اطبع هذه الصفحة


إيّاكم و الاختلاط.. مرّةً و ثانيةً و ثالثةً
غاية النّصح من الجزائر إلى الأحبة في السعودية

محمد المهداوي


بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله رب العالمين القائل:(( ألا يعلم من خلق و هو اللطيف الخبير)) و القائل أيضا:(( إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي)) ، وصلى الله على محمد و آله إمام الطيبين الطاهرين و بعد:
واقعُ الاختلاط اليومَ و ما يحيط به من وسائل إفساد واقعٌ أليم يتقطع له القلب حسرة و أسى، و تضيق به النفس همّا و غمّا ، يرتجف منه الجسد تارة وجلا و خوفا، و تارة أخرى كمدا و غيظا، يندى له الجبين وتبكي له العين دما لا دمعا .
قصدي من هذه النّصيحة الإسهام في تثبيت أهل الحق على حقهم وتذكير الغافل بالنعمة التي يتقلب فيها و هو عنها غافل ، ونُصحُ من سلك مسلك الداعين إلى خلاف الحق و هو يدري أو لا يدري ، والله وحده هو الهادي و الموفق وعلى الله وحده التكلان وهو سبحانه المستعان. أقول:

لم يقصد العلماء إلاّ خيرا:

لا ينبغي لأي عاقل يفكر تفكيرا سليما أن يفصِل الحديث عن الاختلاط و عن حكمه في الشرع عمّا يحيط به من بيئة و وسائل تُفضي إلى فساد عريض، لأن الحديث عنه في غير سياقه الواقعي يجعل منه حديثا مجردا عن المفاسد التي يجرُّها ويُحكم بالنهي عنه لأجلها، فيَضعُفُ تصُوُّر مفاسده لدى الناس و بالتالي يضعُفُ حكم النهي عنه عندهم، و هذا مدخل من مداخل مخالفة الحق، إذ كلما كانت المفاسد عظيمة كلما اشتدّ التحريم، وكلما كانت المفسدة بعيدة وجب التّحرُّز منها و اشتدّ الحذر من الوقوع فيها ؛ ولذلك يذكر العلماء، رفع الله أقدارهم، أنّ من أبواب الفقه و أصوله باب سد الذريعة، أي غلق السبل المؤدية إلى الحرام، و هذا بالضبط ما يقوم به العلماء و يُنال منهم بسببه و ليسوا في ذلك بمتشددين و لا متسلّطين بل هم ناصحون ينشدون الخير و السعادة للناس جميعا و ليس للمسلمين فحسب. و ينبغي التنبيه إلى أنه لا يمكن فصل الاختلاط عن باقي وسائل الفساد، والنظر إليه نظرة مجردة ممّا يحيط به من قنوات فضائية إباحية، ومواقع إلكترونية هابطة، ودعاوي إفساد ساقطة. فما عشناه و نعيشه يوميا من انحلال غير مسبوق هو نتاج اجتماع سبل الفساد تلك مع الاختلاط، و إن كان هو وحده كافٍ لجرّ منكر عظيم. و على هذا فإن الاختلاط ليس إلا مرحلة تنفيذية لما يُتلقى عبر تلك السبل المفسدة، و سيجعل التحوّل من العفة و الطهر إلى الخسة و الدناءة تحولا متسارعا يذر الحليم حيرانا.
فحديث العلماء و الناصحين عن الاختلاط إنما كان مبنيا على أدلة شرعية لم يَغفَلوا في النظر فيها عن الواقع و ما فيه من وسائل تجعل الاختلاط كشعلةِ نارٍ في وسطٍ يملئُه سائلٌ أو غازٌ سريع الاشتعال.
كما لم يغفلوا أيضا أن التساهل الذي يبدأ بسيطا و محدودا في بداية الأمر، و التنازل عن الحق و التفريط فيه، يُفضي حتما إلى المخالفة الصريحة لتعظُم المخالفة بعدها وعُمدَتُهم في ذلك أيضا فقه عزيز، فَهُم يعلمون أن من الفقه و أصوله أيضا : أن الدفع أولى من الرفع، أي دفع الضرر قبل حصوله و إن كان في ذلك مشقة أولى من العمل على رفعه بعد حصوله لأن المشقة في هذه الحال أعظم و قد يصاحبها من التوابع والآثار ما لا يزول إلا بزوال جيل.

