سنبلة الأخوة
*
كثيرات يتمنين أن يكن داعيات دون جهد.. وكثيرات يتمنين أن يكن مجاهدات دون
صبر.. إنها طرق الجنة.. تحتاج إلى صبر ومصابرة وجهد ومشقة وبذل للوقت والمال..
كانت معلمة في المرحلة المتوسطة.. معلمة دعوية علمت أن الابتسامة طريق للوصول
إلى قلوب الطالبات فكانت كذلك.. تسلم وتسأل وتناقش برحابة صدر وسعة بال.. تسأل
عن تلك وتقضي حاجة الأخرى..
وعندما تغيبت إحدى طالباتها عن الحضور سألت عنها فجاءها العذر المتكرر إنها
متعبة.. وعندما مرت أيام أعادت السؤال وألحت في طلب الإجابة حتى سألت أختها
التي تكبرها وهي في المرحلة الثانوية.. فأعلمتها أنها مع بداية خروج الطالبات
عثرت قدمها في درج المدرسة الخارجي وأصابها ألم شديد في قدمها.. وطلبت من أبي
أن يذهب بها إلى المستشفى ولكنه رفض بحجة أن هذا من عدم المبالاة عند المشي
وقال لأمها: دعيها تتعلم المشي.
بعد أسبوع من الغياب طلبت المدرسة هاتف المنزل وحدثت الوالدة عن عدم ذهابهم بها
إلى الطبيب وعن تغيبها عن المدرسة وضياع بعض الدروس والحصص عليها.. وبعد إلحاح
شديد من الأم ذهب بها والدها إلى المستوصف القريب ثم طلبوا تحويلها إلى
المستشفى.. وبعد تحاليل وتقارير طويلة.. فإذا بسرطان في القدم قد أصابها..
لازمت السرير في المستشفى وكانت المدرسة الداعية خير عون لها في محنتها تعزيها
وتواسيها وتكرر عليها آيات الصبر واليقين ولم تتركها يوما واحداً.. بل كانت كل
يوم تذهب لها متحملة المشقة في ذلك.
وكانت زيارتها كالبلسم للمريضة ذات الخمسة عشر عاماً فهي تحمل إليها شريطاً أو
كتاباً.. ولم يقف الأمر عند حد وقت الزيارة بل كانت تهاتفها.. هل قرأت الكتاب؟
وهل مررت بالفائدة التي في صفحة كذا؟!
وهكذا ملأت عليها الفراغ وجعلتها امرأة سلكت طريق الصبر والاحتساب.. علمتها
الرقية الشرعية وكانت تقرأ عليها وهي ممسكة بموضع الألم..
في أحد الزيارات لاحظت المدرسة إنها تتأخر عن صلاة الفجر فكان أن وعدتها أن
توقظها لصلاة الفجر.. وتعيد الاتصال بعد خمس دقائق لتتأكد أنها قد استيقظت
تماماً.
بعد خمسة عشر يوماً تثاقلت بالمريضة الأيام وبدأ الوهن يسرى إلى جسمها.. حتى
توفيت.. خمسة عشر يوماً جعلتها المعلمة باباً من أبواب الدعوة فربما كانت سبباً
لانقاذ هذه الطالبة من النار.. هونت عليها الأيام الأخيرة وجعلتها أكثر إيماناً
وأكثر محافظة على الصلاة.. استرجعت ودمعة وسط العين تحور.. كم لدينا من المرضى
والمبتلين والمصابين.. إنهم يحتاجون إلى وقفة وتعزية وسلوان.. إنها الأخوة
الصادقة في الله.
|