سنبلة الهمة
*
هذه أمنيتي منذ الطفولة.. أن أكون معلمة أعلم وأربي.. وفي مرحلة الدراسة
الجامعية.. كنت أستعد لهذه المهنة.. بل ربما دعوت الله عز وجل أن يمد في عمري
حتى أعيش تلك اللحظة.
ويزيد حماسي إذا سمعت عن مهنة التعليم وكيف أن القائمين عليها يمتلكون نشء هذه
الأمة ويملكون التأثير عليهم أكثر من الأب والأم..
مرت الأيام سريعة.. ثم انخرطنا بفضل الله في جو الدعوة إلى الله وعرفنا أن
المعلمة على ثغر من ثغور الدين وقد يؤتى الإسلام من قبلها.. فيزيد الشوق
ويختلجه شيء من الخوف. وجاءت لحظة التخرج.. وتحقق الحلم.. وبدأ انتظار
الوظيفة.. وقبل أن أتولى زمام الأمور كنت أستمع إلى الكثير من التوجيهات..
قالت لي إحدى الأخوات في معرض النصيحة: "الآن اتكأت عليكم الأمة وألقت بين
أيديكم صغار براعمها لتشرفوا على تعليمها"
زاد الحماس وطال الانتظار ولسان حالي يقولى متى أخدمك يا أمتي؟ وأخيراً.. زفت
إلينا الوظيفة وبدأت لحظة العطاء.. الدروس، المسابقات، النشرات.. كلها أفكار
تنتظر طريقها إلى التلميذات، وحتما نحن بحاجة إلى معين ولكن..ما إن نطرح على
إحداهن- أعني رفيقات المهنة- فكرة حتى ترد ما شاء الله هذا هو حال كل مبتدئة ثم
إذا علمت أنك غير متزوجة قالت: نعم لو كنت متزوجة لما فكرت بذلك .
أيتها الأخت يوم كنا بلا أزواج كانت لنا أفكار وكانت لنا أنشطة وكانت لنا همم
ولكن مسؤلية الزوج والبيت والأبناء لا تدع لك مجالاً للتفكير.
وهكذا.. ما أكثر الكلمات من هذا النوع ولكن لكي تحافظي على هذه الهمة فعليك أن
تعملي بصمت..
ثم لاح لي في هذا الجو ظل أخت لا أراها إلا صامتة عاملة.. أم لأربعة أطفال.
ومسئوولة عن المحاضرات المدرسية وأول من ينظم لحفلاتها وأنشطتها، وهي مع ذلك
مدرسة ناجحة
تسهر بين الكتب لتلم بجوانب درسها، وداعية موفقة في وسط مجتمعها وبين أفراد
عائلتها من خلال المحاضرات التي تلقيها في كثير من المناسبات والأماكن العامة..
وإلى جانب ذلك فهي أخت ناصحة لا تدخر وسعاً في تقديم المشورة والرأي لأخواتها
بل وتسعى في تلبية حاجتهم الدنيوية أيضاً، وإذا ما ذكرت أحوال المسلمين فهي
أولى الباذلات بالمال والشريط والكتاب.. تلك هي سيرتها في المدرسة أما بيتها
فيحوي أطفالاً متفوقين ولا أظن خلفهم إلا أم واعية أحسبها كذلك ولا أزكيها على
الله..
سألت عن عمرها الوظيفي فقيل لي: أنها جاوزت الثمان سنوات وهي على هذا الحال،
فقلت: الحمد لله هذه حجة عليكن..
هذا هو ما أبحث عنه إنها الشخصية المتكاملة التي تفتقدها المرأة المسلمة والتي
رضيت لنفسها براتب ضخم لم (تحلل) ولا ربعه وأسرة ضائعة وزوج يعاني وأبناء
مهملين.. أما الدعوة فلا وقت لديها للتفكير فيها أصلاً ولو سئلت هذه الأخت هل
منعك التدريس من زيارة السوق ولو مرة في الأسبوع.. لقالت: لا تلك ضرورة..
عاد لي حماسي قليلاً وأنا أنظر إلى سيرة هذه الأخت بعد أن كرهت الزواج الذي
سيعزلني عن الدعوة وعن حياتي الحقيقية مع قناعتي أن في تلك اللحظة سأضطر إلى
ترك هذه الوظيفة لأتفرغ لأداء الرسالة الحقيقية والتي لن تقل عن التدريس متعة
فكلا مقصديها شريف..
أختي المعلمة.. ألست معي في أن النية الصالحة والصدق مع الله هو سر نجاح تلك
المعلمة وسر التسخير الذي لاقته ربما من الزوج والأبناء وكل من حولها..؟!
نسأل الله عزوجل أن يرزقنا الإخلاص في القول والعمل وأن يسخرنا لخدمة دينه
وكتابه والدعوة إليه.. اللهم آمين..
|