اطبع هذه الصفحة


يا مصلحون : أوصدوا الأبواب أمام زحف التغريب

د. قزلة بنت محمد بن عبدالله القحطاني


إنه لمن المستغرب ما نسمعه ونشاهده اليوم من هجمة شرسة على الكل بوجه عام، وعلى المرأة بوجه الخصوص، في هذه البلاد التي أعزها الله وشرّفها بكونها مهبط الوحي، منبع الرسالة ومقر الحرمين الشريفين.

غير أن فئة من المستغربين، وأدعياء التحرر والمساواة، لا يريدون لها ذلك، فهم يسعون جاهدين لهتك ستر الفضيلة والحياء بدعوى الحرية والمساواة ورفع الظلم عن المرأة – زعموا – وبالتأمل في دعواهم وشعاراتهم نجد أن هناك ثغرات استطاعوا الدخول منها إلينا، وهي سلوكات مرفوضة من الدين، وتبدر من بعض ضعاف الإيمان، أذكر أبرزها:


- التعسف والتشدد من بعض الآباء وأولياء الأمور ومنع مولياتهم الزواج ورد الخطّاب، حتى تصل الفتاة إلى سن يعزف عنها الشباب الراغب في النكاح أو تزويجها بمن لا ترغب فيه.

- سوء معاملة الأزواج لزوجاتهم، واستبداد الرجل بالرأي، وعدم مشاركة الزوجة حتى في أخص الخصوصيات كتزويج ابنتها.. أو نحو ذلك.

- عدم العدل لمن تزوج بأخرى، وإهمال الزوجة الأولى بعد الزواج بأخرى والتنصل من المسؤولية، وتركها وأولادها تواجه صعاب الحياة.

- منع المرأة حقها في الميراث، وخصوصاً في بعض القرى، وفي حين مطالبتها بهذا الحق يتحامل عليها الأولياء، وتقطع من قبلهم.

- تسلط الأولياء على المرأة وأخذ مالها ومنها حق التصرف فيه.

- العضل سواء من ولي المرأة أو زوجها لتفتدي نفسها دون أن تجد لها نصيراً.

- منع النفقة الواجبة للزوجة على الزوج، ومطالبتها بالنفقة، خصوصاً إن كانت ذات مال.

- الظلم الذي تعانيه كثير من المطلقات بعد وقوع الطلاق من الإضرار بها، ومنها حق رؤية الأبناء أو الاتصال بهم، أو ترك الأولاد معها بدون نفقة أو رعاية من الأب، بالإضافة إلى ما تجده المرأة المطلقة من سوء معاملة الأهل والأقارب، ومما تجدر الإشارة إليه مقال نشرته جريدة عكاظ في العدد 1266 يوم الجمعة 7 ذو الحجة من عام 421اهـ بعنوان: ((المطلقات في الأرض)) تكلم فيه الكاتب عن تصرف بعض الرجال مع زوجاتهم السابقات، وطلاقهم لهن بعد طول العشرة بدون اعتبار لمعاناتهن وتضحياتهن من أجل هؤلاء الأزواج، ثم تبقى بدون عائل ولا ناصر.. ويختم مقاله بقوله: (أعلم أن الزوج غير ملزم بالنفقة على مطلقته، فماذا تعمل هذه المطلقة؟ وإلى أين تلجأ؟ وكيف تعيش؟ ومن ينصرها؟
أسئلة كثيرة تتقافز من مخابئها، وأنا لا أملك أو لا أعرف أي إجابة فقهية لمثل هذه الأسئلة، فقط أتمنى أن أجد إجابة شافية عند مشايخنا الأفاضل حول أولئك الرجال الذين يقذفون بزوجاتهم عند نصف المشوار أو آخره، من غير أن يكون للزوجة أهل أو مأوى أو مجال للاكتساب.. إلخ).

ولو راجع الكاتب باب النفقات في كتب الفقه لعرف كيف أن الإسلام قد ضمن الحقوق وأوجد التكافل بين جميع أفراد المجتمع (راجع المغني لابن قدامة (9/257،256،7/ 582-583)، فهذه المطلقة لا بد أن تكون أماً أو أختاً أو عمة أو جدة، ومن هنا فالإسلام قد ضمن لها حق النفقة على ولدها أو ولد ولدها أو ابن أخيها.. وهكذا، وان لم يوجد قريب على الإطلاق فهناك (الضمان الاجتماعي) وهذه غالباً حالات شاذة.

ومن هنا أبين موقف الإسلام من مثل هذه الحالات - باختصار- حتى لا يظن ظان أن ذلك من الإسلام، فأما ما يتعلق بتزويج الفتاة فالإسلام اعتبر رضاها فلا تزوج إلا بإذنها، ففي الحديث: (لا تنكح البكر حتى تستأذن ولا الثيب حتى تستأمر).
يقول ابن قدامة - رحمه الله - : (أما الثيب فلا نعلم بين أهل العلم خلافاً في أن إذنها الكلام للخبر، ولأن اللسان هو المعبر عما في القلب) ا.هـ (6/493)، أما البكر فإذنها صماتها، أي سكوتها كما في الصحيح: (لا تنكح البكر حتى تستأذن، قالوا: يا رسول الله، فكيف إذنها؟ قال: أن تسكت) متفق عليه.

