكتاب جُمعت أسماء الحاضرين، وطُبع بأسمائهم محضر يرسل إليهم جميعا، ثم تحفظ تلك الأسماء في مؤسسة الشيخ وتكتب وتوثق لحفظ أسمائهم وسماعاتهم،
وهذه الطريقة تشبه إلى حد ما ورق الطِّباق،والتي تكتب فيها جميع الأسماء التي حضرت لسماع ذلك الكتاب ،وما فات كل واحد منهم، وهي مشهورة ومعروفة عند أهل الحديث المتأخرين ، ولها فائدة عظيمة معروفة ومشهورة،وإلا كيف عُرف سماع الحجّار لصحيح البخاري!!
وفي ختام هذا المبحث أقول : إن التتلمذ على شيخنا شرف عظيم وغنيمة وأي غنيمة، فالشيخ من نوادر العصر، والوقت يمضي كلمح البصر ،فأدركوا من أدركه أو سيدركه الكِبَر.

《صفات الشيخ ومناقبه》

-《الكرم والسخاء والإنفاق》

الشيخ -حفظه الله-حسن الأخلاق كثير الإنفاق، فيه كرم وجُود يشهد بذلك كل موجود .
-لقد عزّم الشيخ أن يحط رحاله في وقت الصيف في أبها البهية، كان بداية ذلك في شهر شعبان من عام ١٤٤٢،وقد اختارها واختاره الله لنا وما أعظمها من غنيمة وما أعزه من ضيف، فقد كان الجلوس إليه خاصة والتعرف عليه والذهاب معه والمجيء إليه حُلُم،
-استأجر الشيخ شقة كان المجلس فيها ضيقا لا يتسع لأكثر من عشرين طالبا،وانقضت تلك السنة-أقصد سنة ١٤٤٢- ونحن على ما نحن عليه وذهب شيخنا ثم عاد بعد ثمانية أشهر وقد أحس بحاجة الطلبة وكثرة المريدين للدرس والحلقة، فاستأجر بيتا أكبر وشرط قبل ذلك أن يكون مجلسه كبيرا ليسع أكثر عدد من الطلاب، فما لقي بعد جهد جهيد إلا بيتا متهالكا مندثرا قد تركه أهله متبعثرا، فقبِله الشيخ ورمّمه بأكثر من ١٣٠ ألفا، بل ويدفع الشيخ كل سنة إجارته وتكاليف عمارته، وكل هذا لكي يهيء للطلبة مكانا فسيحا واسعا، فهل سمعت بمثل هذا !! وقد تضايقت من دفع هذا المبلغ الباهض فذكر لي أن أعظم منه مقابلة الإخوة في الله والاجتماع بهم.
-اتصل بي الشيخ مرة وطلب مني أن أصرف له ألفي ريال من فئة الخمسات والعشرات ،وقد كان ذلك، ثم اكتشفت بطريقة وأخرى أن الشيخ يُنفق كل يوم ما تيسر لكي يدخل كل يوم في دعوة الملكين وهما"اللهم أعط كل منفق خلفا" رواه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة.
-ذهبت مع الشيخ وأرسلني في بعض الأغراض الشخصية، ورغبتي والعالم الله أن أدفع عن الشيخ كل ما يشتريه، وأتقرب إلى الله بذلك،فلا يرضى بذلك بل وتحمر عيناه ثم يزيدك على ما تشتريه.
-من سنوات ونحن نأتيه في بيته الذي يسكن فيه، آخرها هذه السنة ١٤٤٤. لا نذهب إليه إلا وقد جهّز كل ما نحتاجه في الدرس من تمر وماء، وبعض ما يمكن أن يقدمه للطلبة الأوفياء .
《التواضع》
-لقد شاهدت من تواضع شيخنا على ما حباه الله من التفنن في جميع العلوم ما لم أره لغيره، من ذلك :
-احترامه لذوي الشيبة ولو كان قليل القدر أو أصغر منه في العمر، ويرى ذلك جليا من جالسه أوذهب معه، فيرفع من مكانتهم ويقدرهم، لأنه يستحضر حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن من إجلال الله إكرام ذي الشيبة المسلم ) رواه أبوداود.
-ومما يُذكر: أن الشيخ لا يمر بحجر أو أذى في الطريق إلا أزاله وهذا كثير ،ولا يأنف من فعل ذلك ولا ينتظر أحدا يسابقه على ذلك.
- لقد فعل معيَ الشيخ موقفا وأنا أصغر طلابه وأقلهم فأثّر في نفسي أثرا عظيما ولا زال، ولعمري أن الشيخ قد بلغ في هذا الخلق مبلغا عاليا كبيرا.
-لما قرأ عليه أحد الأصحاب ووصفه بالعلامة أخذ الشيخ في نفسه وذكر أنه طالب علم وأن كل أحد منا سيلقى الله والمهم النجاة،فأعطانا بذلك درسا بل دروسا،
《حدته وحلمه》
الشيخ -سلمه الله- فيه حدة أحيانا يقهرها بحلم وعلم، لا يحتد غالبا إلا على من يخالف كأمثالي،ومع هذا وغيره فالشيخ حليم يصبر على الطلبة وضعف أدبهم، بل لو افتُرض أن أحدا قل أدبه في مجلسه فمحال أن يجرحه أمام أحد أو يوبخه،وإنما يسكت أو يبين لذلك الشخص بطريقة لا يفهمها إلا صاحب ذلك الموقف.
《فطنته ودقة نظره》
-لا تظن أن رجلا طاف المشرق والمغرب طوال ثلاثين سنة، ثم لا تكون فيه هذه الخصال.
فشيخنا فطين إلى الغاية دقيق النظر إلى النهاية ،لا يغفل عن الطلاب ولا يتماشى مع الشيخ إلا أولي الألباب.
لمّاح يتغاضى ،نبيه لا يبارى ولا يجارى.
《شجاعته وشهامته》
من ذهب مع الشيخ أو حضر مجالسه عرف أن الشيخ شهم شجاع وليس الخبر كالمعاينة والسماع.
《هيبته والتزامه بأدب الدرس)
شيخنا مليح الشيبة ظاهر الهيبة، وقورا جليلا لايراه طالب إلا اتخذه خليلا .
وهو على طريقة الأوائل في تعظيم مجالس العلم ،وإعطائها حقها من وفور الأدب الجم.
وما أحلم الشيخ وما أصبره على بعض الطلبة الذين لا يعرفون آداب هذه المجالس،ويتكلمون وهو يتكلم، أو يلتفتون إلى غيره وهو يُعلّم، فاللهم اغفر لنا يارب وارزقنا حسن الأدب والالتزام بآداب الطلب .

