اطبع هذه الصفحة


علي الطنطاوي من العقيدة الأشعرية والماتريدية والصوفية إلى السلفية

 
من لا يعرف الشيخ الأديب الأريب الخطيب محمد علي الطنطاوي –رحمه الله تعالى- .. الذي جاهد بنفسه وماله وأهله لخدمة هذا الدين .. إنه نبراس في الاقتداء في جانب الجهاد والتعبئة للمشاعر الدينية .. وهو أسوة في الأدب المحتشم الملتزم .. وهو قدوة في الاستكبار على الهوى واستصغار النفس لتقبل الحق شاءت أم أبت إذا بان له الحق بدليله ..
فمن لا يعرف هذا الشيخ؟!!
إن المنابر لتذكر خطبه المجلجلة .. والمساجد تذكر ركعاته الخاشعة المتأنية .. والصحف تذكر سيفه إذا سله .. والإذاعة لتذكر صوته الأخاذ بتلابيب القلوب ..

علي الطنطاوي .. هذا الشيخ .. ولد في بيت صالح .. لكنه تربى على غير اعتقاد أهل السنة .. وسلك طريقة يخالف الجماعة ..
كيف؟!!
هل تريد أن تعرف الخبر؟!!
الخبر يخبرك به الشيخ علي الطنطاوي –رحمه الله تعالى- حيث يقول:

" إنه نشأ أول أمره في وسط صوفي ، إذ كان والده نقشبندياً مثل أكبر المشايخ ، فتعلم منه كره ابن تيمية وكره الوهابية ، حتى إذا شخص إلى مصر ، وصحب خاله المرحوم الأستاذ محب الدين الخطيب ، بدأ ينظر إلى ذلك الموضوع بروح جديدة دفعته إلى إعادة النظر في أمر القوم .. بيد أنه لم ينته إلى الاستقرار إلا بعد اتصاله بالشيخ بهجة البيطار ، فمن هناك بدأت استقامتهُ على الطريقة والتزام الجادة ، وكان من أثر ذلك كتاباه اللذان أخرجهما عن حياة الشيخ محمد بن عبدالوهاب .. إلا أن هذا الاستقرار لم يأت بالمجان ؛ بل كلفه وأخاه عبدالغني –كما يقول- طويلاً من النقاش مع الشيخ بهجة ، غفر الله لنا وله ، فقد دخلا معه في معركة جدال حادة ، بلغت بهما حدَّ إغضابه ، وهو المعروف بوقار العلم وسعة الصدر ، والبعد عن التعصب ، حتى لم يعد لهما حجة يصح الاعتداد بها بعد أن اتضحت معالم الحق في أجلى بيان "
علماء ومفكرين عرفتهم 3/192

ويتحدث الشيخ علي الطنطاوي –رحمه الله تعالى- عن كيفية انتقاله من عقيدة الأشاعرة والماتريدية إلى عقيدة أهل السنة والجماعة ، يقول عن شيخه الذي اهتدي على يديه محمد بهجة البيطار –رحمه الله تعالى-:
" لقد وجدت أن الذي أسمعه منه يصدم كل ما نشأت عليه ، فقد كنت في العقائــد على ما قرره الأشاعرة والماتريدية ، وهو شيء يعتمد في تثبيت التوحيـد من قريب أو بعيد على الفلسفة اليونانية ، وكنت موقناً بما ألقوه علينا ، وهو أن طريقة السلف في توحيد الصفات أسلم ، وطريقة الخلف أحكم ، فجاء الشيخ بهجة يقول: (بأن ما عليه السلف هو الأسلم ، وهو الأحكم) ... وكنت نشأت على النفرة من ابن تيمية والهرب منه ؛ بل وبغضه ، فجاء يعظمه لي ، ويحببه إليّ ، وكنت حنفياً متعصباً للمذهب الحنفي ، وهو يريد أن أجاوز حدود التعصب المذهبي ، وأن اعتمد على الدليل ، لا على ما قيل ... وتأثرت به ، وذهبت مع الأيام مذهبه مقتنعاً به ، بعد عشرات من الجلسات والسهرات في المجادلات والمناظرات ... )
رجال من التاريخ لعلي الطنطاوي ص 414

ثم يقول الشيخ علي الطنطاوي-رحمه الله تعالى-:
" وكان اتصالي بالشيخ بهجـة قد سبب لي أزمة مع مشايخي ، لأن أكثر مشايخ الشام ممن يميلون إلى الصوفية ، وينفرون من الوهابيــة ، وهم لا يعرفونها ولا يدرون أنه ليس في الدنيا مذهب اسمه الوهابيـــة ، وكان عندنــا جماعة من المشايخ يوصفون بأنهم من الوهابيين ، على رأسهم الشيخ محمد بهجة البيطار ... "
المرجع السابق: ص416