لا دليل على إباحة الاختلاط بمعناه الذي فهمه العلماء و يدعو إليه دعاته:

الاختلاط بين الجنسين في المدارس و المعاهد و الجامعات و المؤسسات خاصة هو ما يدعو إليه بالتحديد دعاة الاختلاط و يجالدون من أجله، و يستشهدون لإباحته بالنقل و العقل، فلا النقل فهموا و لا العقل أعملوا. ولست بصدد الردّ الدّقيق فإنّ الحقّ أبلج، و لكن أقول أنّ الوصول إلى الحكم الشرعي له طرائقُه التي يعلمها ورثة الأنبياء من العلماء، و من ذلك ألاّ يُبتَر النصّ في مسألة ما كآية أو حديث عن سياقه الزمني أو المكاني أو إغفال باقي النصوص في المسألة إذ أنّ إعمال النصوص أولى من إهمالها ، كما أن من طرق الوصول إلى الحكم أيضا إدراك الواقع و تقدير المصالح و المفاسد.

أقول باختصار:

فرقٌ بين اختلاطٍ عابر أو عفوي و اختلاطٍ غير عابرٍ بل دائمٍ ممنهجٍ ومنتطمٍ كما هو الحال في ما ينشده دعاة الاختلاط متجاهلين الواقع الذي إن سُمِح فيه بالاختلاط كانت قاصمة الظَّهر وماحقة العفّة و الطُّهر. و ممّا يثير الدهشة أنّ من جملة ما يستشهدون به في الإنكار على منكري الاختلاط ، عفوا.. على منكري المنكر، أنّ مصطلح الاختلاط حادث و دخيل على الفقه الإسلامي، و ما علِموا أنّ دعواهم هذه تحمل بطلانها في طيّاتها، فالمصطلح غربيُّ النشأة غربيُّ الدلالة و المعنى، إذِ المقصود منه هو الاختلاط بين الجنسين في الدراسة و المِِؤسّسات لإزالة الفوارق بين الجنسين و حلِّ العُقد النفسية زعموا. فإذا فهمنا هذا أدركنا ما يعنيه و يَحذَرُه العلماء و يُحَذِّرون منه، و أنّهم لم يُحدِثوا هذا المصطلح من عندهم و لكن تعاملوا معه كما يتعاملون مع أي أمر حادث وِفقَ حدوثه و ما أُطلِق عليه من اسم يدلّ على مسمّاه، فالمخدّرات على أنواعها مثلا لم تكن معروفة من قبل على هذا النحو الذي نعرفه، غير أنه ما إن يُعرف نوع منها و يسمّى يدلّ ذلك على مسمّاه فيأخذ حكم التحريم و يُتحدّث عنه باسمه و إن لم يكن له وجود من قبل، فكذلك م صطلح الاختلاط هو اسم يدلّ على مسمى و معنى و يُنبِئ بحال يفضي حتما إلى منكر عظيم، فالحكمة و العقل السليم يقتضيان استخدام ذات المصطلح الدّال على معناه في النهي عنه.

الاختلاطُ و طبع الإنسان و ما يُرافقُه من وسائل إفساد :

إنّ الدعوة إلى الاختلاط و الإنكار على من أنكره ، في ظلّ غياب الرقابة من الوالدين و ولاة الأمر، عواقبها وخيمة ، و أنا أتحدث من واقع ننام و نستيقظ على آثاره ، سأسوق شيئا من آثاره مجملة من دون تفصيل حتى لا تؤذيكم ريح الاختلاط النّتنة و ما صاحبها من وسائل فساد و إفساد داعمة.

أيها الأحبة،

إن ّمَثَل حديثي إليكم اليوم و أنتم في عافية من آثار الاختلاط التي نعيشها كمثل حديث واحد منكم انتقل في الزمن المستقبل سنوات ثمّ عاد إليكم منذرا و مُنبئًا عماّ شاهده من آثار للاختلاط إن أنتم تساهلتم فيه اليوم. و اذكروا دائما أنّ الخير الواحد يجلب أضعافا من جنسه، و أنّ الشر الواحد يجلب أضعافا من جنسه، فلا تُهَوّنوا من أي مخالفة ، فإنها تجر إلى ما هو أعظم منها و تُثمر حسرة و ندامة.
سأتناول موضوع الاختلاط من منطلق خبرة لأعرِّج بعدها على مراحل عاشتها بلادنا الجزائر، حتّى يظهر مدى التحول الذي وصلنا إليه و الله وحده نسأل العفو و العافية و الستر.