《خلوته وعبادته》
الشيخ -فسح الله في أجله- من العُباد الأخيار نحسبه كذلك، فمن ذلك:
-ما ذكره لي أحد المقربين بأن الشيخ يختم القرآن كل يوم في صلاته،فإن انشغل كان الختم في ثلاثة أيام.
ومنها: ما يتعجب منه كثير من طلاب العلم فضلا عن عامة الخلق أن الشيخ في هذه السنوات الأخيرة قد سكن في بيت قديم في قرية شبه خالية من السكان لا أنيس له فيها ولا جليس، لا أهله ولا غيرهم، بل هو لوحده يتعبد الله من أربعة أشهر فأكثر حتى يأتيه أهله في آخر شهر من الإجازة الصيفية!! وقد كان هذا صنيع سلف الأمة-رضي الله عنهم- في تتبع الأماكن المهجورة للخلوة والعبادة والأنس بالله!! ،وكأن الشيخ قد استوحش من أُنْس الناس، واستأنس برب الناس .
-بل وما يُخفيه الشيخ أكثر مما يُظهر وأعظم مما نذكر، ومن رافقه عَلِم أن الشيخ يترجم العلم إلى عمل.
《حبه لنشر العلم ومؤلفاته》
-الشيخ صاحب قلم سيال لم يترك أي فن إلا تعلمه وتعمق في معرفة دقائقه بل وألف فيه وحقق كتبه، -ومؤلفات الشيخ كثيرة وغالبها مسودات لم تبيض،ومنها ما طبع واشتهر، وبعضها قد دفعه للمطبعة وليته ينتشر.
فمنها ممالم يطبع: ماذكرته أولا في مبحث الرحلات،وله حواشي على الكتب التسعة، وغيرها من كتب السنة، وحواشي على زاد المستقنع والمنتهى وستطبع قريبا،ومختصر الدر المنثور للسيوطي، وحاشية على تفسير الجلالين، وحاشية على علوم الحديث لابن الصلاح، وبعض الكتب في القراءات والأصول.
ومن الكتب التي دفعها للمطبعة: حاشية على مختصر الإتقان للسيوطي، وتحقيق أكثر من خمسين كتابا في التجويد، وغيرها من الكتب التي نسأل الله أن يمن على شيخنا بالبركة في الوقت والعمر لإخراجها. -وقد ظننت وصدق ظني أن من أسباب تأخر صدور كتب الشيخ هو معاناته الضبط والإتقان لها إلى الغاية.
-من أعظم ما يحرص عليه الشيخ عليه هو تصوير الدروس وبثها في قناته أو أي قناة أخرى، وقد رأيت من حرصه على مثل ذلك شيئا عجبا، حتى أنه في وقت قريب أرسل في مايك قوي بسعر غالٍ من خارج المملكة ليتضح الصوت أكثر وأكثر، وقد ذكر لنا أنه ندم على تضييع تسجيل بعض الدروس قديما كشرحه على منهج السالكين، وشرح مختصر ابن اللحام، ثم استدرك ذلك بأخرة، فنفع الله وحفظ .
-في هذا الباب لم يقتصر الشيخ على التأليف وتصوير الدروس ونشرها على الشبكة فقط ،فالشيخ يسافر إلى أصقاع المعمورة لنشر العلم وبالأخص إقراء القرآن بالقراءات،وقد سألت الشيخ عن حافظ ختم عليه العشر، فذكر الشيخ أن ذلك كان بجنوب إفريقيا وأن تلك الدورة استمرت أربعة أشهر لم يرفع رأسه إلا لأكل طفيف أو نوم خفيف، وكان مجموع من ختم عليه العشر عشرات، وأفضل هؤلاء هي من النساء العفيفات، وبالسبع أكثر ،وقد كان الشيخ في هذه الدورة يعطيهم من ماله مبالغ زهيدة على حسب جدهم وكثرة ختماتهم، وغالب هؤلاء قد فتح معهدا ودرّس ،وهم في ظني وقد نسيت العدد أكثر من مائة وعند كل واحد منهم مئات، فما أعظمها من هبات، وما أجزلها من أعطيات من عند رب البريات وخالق الأرض والسماوات.
《إنصافه》
وهذا باب يطول تتبعه عند شيخنا، فهو بحق من أكثر الناس إنصافا، فمنهج شيخنا هو حفظ حقوق المسلمين والإشادة بحسناتهم،وعدم ذكر أعيانهم إلا لمن استطار شره وانتشر خبره، والتنبيه على الأخطاء ومعالجتها.وقد أرسلتُ له مرة أسأله في مسألة فرعية اجتهادية قد أخطأ في ظني صاحبها، وذكرت من قال بها فعاتبني ولم يفتني بشيء وقال أنا لا أجيب أحدا بهذه الطريقة.
ومن إنصافه: إشادته بمن له اهتمام بحفظ الشريعة وبخاصة القرآن المبين ،ولو كان عنده من الأخطاء ما يستبين،وله في ذلك مقطع طريف ظريف.
-لقد جالست الشيخ ومشيت معه فما ذكر أحدا ممن خدم الإسلام والمسلمين إلا بخير ثم قال : ومن يسلم من الخطأ، بل قال :أنه ذهب إلى أناس كانوا قد تُركوا وحُذّر منهم بسبب تحامل بعض العلماء عليهم وشدة كلامهم، فوجدهم من العباد الزهاد ومن العلماء الكبار، وأخطاءهم محدودة وبعضهما مغمورة في بحر حسناتهم الكثيرة.