الكلام الذي سبق في الحوار مع الطنطاوي .. جعل المقابل –وهو الشيخ محمد المجذوب رحمه الله- يقف مع هذه المسألة وقفات في [علماء ومفكرين عرفتهم للمجذوب 3/206-209 ] .. أدعك مع الحوار .. ومع تعقبات الشيخ [خالد أهل السنة] لبعض ما لم يوفق فيه الشيخ الطنطاوي –رحمه الله- :
" بين الصوفية والسلفيــــة:
م-:يا فضيلة الشيخ اسمحوا لي أن أقول لكم إنني والقراء الذين سيطلعون على ما سأكتبه عنكم نريد أن نعرف موقفكم النهائي من الدعوة السلفية والمسالك الصوفية؟
الطنطاوي: لقد أسلفت الكلام عن موقفي عن السلفية عند حديثي عن الشيخ محمد بن عبدالوهاب ، وترون ذلك واضحاً في ما كتبته عنه في مدخل الجزء الأول من الكتابين .. حيث بينت أنت انتقلت إلى أقصى الطرفين.

م: وقد حدثتنا عن ترددك بينهما ..
ط: أجل .. قد ترددت ثم استقررت على مذهب السلف ؛ ولكن هناك مشكلة واحدة .. أحب أن أقف عليها قليلاً ، شيخ الإسلام من أعاظم مفكري الإسلام ، وكذلك ابن حزم إمام عظيم ، ولكل منهما رأي عليه بعض الاعتراض.
فابن تيمية ينكر التأويل إطلاقا ، وابن حزم ينكر القياس .. وقد عالجت هذه الناحيــة في كتابي (تعريف عام بدين الإسلام) "
تعقب الشيخ خالد أهل السنة:

1 – قوله: "فابن تيمية ينكر التأويل مطلقاً"
الاستدراك:
إن كان يقصد أنه ينكر التأويل الذي بمعنى التفسير والتأويل بمعنى الحقيقة التي يؤول إليها الكلام فقد غلط.
وإن كان يقصد بالتأويل المعنى الثالث الحادث وهو (المجاز) الذي هو صرف اللفظ عن المعنى الظاهر الراجح إلى المعنى الخفي المرجوح .. فإنه لم ينكره إذا كانت له قرينة صارفة وتعذر إرادة حقيقة الكلام.
وهذا التأويل بمعناه الثالث لا وجود له في آيات الأسماء والصفات لأنها على الحقيقة ولا يدخلها (المجاز) إطلاقاً.

ويستمر الطنطاوي قائلاً:
" من ذلك مثلاً استواء الرحمن سبحانه وتعالى على العرش .. فمن أنكر الاستواء كفر دون شك ، ومن فسر بمثل قعود الناس فقد كفر أيضاً .. ولابد أن يكون الحق بين هذين الجانبين .. فأنا شهد الله سلفي العقيدة ؛ لكن هناك أمور من آيات الصفات لا أرها تفهم إلا مؤولة."
تعقب الشيخ خالد أهل السنة:
2 – قوله: " .. لكن هناك أمور من آيات الصفات لا أراها إلا مؤولة"
الاستدراك:
ظاهر أنه يريد بقوله "مؤولة" يعني على (المجاز) وأنه لا يُراد حقيقة الكلام ، وقد نسب كلامه هذا لرأيه بقوله: "لا أراها" والعقيدة والتوحيــد لا مجال فيها للرأي أو الاجتهاد أو القياس ؛ بل نفيهم نصوصها على ظاهرها والكلام فيها على الحقيقة.

ويستمر الطنطاوي قائلاً:
" فربنا الذي يخبر أنه استوى على العرش ، يقول في آية أخرى من كتابه الحكيم: {وهو معكم أينما كنتم} فلابد من تأويل هذه المَعيَّة بأنها معية علم وسمع وبصر ، وهو النحو الذي جرى عليه ابن تيمية في تأويلها .."
تعقب الشيخ خالد أهل السنة:
3 – قوله: "فربنا الذي يخبر بأنه استوى .. " إلى قوله: " وهوالنحو الذي جرى عليه ابن تيمية في تأويلها"
الاستدراك:
هذا غلط منه ومجانبة للصواب.
فإن الله تعالى مستوٍ على عرشه بائن من خلقه وهو مع الخلق بعلمه وليس بذاته وقولنا هو معهم بعلِمه دلت عليه النصوص المحكمة مثل قوله تعالى: { ألم تر أن الله يعلم ما في السماوات وما في الأرض ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أين ما كانوا ثم ينبئهم بما عملوا يوم القيامة إن الله بكل شيءٍ عليم } فالله سبحانه وتعالى قد افتتح الآيــة بعلمه واختتمها بعلمه
والله سبحانه مع خلقه بعلمه أين ما كانوا
ومعيته سبحانه لها قسمان:
معية عامة للخلق يعلم سرهم ونجواهم ويحصي عليهم أعمالهم ويحيط بكل أمورهم
ومعية خاصة بالمؤمنين ينصرهم ويعينهم ويسددهم ويوفقهم.