أيها الأحبة،

قد يقال لا إشكال في الاختلاط إن كان \"بضوابط و باحترام و برقابة\"، و الجواب أنّ الحق أظهرُ من أن يخفى و النهار يبقى نهارا و إن حُجِب ضياءه عن العينين، و لا ينجي النعامة إدخال رأسها في جُحر و جسدها ظاهر لكل صياد.
اقتضت سنة الله أن يكون التعليم بالتدرج، و تكون التربية واحدة بواحدة ، فإن تمّ الأمر وجب الحفاظ عليه؛ و لمّا كانت غاية عدو الله إبليس القضاء على بني ءادم و الانتقام منهم وجرّهم إلى النار، نار في الحياة وبعد الممات، عمِل على أن يكون إضلاله خطوة خطوة و لذلك نهى الله عن اتباع خطواته لأن فيها هدم للإنسان المسلم و ما بلّغه الله من النعمة.
إنّ الضوابط و الرقابة لا يمكن أن تنضبط لأن القائم عليها هو الإنسان و الإنسان لا يملك لنفسه أن يضبطها فكيف له أن يضبط غيرها في جوّ يغيب فيه العقل و يضعف فيه داع الدين أمام ما تشتهيه النفس من الشهوات التي يراها أمامه في الصباح و في المساء بل بالليل و بالنهار، قال تعالى: :(( ألا يعلم من خلق و هو اللطيف الخبير)) و قال :(( إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي)). و هنا أنبه إلى أنّ المقصود بالإنسان جنسُ الإنسان لا إنسانا واحدا أي جميع الناس على اختلاف طباعهم، ممّا يعني صعوبة ضبط هذا الإنسان إلّا بحكم عام هو الأصل و غيره خاص بحسب الظروف هو الاستثناء، وهذا ما يَعملُ عليه العلماء وينافِحون من أجله في مسألة النهي عن الاختلاط، إذ كيف يتركون الأصل و هو النهي و يتبعون الاستثناء؟ أم كيف يجعلون الاستثناء هو الأصل و الأصل هو الاستثناء؟
كيف لدعاة الاختلاط بين الجنسين أن يَغفَلوا أو يتغافلوا عن طبيعة النفس البشرية و ما جُبِلت عليه من ميول الرجل إلى المرأة و ميول المرأة إلى الرجل. ميولٌ اقتضته حكمة الله ليتمّ اللقاء بينهما لقاء شرعيا تحيط به الحقوق و الواجبات، و لتتحوّل هذه الحكمة إلى نعمة يتمتّع بها الإنسان و يرقى بها إلى قمة الصفاء و النقاء. أمّا إن غُفِل عن هذه الحقيقة و تُرك التواصل و الاختلاط بين المرأة و الرجل الأجنبي عنها حدث ما لا تُحمد عاقبته، كيف ذلك؟
الحديث عن الاختلاط هنا لا ينبغي أن يكون حديثا مجردا عن الواقع كما أسلفت، فإنّ قصدَ دعاة الاختلاط من دعوتهم هو الاختلاط في المؤسسات التعليمية بجميع أطوارها و الاختلاط في المؤسسات الاقتصادية و غيرها من الأماكن التي تتفرع عنها. هذا الاختلاط و التواصل بين الجنسين ليس اختلاطا عابرا كما هو الحال في الأماكن العامة أو الطرقات أو كما هو الحال في الحرم، و إنما هو اختلاط بين نفس الذَّوَات مدَّتُُه بالسّاعات، ويتكرّر بشكل يوميّ، و على مدار السنة، وهنا مَكمَنُ الخطر. اللقاء العابر بين المرأة و الرجل، إن كانا على صلاح، له أثر إن لم يغض أحدهما بصره، إذ قد ينتج عنه تعلّق أحد الطرفين بالآخر، و في هذه الحالة يجد الواحد منهما نفسه أمام طريقين : إمّا أن يسلك مسلكا شرعيا يسعى من خلاله لأن يلتقيَ بالطرف الثاني لقاء شرعيا، و قد يُحصِّل مُبتغاه و قد لا يُحصِّل، فإن حصّل فبها و نعمت و إلاّ ترك ذلك في نفسه أثرا قد يتجاوزه مع مرّ الأيام لأن اللقاء كان عابرا مقتصرا على النظر فقط، و إما أن يُغلَق الموضوع و هذا أمر ممكن أيضا لأن اللقاء عابر.
و لكن !! الحديث هنا عن اختلاط يوميّ في نفس الزمان و في نفس المكان يَحصُل فيه التواصل بينهما بالحديث \"لأنّ طبيعة الدراسة أو العمل تقتضي ذلك\" لتنشأ علاقات \"عمل\" في البداية ثم تتحول إلى علاقات \"زمالة و صداقة\"، و النفس هي النفس و الميول هو الميول، و قد يضبط الإنسان نفسه اليوم و غدا لأنّ فيه ربما صلاحا ، و لكن ما الذي يضمن باقي الأيام؟
ثم على فرض صلاحه أو ضبطه لنفسه فإنه يصبح في صراع يوميّ مع ما جُبِلت عليه نفسُه من الميول إلى الجنس الآخر، فيُصبح و يُمسي مُنهَك القوى العقلية و النفسية، على تفاوت بين النفوس، مما يِِؤدّي حتما إلى تدنّي المستوى الفكري و العقلي و كذا الأذى النفسيّ لكلٍّ منهما، وفي هذا فقط سبب يدعو إلى الفصل بين الجنسين في مثل هذه الأماكن.