《زهده وورعه》

لقد ضرب الشيخ في هذا الباب أروع الأمثلة، فمن ذلك :
-زهده في المناصب وقد ذكرت شيئا من ذلك في أول الترجمة.
-لقد طاف العالَم شرقا وغربا، واكتسب شهرة وذكرا ،حضر عنده آلاف الطلبة وعرفه من عرفه عبر الشبكة، وسكنه الأصلي في مدينة زاهية ،بل ولا ينقصه شيئا من أمور الدنيا الفانية،ومع هذا كله فقد زهد فيما ترى وتقرأ، وجلس في قرية خالية من البشر يتعبد لله ويكتب ما لعل الأمة تنتفع به، فالشيخ همّه الأعظم هو النجاة في الآخرة، بل وحتى مجالسه لا يريدها إلا من مجالس الآخرة.
-وأما ورعه فمشاهد ومشهود، فكم من مرة يُهدى للشيخ هدايا ولا يقبلها، وليس ذلك رغبة عن سنة نبينا عليه الصلاة والسلام، وإنما السبب في عدم قبولها هو خوفه أن تكون مجازاة على ما يقدمه للعلم وأهله، وهكذا فليكن العالِم فإن الجزاء من عند رب الأرض والسماء.
بل قد ذكر لي في حديث خاص أنه قد عُرض عليه هدايا ثمينة وعطايا كثيرة فلم يقبل منها شيئا البتة، وكان لبعضها أغراض وقد أغلق هذا الباب وبتّه.
- لا أعلم أن الشيخ قد أخذ من أحد شيئا إلا بثمنه، وحتى أحب شيء إلى قلبه كالكتب لا يقبلها بل يزيد لمشتريها.
-لقد مر على شيخنا في أيام رحلته أياما عصيبة ودراهم قليلة ومع هذا وذاك فإنه لم يطلب من أحد شيئا، وصبر حتى أغناه رب الأرض والسماء.

