الطوام التي نسبت إلى الشيخ عبد القادر الجيلاني رحمه الله
الأدلة على اعتقاد الصوفية لهذه العقائد الباطلة
مصدر هذه الطوام وغيرها
المآخذ التي أخذت على عبد القادر الجيلاني
أقوال أهل العلم عن الشيخ عبد القادر وما نسب إليه
هو عبد القادر بن أبي صالح بن عبد الله الجيلي ثم البغدادي، ولد بكيلان، ووفد
بغداد شاباً سنة 488، وتفقه على عدد من مشايخها خاصة أبي سعد المُخَرَّمي، كان
على مذهب الإمام أحمد في صفات الله عز وجل، وبغض الكلام وأهله، وفي القدر، وفي
الفروع، خلف شيخه أبا سعيد المُخَرَّمي على مدرسته، ودرَّس فيها وأقام بها إلى
أن مات.
قال ابن السمعاني عنه: (إمام الحنابلة وشيخهم في عصره، فقيه صالح، ديِّن خيِّر،
كثير الذكر، دائم الفكر، سريع الدمعة).
ولد للشيخ عبد القادر تسعة وأربعون ولداً، سبعة وعشرون ذكراً والباقي إناث.[1]
جلس الشيخ عبد القادر للوعظ سنة 520، وحصل له القبول من الناس، واعتقدوا ديانته
وصلاحه، وانتفعوا بكلامه ووعظه.
مما اشتهر عن الشيخ عبد القادر رحمه الله مما يدل على فقهه وثبات قدمه في العلم
ما حكاه عنه ابنه موسى كما قال ابن رجب الحنبلي رحمه الله: (سمعتُ والدي يقول:
خرجتُ في بعض سياحاتي[2] إلى البرية، ومكثت أياماً لا أجد ماءً، فاشتد بي
العطش، فأظلتني سحابة نزل عليَّ منها شيء يشبه الندى، فترويت منه، ثم رأيت
نوراً أضاء به الأفق، وبدت لي صورة، ونوديت منها: يا عبد القادر أنا ربك، وقد
أحللت لك المحرمات، أوقال: ما حرمتُ على غيرك؛ فقلت: أعوذ بالله من الشيطان
الرجيم، اخسأ يا لعين؛ فإذا ذلك النور ظلام، وتلك الصورة دخان، ثم خاطبني وقال:
يا عبد القادر نجوتَ مني بعلمك بحكم ربك وفقهك في أحوال منازلاتك، ولقد أضللت
بمثل هذه الواقعة سبعين من أهل الطريق؛ فقلتُ: لربي الفضل والمنة؛ قال: فقيل
له: كيف علمتَ أنه شيطان؟ قال: بقوله: وقد أحللتُ لك المحرمات).
قلت: من اعتقد أن شيخاً يحلُّ له ما حرَّم الله، أويرفع عنه ما أوجبه على خلقه
كالصلاة مثلاً، فقد كفر.
ومما يدل على تمكنه في الفقه وبراعته فيه ما حكاه عنه ابنه عبد الرزاق قال:
جاءت فتوى من العجم إلى علماء بغداد لم يتضح لأحد فيها جواب شافٍ، وصورتها: ما
يقول السادة العلماء في رجل حلف بالطلاق الثلاث، أنه لابد أن يعبد الله عز وجل
عبادة ينفرد بها دون جميع الناس في وقت تلبسه بها، فما يفعل من العبادات؟
قال فأتى بها إلى والدي فكتب عليها على الفور: يأتي مكة، ويُخْلى له المطاف،
ويطوف أسبوعاً وحده وتنحل يمينه؛ قال: فما بات المستفتي ببغداد.
ظهرت على يدي الشيخ عبد القادر بعض الكرامات، وتاب وأسلم على يديه العديد من
الناس.
الطوام التي نسبت إلى الشيخ عبد القادر الجيلاني
رحمه الله
لقد افتُري على هذا الشيخ افتراء عظيماً، وكُذِّب عليه كذباً مهناً، ونسب إليه
من الكرامات والدعاوى الكاذبات ما لا يقبله عقل ولا دين، منها:
1. ما
نسبه صوفية المشرق من أن الشيخ عبد القادر الجيلاني متصرف في الأكوان.
2. ما
نسبوه إليه أنه قال: "قدمي هذه على رقبة كل ولي"!!! بل لم يكتفوا بذلك حتى
زعموا أنه قال ذلك بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم.
3. وصفه
بأنه هو القطب والغوث.
4. نسبة
السماع الصوفي المحرم ودق الطبول الذي يمارسه الصوفية إليه.
5.
المبالغة في مدحه والكذب فيه.
