اطبع هذه الصفحة


رد الشبهة الواهية وبيان الحقيقة الواضحة،في قوله تعالى: {قال الذي عنده علم من الكتاب}

أبو عمر الدوسري (المنهج)

 
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة بالعالمين ، نبي الرحمة محمد بن عبدالله عليه وعلى آله وصحبه الصلاة والسلام .. أما بعد:

فقد قرأت قبل يومين موضوع تطرق تطرق به صاحبه إلى حشد الأقوال وجمع الشبهات لتسويغ ما يقوم به المستغيثن بغير الله من الإشراك بالله ، ودعاوهم ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى .. وما هذا إلا منطق المشركين الأولين .. والدعاء هو العبادة كما صح في الحديث الصحيح عن النبي الفصيح عليه وعلى آله الصلاة والسلام .. والله عز وجل يقول في محكم التنزيل وقاطع الدليل {وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحداً} أليست هذه قاطعة لطالبي الحق والدليل!! أم يردون جمع الشبهات وحشد الأقاويل بزعمه أنها حجة ودليل ..؟!!

إن ما يقوم به مسوغوا الاستغاثة بغير الله هو تعلق بغير متعلق .. وهروب من الجواب المتفق .. بُعدٌ عن الآيات المحكمات .. وتأويل لبعض المشتبهات .. وأخذ بعنق الإسرائليات .. وتصحيحٌ للواهيات .. وتعلقٌ بالمنامات .. وتردادٌ للحكايات .. فهل هذا تدين بالحق أم تدليل للباطل؟!!

ثانياً :
القول الفصل في قوله تعالى: {وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحداً}

ثالثاً:
خذ الجواب الشافي والسديد .. لمن كان للحق مُريد .. في قوله جل وعز { قال الذي عنده علم من الكتاب .. } الآية ..

فالقول في معنى هذه الآية مُختلف
فمن الشخص؟!!
ومن المخاطـــب؟!!

ولذا على من كان مسترشداً طالباً للحق أن يعود للآيات المحكمات ويستدل ، لا أن يعتقد ثم يبحث عن دليل يسند اعتقاده ، كما يفعله أهل الآهواء من الرافضة والصوفية وغيرهم ..

ويا من كان مسترشداً ؛ ليس هذا بأسلوب مسترشد ، فالمسترشد يبحث عن الحق بدليله ، لا يبحث عن ما يتعقده بأنه حق فيبحث على ما يقوي اعتقاده الباطل.

وللأسف ؛ فإن الغريق يتعلق بأي شيء ، لو بقشة لا تسمن ولا تغني من جوع ، كمن يستشهد بهذه الآية على باطله؟!!!

فأنظر ما قطع به بأن آصف بن برخيا ، فأعطني دليلاً قاطعاً على ما تقول ؛ والحجة بالدليل؟!!
أُريد إسناداً -على الأقل- لهذه الإسرائلية؟!
وبما أن من نقلت عنه -أخي المسترشد- قد قطع بهذا القول ، فلما لم يذكر أن هناك اختلاف قوي فس المسألة؟!!
هل تعرف الخلاف في المسألة؟!!
هل تعرف الأقوال؟!! وتستطيع أن تميز؟!! أم أنه تقليد أعمى لغيرك؟!!

يا مسترشد -أرشدنا الله وإياك للحق- في المسألة أقوال كثيرة ؛ أقواها أربعة أقوال وهي:

1- أنه آصف بن برخيا كاتب سليمان عليه السلام
2- سليمان عليه السلام نفسه.
3- أنه جبريل عليه السلام.
4- أنه ملك من الملائكة.

1- قيل بأنه آصف بن برخيا ، وكان وزيراً لسليمان عليه السلام وكان يعلم اسم الله الأعظم الذي إذا دُعي به أجاب ، وإذا سئل به أعطى.
وهذا القول ( رواه محمد بن إسحاق عن يزيد بن رومان ، وأنه كان صديقاً يعلم الاسم الأعظم ، وهذا إسناد لا يسمن ولا يغني من جوع ، فإن بين يزيد بن رومان وبين سليمان عليه السلام مفاوز تقطع دونها أعناق الإبل!!! وأنظر"تفسير ابن كثير"ج6،ص202)نقلاً عن مُحقق كتاب(سيف الله على من كذب على أولياء الله) .