《اهتمام الشيخ بالقرآن》
لقد أفردت هذا المبحث لأهمية القرآن أولا، ولأن أعظم اهتمامات الشيخ هو بهذا الكتاب العزيز فمن ذلك :
-أن للشيخ -سدده الله- في القرآن فقط، أكثر من ألف شيخ وسواء من ختم عليهم ختمات وهم أزيد من مئة ،أو من أجازوه واستفاد منهم حول كتاب الله،وقد رحل فيه أزيد من ثلاثين سنة إلى جميع الأقطار والأمصار .
-معرفة الشيخ المتقنة الواسعة وإلمامه بكل ما يتعلق بالقرآن من تفسير وضبط ورسم وأقوال وقراءات وتجويد ولغة، وقواعد وأصول هذا الفن العظيم،والذي فما أعجب منه أنا وغيري هو عُمقُ معرفته بكل ما ذكرت إلى جانب تفننه في العلوم الأخرى،فسبحان من يعطي ويتفضّل ويعلم ويُفَضل.
-لقد شهد من له اهتمام بالقرآن والقراءات والتجويد أن الشيخ إمام في هذا الفن، وأنا أشهدُ بالله أن الشيخ -حفظه الله- كان يورد القراءات ويحفظها كالمعوذات!! وذلك في تعليقه على تفسير الجلالين-رحمهما الله.
-للشيخ دورات في الإقراء والقراءات، وله فيها شرط شديد ولا يُجيز إلا من يُجيد، ولقد أخبرني من حضر دورة الشيخ المسماه ب(دورة إتقان) والتي يقيمها الشيخ في بعض الدول وفي عدة أيام مكثفة لثمانية من الطلاب،وتكون في السنة الواحدة أكثر من مرة ، فحكى لي العجب العجاب، وعرفت أنه لن يَجُوزها إلا متقن مجتهد غاية الاجتهاد.
-وقد سمعت الشيخ يقول الإجازة في القرآن تختلف عن غيره من الفنون الأخرى، فالشيخ يجيز كغيره من أهل العلم لمن حضر بالشروط المعروفة ، أما إذا كانت الإجازة في القرآن كانت أَبْعَدُ مِنَ النّجْمِ، وَمِنْ مَنَاطِ الْعَيُّوقِ، وَمِنْ بَيْض الأَنُوقِ، إلا لمن اجتهد وجد وعرف قدر ما يطلب وكدّ.
-إلحن في كل شيء إلا في القرآن، وقد أُخبرتُ أن أحد الحفاظ المتقنين، وكان من ضمن طلاب الشيخ في الدورة قد غلط في أمر يسير ولكنه تكرر وأظنه في التجويد، فأبى الشيخ أن يجيزه والله المستعان .
-قد ذكرت شيئا من قراءاته،وشيئا من مقروءاته في التفسير، ولكن ما سأذكره هنا هو ما يتعلق بالتجويد، فالشيخ محرر فيه ومتقن إلى الغاية، وله تحقيقات لقرابة ستين متنا من كتب التجويد كما ذكرنا آنفا، وله في هذا الفن منظومة، ومؤلف مستقل على طريقة السلف الصالح.
غير أن الشيخ ولو كان بالتحرير الذي ذكرته والتشديد على القراء وحق له، يوصي كثيرا بأن لا يُشدد على العوام ويوقف عند كل الطوام، بل أوصى أن يُحبب الناس في القرآن وأن يُعلموا بطريقة سهلة، فالقرآن لكل الناس،ولو ألزمناهم بأحكام التجويد ما قرأه غير المُجيد .
-لقد ذكر لي أحد اليمنيين المختصين بالشيخ أنه لا يكاد يوجد له نظير في هذا الفن -أقصد علم القراءات والتجويد- بل قال لي أن الشيخ له تحريرات وتقريرات على منهج السلف قلّ من نبّه إليها،ثم قال لي وبكل أسف : فما أزهدكم في هذا الحبر البحر !!

《وعظه ونصحه》

الشيخ واعظ ناصح، لا أعلم درسا علميا أو لقاء مفتوحا إلا ويعظ الشيخ وينصح ويتأثر ويُؤثر، ولو طالعت طلبة العلم عند نصح الشيخ لعلمت أثر توجيهاته ووعظه على مُحَياهم؛
وذلك لعدة أسباب:
فمنها: كبر السن فالشيخ-أمدّ الله في عمره- في عشر الخمسين وقد اقترب من الستين، ولا يزال الناس بخير ما أخذوا العلم عن أكابرهم كما قاله ابن مسعود ،ورواه عنه الطبراني .
ومنها: الرحلة وما أدراك ما الرحلة، والتي عرّفت الشيخ بأمور الأمة وأحوال الناس في كل بقعة.
لقد خبَر الناس عربيهم وعجميهم، أدرك زمان البساطة وقلة المؤونة، عاش في الفقر والغنى، ولقي الغبي وأرباب الحجى. مر على السهل والجبل، وخالط أهل الملل والنِّحل،
ألا يستحق هذا الحبر أن يُستفاد منه كل نصيحة وخبر!!
- أخي الحبيب الأريب هل تساوي بين من طاف المشرق والمغرب بمن لم يفارق وطنه ولم يغترب.
- لقد رافقت الشيخ وخبَرته عن قرب، فما علمته إلا يحمل هم الأمة وينصح لها ويحث على اجتماعها، بل والمساهمة في إصلاحها والتأثر من أحوالها وما وصلت إليه.
-لقد صار بيني وبين شيخي مكالمة مطولة، كان فيها عتاب نصح وموعظة، لا أعلم في حياتي موعظة أثّرت في نفسي وأتعبت بدني كتلك الموعظة، وأعظم ما استفدته من ذلك، أن طالب العلم لا يكن همه إلا رضا الله والفوز في الدار الآخرة .