ويستمر الطنطاوي قائلاً:
" كنت أسمع إلى أحد القراء فلما انتهى إلى قوله تعالى: {سنفرغ لكم أيها الثقلان} تساءلت: هل يمكن فهم هذه الآية إلا مؤولة!.."
يعقب الشيخ خالد أهل السنة:
4 – قوله عن آيـة سورة الرحمن: {سنفرغ لكم أيها الثقلان} "هل يمكن فهم هذه الآيـة إلا مؤولة"
الاستدراك:
أن الآيـة فسرها السلف على ظاهرها والكلام على حقيقته ومعناها [سنفرغ لحسابكم ومجازاتكم على أعمالكم أيها الأنس والجن]
وليس هو الفراغ الذي يقابله الشغل ؛ بل الله فارغ وليس بالله شغل وهو وعيد من الله تعالى للعباد.
وهذا هو تفسير ابن عباس والضحاك وقتادة
وقال البخاري –رحمه الله- سنحاسبكم لا يشغله شيء عن شيء
وهو معروف في كلام العرب يقال: ( لأتفرغن لك ) وما به شغل بمعنى: (لآخذنك على غرتك) فهو وعيـد وتهديد.

ويستمر الطنطاوي قائلاً:
" وكذلك الأمر في {نسوا الله فنسيهم} أجل والله إني سلفي العقيدة، وأسأله تعالى أن ألقاه ثابتاً عليها .."
يعقب الشيخ خالد أهل السنـة:
5 – وقوله: "وكذا الأمر في قوله تعالى {نسوا الله فنسيهم} "
الاستدراك:
إن النسيان الوارد في الكتاب والسنــة له معنيان:
نسيان بمعنى الذهول عن شيء معلوم فهذا لا يوصف الله تعالى به إطلاقاً لقوله تعالى: {لا يضل ربي ولا ينسى} وقوله تعالى: {وما كان ربك نسيّا}

وهناك نسيان بمعنى (الترك) عن علمٍ وقصدٍ وهذا المعنى ثابت لله تعالى لقوله تعالى: {نسوا الله فنسيهم} وقوله: {فاليوم ننساكم كما نسيتم لقاء يومكم هذا}

فالكـلام على حقيقته
والراسخون في العلم يجمعون بين نصوص الباب كلها وينزلونها منازلها ويردون متشابهها إلى محكمها.

المجذوب: فيما يتعلق بموضوع الصفات .. أترون إطلاق التأويل على سائر الصفات أم على بعضها مما لا يمكن فهمه إلا مؤولاً كشأن المعية والنسيان؟..
ط: أنا أقول: إن القرآن أنزل بلسان عربي مبين ، فما لا يفهمه العربي الفصيح لأول مرة إلا مؤولاً فنحن نؤوله ..

م: لكن من أساليب العرب استعمالهم الكناية في التعبير عن مرادهم .. فقوله تعالى: {سنفرغ لكم أيها الثقلان} لا يفهمه العربي الفصيح إلا من خلال الكناية التي تعني سيأتي دورهم.
ط: هذا تأويل ..

م: بل هو كنايـــة التي تعدل عن التصريح إلى التصوير ، فتؤدى من البلاغ مالا يؤديه الكلام المباشر.
ط: وما الفرق بين التفسير والتأويل .. التفسير من فسر ، ومنه السفور ، أي الوضوح. والتأويل من قولهم: آل إلى كذا أي صار إليه ، ونقلوه إلى التعدية بالتشديد فأَوَّله إليه: يعني صيره إلى المعنى الأول. وما دام هذا التأويل لا يخالف كلام الله ولا ينافي الوحدانية أولاً ، ويوافق ما يفهمه العربي السليم الطبع السليقي الفصيح ثانياً: فهو صحيح ولابد منه في مثل الأمور التي ذكرتها مما لا يفهم إلا التأويل.

م: طيب عندما أسمع ربي يذكر لنفســه عيناً ويداً ، ويذكر له رسوله قدماً .. فلماذا أتعب نفسي وأُدخلها في متاهات التأويل ، ولا أكتفي بتصديق ما أخبر به دون تأويل ولا تعطيل؟.. أليس هذا هو الأفضل والأسلم!..