2- أما القول الثاني:
قال ابن عطية: وقالت فرقة هو سليمان نفسه ، ويكون الخطاب على هذا للعفريت: كأن سليمان استبطأ ما قاله العفريت فقال له تحقيراً له: {أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك}

وهذا القول أقرب لمعنى الآية ، ودلالته ظاهره ، فهو القول الأرجح ، لمسببات:
يقول علامة الشام وريحانة حلب محمد نسيب الرفاعي مُختصر تفسير ابن كثير رحمه الله تعالى ، مُعلقاً على هذه الآية وبعد ذكر الخلاف قال:
[ وأرجح أنه سليمان عليه السلام نفسه لأنه نبي ورسول وملك ، فلا ينبغي أن يكون من حاشيته أعلم بالكتاب منه ، فالذي عنده علم من الكتاب أيكون أحد حاشيته أو كاتبه .. ؟
ويكون لديه من القوة أعظم مما لدى سليمان نفسه؟
وكيف يكون ذلك وقد استجاب الله دعوة سليمان {وهب لي ملكاً لا ينبغي لأحد من بعدي إنك أنت الوهاب} فكيـــــــــف يكون لكاتبه قوة أقوى منه أوليست القوة من أهم أسبـاب الملك ، ولا سيمـا وأنه نبي مؤيد بالمعجزات ..
فبدهي أن يكون عند سليمان علم من الكتاب وذلك من باب أولى من جميع أفراد مملكته .. وإلا فيكون في مملكته من هو أصلح للنبوة والملك منه؟!! يا سبحــان الله ... آصف يكون عنده علم من الكتاب ، وسليمان يجهل هذا العلم ..؟!!!
فأما إذا لم يكن سليمان عليه السلام ، فلابد من أن يكون جبريل عليه السلام أو يكون ملكاً آخر ...
ويستبعد جداً أن يكون أحد من حاشيته ... والله تعالى أعلم] من تيسير العلي القدير 3/364

وسواءً كان هو القول الأول أو الثاني أو الثالث أو الرابع فإنه ليس به أي دلالة لما يُريدُ أن يستدل به المستغيثون بغير الله ، وفي ذلك قال علامة زمانة ، العالم المحقق الشيخ عبداللطيف بن عبدالرحمن بن حسن -رحمه الله تعالى- في تحفته الذهبية "تحفة الطالب والجليس" في رده على أحد المشركين المستغيثين بغير الله ..

قال العلامة المحقق الشيخ عبداللطيف بن عبدالرحمن بن حسن في تحفته الذهبية (تحفة الطالب والجليس) :
( قال العراقي: ومن الأدلة على جواز دعاء الصالحين وندائهم ، ما ذكر الله عن نبيه سليمان وقوله لآصف وقد طلب منه ما لا يقدر عليه إلا الله.

فنقول: سبحـــانك هذا بهتان عظيم ، ما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا.

وقصة آصف من أدلة التوحيد ، وآصف توسل إلى الله بتوحيده وإلهيته ، وكرر ذلك في دعائه ، وقد قيل إنه يعرف الاسم الأعظم ، فهو طالب من الله ، راغب إليه سائل له وسليمان عليه السلام آمر ليس بسائل ولا طالب.

وفرق بين الأمر والمسألة ومن لم يفــــرق بين الأمرين ، ولم يدر حكم المسألتين ، فليرجع إلى وراء ، وليقتبس نوراً من كلام أئمة العلم والهدى[1]

وقال النبي صلى الله عليه وسلم لعمر بن الخطاب: ((لا تنسنا من يا أخي من صالح دعائك)) . وهذا من جنس الأسباب العادية ، فإن الرجل إذا كان معروفاً بالصلاح وإجابة الدعاء فطلب منه الدعاء ، أو أمر به فدعا الله واستجيب له ، لا يكون هو الفاعل للإستجابة ، وليس المطلوب منه ما يختص بالله من الفعل ، وإنما يطلب منه ما يختص به من الدعاء والتضرع ، فالآية من أدلة التوحيد ، وصرف الوجوه إلى الله ، وإقبال القلوب عليه ، فإن آصف توسل إلى الله بتوحيده وربوبيته ، وقصده وحده ، ولم يقصد سليمان ، ولا غيره مع أن سليمان أفضل منه لنبوته.
وفيها أن الأنبياء لا يسألون ولا يقصدون ، بل ربما صار حصول مقصودهم ، ونيل مطلوبهم على يد من هو دونهم من المؤمنين ، وإن أعظم الوسائل ، وأشرف المقاصد هو: توحيــــــــد الله بعبادته ودعائه وحده لا شريك له كما فعل آصف.
وفيها براءة أولياء الله من الحول والقوة كما دلت عليه القصة ، فإنه توضأ وصلى ودعا فقال في دعائه [يا ذا الجلال والإكرام] قاله مجاهد.

