اطبع هذه الصفحة


الطريقـة الرفاعية

إحسان إلهي ظهير

 
من السلاسل المنتشرة في العراق وبلاد الشام وغيرها الرفاعية ، نسبة إلى أبي العباس أحمد بن الحسين الرفاعي ، منسوب إلى بني رفاعة قبيلة من العرب ، كما صرح بذلك الشعراني في طبقاته(1).

ولو أن الرفاعية يدعون نسبته إلى بني فاطمة كعادة الصوفية الآخرين بأن كل جماعة وحزب منهم يريد نسبة شيخهم إلى الإشراف والسادات ، فقالوا كما قاله الآخرون: "أنه سيد حسيني"(2).

وعد مقدم كتابه (المجالس الرفاعية) السيد خاشع الراوي الرفاعي أنه: " الإمام الثالث عشر من أئمة آل البيت سلام الله عليه وعليهم أجمعين(3).

ولكن المحققين أنكروا عليهم نسبته هذه ، ونسبه ذاك.

ولأهل الطريقة القادرية من الصوفية رسائل وكتب ، كتبت لبيان أن نسبه إلى الأشراف ليس بصحيح ، ولقد ذكر ظهير الدين القادري الحسني الحسيني فصلاً مستقلاً وباباً خاصاً في كتابه (الفتح المبين في ما يتعلق بترياق المحبين) لبيان هذا(4).

كما أن الرفاعيين ألّفوا عديداً من الرسائل والكتب لإثبات نسبته إلى السادات ولكنهم اختلفوا فيما بينهم في أسماء آبائه ، وعددهم إلى موسى بن جعفر بن محمد الباقر ، وهذا أحد الأدلّة لعدم ثبوت النسب ، وقد صرح ابن عنبة نسابة الأشراف المشهور في عمدته أن الذي ينسبون إليه الرفاعي ليس بثابت ، وإن الرفاعي نفسه لم يدّع ذلك ، وهذا نصه:
" وقد نسب بعضهم الشيخ الجليل سيدي أحمد الرفاعي إلى حسين بن أحمد الأكبر فقال:
هو أحمد بن يحيى بن ثابت بن حازم بن علي بن الحسين بن المهدي بن القاسم بن محمد بن الحسين المذكور ، ولم يذكر أحد من علماء النسب للحسين ولداً اسمه محمد ، وحكى لي الشيخ النقيب تاج الدين أن سيدي أحمد بن الرفاعي لم يدّع هذا النسب ، وإنما أدعاه أولاد أولاده"(5).

وقد ذكر ظهير الدين القادري نقلاً عن العلامة شمس الدين ناصر الدمشقي أنه قال: " إن الرفاعي لم يبلغنا أنه أعقب كما جزم غير واحد من الأئمة المرضية ، ولم أعلم له نسباً صحيحاً إلى علي بن أبي طالب ولا إلى أحد ذريته الأطياب ، وإنما الذي وصل إلينا وساقه الحافظ وصح لدينا أن أبو العباس أحمد بن الشيخ أبي الحسن علي بن يحيى بن حازم بن علي بن رفاعة المغربي الأصل البطائحي الرفاعي نسبة إلى جده الأعلى رفاعة ، قدم والده أبو الحسن رحمة الله عليه من بلاد المغرب ، فسكن بطائح"(6).

فلم يكن عند الرفاعيين شيء لحل هذه المعضلة ، ورفع هذه المشكلة إلى أن يلتجؤا إلى ما التجأ إليه الآخرون من بني جلدتهم وأهل مشربهم ، فقالوا: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الذي أخبره بصحة نسبه إليه كما يذكر ذلك صاحب القلادة " كيف لا ، وقد شهد له نبينا سيد العرب والعجم بصحة الوصلة والنسب ، وذلك عام حجه رضي الله عنه حين وقف تجاه الحجرة العطرة النبوية قال: السلام عليك يا جدي ، فقال له عليه أفضل صلوات الله: وعليك السلام يا ولدي"(7).

وإنني لأرى بأن هذا دليل آخر على عدم ثبوت النسب وإلا لما احتيج لإثباته إلى مثل هذه الحكايات الباردة والروايات المختلفة المخترعة التي هي في احتياج إلى ثبوتها وإثباتها وإقامة البرهان على تحققها ووقوعها ، فالمتشابهات والمظنونات لا يحصل بها اليقين والله أعلم.

وأما عندنا فإن النسب لا يرفع الوضيع ولا يضع الرفيع ، فقد قال جل وعلا: { يا أيها الناس إن خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم}(8).

وقال عز من قائل: { يا أيها الناس اتقوا الله ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة}(9).

وقال عليه الصلاة والسلام: (( الناس بنو آدم وآدم من تراب))(10).

وقال في خطبته- أيام التشريق- : (( يا أيها الناس ألا إن ربكم واحد ، وإن أباكم واحد ، ألا لا فضل لعربي على أعجمي ، ولا أعجمي على عربي ، ولا لأحمر على أسود ، ولا أسود على أحمر إلا بالتقوى ، أبلغت؟ قالوا: بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم .. الحديث))(11).

ومن المعلوم أن ولد نوح ووالد إبراهيم وزوجي نوح ولوط وعمّ رسول الله الكريم لم ينفعهم حسبهم ونسبهم من عذاب الله وبطشه ، وقد نفع بلال الحبشي وسلمان الفارسي وصهيب الرومي إيمانهم وعملهم ، ما لم ينفع أبا لهب وزوجته وهو عم رسول الله أخو والده ، وهو الذي قال عليه الصلاة والسلام مخاطباً عمته صفية وابنته الزهراء زوج علي بن أبي طالب وأمّ الحسنين:
(( يا صفية ، عمة رسول الله ، لا أغني عنك من الله شيئاً وفي رواية: يا فاطمة بنت محمد سليني من مالي ما شئت ، لا أغنى من الله شيئاً ))(12).

فإن الأحساب والأنساب المجردة ، لا قيمة لها عند الله ، فمدار النجاة ليس إلا على الإيمان والعمل الصالح ولكننا ذكرنا هذا كله عند ذكر الرفاعي والآخرين لما له أهمية عند القوم ، وعلى ذلك يحاولون أن يثبتوا لكل كبير لهم نسبه إلى السادة والأشراف ، مع تصريح أبي العباس المرسي وهو من كبار المتصوفة والحائز عندهم على مقام القطبية: " لا يلزم أن يكون القطب شريفاً حسينياً ؛ بل قد يكون من غير هذا القبيل"(13).