أوليس هذا هو الفهم السليم لقوله تعالى: {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير} فهو ذو سمع وذو بصر ؛ ولكن لا يمكن تشخيصهما ، إذ ليس كمثله شيء فصار من الخطأ ؛ بل الخطر أن يحاول متعسف إجراء التأويل على هذه الصفات ، إن من المستحيل في عالم الحسّ أن تعرف سمعاً أو بصراً أو قدماً عن غير طريق الجوارح التي ألفناها ، فلا يبقى أمام العقلاء سوى التسلم بوجودها كالتسليم بوجوده تبارك اسمه ، دون تفسير ولا تأويل ولا تعطيل.
ط: يا سيدي لقد أجبت على ما سألتموني ولم أقل إلا الحق الذي أدين به الله وأرجوا أن ألقاه عليه ؛ لكن الإشكال من أين جاء؟.. هذه الكلمات وضعت في اللسان العربي قبل نزول القرآن . وقد وضعت لمعان بشرية أرضية مادية ، فهذه المعاني لا تراد قطعاً..

م: ألفت نظركم إلى نقطة أنتم أدرى بها ، تلك هي أن اللغة تبدأ في التعبير عن الأشياء المادية ، فكلما ترقى الإنسان في مجال التطور ارتقى تعبيره إلى الأشياء المجردة البعيدة .. فإذا بهذه الألفاظ التي كان يستعملها العربي للأشياء المادية هي نفسها تتجه نحو الأشياء الأخرى ؛ ولكن يظل هناك ارتباط بين المعنى الجديد والمدلول القديم ، ولا حاجة إلى ضرب الأمثال ..

والآن نرجو أن تزيدونا إيضاحاً لموقفكم من الصوفية؟
ط: الصوفيـــة ، كذلك مررت بها في مراحل ، قبل أيام كنت أقول لأحــد إخواني: والله إن الصوفيـــة هي البــــاب الكبير الذي تدفق منه علينا الفســـــاد ، والباب الآخر هو التشيـــع والشيوعيـة وكلهـــــا من أصـــل واحـــد.
في مقدمة كتابي الأول عن الشيخ محمد بن عبدالوهاب تحدثت عن الوهابيــة وكيـف نشأنا على كراهتها ، ثم أردت أن امتحن نفسي فتساءلت: هل أنا وهابي؟!.
لما أخرجت كتابي هذا بالشــام رد عليّ الشيخ الجويجاتي وغيره بكتاب أكبر ، لأني بنظرهم أصبحت وهابياً ،وفي الرياض ردوا عليّ كذلك بأنت كنت في كتابي على مذهب الشاميين!
قلت قل تلك المقدمة: إذا كانت الصوفيـة هي إصلاح الباطن ومداواة أمراض القلوب ، ودفع الرياء ، والإخلاص ، إلى آخر ما ذكر في الرسالة القشيرية فهذا هو لب الإسلام، الذي إذا خلت منه العبادة صارت مجرد حركات لا مردود لها في علاج النفوس.
أما التصوف الذي فيه وحدة الوجود ، وفيه الادّعاء بأن للقرآن ظاهراً هو غير الباطن ، وفيه ما يدعونه بالحقيقة المحمدية ، وما إلى ذلك من المفسدات فهو مرفوض تماماً .. وقد سبق لي أن كتبت في مجلة الرسالة قبل أربعين سنة أن كفر أبي جهل وأبي لهب إذا قيس بكفر محيي الدين بن عربي لكان في مستوى الإيمان .. ومن يومها شرع عمّي الشيخ عبدالقادر وحسني بك العظمة ومجموعة من المشايخ يناقشونني ويشددون عليّ النكير.

م: نحن على علم بهذا كله ؛ ولكن الذي نسجله الآن سيقرؤه كثيرون فمن الضروري أن يطلعوا من خلاله على الحقيقة بشيء من التفصيل.
ط: إن التصــوف الذي يتحدث عنه ابن القيّم في (مدارج السالكين) وفي (اصطلاح الصوفية) والذي كتب عنه آخرون من أصحاب العقيدة الصحيحة لا اعتراض عليه.

م: نحن متفقون على أن كل سلوك يؤدي إلى تزكية النفس وما يستتبعها من التوهج الروحي مادام منسجما مع خط الكتاب والسنة فهو مقبول ومنشود ، أما أن يتحول هذا كله تخرصات هندية ويونانية تنتهي إلى القول بالاتحاد والحلول ووحدة الوجود فذلك هو الضلال البعيد"

أعدها
المنهج - شبكة الدفاع عن السنة

 

العائدون         

  • العائدون إلى العقيدة
  • موقع صحوة الشيعة
  • موقع مهتدون
  • الملل والنحل
  • الصفحة الرئيسية