و قد يقول قائل إنّ الغرب على ماهم عليه من الفساد و الإباحية ، في قمة العطاء الفكري و الحضاري.
و الجواب من وجهين،
الوجه الأول: أنّ سبل الفساد عندهم مُيَسّرة، ولا إشكال في إقامة علاقات خارج إطار الزواج، على أنّ هذا من هواجس الأذكياء في الغرب الذين يُدركون أنّ الأمور إن استمرت على هذا النحو فإنه الهلاك.
الوجه الثاني: أن الكثير من العلماء و المهندسين الذين قامت على ظهورهم هذه الحضارة ما كانوا أصحاب مُتَع بل كانوا أصحاب مخابر و بحث أفنَوا فيها أعمارهم ؛ و هذه كلمة أقولها من وحي التجربة و الواقع المتعلّق بالبحث العلمي أنّ العطاء العلميّ يحتاج إلى تفرّغ في الوقت و تفرّغ في العقل، و أنّ الذي تحوم حوله الشهوات و لا يستطيع تحصيلها يطرأ عليه ضعف و وهن في البناء الفكري. و عليه فمن أراد أن يسلك مسلك الغرب فعليه أن يتحمّل التبعات و النتائج و أن ينتظر حلول ذات الصورة الموجودة في الغرب في مجتمعه، و أقصد بالصورة هنا الصورة القبيحة المتمثلة في ذروة الفساد الأخلاقيّ، لا التمكّن العلميّ لأن هذا له شروطه و ليس من شروطه الاختلاط و لأن الاختلاط في الغرب بالصورة التي نراها اليوم حادث بعد قرون من انطلاق الثورة الصناعية عندهم، و لو كان الوضع عندهم في الفترة التي انطلقت فيها هذه الحضارة الحديثة بهذه الصورة الاختلاطية الإباحية لما وصلوا إلى ما وصلوا إليه من التقدم ، و بهذا نفهم أن من موانع قيام الحضارة الانحلال الأخلاقيّ الذي سبيله المؤِدّي إليه حتما.. الاختلاط. فمن أراد أن يتقدم حضاريّا و يزعم أن ّ الاختلاط ليس من موانعه فهو واهم.. واهم.. واهم، بل عليه أن يستوفيَ الشروط و أن يجتنب الموانع.
الكلام هنا يقتصِر على الاختلاط و خطره بالنظر إلى دواعي النفس و ميولها مجردة من وسائل فساد هدّامة مِن الصعوبة بمكان ضبطُها بعد أن صارت واقعا فكيف برفعها إذ لم تُدفع قبل.
من هذه الوسائل الفاضائيات و ما يُبث من خلالها من سموم متنوعة، و من أشدها فتكا بالأخلاق و القيم القنوات الإباحية.
و منها أيضا المواقع الإكترونية الإباحية و ما فيها من قنوات للتواصل تُمَكِّن من تحقيق ما يُتلقّى من خلالها من فساد و ذلك بضبط مواعيد لقاء يَنفُخ فيها الشيطان سُمّه القتّال.