وآخر ما يزيد أن نثبته في مسألة نسب الرفاعي لطرافته ما ذكره محمد أبو الهدى الرفاعي ، فيقول:
" وقال رجل موصلي لشيخنا الشيخ عبدالرحمن جمال الدين الحدادي يا سيدي إن رأيت بعضاً من كتب التاريخ ذكر نسبة الشيخ عبدالقادر الجيلاني وسكت عن نسبة السيد أحمد الرفاعي مع أنه عربي الأصل وأشهر منه بالسيادة وقد قال بعض علماء فارس أن الشيخ عبدالقادر بشتبري النسب وهكذا يقول بعض أهل بيته فقال شيخنا قدس الله سره أكفف يا ولدي عن الخوض وأعلم أن من كتب التاريخ سكت عن نسبة الاثنين إلا أن بعض لصوفية ذكر نسبه الشيخ عبدالقادر حرصاً عليه حتى لا يطعن في نسبه من لا علم له لما أشتهر أنه من العجم ، ولما قيل أنه بشتبري النسب والأصل الصحيح أنما هو رجل فاطمي لا ريب في نسبته إلى الجد الأعظم صلى الله عليه وسلم سكن أجداده فارس إلى زمانه قدس سره ورضي الله عنه. وهكذا ما يجب علينا اعتقاده فإن الأولياء أعلم منا بالأدب الديني والوجه الشرعي ولو لم تكن نسبته ثابتة الوصول إلى الرسول لما أدعاه قط. وأما ما ذكرته من شهرة السيد أحمد الرفاعي رضي الله عنه بالسيادة وكونه غربي الأصل والمنشأ فهو السبب الذي اعتمد عليه الصوفية وسكت عن ذكر سلسلته نسبه"(14).

فولد أحمد الرفاعي هذا في " قرية من قرى البطائح ، يقال لها أم عبيدة بفتح العين"(15).
والبطائح قرى متجمعة في الماء بين واسطة والبصرة مشهورة بالعراق(16).
وعليه الأكثر.
وقيل: كانت ولادته في قرية من أعمال البصرة وولد سنة 500 من الهجرة على قول الأكثر(18).
وقيل: كانت ولادته سنة 512 في شهر رجب(19).
وكان أبوه علي بن أحمد قد نزل البطائح من المغرب ، وتزوج بأخت الشيخ منصور الزاهد وعلى ذلك كان يقال له المغربي أيضاً(20).
وقيل: إن الرفاعي هذا ولد بعد وفاة أبيه بأشهر(21).
وقيل: بل ولد في حياته في بغداد سنة 519هـ وكان عمر أحمد الرفاعي آنذاك سبع سنين ، وبعدئذ نقله خاله الشيخ المنصور البطائحي هو وإخوته وأمه فاطمة إلى قريته(22).
فنشأ هناك وتربى في بيت خاله الذي كان يعد من كبار المتصوفة وصاحب المشيخة هناك ، فبعد وفاته سنة 540هـ أخذ مشيخته وقام بمقامه.

ولقد حكى الرفاعيون حكايات عديدة ، وأحاطوه بأساطير طريفة منذ ولادته ؛ بل وما قبل الولادة وبعدها كعادتهم والآخرين منهم ، وحكايات تنبأ وتخبر بأصالة الاختلاق والاختراع والزور والكذب حيث أنها واحدة في معناها ومغزاها لكل واحد من كبارهم مع تعدد الأشخاص وتنوع البيئات واختلاف الزمان والمكان.
فمثلاً يقول محمد أبو الهدى الرفاعي في قلادته:
" ولد [أحمد الرفاعي] في شهر رجب ... وكان يشرب اللبن إلى أن قدم رمضان فتقيد عن شرب اللبن نهاراً إلى أن جاء العيد فشرب اللبن"(23).
وهذا عين ما يحكيه القادريون عن الشيخ عبدالقادر الجيلاني ، وغيرهم عن غيره(24).
وأيضاً ما يروون عنه أنه كان يتكلم وهو في المهد صبياً ، وقد تكلم يوم ولدته(25).
وكذلك ما يروون عن البشائر التي سبقت ولادته منها ما اختلقه منصور البطائحي حيث قال:
" رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام وهو يقول: يا منصور أبشرك أن الله تعالى يعطي إلى أختك بعد أربعين يوماً يكون اسمه أحمد الرفاعي ، مثل ما أنا رأس الأنبياء كذلك هو رأس الأولياء"(26).
وأيضاً " هو ذا يظهر في أم عبيدة وتشد إليه الرحال ، وتتحير فيه أهل الأحوال ، وتذل له رقاب الرجال ، يتعجب من طريقته وإنه صاحب شأن عظيم ومحل جسيم ، وهو آخر القوم مشرباً وأولهم قدماً ... وهو رجل عظيم المنزلة عند الله ، فإذا هو ظهر غلق أبواب جميع المشايخ والصالحين ، يظهر عن قريب ، وله سر عجيب ، وسير غريب ، ويصير الوقت له ولأهله وتهكمه وتصرفه ، يصل إلى مرتبة عظيمة ، يضرب دأبه إلى الذراري في ظهور الرجال ، يسلك طريقاً لم يسلكها أحد قبله ولا بعده"(27).
ولما ولد هذا واطلع على مقامه وشأنه الشيخ منصور البطائحي أخذته الغيرة ، فأنب أنّب من قبل الله تبارك وتعالى- " عياذاً بالله من نقل مثل هذه الخرافات ولا يؤاخذنا الله عليها- كما ذكر قاسم بن الحاج في كتابه (أم البراهين) :
إن الشيخ منصور البطايحي الرباني رضي الله عنه لما أخذته الغيرة حالة اطلاعه على مقام سيدنا السيد أحمد الكبير رضي الله عنه نودي من العلى أي منصور تأدب هذا السيد أحمد حبيبنا نظهره على غوامض غيوبنا أي منصور هذا السيد أحمد نائب الدولة المحمدية وعروس المملكة المصطفوية وهو شيخ جميع الأمة الأحمدية وشيخك فقل نعم قلت نعم فقال نحن نتصرف في ملكنا كما نشاء فقلت نعم نعم ثم أتى حملة الغاشبة يديه وأخذت العهد على يديه فأنا شيخه بالخرقة وهو شيخي بالخلق والخلقة كان سيدي منصور قدس الله روحه ذات يوم جالساً والفقراء حوله وهو يحدثهم ويرغبهم بمواهب الله وإذا به قد نهض قائماً وإذا به قد نهض قائماً على قدميه وصاح بأعلى صوته وأشار بيده إلى جهة الأرض ووقع مغشياً عليه فيقع ما شاء الله فلما أفاق لزمه الفقراء وأقسموا عليه بالعزيز وسألوه أن يخبرهم ما سبب صراخه وقيامه ونداه فقال لهم: سألتموني عن أمر عظيم.
اعلموا أن الله تعالى قد ألحق بالشيخ الكبير السيد أحمد بن ابن خالي مشارق الأرض ومغاربها من أربع جهاتها ، وإن الأمر يصير إليه ، وحكم الخلق كلهم بيديه ، ويكون هو الشيخ المعول عليه(28).