6. نسبة
الكثير من الممارسات الصوفية إليه.
7. زعم
أنه هو النائب عن الله في إدارة الكون.
8. وأنه
غياث المستغيثين.
9. وأنه
يمشي على الهواء.
10. وأن
مجرد اسمه إذا كُتِبَ في كفن الميت لن تمسه النار.
هذا قليل من كثير، وغيض من فيض مما نسب إليه.
الأدلة على اعتقاد الصوفية لهذه العقائد الباطلة
الأدلة على اعتقاد الصوفية لهذه العقائد ونسبتها إلى الشيخ عبد القادر زوراً
وبهتاناً كثيرة جداً، ولكن سنشير إلى طرف منها لضيق المقام، فنقول:
يقول الشيخ عبد الرحيم البرعي السوداني في مدح عبد القادر الجيلاني[3]:
هو القطب والغوث الكبيـر هو الذي *** أفاض على الأكوان كالبحر والسيل
وعند ظهور الحال يخطو على الهوى *** ويُظهـر شيئـاً ليس يُدرك بالعقـل
بأكفان مَنْ قد مــات إن كُتِبَ اسمُه *** يكـون له ستراً من النار والهـول
وكـل ولـي عنـقه تحـت رجْـله *** بأمـر رسول الله يا لها من رجـل
ينوب عن المختار[4] في حضرة العلا ويحكـم بالإحسان والحق والعـدل
وقال آخر مكذباً على الجيلاني رحمه الله:
مريـــدي لا تخف واشٍ فإني *** عــزوم قـاتل عند القاتل
طبولي في السماء والأرض دقت *** وشـاؤس السعادة قد بدا لي
بـلاد الله ملكي تحـت حكمـي *** وأوقـاتي لقلبي قد صفا لي
نظـرت إلى بـلاد الله جمعـاً *** كخردلـة على حكم اتصال
أنا الجيلـي محي الدين اسـمي *** وأعْلامي على رأس الجبال
وزعموا أنه قال:
إن أزمَّة أهل الزمان على قلبي، وأنا المتصرف في عطائهم ومنعهم
وزعموا أنه قال:
إن قلوب الناس في يدي، إن أردتُ صرفها عني صرفتها، وإن أردتُ صرفتها إلي.
وقال أحدهم: إن الشيخ الجيلاني هو غوث الأغواث، وإن له حق التثبيت في اللوح
المحفوظ، وأنه يملك أن يجعل المرأة رجلاً.
ونقل البريلوي شيخ الطريقة البريلوية بالهند وباكستان وبنقلاديش: أن الشيخ عبد
القادر كان يمشي في الهواء على رؤوس الأشهاد في مجلسه، ويقول: ما تطلع الشمس
حتى تسلم عليَّ.
وقال البريولي كذلك: إن الشيخ عبد القادر فرش فراشه على العرش، وأنزل العرش على
الفرش.[5]
مصدر هذه الطوام وغيرها
مصدر هذه الطوام العظام، والآفات الجسام، وغيرها كثير، كتاب كبير في ثلاث
مجلدات في مناقب الشيخ عبد القادر جمعها من غير خطام، ولا زمام، ولا تحرير، ولا
اهتمام أبو الحسن الشطنوفي المصري، فهو الذي تحمل بثها وسيبـوء بوزرها، ولا
ينقص ذلك من أوزار من اتبعه شيئاً.
قال الحافظ ابن رجب الحنبلي رحمه الله: (كان الشيخ عبد القادر رحمه الله في
عصره معظماً، يعظمه أكثر مشايخ الوقت من العلماء والزهاد، وله مناقب وكرامات
كثيرة، ولكن قد جمع المقرئ أبو الحسن الشطنوفي المصري في أخبار الشيخ عبد
القادر ومناقبه ثلاث مجلدات، وكَتَبَ فيها الطم والرم، وكفى بالمرء كذباً أن
يحدث بكل ما سمع.
وقد رأيتُ بعض هذا الكتاب، ولا يطيب على قلبي أن أعتمد على شيء مما فيه فأنقل
منه إلا ما كان مشهوراً معروفاً من غير هذا الكتاب، وذلك لكثرة ما فيه من
الرواية عن المجهولين، وفيه الشطح، والطامات، والدعاوى، والكلام الباطل، ما لا
يحصى، ولا يليق نسبة مثل ذلك إلى الشيخ عبدالقادر رحمه الله، ثم وجدت الكمال
جعفر الأدفوني قد ذكر أن الشطنوفي نفسه كان متهماً فيما يحكيه في هذا الكتاب
بعينه).[6]
قلت: مصيبة الصوفية الكبرى، وداهيتهم العظمى أنهم لا يميزون بين الصحيح
والموضوع، ولا بين الباطل والحق، بل يتلقون جلَّ عقائدهم عن طريق الهواتف
والمكاشفات، والأحاديث الموضوعات، وقد ميز الله هذه الأمة على غيرها من الأمم
بالأسانيد العالية، فلا يقبلون خبراً إلا إذا كان مسنوداً، ورجاله ثقات عدول.