وأما ما يتعلق بسوء معاملة الزوجات فنعلم أن الإسلام قد حث على حسن معاملة الزوجة، وجعل خير الرجال خيرهم لأهله، كما في الحديث: (خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي) صحيح الجامع: 3314.
وفي الحديث: (أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً وخياركم خياركم لنسائهم) رواه الترمذي وابن حبان والحكام وصححوه.

وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة – رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يفرك مؤمن مؤمنة، إن كره منها خلقاً رضي منها آخر) أو قال: (غيره).

وما زال صلى الله عليه وسلم يوصي بهن خيرًا حتى آخر لحظة من حياته فعند موته يوصي بقوله صلى الله عليه وسلم: (استوصوا بالنساء).
وكان يداعب أهله ويلاعبهن، ويسرب البنات لعائشة - رضي الله عنها – ليلعبن معها، ويستشيرهن في المهمات كما استشار أم سلمة - رضي الله عنها – في صلح الحديبية.

وقد أباح الإسلام التعدد ولكن بشروط منها العدل، والقدرة وحذر من الميل لإحداهن ومنع الحق عن الأخرى، في الحديث عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من كان له امرأتان يميل لإحداهما على الأخرى جاء يوم القيامة أحد شقيه مائل) رواه النسائي.

كما أن المرأة لها الحق في الميراث كالرجل تماماً، وهذا الحق فرضه الله تعالى لها دون أن يلزمها بحقوق النفقات، فهي تأخذ النصف مما يأخذه الرجل ومع ذلك فعلى الرجل أن ينفق عليها، ومن هنا ألفت النظر إلى تكريم الإسلام للمرأة التي كانت في الجاهلية تورث كسائر المتاع.
كما أن الإسلام أعطاها حق التصرف في مالها ولا يحق لأحد من الأولياء منعها من التصرف، أو التعدي على شيء من مالها ما لم تطب بذلك نفسها.

كما حرم الإسلام العضل، وأصل العضل الحبس والمنع والتضييق، يقال: عضل فلان فلانة عن الأزواج يعضلها عضلاً (انظر لسان العرب 11/451) وهو منعها الزواج ظلماً.
قال تعالى: (‏وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ‏) [البقرة: 232].
قال ابن جرير- رحمه الله – ويعني بقوله تعالى: (فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ)، لا تضيقوا عليهن بمنعكم إياهن أيها الأولياء من مراجعة أزواجهن بنكاح جديد.. تبتغون بذلك مضارتهن) ا.هـ كلام جامع البيان 2/487.

وأما ما يخص الطلاق فنجد أن الإسلام قد حد من وقوعه بشتَّى الوسائل فقال سبحانه: (اللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا‏) [النساء: 34]، ولكن عند استحالة صلاح الحياة الزوجية يكون الطلاق حينئذ مخرجاً وحلاً لكلا الطرفين، ومع ذلك يجب على الزوج ألا يخرجها من بيتها حتى تنتهي العدة، وتجب عليه نفقتها في حالة الطلاق الرجعي، وأما البائن بينونة كبرى ففي وجوب السكن روايتان، ومن قال بها اشترط: أن يكون معها ذو محرم، وأن تكون في مكان لا يراها، وبينها وبينه باب مغلق.
وأما الأولاد فتجب عليه نفقتهم بإجماع العلماء، ومن شروط صحة الطلاق، أن يقع في طهر لم يجامعها فيه، فيحرم طلاقها وهي حائض.

كما أباح الإسلام الخلع للمرأة في حالة كراهية الزوج وعدم استطاعة العيش معه ولست الآن بصدد التفصيل في مثل هذه القضايا الفقهية، فالمؤلفات فيها كثير جداً، ومن أراد التوسع في ذلك فليراجع الكتب الفقهية التي تناولت مثل هذه الموضوعات، وأنبه إلى أن مثل هذه الحالات قليلة، وهي سلوكات شاذة تصدر من بعض ضعاف الإيمان، وأما غالبية النساء فهن يعشن معززات مكرمات بجانب الولي الذي هو الزوج أو غيره من أوليائها، قد منحها حبه ورعايته، يحوطها وينفق عليها، وما دعوات هؤلاء القوم إلا خارجة عن محيط ما تعانيه المرأة من هموم، أو هي هموم طائفة من شواذ المجتمع الذين تربوا في خارج هذه البلاد، وتشربت قلوبهم حب أعداء الله تعالى، فأحبوا أن ينقلوا ما تعلموه إلى هذه البلاد.