فهذه هي حكايات القوم عن طفولته وصغره قبل ولادته ، تشبه حكايات الآخرين تماماً ولو حذفت الأسماء فإنما هي بعينها بدون أدنى فارق.

فهذه هي حكايات القوم عن طفولته وصغره قبل ولادته ، تشبه حكايات الآخرين تماماً ولو حذفت الأسماء فإنما هي بعينها بدون أدنى فارق.

ولما كبر كان ما كان:
" كان قطب الأقطاب في الأرض ، ثم أنتقل إلى قطبية السماوات ، ثم صارت السماوات السبع في رجله كالخلخال(29).
و"ختم الله به الولاية كما ختم بمحمد النبوة"(30).
ويروون عنه أنه كان يعض " وكان يسمع صوته البعيد من مجلسه كالقريب ويحظر مجلسه الأصم الذي لا يسمع فيفتح الله سمعه بكلامه"(31).
وحتى أن أهل القرى التي حول أم عبيدة كانوا يجلسون على سطوحهم فيسمعون صوته ، ويعرفون جميع ما يتحدث به(32).
"وكان أشياخ الطريقة يحضرونه ويسمعون كلامه ، وكأن أحدهم يبسط حجره ، فإذا فرغ سيدي أحمد رضي الله عنه ضموا حجورهم إلى صدورهم وقصوا الحديث إذا رجعوا إلى أصحابهم على جليته"(33)
و"كان إذا طلب منه أحد أن يكتب له عوذه ولم يكن عنده مداد يأخذ الورقة ويكتب عليها بغير مداد"(34).

ومن أكاذيب الرفاعية في الرفاعي ما نقلوه عن أحد أصحاب الرفاعي أنه قال:
" كنت في بيتي ليلة من الليالي إذ ناداني السيد أحمد الرفاعي ، فقمت مبادراً إليه وقبلت يديه وسألته عن حاجته فأخذ بيدي وخرجنا من الرواق حتى وصلنا إلى بستان يعرف بالقثوري وهو مكان خالي فوق أم عبيدة ما فيه شيء يستظل به قال: أي سعيد قف هنا حتى أرجع فوقفت مكاني حتى مضى من الليل شطره وهو لم يرجع فمشيت على أثره لأعرف خبره فإذا أنا بثيابه ملقاة على الأرض وعلى جانبه ماء يبرق كالنجم فجعلت أطوف يميناً وشمالاً فلم أجده فرجعت إلى موضعي وأنا مرعوب من ذلك إذ هو أقبل عليّ وأنواره تشرق. فقلت له ما رأيت وأقسمت عليه بالعزيز سبحانه وبالمصطفى صلى الله عليه وسلم فاستخبرته عن ذلك فقال: أي ولدي أنا كنت ذلك الماء الذي رأيته نظري سبحانه بعين القدر فذبت كما يذوب الرصاص فصرت كما رأيت ماء ، ثم نظرني بعين اللطف فصيرني كما ترى بشراً سوياً"(35).

وكان يقول: " صحبت ثلاثمائة ألف أمة ممن يأكل ويشرب ويروث وينكح ولا يكمل الرجل عندنا حتى يصحب هذا العدد ويعرف كلامهم وصفاتهم وأسمائهم وأرزاقهم وآجالهم ، قال يعقوب الخادم ، فقلت له: يا سيدي إن المفسرين ذكروا إن عدد الأمم ثمانون ألف أمة فقط ، فقال ذلك مبلغهم من العلم ، فقلت له: هذا عجب. فقال: واز يدك أنه ى نستقر فطفة في فرج أنثى إلا ينظر ذلك الرجل إليها ويعلم بها. قال يعقوب الخادم فقلت له: يا سيدي هذه صفات الرب جل وعلا ، فقال: يا يعقوب أستغفر الله تعالى فإن الله تعالى إذا أحب عبداً صرفه في جميع مملكته وأطلعه على ما شاء من علوم الغيب"(36).

وكان يعقوب الخادم على حق حيث عدّ هذه الأوصــاف من صفــات الرب وهو الذي قال جلّ سبحانه وتعالى في كتابه المحكم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد ، قال فيه:
{ إن الله عنده علم الساعة وينزّل الغيث ويعلم ما في الأرحــام وما تدري نفس ماذا تكسب غداً وما تدري نفس بأيّ أرض تموت}(37).

وكان يملك الموت والحيــاة كما ذكر ذلك عنه ابن الملقن:
" ورآه ابن أخته عبدالرحيم أبو الفرج ، ورجل قد نزل عليه ، فقال له: مرحباً بوتد المشــرق ، فقال له: إن لي عشرين يوماً لم آكل ولم أشرب ، وأريد أن آمر هذا الأوز الذي في السمـاء ، فتنزل واحدة مشوية ، ففعل ، فنزلت كذلك ، ثم أخذ حجرين من جانبه فصارا رغيفين ، ثم مدّ يده إلى الهواء فأخذ كوز ماء ، فأكل ذلك وشرب ثم طار ، فقال الشيخ لتلك العظام: اذهبي باسم الله ، فذهبت سوية وطارت"(38).

ورواية أخرى رواها محمد أبو الهدى في قلادته نقلاً عن أمّ البراهين:
" ذكر الشيخ شمس الدين محمد بن عثمان أنه خرج مع الشيخ الكبير السيد أحمد ذات يوم إلى الصحراء فبينما هما سائران في الصحراء إذ رأوا أسداً كاسراً مفترساً لشاب ، وقد خلع كتفه من جسده ومكث يأكله فزجره الشيخ الكبير السيد أحمد زجراً شديداً وقال له: أي خلق الله ما نهيتكم عن أذية الخلق الذين يمرون ببلادنا فنطق السبع وأتى إلى حضرة الشيخ مسلماً عليه بلسان عربي فصيح فقال له: أي سيد السادات وصاحب الجود والكرامات لي سبع أيام ما أكلت شيئاً وأنا دائر على ولدي فما وجدته ، وهذا الشـاب قد أرسله الله إليّ رزقاً مقسوماً بسبب غضب والدته عليه ، فأنتم تريدون قطع نصيبي من ذلك الأمر إلى الله ثم إليكم. فلما سمع كلامه لم يعبأ به ؛ بل التفت إليه بنظر الغضب والجلال فوقع السبع ميتاً ومسح عليه بيده المباركة فعاد كما كان أولاً ؛ بل أسدّ وأقوى . وقال الشيخ للشاب ما اسمك؟ قال: اسمي داود بن إبراهيم. فقال به الشيخ: أي داود أسلخ غريمك فسلخه وأخذ الجلد ومضى إلى والدته وخبرها بالقصة"(39).