بناء على ما سبق فإنه يمكننا أن نُعدّد إلى الآن داعيَين يدفعان الإنسان بجنسيه إلى الفساد: داع ذاتي ّو داع خارجيّ.

1- أمّا الذاتيّ فهو النفس.
2- و أمّا الخارجيّ فهو وسائل الفساد المتاحة و المنتشرة عبر الفضائيات و شبكات الاتصال الالكتروني.

و لو توقفنا عند هذا الحدّ في بيان أنّ الاختلاط كشعلة نار في وسطٍ يملئه سائل أو غاز سريع الاشتعال لكفى لكلّ صاحب عقل سليم لِأن ينتهيَ عن التساهل فيه بل.. لِأن يعمل على عدم حصوله و التنبيه على مخاطره، و هذا ما يقوم به العلماء فهم سادة العقلاء. مع هذا فإنه ينبغي أن ننتبه إلى أمر آخر و هو أن الاختلاط إن و قع صار معروفا مقبولا و صار إنكاره منكرا ممّا يجعل الرقابة لا معنى لها، لأن القائم عليها إنما ينحصر دوره في منع حصول المرحلة النهائية من نتائج الاختلاط و ظهورها، و هي مرحلة بعيدٌ حُصولها في البداية؛ ثُمّ تضعف الرقابة و يضعف معها الرقيب و قد يصاب بداء الوهن جرّاء الاختلاط و اعتياده فيَصِل الأمر مع مرور الأيام، و ربما السنوات، و لا أظن أنها ستكون طويلة في ظلّ الظروف التي أشرت إليها، إلى ما يجعل القلب يتقطع و العين تدمع و لا عاصم إلاّ الله وحده.
و الذي أقصده بالرقابة هنا رقابةُ ولاة الأمور و كذا رقابةُ الأسرة التي هي تبع لها.

أين كُنّا و إلى أين صِرنا:

سأضرب ثلاث صور من ثلاث مراحل من تاريخنا في الجزائر الحبيبة صانها الله و عافاها، على وجه التعليل يتجلّى بها ما سبق من التحليل، و لست أُشَهِّر ببلدي الذي ضحّى من أجل حريته و رجوع الإسلام إليه عزيزا أكثر من مليون و نصف المليون من الذين نحسبهم شهداء عند الله على سبيل الإجمال، بل إني أكاد أجزم أن وضعنا شبيه بأوضاع كثير من البلاد الإسلامية، و إن استثنيت فإنما أستثني بلاد الحرمين لما فيها من علماء و أمراء نحسبهم يحفظون للأمة دينها بإقامة شرعه ما استطاعوا، إذ كلما كانت الأمة إلى الدين أقرب كانت إلى الستر أقرب فإنّ الله ستّير يحب الستر. و أنبّه أيضا إلى أنّ الخير موجود في الجزائر بفضل الله وحده، و في غيرها أيضا، وغاية ما أصبُو إليه هو بيان ما جناه الاختلاط مع ما صاحبه من الوسائل المفسدة و غياب الرقابة و إهمال حفظ الدين للأمة علينا من مفاسد وضرر نسأل الله أن يصرفه عمن هو في عافية، و أن يثبّت من يحاربه ثبات الجبال. فإليكم الخبر:

الصورة الأولى: صورة عزٍّ مشرقة
يذكر المِؤرِّّخون الفرنسيون، أقول الفرنسيون، أنّ فرنسا لمّا احتلّت الجزائر سنة 1830 من الميلاد ، عمدوا إلى إغراء أبنائهم في أوربا بطريقة ساقطة كاذبة ليدفعوهم إلى المشاركة في احتلال الجزائر. يذكر المؤرخون أنّ الفرنسيين لمّا احتلُّوا الجزائر لم يَرَوا أثرا لامرأة جزائرية خارج بيتها حينها، لأنّ المسلم لا يرضى أن يُدنِّس عرضه عدو حقير و لا المسلمة الحرة ترضى لنفسها ذلك، فعمدوا إلى رسم نساء على بطاقات بريدية و أرسلوها إلى أراذلهم و زعموا أنها لجزائريات حتى يُغروهم بها. احتُلّت الجزائر و بدأ الاحتلال يعمل لهدم الجزائريّ المسلم و مرّت السنوات.