وقال الزهري: [ يا إلهنـــا وإله كل شيء إلهاً واحداً لا إله أنت ، ائتني بعرشها ] . فأي شيء تبقى مع هذا ، وأي حجة فيه على أن غير الله يدعى.

ثم أخذ العراقي في هذيان وإسهاب حاصلة: أن السبب لا يفعل ، وأن الله هو الفاعل ، ومراده بهذا أن دعاء الأموات والغائبين من الأولياء والصالحين يجوز ويسوغ ، إذا اعتقد أن الله هو الفاعل . وقد مرّ ردّ هذا وتقرير جهل قائله ومفارقته لما عليه أهل الإسلام. وقد تقدم أن أصل الإسلام وقاعدته هي: عبادة الله وحده لا شريك له ، وإفراده بالقصد والطلب. وأن توحيد الربوبية واعتقاد الفاعلية له تعالى لا يكفي في السعادة والنجاة ، ولا يكون به الرجل مسلماً حتى يعبد الله وحده ، ويتبرّأ مما سواه من الأنداد والآلهة ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لوفد عبد القيس: (( آمركم بأربع وأنهاكم عن أربع آمركم بالإيمان بالله وحده ، أتدرون ما الإيمان بالله وحده ، شهادة أن لا إله إلا الله))

وهذا ظاهر بحمد الله وإن خفي على خفافيش البصائر ، الذين لا يستضيئوا بنور العلم ، ولم يلجأوا إلى ركن وثيق ، فهاموا من الجهل والضلال في كل فج عميق ، مع انتسابهم إلى العلوم والدفاتر ، وتقدمهم في المجالس والمحاضر.

لا عيب في القوم من طول ومن قصر ... جسم البغال وأحلام العصافير )

[1]
قال المُحقق الشيخ عبدالسلام آل عبدالكريم رحمه الله تعالى:
(الأمر هو طلب فعل الشيء على وجه الاستعلاء.
وأما المسألة فهي طلب الشيء على وجه الضعف والرجاء والتذلل.
قال شيخ الإسلام أبو العباس بن تيمية رحمه الله[كما في مجموع الفتاوى لابن قاسم 1/190-191] :
سؤال المخلوقين فيه ثلاث مفاسد:
مفسدة الإفتقار إلى غير الله وهي نوع من نوع الشرك.
ومفسـدة إيذاء المسؤول وهي من نوع ظلم الخلق ، وفيه ذلّ لغير الله وهو ظلم للنفس.
فهو مشتمل على أنواع الظلم الثلاثة.أ.هـ

وقد بين رحمه الله تحريم سؤال المخلوق للمخلوق إلى في مواضع يسيرة أجازها الشارع مع الكراهة [أنظر هذا البحث في الردّ على البكري ص92-93-94-95-96-97-98-99] .

وأمر سليمان لآصـــف هو من باب أمر السيد لمملوكه والأب لابنه والملك لرعيته )

يقول مركز الفتوى في الشبكة الإسلامية والذي يُشرف عليه الدكتور عبدالله الفقيه:

( ونحن نقول للسائل: إن قصة آصف بن برخيا لم يرد فيها حديث مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم فيما نعلم )


كتبه:
أبو عمر الدوسري(المنهج) - شبكة الدفاع عن السنة

 

أرباب الطريقة
  • منوعات
  • من كلام الأئمة
  • كتب عن الصوفية
  • جولات مع الصوفية
  • شبهات وردود
  • صوتيات عن الصوفية
  • فرق الصوفية
  • شخصيات تحت المجهر
  • العائدون إلى العقيدة
  • الملل والنحل
  • الصفحة الرئيسية