وابن الملقن كذلك ذكر عن أبي عبدالله محمد البطائحي: " انحدرت في أيام سيدي عبدالقادر إلى أم عبيدة ، فقال لي الشيخ أحمد: أذكر لي شيئاً من مناقب الشيخ عبدالقادر وصفاته ، فذكرت منها شيئاً ، فجاء رجل في أثناء حديثي فقال: مه ، لا يذكر عندنا مناقب مناقب غير هذا ، فنظر الشيخ إليه مغضباً ، فرفع الرجل من بين يديه ميتاً"(40).


هذا وكان يملك الجنة والنار أيضاً كما يذكرون عنه أن شخصاً من أصحابه تمنّى عتق من النار ينزل من السماء "فسقط منها ورقة بيضاء ، فلم ير فيها كتابه فأتى إلى الرفاعي فلم يخبره بالقصة ، فنظر إليها ثم خرّ ساجداً وقال:
الحمد لله الذي أراني عتق أصحابي من النار في الدنيا قبل الآخرة ، فقيل له: هذه بيضاء ، فقال: أي أولادي ، يد القدرة لا تكتب بسواد ، وهذه مكتوبة بالنور"(41).

هذا ولقد باع على واحد من مريديه ، واسمه: إسماعيل بن عبدالمنعم ، قصراً في الجنة تجمعه حدود أربعة: الأولى إلى جنة عدن ، والثاني إلى جنة المأوى ، والثالث إلى جنة الخلد ، والرابع إلى جنة الفردوس بجميع صوره وولدانه وفرشه وستره وأنهاره وأحجاره عوض بستانه"(42).
ولقد ذكرنا هذه الحكاية مفصلاً في باب (أوليــاء أم آلهة) فليراجع إليه للتفصيل.

وكان يقول كما ينقلون عنه:
"وأحمى مريديّ على كل حالة *** وأدخلهم دار النعيم أمامي
فمن كان منّـا أو يلوذ ببابنا *** غداً يوم القرب تحت خيامي
وأحميهم مما يختشى يوم خوفه *** وفي معظم الحالات عنه أحامي"(43)

وقال أحد أصحابه:
" ولا يكون الرجل ممكناً في سائر أحواله حتى يعرض عليه عند غروب الشمس جميع أعمال أحابه وأتباعه وتلامذته بالقرب والبعد ، فيمحو منها ما يشـاء ، ويثبت ما يشــاء ... لا يكون الشيخ كاملاً في سائر أموره وأحواله وأقواله وأفعاله ، ولا يصلح له الجلوس في المخدة حتى يحضر عند تلميذه في أربع مواضع:
عند خروج روحه من جســده.
وعند مسألة منكر ونكير له.
وعند جوازه على الصــراط.
وعند الميزان"(44).

وكان يقول:
" خذ من مجلسي حصة من الفضل الإلهي ، والمنح النبوي ، كلّ من أظلّته الخضـراء ، وأقلته الغبراء ، اليوم محتاج لأخذ هذه الحصة من هذا المجلس ، سل أهل الذوق ، سل أهل الشوق ، سل الأقطاب ، سل الأفراد ، سل الأوتاد ، ختمت بي هذه التوبة الجامعة المحمدية"(45).

ونقلوا عنه هذه الأبيات:
" وطاولت أعلام الرجال ولم أزل *** أطول إلى أن جزت من حضرة الرب
وفقت كبار القوم في كل مذهــــب **** وســــرت بلاثان إلى مذهـــب الحبّ
وصرت فريداً في بني الحب كلهم **** وجاؤا الحاني يطلبوا السكر من شربي
وهاموا بكأسي قبل شرب الذي به *** ونالوا الشفاء من صرعه الهجر في طبي
أنا القطب والغوث الكبير الذي على ** قبــــــــــــاب زوياتي بدا النور من ربي
أشـــاهد معنى الكل في كلّ مشهد **** وانظــــــــــــر من معنى حقيقتها سلبي
فمن عينها عيني ومن سرّ رمزها *** عرفت بأن الكلّ من سرها وهبي"(46).
وأيضاً:
"رفعت رايتي على الأعلام *** وصفا الوقت بل وراق مدامي
وخيولي تدور في كل أرض *** ثم في كل بلدة ومقام
وطبولي دقت وموكب عزّي *** في سرور على مدى الأيام
أنا قطب في مركز الفصل قدري ** وعلى هامة الهلال خيامي
فجميع الرجال في باب عزّي *** يطلبون العطاء من إكرامي
شهرتي في السماء والأرض دارت ** وافتخاري يزيد في كل عام"(47).
وكان يقول:
" كل شيخ لم يحضر تلميذه عند الموت فليس هو عندنا برجل، وكل شيخ ينكشف تلميذه خلف القاف في ظلمة الليل ولا يمدّ يده يغطيه فما هو عندنا برجل ، وكل شيخ لا يغيّر صفات تلميذه ويكتب الشقي سعيداً فما هو عندنا برجل ، وكل شيخ لا يراعي تلميذه في القرب والبعد في حال حياته وبعد مماته فليس هو عندنا برجل"(48).
وكان يقول:
" وحق العزيز سبحانه وتعالى ، قبض العزيز جل وجلاله من نولا وجهه قبضة ، فخلق منها سيدنا المصطفى صلى الله عله وسلم فرسحت ، فخلقني منها ... وإني لما دعيت إلى هذا الأمر حملت إلى قبلة هذا البلد ، وشق صدري ملك من الملائكة المقربين فأخرج منه شيئاً مظلماً وغسّله بماء الحيوان من الرياء وسوء الخلق وكل ما كان للشيطان فيه نصيب ، كل ذلك وأنا أنظر بعيني كما فعل برسول الله صلى الله عليه وسلم"(49).
انظر الجرأة وســــــوء الأدب في حضرة النبي الكريم صلوات الله وسلامه عليه كيف يشبّهون متصوفهم مع الذي يصدق فيه قول الشاعر:
مضت الدهور وما أتن بمثله *** ولقد أتى فعجزن عن نظرائه
لكن هو الذي ينقلون عنه أنه قال:
" الشيخ في قومه كالنبي في أمته"(50).
ولذلك كانوا يجتزون على هذه المقولة:
" وكان حاله طبق حال رسول الله . وأوصافه موافقة في كل الشؤونات لأوصاف حبيب الله . وقد جرت عليه أحكام المطابقة الاضطرارية كموت أبيه قبل أمه وهو حمل . وبعضهم قال: وهو في المهد . وكتسميته بلا سعي منه أحمد وكشأنه في البطاح العربية وكولادته في قرية حسن وإقامته بأم عبيدة بلده جده وموته فيها وبينهما كما بين مكة والمدينة وكظهوره بين عرب جفاة وكبروزه في حالة مظهريته فقيراً وكموت أولاده الذكور قبله وكحصول الذرية له من بنتيه الكريمتين ومن صلبي ولدي بان عمه سيف الدين وعثمان كما سيأتي ذكره مفصلاً وغير ذلك . وكإقبال العامة الفقراء عليه وكتحمله وحلمه وسعة صدرته وسخاوته وكقوة عزمه في الله وكعلوية همته على الملوك والخلفاء وعدم التردد إليهم وكتواضعه للفقراء واشتغاله بخدمة الأرامل والأيتام وضعاف الناس وفقراء النصارى واليهود ومحتاجيهم وبذاك أسلم على يديه منهم خلق لا يحصى عددهم وككثرة وقوع الإرشاد على يديه وكتمكنه في مرتبة عبادته وعبوديته من غير ملل ولا كسل ولا استفزه حال ظهوره قط وكعدم جلوسه على سجادة وجلوسه مع إخوانه كأحدهم وكثرة صبره على أذية قومه وعشيرته حتى أرشدهم الله على يديه وكحسن معاشرته ولطف طبعه وصفاء سريرته وعذوبة لفظه"(51).