الصورة الثانية: صورة عزٍّ مشرقة أخرى

مرَّ قرنٌ على احتلال الجزائر، فأقامت فرنسا حفلا في ذكرى مئوية احتلال الجزائر عام 1930 حاول المحتل فيه تأكيد تغريب الجزائريين وخاصة الجزائريات، عندما أجبر فتيات جزائريّات على ارتداء اللباس الأوربي حتى يقدمهن دليلا على نجاحه بعد قرن من الاحتلال ، ولكن الفتيات خرجن للحضور بلباسهن المحتشم من حائك أبيض وملاءة سوداء ( لباس ساتر لمفاتن المرأة يستوفي أغلب شروط الحجاب الشرعي) فكان ردّا قويّا على فشل الاحتلال و دليل قوّة المسلم و صلابته في دينه رغم ما لحقه من تجهيل و تدمير. ثمّ كان بعدها الجهاد لتحرير البلاد من الاستعباد، ليرسٌم أيّاما من العزّ و الشهادة ما كانت لتكون لولا البراءة من الاحتلال و من معتقده و ممّا أراد أن يُلحِقَه بالجزائر من تغريب.

الصورة الثالثة: الانحدار

ثمّ كانت الحرية و الاستقلال، نعمة أنعمها الله علينا بعد شرّ عاشه الجزائريون، فما ذَكَر من استرعاه الله هذه البلاد هذا الفضل و المنة فبدأ الانحراف شيئا قليلا فشيئا. وهنا أُذكّر بما وَرَد في النصيحة السابقة :\" فسُمح بالاختلاط و غير ذلك من المخالفات، وسلكنا مسلكا لم يرتضه الله لنا، غير أن السفور و الاختلاط حينها، و هما ظاهرتان متلازمتان، كانا محدودي الانتشار وضعيفي التأثير لقرب العهد بما كان عليه الآباء و الأجداد من الحق، و لوجود أهل الخير من المسؤولين و المصلحين.
ثم بَعُد العهد عمّا كان عليه الآباء من الخير، و تطور الأمر ليأتي الاختلاط على جميع المؤسسات التعليمية و الاقتصادية، فيصل إلى مرحلة الأمر الواقع و الاعتياد ليصير هذا المنكر معروفا ، و هي مرحلة عنوانها الاختلاط الشامل، زمانيا و مكانيا، طولا وعرضا ، إلّا ما عصم الله من مناطق نائية و محافظة.. و الأمر نسبي؛ اختلاط كشفت فيه المرأة عن مفاتنها كشفا فاضحا يندى له الجبين. و من الآثار التي جرّها الاختلاط على بلدنا الحبيب (بل و على كل بلد وقع في حباله):
- سهولة التواصل بين الجنسين و لا رقيب.
- التفنّن والتنويع في التبرج الفاضح والتسابق في كشف العورات.
- شيوع الفواحش في المؤسسات التعليمية بل وحتى الطرقات.
- ارتفاع نسب المولودين من أمهات عازبات – زعموا- (أبناء علاقات غير شرعية)

و قد نتج عن هذا :
- حديث العامة و الخاصة، الكبار و الصغار، يكاد ينحصر في الحديث عن النساء و الشهوات.
- ضعف الدين و العقل والهمة في ابتغاء معالي الأمور.
- ضعف المستوى و التحصيل العلمي لدى الشباب.
- تدنّي المستوى الأخلاقي و السلوكي بشكل عام.
- البحث عن حلول للأمهات العازبات، وللأولاد الذين لا تعرف أنسابهم، و لا حلول.
- أزمات نفسية عويصة.
- انتشار المخدرات... وغير ذلك.\"
و الأدهى و الأمرّ من هذا كلّه أنّ الكافر من الفرنسيين و الأوروبيين و غيرهم صار في وسعه الوصول إلى نساءنا بمرأى منّا و مسمَع و يَعبَث بشرفهنّ، بل بشرفنا و لا حراك و كأننا سُكارى أو صرعى و الأكثر من ذلك أن من أبناء جلدتنا من يُيَسّر له السبل للوصول إلى أعراضنا مقابل دراهم معدودة. هذا الكافر الذي كان يشنّ حروبا ضارية علينا ليصل إلى أعراضنا فنردّه خائبا، و إن وصل فلا يصل إلاّ على جماجِمِنا و أشلاءنا، فلا حول و لا قوة إلا بالله.