《محبة الشيخ الشديدة للسلف واتباع آثارهم ومعرفة مذاهبهم》

من جلس مع شيخنا ولو لقاءات معدودة أحب السلف واحترمهم وفزع من مخالفتهم.
-بل إني أقول عن شيخنا ما قاله الصفدي عن الإمام ابن القيم: وأما الخلاف ومذاهب السلف فذاك عشه الذي منه درج ، وغابه الذي ألفه ليثه الخادر ودخل وخرج.
-والشيخ على قانون السلف في أمور كثيرة منها:
-موافقة آراء جماهيرهم أو ما أجمعوا عليه،وسواء كان ذلك في( التفسير أو التجويد والقراءات، أو الفقه أو حتى النحو) أو غيرها من الفنون.
ولعمري أن السلف وحبهم وتعظيم آرائهم قد اختلط بلحمه ودمه .
-منها : تصحيح كثير من مصطلحات المتأخرين وإرجاعها إلى ماكانت عليه في زمن السلف وذلك في جميع الفنون.
-قراءاته العميقة لكتبهم في شتى الفنون، ككتب العقائد والتفسير والقراءات وغيرها مما جعله يُميز بين اصطلاحات المتقدمين والمتأخرين.
-معرفته لمذاهبهم وأقوالهم وتتبعه لها في الكتب المتقدمة كمصنف ابن أبي شيبة وعبدالرزاق وكتب ابن المنذر والطبري وغيرهم.
-وحتى في التعبد والتأله يتتبع طرقهم ويعتذر لمن خالف منهم ويبيّن ما أشكل من أحوالهم، وأذكر أنه مرة ذكر له أحد الطلبة أن ابن رجب وهو العارف بالسلف، قد ذكر في "لطائف المعارف" أن أحد السلف أو أكثر قد ادعى أن البحر صار عذبا في إحدى ليالي العشر الأواخر من رمضان، وأنه بعضهم يدعي أنها من علامات ليلة القدر، فقال الشيخ بل هي كرامة له في تلك الليلة ليس غير ذلك.
-لا أعلم أني حضرت في مجلس من مجالس الشيخ وإلا ويُذكر السلف مرات وكرات، وأتعجب دائما من حفاوته بهم مما أثّر في طلابه ومستمعيه، وأذكر بعد حضوري لدروس الشيخ أنني بحثت في كتب ابن القيم وابن رجب عن لفظة(كان السلف) فخرج لي نتائج بالمئات ،ثم أخرجت بحثا بلغ مجموع ما أخرجته فقط مما كان عليه السلف أكثر من مائتي حال مما كانوا عليه-رحمهم الله- وما أكثرها عند شيخ الإسلام ولكن هيهات فدونها جبال ورمال، وهذا من فضل الله أولا وآخرا، ثم بتعظيم شيخنا حق السلف في قلوبنا .
-الويل كل الويل لمن يستهين بالسلف وحقهم في مجلس الشيخ أو يقلل من شأنهم، فمثل هذا لا يسمح به لأحد كائنا من كان ، بل وظني أن مآله إلى الطرد والإبعاد، والموعد بعد ذلك في يوم التناد.