وعلى ذلك يقولون بأنه لما ذهب إلى الحج عام 555هـ ووصل مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم:
" وقف تجاه حجرة النبي عليه الصلاة والسلام وقال على رؤوس الأشهاد السلام عليك يا جدي. فقال له عليه الصلاة والسلام: عليك السلام يا ولدي. سمع ذلك كل من في المسجد النبوي . فتواجد سيدنا السيد أحمد وأرعد واصفر لونه , وجثا على ركبتيه ثم قام وبكى وأنّ طويلاً وقال يا جداه:
في حالة البعد روحي كنت أرسلها *** تقبل الأرض عني وهي نائبتي
وهذه دولة الأشباح قد حضرت *** فامدد يمينك كي تحظى بها شفتي
فمد له رسول الله صلى الله عليه وسلم يده الشريفة العطرة من قبره الأزهر المكرم فقلبها في ملأ يقرب من تسعين ألف رجل . والناس ينظرون اليد الشريفة . وكان في المسجد مع الحجاج الشيخ حياة بن قيس الحرابي والشيخ عبدالقادر الجيلي المقيم ببغداد والشيخ خميس والشيخ علي بن مسافر الشامي وغيرهم"(52).
ثم قالوا:
" وإنكار هذه الكرامة كفر"(53).
فانظـر جـــرأة هؤلاء القوم على الكـــذب ، ثم الإصرار عليه ونسج هذه العبارة وذكر العدد الخم أي تسعين ألفاً من الناس:
مع العلم بالبداهة بأن هذا العدد الضخم لا يمكن وقوفهم أمام الحجرة الشريفة ، ولا يسعهم المكان في وقت واحد ، ورؤيتهم وسماعهم لو وقع في تلك الجهة وفي ذلك المكان ، ثم سردهم هذه الأسماء بكل وقاحة مع أنه لو وقع هذا كله أمامهم لملؤا الدنيا بذكره ، وكتبهم بحكايته.
وأيضاً ذلكم الجمع الحاشد لو رأوا هذا الأمر وسمعوه لساروا بذكره ومشوا بروايته ، وكل هذا لم يحدث ولم يذكر في كتاب من كتب ذلك المكان في التاريخ والسير والطبقات اللهم إلا كتب المتصوفة ، والمتصوفة الرفاعيين بالذات ، حتى كتب الطبقات الصوفية أيضاً خالية بذكرها أيضاً ، وكذلك الكتب التي تذكر الرفاعية بالخير والثناء والمدح فيهم ، كما لا يوجد في كتب الجيلاني إشارة إلى هذا ولا اسم ولا رسم ، وقد قيل قديماً:
" إذا لم تستحي فاصنع ما شئت"(54).

ولم يكتفوا بهذه الأكذوبة إلا وأضافوا إليها أخرى حيث قالوا:
"أنه حجّ مرة ثانية وذلك في العام الذي توفّي فيه وزار قبره صلى الله عليه وسلم الذي هو أفضل من الجنة ؛ بل العرش والكرسي.
ولما وقف تجاه القبر الشريف يريد الوداع أنشد قائلاً:
إن قيل زرتم بما رجعتم *** يا أشرف الرسل ما نقول
فخرج صوت من القبر الشريف ، سمعه كل من حضر في ذلك الروض المعطر وهو يقول:
قولوا رجعنا بكل خير *** واجتمع الفرع والأصول"(55).
هذا من ناحية.

ومن ناحية أخرى يذكرون عنه بأنه دخل المطبخ في ليلة من الليالي ، فرأى كلاباً يأكلون من القوصرة وهم يتخاشرون ، فوقف رضي الله عنه على الباب يحفظهم لئلا يدخل عليهم أحد يؤذيهم وهو يقول لهم: أي مباركين ، كلوا واسكتوا ولا تتخاشروا لئلا يعلم بكم أحد فتمنعون ... وكان يدور وراء الكلاب المدودين ليداويهم ، فربما هرب منه الكلب يمشي ورائه ويتعطف بخاطره ويقول:
"أي مبارك ، إنما أريد مداواتك"(56).
هذا وقد ذكرنا فيما سبق أنه كان يسلّم على الكلاب وغيرها من الحيوانات وإذا رأى خنزيراً يقول له: أنعم صباحاً"(57).
وذكروا عنه أشيـاء أخرى في تلك التفاهة ، منها " كان إذا نام على كمّه هرة وجاء وقت الصلاة كمّه من تحتها ولا يوقظها ، فإذا جاء من الصلاة أخذ كمّه وخاطه ببعضه"(58).
ومنها أن زوجته أعدت له يوماً هريسة وقدّمته إليه ، فقام يصلي ركعتين شكراً لله تعالى ، فبينما هو قائم يصلي إذا جاءت فأرة تدور حول الهريسة وتشتهي ، فنهضت عليها هرة وقطعت رأسها ، فلما فرغ من صلاته بكى ، ثم نحى الهريسة عنه ، فقالت له زوجته: أي سيدي لم نحيته عنك؟
فقال: أي بنت الصالح ، ما تقطع فيه الرؤوس لا تشتهيه النفوس"(59).
إلى مثل ذلك من القصص التافهة الكثيرة ، نعرض عن ذكرها تجنباً عن الإطالة.