وإني أتساءل: ماذا عسى المرأة أن تنال من الحقوق إن هي قادت السيارة، وتولت إدارة الشؤون خارج بيتها، ونبذت حجابها، واختلطت بالرجال، وشاركت في الاجتماعات واللجان والمؤتمرات والنوادي، وسافرت بلا محرم هنا وهناك، وتعلمت الفن والرياضة والرقص والغناء والتمثيل، بل شاركت في وسائل الإعلام وأبرزت جمالها ومحاسنها للرجال؟

لا شك في أن هذه أعباء ومسؤوليات هي في غنى عنها، بل هي شقاء لها وحرمان من الاستقرار والتمتع بواجبات الأمومة ورعاية الأسرة وتهيئة الجو الهادئ والسكن النفسي للزوج والأولاد، ومخالفة لفطرة المرأة وأنوثتها، بل قل لي بربك: من يتولى رعاية وتربية الجيل إذا شغلت الأم بكل هذا؟ وهذه نتيجة حتمية لإخراج جيل ضائع مترف لا هم له سوى الشهوات والملذات والاستغراق في المجون والمخدرات.

يقول فضيلة الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد - حفظه الله - : (ومن أشأم هذه المخاطر وأشدها نفوذاً في تمييع الأمة وإغراقها في شهواتها، وانحلال أخلاقها: سعي دعاة الفتنة، الذين تولوا عن حماية الفضائل الإسلامية في نسائهم ونساء المؤمنين، إلى مدارج الفتنة وإشاعة الفاحشة ونشرها، وعدلوا عن حفظ نقاء الأعراض وحراستها إلى زلزلتها عن مكانتها، وفتح أبواب الأطماع في اقتحامها، كل هذا من خلال الدعوات الآثمة، والشعارات المضللة، باسم (حقوق المرأة) و(حريتها) و(مساواتها بالرجل) وهكذا.. لإسقاط الحجاب وخلعه، ونشر التبرج والسفور والعري، والخلاعة، والاختلاط، حتى يقول لسان حال المرأة المتبرجة: (هيت لكم أيها الإباحيون) ا.هـ حراسة الفضيلة ص 908.

ومن هنا أضع بين يدي علمائنا ودعاتنا المصلحين بعض المقترحات لعلها توصد الأبواب أمام زحف التغريب والعلمنة أو كما تسمى في عصرنا (نظرية الخلط) في ظل (النظام العالمي الجديد). ومن هذه المقترحات:

- إنشاء جمعيات خيرية تهتم بمعالجة المشكلات الاجتماعية والأسرية يشرف عليها نخبة من العلماء وذوي الرأي، على غرار الجمعية المقامة في الرس (في السعودية)، ويوجد فيها فرع نسوي تشرف عليه الداعيات وطالبات العلم بعد تهيئتهن لهذه المهمات، مع المحافظة على السرية التامة عند معالجة هذه المشكلات.

- توعية المجتمع وعقد دورات للرجال والنساء في كيفية التعامل مع الزوج، ومعرفة حقوق الزوجة وحقوق المرأة على العموم، وواجبات كل طرف.

- تسهيل مهمة وصول المرأة إلى القضاء عند تعدي أحد الأولياء عليها، ولو عن طريق الهاتف والفاكس، وذلك بإيجاد رقم هاتف خاص يستقبل مثل هذه القضايا وسرعة البت فيها، حتى يرتدع الأولياء عن التعدي على مولياتهن.

- إقامة مؤتمرات لمعالجة قضايا المرأة والرد على المغرضين ودعاة التحرير يشارك فيها العلماء والدعاة وعلماء الاجتماع.

- أ ن ينشط الكتّاب والمؤلفون ودور النشر للمشاركة في صد هذا الزحف، من خلال الكتابة في الصحف والمجلات وتأليف الكتب.. والتركيز على رد الشبهات وتفنيدها بأسلوب متين ومنهج علمي وموضوعية بحتة.

- التركيز على تربية المرأة وتخريج جيل قوي من الداعيات، ومن خلال التركيز على دور التحفيظ النسائية، ومدارس تحفيظ القرآن الكريم، وذلك باختيار الكفاءات للتدريس والإشراف ووضع المناهج والخطط التربوية، وتوجيه المتميزات، واستغلال الطاقات بإقامة دورات خاصة لهن وإعدادهن للقيادة، وحمل هم الدعوة.

هذا وأسأل الله جل وعلا أ ن يحفظ نساء المسلمين من التبرج والسفور وأن يثبتنا على الحق، وأن يرزقنا العلم والعمل والإخلاص، إنه سميع مجيب.


المصدر: مجلة أسرتنا العدد 75 رجب 1427هـ


تحرير: حورية الدعوة
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إذا دعا الرجل لأخيه بظهر الغيب قالت الملائكة : ولك بمثل»

 

للنساء فقط

  • المرأة الداعية
  • رسائل دعوية
  • حجاب المسلمة
  • حكم الاختلاط
  • المرأة العاملة
  • مكانة المرأة
  • قيادة السيارة
  • أهذا هو الحب ؟!
  • الفتاة والإنترنت
  • منوعات
  • من الموقع
  • شبهات وردود
  • فتاوى نسائية
  • مسائل فقهية
  • كتب نسائية
  • قصـائــد
  • مواقع نسائية
  • ملتقى الداعيات
  • الصفحة الرئيسية