فهذه صورٌ ثلاثة، يتجلّى من خلالها أين كنّا و إلى أين صرنا، ولا يحسبنّ أحدٌ أنه في منأى عن الهلاك و البلاء فإنّ سنن الله لا تحابي أحدا. وقد يقول آخر ليس للاختلاط دخل في هذا، و الجواب كلاّ و الله، فإنّ المعصية تُنتِج جنسَها و تبعث في النفس ظلمةً و خَوَرًا و ذلاًّ لا يمحوه إلا نورُ الطاعة و عزُّها. كما أنّ السماح بالاختلاط تنازلٌ و تساهلٌ في الوقوف عند حدود الله، فإن اقتُحِم حدٌّ تتابع الاقتحام و هلمّ جرًا و لا عاصم بعدها إلاّ الله.

نفثةُ مصدور و نصيحةُ مُحبّ
يا أهلنا في السعودية و غير ها ممّن لم يصلوا إلى ما وصلنا إليه..

آلآن و قد حصحص الحق و ظهر.. تتنازلون؟
أفي هذا الوقت الذي يعود فيه الناس إلى ما عندكم من الحق .. تضعفون؟
أفي هذا الوقت الذي ظهرت فيه آثار الاختلاط و مخالفة الفطرة و الشرع .. تتساهلون؟
لا..لا..ليس الآن، لا تهدموا ثباتكم على الحق بالأمس بالتّخلي عنه اليوم.
أقول لكم كما قال ربنا لمن سبقنا من الصحابة و لمن سبقهم من الأمم في غير ما موضع من القرءان :\" اذكروا نعمة الله عليكم\"، و اشكروه عليها يزدكم، فإن من أعظم ما تحفظ به النعم ذكرها و شكرها، فلا تغفلوا عما أنتم فيه من النعمة فتنكرونها فيتغيّر حالكم :\" ذلك بأن الله لم يك مغيرا نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم\".
إنكم كالجزيرة التي أحاط بها بحر الفساد من كل مكان، و لن تغرقكم لجَجُه ما دمتم مستمسكين بحبل الله المتين، و إياكم و اتباع حبال هي أوهى من خيوط بيت العنكبوت.
اعلموا أنّ الخير الواحد يجلب أضعافا من جنسه، و أنّ الشر الواحد يجلب أضعافا من جنسه، فلا تُهَوّنوا من أي مخالفة ، فإنها تجر إلى ما هو أعظم منها و تُثمر حسرة و ندامة.
اثبتوا على الحق و إن كنتم تتألّمون وتجدون في ذلك المشقة و الانتقاص و التعيير و الضّغط، فإنكم و الله في خير عمِيم تُحسدون عليه، و ما هذا إلا ببركة الحق الذي عندكم. فلا تخالفوا فتخسروا و تتحسّروا، ثم .. تعودوا؛ ولماذا المغامرة و أنتم في غنى عنها.
اعلموا أن المشقة و التعب في اتباع الحق بالنسبة إلى تبعات المعصية ما هي إلّا كضياع درهم بالنسبة إلى ضياع ألف درهم أو يزيد.
هذه نصيحة من محبٍّ ، فاقبولها و لا تردّوها، فإننا .. نحبكم في الله.
اللهمّ إنّا نسألك العفو و العافية في الدين و الدنيا و الآخرة، و صلى الله و بارك على محمد و آله وسلم و آخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.
 

و كتبه أخوكم محمد المهداوي
الجزائر يوم الأربعاء 07 جمادى الأولى 1431 الموافق22 أبريل 2010 (قبل الظهر )

 

للنساء فقط

  • المرأة الداعية
  • رسائل دعوية
  • حجاب المسلمة
  • حكم الاختلاط
  • المرأة العاملة
  • مكانة المرأة
  • قيادة السيارة
  • أهذا هو الحب ؟!
  • الفتاة والإنترنت
  • منوعات
  • من الموقع
  • شبهات وردود
  • فتاوى نسائية
  • مسائل فقهية
  • كتب نسائية
  • قصـائــد
  • مواقع نسائية
  • ملتقى الداعيات
  • الصفحة الرئيسية