وينقلون عنه أن بعض أصحابه رآه في المنام في مقعد صدق مراراً ولم يخبره ، وكان للشيخ امرأة بذيّة اللسان تسفّه عليه وتؤذيه ، فدخل عليه الذي رآه في مقعد صدق يوماً ، فوجد بيد امرأته محراك التنور وهي تضربه على أكتافه ، فاسودّ ثوبه وهو ساكت ، فانزعج الرجل وخرج من عنده ، فاجتمع مع أصحاب الشيخ وقال لهم: يا قوم ، يجري على الشيخ من هذه المرأة وأنتم سكوت؟
فقال بعضهم: مهرها خمسمائة دينار وهو فقير ، فمضى الرجل وجمع الخمسمائة دينار وجاء بها إلى الشيخ في صينية فوضعها بين يديه ، فقال له: ما هذا؟
فقال: مهر الشقيقة التي فعلت بك كذا وكذا ، فتبسم وقال: لولا صبري على ضربها ولسانها ما رأيتني في مقعد صدق(60).

ومات بمرض بالبطن فكان يخرج منه كل يوم ما شاء الله ، فمات سنة 570هـ على قول الشعراني في طبقاته(61).
وسنة 578هـ على قول الأكثر(62).
وكان يردد قبل وفاته هذه الأبيات:
إذا جنّ ليل هام قلبي بذكركم *** أنوح كما ناح الحمام المطوّق
وقوفي سحاب يمطر الهمّ والأسى ** وتحتي بحار بالأسى تتدفّق
سلوا أمّ عمر وكيف بات أسيرها ** تفُكُّ الأسارى دونه وهو موثق
فلا هو مقتول ففي القتل راحة *** ولا هو ممنون عليه فيطلق(63).

تزوج الرفاعي بعديد من النساء ولم يعقب.

فخلفه على المشيخة الرفاعية علي بن عثمان الذي كان يقول:
" من كان له منكم حاجة فليزمني بها، ومن شكى من سلطانه أو من شيطانه أو زوجته أو دابته أو أرضه إن كانت لا تنبت أو نخلة لا تثمر فليزمني بها فإني مجيب له، ودركه عليّ"(64).

ونقل منه تفسير باطني مثل تفسيره قوله عزّ وجلّ: {إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة} فقال: الملك هو الله عز وجل، والقرية قلبك، فسد المنزل على المتوطن وأزعجهم، والمراد بالمتوطن الريا والنفاق وسوء الخلق والتزوير والبهتان والفساد والطغيان وكل ما هو خلاف رضا الرحمن، والمراد بأعزّة تلك الشياطين فيذلّهم ويهينهم"(65).

ومات سنة 584هـ.

فخلف من بعده عبدالرحيم بن عثمان ومات سنة 604هـ.

ثم خلفهم إبراهيم الأعظم، والذي يقولون فيه:
" هو أحد من أظهره الله تعالى إلى الوجود، وصرفه في الكون، وخرق له العادات، وأظهر على يديه الخارقات، وأنطقه بالمغيبات، وأجرى على لسانه الحكم، ومكنه من أحوال النهاية وملكه أسرار الولاية، ونصبه قدوة وحجة، وهو أحد أركان هذا الشأن، وإمام أئمة ساداته، وأعلم العلماء بأحكامه وأولى الأيدي والأبصار بمناهجه علماً وعملاً وزهداً وتحقيقاً ورياسه وجلالة"(66)

ثم الآخرون، وقد ذكر معظمهم محمد أبو الهدي الرفاعي(67).

وبعدئذ تعلموا السحر كما قال الإمام الذهبي:
"ولكن أصحابه فيهم الجيد والرديء، وقد كثر الزغل فيهم وتجددت لهم أحوال شيطانية منذ أخذت التتار العراق من دخول النيران وركوب السباع واللعب بالحيات"(68).

وقال ابن خلكان:
"ولأتباعه أحوال عجيبة من أكل الحيات وهي حية، والنزول إلى التنانير وهي تضطرم من النار فيطفؤونها ويقال: إن في بلادهم يركبون الأسود"(69).

ولقد أقرّ بذلك محمد أبو الهدى من الرفاعية، والنبهاني من الصوفية وغيرهم.

كما ذكر ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية في فتاواه، واستنكر عليهم أعمالهم هذه، ونسبها إلى الشيطان، لا إلى الرحمن، كما ذكر مناظرته معهم، وتحدّيه بدخوله النار معهم ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حيى على بينه(70).

وقد حدث لنا شخصياً سنة 1965هـ في مدينة سامراء المليئة بالرفاعيين في بيت أحد السادة الأشراف مثل ما حدث لشيخ الإسلام بعد ما كان سؤالي على أحد زعمائهم في تلك المدينة "إن كان السلاح والرماح والسكاكين لا تؤثر فيكم فلماذا لا تذهبون إلى جبهة القتال، والعراق في أشد الحاجة وأمسها إلى أمثال هؤلاء الذين لا يؤثر فيهم الرصاص وغيرها من الأشياء"، كما نازلته وتحدّيته بأنه لو أعطى المسدّس في يدي وأطلق الرصاص بنفس فآنذاك أرى بأنه يؤثر أو لا يؤثر، فلم يسعه إلا الفرار والإنكار، وذلك القول الذي قالوه أمام شيح الإسلام بأن هذه الكرامات لا تظهر أمام المنكرين، وعبارة صحيحة وصريحة منقولة بالأمانة العلمية التي اقلها آنذاك "إمام الوهابيين".

ونريد أن نذكر أخيراً أن الإتيان بمثل هذه الأمور ليست خاصة بالرفاعية؛ بل رأينا مثلها وشاهدناها بأنفسنا في بلادنا من الآخرين، وساء من الذين ينتمون إلى الإسلام انتماء محضاً، ومن الهنادكة والمشركين أيضاً.

وأما ما ذكر محمد فريد وجدي في دائرته تحت ذكر الرفاعي فهو عدل وصدق، فنريد أن نثبته هنا، فيقول:
" أما ما يروى عن أتباعه من أكل النار والجلوس عليها وغير ذلك فيظهر أنه صحيح وهو أثر سلطة الروح على الجسم وإشراقها عليه بسلطانها حين يدخل الإنسان في حالة غير اعتيادية سواء أكانت بالذكر أم بالتنويم المغناطيسي. وقد روت مجلة المجلات الفرنسية عن الأستاذ الإنجليزي الكيماوي كروكس رئيس الجمعية الملكية العلمية الإنجليزية سابقاً أنه وضع جذوة نار في يد فتاة نومها مغناطيسياً فلم تتأثر به مطلقاً فأعلن الأستاذ الموما إليه عن هذه الحادثة وأعقب إعلانه بقوله أنه باعتباره كيماوياً ولا يعرف أي مادة كيماوية تحمي الجلد من الاحتراق مطلقاً.