《تفننه في جميع علوم الشرع》

لقد كنتُ من قبل أتابع الشيخ وأخباره ودروسه وظننت كغيري أنه فقط من المتخصصين في الحديث وعلومه.
مرّت الأيام وتصرمت الأعوام وأنا أتابع مقاطعه ودروسه، ثم تفضل الله وعرفت الشيخ عن قرب، وحضرت له عدة سنين فإذا هو كما قيل عن شيخ الإسلام ابن تيمية: إن تكلم في فن ظننت أنه لا يحسن غيره، فلله دره ما أوسع اطلاعه. وسأطلعك على شيء من كتاباته وجهوده في كل فن من فنون الشرع :
(القرآن وعلومه وكل ما يتعلق به من تفسير وقراءات وتجويد) وهذا قد تكلمت عنه في مبحث خاص، ولكني أجزم أن هذا هو أعظم ما يتقنه الشيخ، فقد أمضى حياته وهو يتتبع دقائقه ومباحثه، ومن حضر عنده في التعليق على تفسير الجلالين علم أنه كان عجبا لمن يسمعه، ومبدعا فيما يحرره ويجمعه، وأعظم ما يُدهشك هو استحضاره العجيب القريب للقراءات المتواترة ونسبتها لأصحابها والقراءات الشاذة وما يتعلق بها. وليس الخُبر كالخَبر.
وله في هذا عدة تواليف وتحريرات ومسائل لم يتطرق إليها أحد كما ذكر لي وهي مهمة، فمنها :
(مختصر الدر المنثور للسيوطي والإتقان في تجويد القرآن، ومختصر الإتقان للسيوطي ويذيله حاشية، وتحقيق متون كثيرة في التجويد، وحاشية على تفسير الجلالين ولم تطبع، ومنظومة الخلاصة في التجويد،ومقدمة في علم القراءات، وقراءة حمزة ورد ما اعترض به عليها، وغيرها مما هو مخطوط أو لم يبيض) .
-ومن أراد معرفة ذلك على عجل فليرجع لدروس الشيخ المسجلة في موقعه، وأبرزها وأغزرها في نظري هي دورة في علم القراءات كانت بالكويت .
-من البشارات أن الشيخ قد بدأ في قراءة القرآن بالقراءات العشر، وقد انتهى من قراءة خلف عن حمزة وهو في طور المراجعة، وقطع شوطا لعله قد اقترب من النصف من قراءة حفص عن عاصم.
(الحديث وعلومه)
-لقد بالغ في السماع والقراءة فأكثر، وكتب وحرّر فبرّز ،فقرأ كتب الحديث المسندة كلها، وجمع مالم يجمعه غيره، حتى صار في عصرنا من أئمة أهل الأثر، وعلمائه الذي يدْرون كل خبر، وقد تكلمت أولا عن بعض ما له في هذا الفن، وأني ما عرفته بغيره إلى وقت قريب وفضل الله يؤتيه من يشاء، وكتبه مطبوعة وشاهدة على علمه بهذا الفن وأهله .
والشيخ على طريقة الأوائل في النقد بل لا يكاد ينفك عن طريقتهم ومناهجهم، ولقد كان من مقروءاتنا على الشيخ متن "النخبة" لابن حجر، فعلق عليها بتعليق نفيس، وبيّن أن فيها مخالفات كثيرة للمتقدمين، ولقد سألته قبل سنين عن بعض المسائل المشكلة المتعلقة بالرجال فشفاني وأفادني، وسألته عن منهج ابن حبان في "صحيحه" و"الثقات" و"المجروحين" وهو من أشكل المناهج فأظهر ما بطن من الغوامض وما استجن، وسألته عن قبول رواية المجهول أو ردها فأوضح لي مناهج الأولين في التعامل مع ذلك .
-من الطرائف أن أحد طلبة العلم الأفاضل وهو يحسن الظن بي دائما أحسن الله إليه ،أهدى إليّ كتابا شرح فيه صاحبه متن "النخبة" على منهج المتقدمين كما ذكر في العنوان والمقدمة، ففرحت به وقرأته ولم أتركه حتى انتهيت منه وأُُعجبت به ولازلت،وأثنيت على صاحبه وشكرت لصاحبنا هديته فأطنبت وأكثرت، وما إن قرأ صاحبنا هذه الثناءات حتى أرسلها لشيخنا، فطمع الشيخ في الكتاب وأرسل له دراهمه في الحال، وقد ذكر لي الشيخ بعد ذلك أنه كان بالأشواق لهذا الكتاب، فما إن قرأه حتى خابت آماله وندم على أن دفع فيه ماله، ثم قال لي وصاحبي هذا معنا كلمة طريفة مضحكة. فلا يُعجب الشيخ أي كتاب وهيهات إلا ما كان مُتقنا على منهج السلف الصالح.
والشاهد من كلامي هذا كله: أن الشيخ واسع المعرفة بمناهج الأوائل وطرقهم ومداخلهم ومخارجهم .
وللشيخ في هذا الباب- أقصد الحديث وعلومه- عدة تواليف منها :
الأربعون في فضائل الصحابة، والأربعون في فضائل آل البيت الطاهرين، والمسانيد المئة، وحاشية على ابن الصلاح ولم تطبع، وحواشي على الكتب التسعة ولم تطبع و هذه تحتاج إلى رجال كما يقال، وجزء فيه مسائل على مناهج المتقدمين ولم يطبع، وغيرها مما ذكر أولا وما لم يذكر .
وقد طلبتُ من الشيخ كتابة متن في علوم الحديث على منهج المتقدمين فوعدني خيرا، وطلب منا الدعاء بالسداد والإعانة.
(العقيدة)
وله في تبينها ونشرها اليد الطولى، والقِدح المعلى ، وشروحاته على الشبكة كثيرة ومفيدة على بعض كتب العقيدة، ومن أهمها وأغزرها: شرح عقيد أئمة الحديث لأبي بكر الإسماعيلي وهو مسجل، والواسطية، وجل كتب الشيخ محمد بن عبدالوهاب وغيرها، وأما المكتوب فله شرح متين وتحقيق رصين على الأرجوزة المفيدة في العقيدة للشيخ إسحاق بن عبدالرحمن بن حسن آل الشيخ، ولا زلنا نقرأه على الشيخ في هذه الأيام وقد اقتربنا من نهايتها، وانتهى كذلك من تحقيق كتاب لمعة الاعتقاد لابن قدامة على أكثر من عشرين نسخة خطية. والله الموفق .
(الفقه وأصوله)
لقد درّس الشيخ بعض المتون الفقهية زمانا،وأفتى في كثير من المسائل وأورد بيانا، ولقد برع في الفقه وحفظ متن الزاد في سن مبكرة لا أظنه تجاوز في حفظه سن المتوسطة، وفتاوى الشيخ وتقريراته وتحريراته تدل على باع كبير في هذا الفن، وله نوادر وفرائد قد أخبرنا ببعضها، ولا يزال يُكن أكثرها، وله اهتمام عظيم بالمذهب -أقصد المذهب الحنبلي- وقد قرأ جل كتبه، وسمع وقرأ كل متونه وشروحه، بل وله على بعضها شروحات كالمنتهى والزاد أخرجها الله للعباد .
- ولقد قرأ الشيخ كتب المذاهب الأربعة على أصحابها في بلدانهم، وله معرفة بهم وبأحوالهم وطرائقهم، بل وحتى كتب الزيدية قرأها على أربابها في اليمن، وعرف ماوافقوا فيه المذاهب وما خالفوا فيه من الغرائب.
-وأعظم من هذا وذاك اهتمامه بفقه السلف، وبالكتب التي نقلت عنهم كالمصنف، ومقصودي بالمصنف هو"مصنف ابن أبي شيبة" والذي يحبه شيخنا ويوصي به دائما وأبدا، ويذكر أنه كنز عظيم في معرفة مذاهب السلف الصالح-رحمهم الله.
-وللشيخ بعض الشروح الصوتية والنوادر الفقهية على الشبكة العنكبوتية.
وإني أشيد بفتاوى شيخنا وكتابتها ونشرها ولعل الله أن يهيء لها طلبة جادين مخلصين.
وأما أصول الفقه فللشيخ فيها شروحات مسموعة وكتب مؤلفة منشورة ككتاب(الدلالات عند الأصوليين) وحواشي على الورقات ومختصر ابن اللحام ولم تطبع إلى اليوم . وفي شروحاتها للفنون الأخرى يذكر شيئا من القواعد والضوابط المهمة والتي تدل على مُكنة.
-وقد حقّق الشيخ أيضا كتاب (تحرير الأحكام في تدبير أهل الإسلام) لابن جماعة، وهي رسالته في الدكتواة، وهذا الكتاب مختص بعلم السياسة الشرعية.
(اللغة العربية بفنونها)
العجيب في حياة شيخنا العلمية أنه مع كونه سفّارا ويحمل من العلم أسفارا، إلا أنه له عناية فائقة باللغة العربية وفنونها المعروفة المتشعبة الصعيبة،
فله بالنحو خاصة أعظم عناية إلى الغاية.
وله بالأدب ولغة العرب ما يقضى منه العجب !
والشيخ ينظم الشعر وله قصائد ويحفظه وله به اعتناء زائد .
-لقد سمعت الشيخ في" تعليقه على الجلالين" يذكر عدة مسائل نحوية خالف فيها النحوي المتأخر المتقدم، ثم يحيل على كتب لا يحيط بها إلا من بلغ الغاية في هذا الفن وذلك ككتاب الكتاب لسيبويه!!
(التراجم )
لقد فرحت لما أُُخبرت من الشيخ ومن غيره أنه له كتبا في هذا الباب تجمع تراجم الشيوخ والأصحاب، فمنها :
-معجم الشيوخ في مجلدين وقد ذكرته سابقا.
-وكتاب في تراجم القراء من بعد عصر ابن الجزري إلى زماننا هذا، وهو ذيل على كتابه الموسوم ب(غاية النهاية في طبقات القراء) وهذا لم يطبع، وغيرها مما سيذكره الشيخ في كتاب الرحلة وديوان المسموعات وكتاب في المسلسلات.
وأختم هذا المبحث بأن الشيخ في هذا العصر نادر لتفننه في هذه العلوم، وسعة في معرفة المنطوق والمفهوم.