ولهذا قال جمع من السادة العلماء: إن هذا العلم دين فانظروا ممن تأخذون دينكم،؛
فالعلم لا يؤخذ من أي كاتب ولا كتاب، ولا حاطب ليل لا يميز بين صحيح وسقيم، ولا
صاحب بدعة وهوى، كما قال مالك الإمام رحمه الله.
المآخذ التي أخذت على عبد القادر الجيلاني
لأهل العلم مآخذ أخذوها على هذا الشيخ، منها على سبيل المثال لا الحصر ما يأتي:
1. له
مصنفان هما "الغنية لطالبي طريق الحق"، و"فتوح الغيب"، ضمنها كثيراً من
الأحاديث الضعيفة والموضوعة.
2. خالف
متقدمي المشايخ أمثال الجنيد، وإبراهيم بن أدهم، وغيرهما، الذين كانوا معتصمين
بمنهج أهل السنة والجماعة.
3. بعض
الشطحات إن صحت عنه، نحو قوله: "قدمي هذه على رقبة كل ولي لله"!! ولا إخالها
تصح عنه.
4.
السياحة والهيام في البرية، لمخالفة ذلك لما جاء به سيد البرية.
أقوال أهل العلم عن الشيخ عبد القادر وما نسب
إليه
قال الإمام الذهبي خاتماً ترجمة الشيخ عبد القادر بقوله: (وفي الجملة الشيخ عبد
القادر كبير الشأن، وعليه مآخذ في بعض أقواله ودعاويه، واللهُ الموعد، وبعض ذلك
مكذوب عليه).[7]
وقال عنه الحافظ ابن كثير رحمه الله: (كان له سمت حسن، وصمت غير الأمر بالمعروف
والنهي عن المنكر، وكان فيه زهد كثير، وله أحوال صالحة ومكاشفات، ولأتباعه
وأصحابه فيه مقالات، ويذكرون عنه أقوالاً وأفعالاً، ومكاشفات أكثرها مغالاة،
وقد كان صالحاً ورعاً، وقد صنف كتاب "الغنية"، و"فتوح الغيب"، وفيهما أشياء
حسنة، وذكر فيهما أحاديث ضعيفة وموضوعة، وبالجملة كان من سادات المشايخ).[8]
وقال الحافظ ابن رجب معتذراً لما صدر من الشيخ عبد القادر: (ومن ساق الشيوخ
المتأخرين مساق الصدر الأول، وطالبهم بطرائقهم، وأراد منهم ما كان عليه الحسن
البصري وأصحابه مثلاً من العلم العظيم، والعمل العظيم، والورع العظيم، والزهد
العظيم، مع كمال الخوف والخشية، وإظهار الذل والحزن والانكسار، والإزدراء على
النفس، وكتمان الأحوال والمعارف والمحبة والشوق ونحو ذلك، فلا ريب أنه يزدري
المتأخرين، ويمقتهم، ويهضم حقوقهم، فالأولى تنزيل الناس منازلهم، وتوفيتهم
حقوقهم، ومعرفة مقاديرهم، وإقامة معاذيرهم، وقد جعل الله لكل شيء قدراً.
ولما كان الشيخ أبو الفرج بن الجوزي عظيم الخبرة بأحوال السلف والصدر الأول، قل
من كان في زمانه يساويه في معرفة ذلك، وكان له أيضاً حظ من ذوق أحوالهم، وقسط
من مشاركتهم في معارفهم، كان لا يعذر المشايخ المتأخرين في طرائقهم المخالفة
لطرائق المتقدمين ويشتد إنكاره عليهم.
وقد قيل: إنه صنف كتاباً ينقم فيه على الشيخ عبد القادر أشياء كثيرة.
إلى أن قال: وللشيخ عبد القادر رحمه الله كلام حسن في التوحيد والصفات، والقدر،
وفي علوم المعرفة موافق للسنة.
وله كتاب "الغنية لطالبي طريق الحق"، وهو معروف، وله كتاب "فتوح الغيب"، وجمع
أصحابه من مجالسه في الوعظ كثيراً، وكان متمسكاً في مسائل الصفات والقدر ونحوها
بالسنة، بالغاً في الرد على من خالفها).[9]
لا شك أن الكمال لله وحده، وكل يؤخذ من قوله ويترك إلا الرسول صلى الله عليه
وسلم، ولا ينبغي لأحد أن يقلد دينه الرجال، أو أن يقلد أحداً في كل ما يقول سوى
الرسول صلى الله عليه وسلم؛ وينبغي للمسلم أن يزن كلام أي إنسان بميزان الشرع،
فما وافق الكتاب قبل وما خالف الكتاب والسنة رُدَّ ولا كرامة.