وقد كتبت مجلة المجلات الفرنسية سنة (1986م) فصلاً تحت عنوان [الكهان الذين لا يحترقون] أثبتت فيه أن لدى الوثنيين من سكان جزائر فيجي وغيرها حوادث من هذا القبيل فيدخل كهانهم إلى النيران المستعرة بدون أن يمسهم ضرر وقد حصل ذلك بمرأى من بعض علماء أوربا. وقد جاء في المجلة الروحية في عدد يونيو من سنة (1900م) أن الكاتب أندرولنج قام في جمعية العلوم النفسية بلوندرة وتلا فصلاً أثبت فيه هذه المسألة بكل وضوح وأبان أنها حصلت في كل زمان ومكان. وقد كتبت مجلة (جورنال الجمعية البولينزية) تحت إمضاء أحد الضباط الإنجليز حادثة رآها بنفسه قال ما ملخصه: أشعلوا التنور في الصباح وفي الساعة الثانية بعد الظهر سرنا إليه وانتظمنا حوله فجاء الكاهن وتلامذته فتلا ألفاظاً طسمية ثم مشوا بأرجلهم حفاة على أحجار قد سخنوها لدرجة البياض ثم جاء الكاهن إلى المستر (جودين) وقال له: قد وهبتك المقدرة على اقتحام النار فاقتحمناها جميعاً وكنا أربعة أوربيين. أنا والدكتور (وجريج) والدكتور (جورج جريج) والمستر (جودين) فلم تؤثر النار على أقدامنا أصلاً لكن عصى أحدنا أمر الكاهن فنظر خلفه فاحترقت قدماه احتراقاً مراً.

ونقل المستر اندرولنج المتقدم ذكره في الجلسة ذاتها أن الدكتور (هوكن) العضو في جمعية النباتات قد رأى مثل ذلك في جزيرة فيجي، قال ما ملخصه: (أنه رأى أنهم قد أوقدوا تنوراً لدرجة 282) من مقياس فرانهيت فجاء سبعة كهان بين لغط شديد وهموا بدخول النار فاستأذن الدكتور من رئيسهم أن يفحصوا فحصاً علمياً فأذن لهم فعلاً في تدقيق حتى أنه لحس أجسامهم ليتحقق من عدم وجود شيء. قال ثم دخلوا النار فلم تصبهم بأدنى أذى. ثم خرجوا ففحصتهم ثانياً فلم أجد أثر للحرق"(71).

وبقيت هناك قضية علاقة الرفاعي مع معاصره الشيخ عبدالقادر الجيلاني سنذكرها عند ذكر القادرية.

وللرفاعية أوراد مخصوصة كثيرة نذكر نبذة منها، فيقولون:
"ومن أحزابه الشريفة هذا الحزب واسمه الحزب الصغير، وهو:
(بسم الله الرحمن الرحيم اللهمّ إني أسألك بعظيم قديم كريم مكنون مخزون أسمائك وبأنواع أجناس أنفاس رقوم نقوش أنوارك وبعزيز أعزاز أعزّ عزتك ويحول طول حول شديد قوتك وبقدر مقدار اقتدار قدرتك وبتأييد تحميد تمجيد عظمتك وبسمو نموّ علوّ رفعتك وبحيوم قيوم بنوم دوام أبديتك رضوان غفران أمان رفعتك وبرفيع بديع منيع سلطانك وبصلاة سعاة بساط رحمتك وبلوامع بوارق صواعق صحيح وهيج بهيج وهيج نور ذاتك وببهر قهر جهر ميمون ارتباط وحدانيتك وبهدير تيار أمواج بحرك المحيط بملكوتك وباتساع انفساخ ميادن بواذخ كرسيك وبهيكليات علويات روحانيات أملاك عرشك وبالأملاك الروحانيين المديرين الكواكب أفلاكك وبحنين أنين تسكين المريدين لقربك وبحرقات زفرات جمعات الخائفين من سطوتك وبأمال نوال أقوال المجتهدين في مرضاتك وبتحمد تمسجد تجلد العابدين على طاعتك وتخضع تخشع تقطع مرائر الصابرين على بلوائك يا أوّل يا آخر يا ظاهر يا باطن يا قديم يا مقيم اطمس بطلسم)(72).
ومن أحزابه الغريبة العجيبة " المص الرالر الر المر المر المر كهيعص ط طسم طس طسم طسم الم الم الم الم يس ص حم حم حمعسق حم حم حمعسق حم حم ق ن ... محمد رسول الله حصني مكملاً وأبو بكر يميني حرزاً ووكيلاً وعمر بن الخطاب يساري عزاً وتجملاً وعثمان بن عفان من خلفي قوة وحولا وعلي بن أبي طالب أمامي مهابة... لا إله إلا أنت أحون قاف آدم حم هاء آمين ...
شتوش هموش أطوش شرح خمدت النار من مخافته"(73).

فهذه هي الأوراد وأمثالها التي قال فيها بعض الرفاعية:
"عليك بأوراد الرفاعي إنها *** إلى شيخ أشياخ الطريقة تنسب
وداوم عليها فهي حصن وجنة ** ودرع لدفع النائبات مجـــــرّب
وباب بوصل العبد بالله عامر *** ونهج به للمصطفى يتقــرّب"(74).

وأحياناً كانوا يرددون مثل هذه الأوراد لنيل المآرب وحصول المطالب، فيذكر أحد الرفاعيين "كنت أمشي تحت جبل قاف، فجاء وقت الصلاة فتوضأت وصليت وقرأت الورد الشريف ثم ذكرت اسم سيدي أحمد (الرفاعي) فلما أتممت جاءت حية عظيمة وفي فمها درة فألقتها أمامي، ثم أنطقها الله فقالت: خذ هذه الهدية مني لحضرة سيدي أحمد، فتعجبت وقلت: أتعريفين سيدي أحمد؟
فقالت: عجيب هذا، هل على بساط الأرض من رطب ويابس من يجهل سيدي أحمد الرفاعي، بلغّه سلامي، فأنا من مردائه"(75).

وعلى كل فهذا هو الرفاعي الذي يعرفه كل رطب ويابس على بساط الأرض، وكانت الحيوانات أيضاً من مريديه.
وهـــــــــؤلاء هم الرفاعيـون.