《 ومما يذكر عن الشيخ》

-أنه كثير الحيا غزير الحُبا، صاحب طرفة ودعابة وما أجمل طرائف العلماء، على لسانه نوادر وفوائد وحكايات عجب ،وكما قيل في المثل "ترى العجب في رجب ".
-شريف النفس ذا مروءة ، بديع الكتابة كل سطر كأنه سبحة جوهر راق نظمها، وفاق على الكواكب وسمُها.
-الشيخ يتجمل للدرس بأحسن لباس، تعظيما لكلام الله وسنة رسول الله، ويتطيب ويحث على ذلك دائما،وهو على طريقة السلف في التجمل والتطهر الدائم. وله في ذلك مقطع متداول مشهور طريف.
-رأيت الشيخ لا يُفضل في مجالسه أحدا على أحد ولو كان وزيرا، وقد حضر معنا بعضا من المشاهير في العلم والتأليف، فلم يتغير أو يُغير من طريقته شيئا، بل هو شيخنا المهيب الوقور المعتاد على طريقته معنا ومع غيرنا، وأتذكر ما بوب به الدارمي في "سننه" (باب التسوية في العلم ).
-حفاظه على الوقت واستغلاله له وعدم إضاعة شيء منه في غير العلم والعمل، فترى في مواقفه وتصرفاته ما يحثك بأن لا تضيع شيئا في غيرهما، وقد ذهبت أنا وإياه وبعض الإخوة إلى مكانا ما، وأردت أن أقطع الوقت في أسئلة تتعلق برحلاته وبعضا من سيرته،فلم يعبأ بذلك،ثم قال عندكم ما تقرأونه، فيسر المولى قراءة مقدمات كتب المذهب أو جلها، ومقدمة الرسالة ومختصر المزني وغيرها،فما أجمله من مشوار جمعنا الله بشيخنا في دار الأبرار .
-إذا لم يكن هناك ما يُقرأ، ولا لقاء مرتب له من قبل، أعطى المجال لمن يسأل ثم انهمر كالمطر القاطر واندفع كالسيل الحادر ، وقد بارك الله في تلك الأوقات لعرض بعض الأسئلة والمناقشات ،وليتها جمعت وفرّغت فظني أنها لا تقل عن ثلاثة مجلدات، والله المستعان.
-الشيخ لا يرغب حضور الطلبة الذين يفتقدون الجدية وعدم المبالاة، وهو دقيق إلى الغاية في هذا الباب وما يقاربه، فإن ارتبطت بشيء عند الشيخ فاحذر أن تكون كما ذكرت، فعلى رحمة الشيخ بالطلبة وحبه لاجتماعهم وإفادتهم إلا أنه لا يحب الهزل ولا يعرفه لا من نفسه ولا مع طلابه.
-الشيخ دقيق في المواعيد أيضا يحب الانضباط والترتيب والالتزام بالوقت، وقد ذكر لي أحدهم ممن حضر دورة (إتقان) أن الشيخ قد نبهم في بداية المجلس الأول أن من تأخر ولو دقيقة واحدة عن الموعد المحدد أنه يرجع من حيث جاء .
-الشيخ من طبيعته أنه لا يقضي الأفوات وهيهات ،إلا لظرف عصيب على طالب مستمر مجتهد، وطريقته دائما أن من حضر وتعب فإنه يعطى إجازة ورقية دون غيره ممن بُعَد وابتعد .
-الشيخ في يومه وليلته لا يأكل إلا أكلات يسيرات يقمن صلبه كما قال النبي صلى الله عليه وسلم، وقد شاهدناه على هذه الأحوال في عدة لقاءات قصار وطوال .