لقد أمرنا الله باتباع الطريقة المحمدية والتمسك بالسنة المرضية ونبذ ما سواها
من الطرق الصوفية وغير الصوفية البدعية، وما عداها من المناهج: "وأن هذا صراطي
مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرَّق بكم عن سبيله"[10]، وقال رسوله
الناصح الأمين: "وستفترق هذه الأمة إلى ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار إلا
واحدة؛ قيل: ما الواحدة؟ قال: ما أنا عليه وأصحابي اليوم"[11]، فمن كان على ما
كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحبه الكرام فهو الناجي، ومن خالف ذلك
فهو الهالك الخاسر.
عليك أخي الحبيب بالحنيفية السمحاء، والمحجة البيضاء، والطريقة المثلى، طريقة
النبلاء الشرفاء، أتباع الرسل والأنبياء، وإياك إياك أن تنتمي إلى غيرها من هذه
الطرق، فكلها والله بدع ومخالفات وعقائد فاسدة ومناهج متحرفة.
قال الحافظ الذهبي رحمه الله في وصف هذه الطريقة المحمدية المثلى: (الطريقة
المثلى هي المحمديَّة، وهو الأخذ من الطيبات، وتناول الشهوات المباحة من غير
إسراف، كما قال تعالى: "يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحاً"[12]،
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لكني أصومُ وأفطرُ، وأقومُ وأنامُ، وآتي
النساء، وآكلُ اللحم، فمن رغب عن سنتي فليس مني"[13]، فلم يشرع لنا الرهبانية،
ولا التمزق، ولا الوصال، بل ولا صومَ الدهر، ودين الإسلام يسر وحنيفية سمحة،
فليأكل المسلم من الطيب إذا أمكنه، كما قال تعالى: "لينفق ذو سعة من سعته"[14]،
وقد كان النساء أحب شيء إلى نبينا صلى الله عليه وسلم[15]، وكذلك اللحم،
والحلواء، والعسل، والشراب الحلو البارد، والمِسْك، وهو أفضل الخلق وأحبهم إلى
الله تعالى، ثم العابدُ العَرِيُّ من العلم متى زهد، وتبتل، وجاع، وخلا بنفسه،
وترك اللحم والثمار، واقتصر على الدقة والكسرة، ضفت حواسه ولطفت، ولازمته خطرات
النفس، وسمع خطاباً يتولد من الجوع والسهر، ولا وجود لذلك الخطاب ـ والله ـ في
الخارج، وولج الشيطانُ في باطنه وخرج، فيعتقد أنه قد وصل، وخوطب وارتقى، فيتمكن
منه الشيطان، ويوسوس له، فينظر إلى المؤمنين بعين الازدراء، ويتذكر ذنوبهم،
وينظر إلى نفسه بعين الكمال، وربما آل به الأمر إلى أن يعتقد أنه ولي، صاحب
كرامات وتمكن، وربما حصل له شك، وتزلزل إيمانُه، فالخلوة والجوع أبوجاد الترهب،
وليس ذلك من شريعتنا في شيء، بل السلوك الكامل هو الورعُ في القوت، والورعُ في
المنطق، وحفظُ اللسان، والتلاوةُ بالترتيل والتدبر، ومقتُ النفس وذمُّها في ذات
الله، والإكثارُ من الصوم المشروع، ودوامُ التهجد، والتواضعُ للمسلمين، وصلة
الرحم، والسماحة، وكثرة البشر، والإنفاقُ مع الخصاصة، وقولُ الحق المر برفق
وتؤدة، والأمرُ بالمعروف، والأخذُ بالعفو، والإعراضُ عن الجاهلين، والرباطُ
بالثغر، وجهادُ العدو، وحجُّ البيت، وتناولُ الطيبات في الأحايين، وكثرة
الاستغفار في السَّحَر، فهذه شمائل الأولياء، وصفات المحمديين، أماتنا الله على
محبتهم)[16].
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على
الظالمين، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
المراجع
1. البداية والنهاية للحافظ ابن كثير.
2. البريلوية: عقائد وتاريخ لإحسان إلهي ظهيري.
3. سير أعلام النبلاء للحافظ الذهبي.
4. كتاب الذيل على طبقات الحنابلة لابن رجب الحنبلي.
5. وفيات الأعلان لابن خلكان.
|