..............................
(1) أنظر الطبقات الكبرى للشعراني ج 1 ص 139.
(2) أنظر قلادة الجواهر في ذكر الغوّث الرفاعي وأتباعه الأكابر لمحمد أبي الهدى الرفاعي الخالدي الصيادي ص 12 وما بعد ط دار الكتب العلمية بيروت 1980م.
(3) أنظر مقدمة المجالس الرفاعية ص 6 مطبعة الإرشاد بغداد.
(4) الفتح المبين لظهير الدين القادري ص 102وما بعد ط الطبعة الخيرية القاهرة 1306هـ.
(5) عمدة الطالب في أنساب أبي طالب لجمال الدين بن عنبة الحسيني المتوفى 828هـ ص 213 ، 214 ط قم والنجف 1961م.
(6) الفتح المبين لظهير الدين القادري ص 105 ط.
(7) أنظر قلادة الجواهر ص 20.
(8) سورة الحجرات الآية 13.
(9) سورة النساء آية 1.
(10) رواه أبو داود والترمذي وغيرهما.
(11) رواه أحمد.
(12) رواه البخاري ومسلم.
(13) لطائف المنن لابن عطاء الله الأسكندري ص 179 ط.
(14) جمهرة الأولياء لأبي الفيض المنوفي الحسيني ج 2 ص 206 ط القاهرة ، أيضاً قلادة الجواهر لأبي الهدى الرفاعي ص 20.
(15) طبقات الأولياء لابن الملقن ص 94 ، 95 ط.
(16) قلادة الجواهر ص 32 ، أيضاً دائرة المعارف الإسلامية مقال مارجليوت ج 10 ص 316 ط جامعة بنجاب لاهور باكستان.
(18) انظر طبقات الأولياء لابن الملقن ص 93 ، شذرات الذهب ج 4 ص 259 ، العبر في خبر من غبر للحافظ الذهبي ج 3 ص 75.
(19) قلادة الجواهر ص 32 ، دائرة المعارف الإسلامية ج 10 ص 316.
(20) العبر ج 3 ص 69.
(21) قلادة الجواهر ص 32.
(22) انظر ترجمة الرفاعي في المجالس الرفاعية مقدمة الكتاب ص 20 ، أيضاً قلادة الجواهر ، كذلك دائرة المعارف ص 16.
(23) قلادة الجواهر ص 32.
(24) الفتح المبين ص 5.
(25) قلادة الجواهر ص 30.
(26) أيضاً ص 29.
(27) انظر قلادة الجواهر ص 131.
(28) البراهين لابن الحاج نقلاً عن القلادة ص 33 ، 34.
(29) طبقات الشعراني ج 1 ص 141 ، قلادة الجواهر ص 42.
(30) أيضاً ص 46.
(31) طبقات الأولياء لابن الملقن ص 69.
(32) جامع كرامات الأولياء للنبهاني ج 1 ص 297.
(33) الطبقات الكبرى للشعراني ج 1 ص 141.
(34) جامع كرامات الأولياء للنبهاني ج 1 ص 297 ط دار صادر بيروت.
(35) قلادة الجواهر ص 81.
(36) أيضاً ص 68.
(37) سورة لقمان الآية 34.
(38) طبقات الأولياء لابن الملقن ص 99 ط مكتبة الخانجي القاهرة 1393هـ.
(39) قلادة الجواهر ص 91.
(40) طبقات الأولياء لابن الملقن ص 100.
(41) جامع كرامات الأولياء للنبهاني ج 1 ص 298.
(42) انظر قلادة الجواهر في ذكر الغوث الرفاعي وأتباعه الأكابر ص 71.
(43) أيضاً ص 235.
(44) قلادة الجواهر ص 193.
(45) المجالس الرفاعية لأحمد الرفاعي ص 101 الطبعة الأولى مطبعة الإرشـاد بغداد 1971م,
(46) قلادة الجواهر ص 235.
(47) أيضاً ص 234 ، 235.
(48) أيضاً ص 94.
(49) القلادة لأبي الهدى الرفاعي ص 141.
(50) قلادة الجواهر لأبي الهدى الرفاعي ص 165.
(51) أيضاً 123.
(52) جامع كرامات الأولياء للنبهاني ج 1 ص 298 ، القلادة ص 108 ، 109 ، واللفظ له ، المجالس الرفاعية مقدمة ص 26 ، 27 وغيرها من الكتب.
(53) قلادة ص 104 ، المجالس الرفاعية مقدمة ص 27.
(54) رواه البخاري ومالك في المؤطأ.
(55) قلادة الجواهر ص 104.
(56) أيضاً ص 63.
(57) انظر طبقات الشعراني ج 1 ص 142.
(58) طبقات الشعراني ج 1 ص 142 ، قلادة الجواهر ص 62.
(59) قلادة الجواهر ص 62.
(60) جامع كرامات الأولياء للنبهاني ج 1 ص 298.
(61) انظر الطبقات الكبرى ج 1 ص 144.
(62) انظر جامع كرامات الأولياء للنبهاني ج 1 ص 298 ، مقدمة المجالس الرفاعية ص 225 ، شذرات الذهب ج 4 ص 259 ، العبر ج 3 ص 75.
(63) وفيات الأعيان لابن خلكان ج 1 ص 172.
(64) قلادة الجواهر ص 323.
(65) أيضاً ص 325 ، 326.
(66) أيضاً ص 331.
(67) من أراد التفصيل فليرجع إلى ذلك.
(68) انظر العبر للذهبي ج 3 ص 75.
(69) وفيات الأعيان لابن خلكان ج 1 ص 172.
(70) انظر لذلك فتاوي شيخ الإسلام ج 11 ص 455 أيضاً الرسائل والمسائل لشيخ الإسلام ج 1 ص 141 ط دار الكتب العلمية بيروت.
(71) انظر دائرة معارف القرن العشرين ج 4 ص 266 ، 267.
(72) قلادة الجواهر ص 258.
(73) قلادة الجواهر في ذكر الغوث الرفاعي وأتباعه الأكابر ص 362 ، 363.
(74) أيضاً ص 269.
(75) أيضاً ص 429.


قام بنقله المنهج - شبكة الدفاع عن السنة
 

أرباب الطريقة
  • منوعات
  • من كلام الأئمة
  • كتب عن الصوفية
  • جولات مع الصوفية
  • شبهات وردود
  • صوتيات عن الصوفية
  • فرق الصوفية
  • شخصيات تحت المجهر
  • العائدون إلى العقيدة
  • الملل والنحل
  • الصفحة الرئيسية