《زيارته لي》

لقد كان من أغلى الضيوف الذين دخلوا بيتي هو شيخنا الكريم، ولقد زارني في (محافظة الحرجة)بمنطقة عسير بعد إلحاح شديد لظرف جاء به إلى ديارنا، وقد اجتمع عدد من المحبين للشيخ وكانت جلسة قصيرة ومفيدة.
-ولقد وافق في ذلك اليوم أن زوجتي-جزاها الله عني كل خير- كانت حاملا في الشهر التاسع ومُتعبة إلى الغاية، ولم ألتفت لمثل هذا، لأن إكرام الضيف وبخاصة أهل العلم والفضل له توابع طيبة،" وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه"، فيسّر الله كل عسير ودعا الشيخ بدعوات تسر القلب الكسير، وكان وقت ذهاب الشيخ قبيل المغرب فما بزغ الفجر إلا وقد رزقني المقتدر بولد لولا أن اسمي كاسمه لما تجاوزته حفظه الله. وقد أخبرت الشيخ ففرح وبرّك.
-ومن طبيعة الشيخ أنه لا يحب أن يُكلف على أحد أو يتكلف له بشيء ، بل رغبته دائما وأبدا أن يُعطي ويُكرم ولا يستقبل من أحد شيئا.
-ومن الطريف في هذا الباب أنني قد قدمت له عزيمة وطلبته بأن يأتيني في بيتي مرة ثانية وطبيعته كما ذكرت لكم، فقال سآتيك عام ١٤٥٦ وهو هنا يعلق الأمر على المستحيل كما هو معلوم، فقلت مرحبا بك وأنتظر موعدك، فضحك ثم ذكر لنا قصة لابن باز حصلت بينه وبين أحد الطلبة كما هنا، وجاءه الشيخ-رحمه الله- بعد سنوات من موعده الذي قد نسيه ولم يخلفه!!.

خاتمة:

-الكلام عن الشيخ يطول ويعجز عن كتابته أمثالي، وليس ذلك غلوا ولا إطراء يتجاوز الحدود ومعاذ الله، بل إن ذلك حتى يُنزل الشيخ منزلته، ويُعرف قدره، ولعلي وضعت لَبِنة يزيد عليها من شاء من طلبة العلم الأوفياء، والذين يعرفون حقوق شيوخهم بنشر علومهم وذكر أخبارهم.
-وأعلمُ أن الشيخ لا يعلم ولا يرضى بمثل هذا المقال، في أي حال من الأحوال، ومن عرفهُ كمعرفتي عَلم أن الشيخ شديد الشحّ في الإخبار عن نفسه وما يختص به.
-ثم اعلم أن الشيخ من أزمان قد استوى عنده المدح والذم والنقصان، فلا كتاباتي ستزيده علما وذِكْرا، ولا تواصلي معه وترجمتي له ستزيدني منه قربا وتأثيرا، بل الشيخ فوق هذا كله، وإنما دفعني إلى مثل هذا هو محبتي للشيخ أولا واعترافي بفضله بعد فضل الله ثانيا وآخرا.
-لقد اتفق الناس على أن الحي لا تُؤمن عليه الفتنة ولو كان ماكان، وقد سلّاني للكتابة عن الشيخ وهو حي يرزق أنني قد سلكت في هذا سبيل أمة من المترجمين الذين ترجموا لشيوخهم وأصحابهم في حياتهم، بل وحتى تلامذتهم، وذلك كالذهبي في "معجميه المختص بالمحدثين والشيوخ" وإني بهما لخبير، فإن من فوائد مثل هذه الكتابات أن يُدرَكوا قبل الفوات ، فمن مات فقد فات .
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين


كتبها في أيام قلائل :
عبدالله بن سعيد أبوحاوي القحطاني
وذلك في التاسع عشر من شهر ذي الحجة من عام ١٤٤٤.
أحسن الله عاقبتنا في الأمور كلها.

 

 
  • فوائد وفرائد من كتب العقيدة
  • فوائد وفرائد من كتب الفقه
  • فوائد وفرائد من كتب التفسير
  • فوائد وفرائد من كتب الحديث
  • فوائد وفرائد منوعة
  • غرد بفوائد كتاب
  • فوائد وفرائد قيدها: المسلم
  • فوائد وفرائد قيدها: عِلْمِيَّاتُ
  • الرئيسية