اطبع هذه الصفحة


اشتقت إليك يا من حملت الكرامة يوما ...

اسلام حمزة محفوظ كبها

 
ينتابني الشعور بالقشعريرة لأن هذا الفجر هو من اهدى الشروق نسبيا في هذه القرية ! سُمرت قدماي بالأرض بشدة قوية علني التمس شيئا من الدفء في هذه الظلام الدامس ؛ لأني و كالعادة فتحت عيني في وقت مبكر جدا للذهاب للساحة المسماة بأرض بلادي ... أبحث عن ابن جارتي أم عبد الله ، حيث أنه ولسوء حظه وُلد على صوت الثكالى، وارتوى من دموع أمه المنصبة على جبينه في ساعاته الأولى ؛ ليس هذا وحسب فقد كان من أقل الإصابات التي أحدثتها إحدى القنابل مما جعلته يُصاب بالصمِّ لهولها حين انفجرت بمقربة منه ليحميه المولى من الموت المحتم جاعلا أمه صابرة شاكرة بما تبقى لديها .. لقد جعلته كل هذه الأحداث مختلفا عن أترابه ( لكونه يصاحب من هم أكبر منه سنّا مستفيدا منهم كيفية رمي مَن سلبوا الضحكة من فمه وأمه ومن أفواه أمهات ثكالى قد رُحن يندبن حظ أطفالهن ؛ فمذ خمس سنين ، أي منذ فهم ما يدور حوله وهو يشاهد أن ثلاثة أطفال يموتون باليوم الواحد...)
لم أعد أتعجب عندما توقظنا أمه في الصباح الباكر مذعورة لخروجه من البيت في ذاك الوقت المبكر ليصير الأمر روتينيا في الذهاب لإعادته ؛ كيف لا وأنا على هذه الحال منذ بدأ بالتدرج ! أراه جالسا على إحدى الأرصفة منكس الجبين عابس الوجه ملئت عيناه بما لا تملأ أترابه بالحقد والكراهية كأنها ترسل إشارات خارقة حارقة يصعب التصديق انها لطفل صغير قليل الكلام كتوم المنال جامد القدمين ! وكلي عجب من يده تلك التي ما نسيت التقاط الحجر يوما وهي في طريقها لتلك الساحة كأنها خلقت معه وكُتب لها عدم تركه ...
صخر هو لقب أطلق عليه منذ وعي على حاله وحال وطنه المكبل ذاك ؛ ولأنه كان قاسيا جامد الملامح وخشن المظهر..إنه لا يعلم أيا من ألعاب أمثاله ، وكل ما يعلمه رمي الحجارة فقط و...
استيقظت في ذاك اليوم كالعادة كي أعيده .. لكن لماذا كل هذه الحشود تملأ الطرقات ؟!!!
ولم أصوات العويل هذه ؟!! كلما تقدمت في المسير أكتشف أن الناس بازدياد مطرد ...
وصلت إلى ساحتي المعهودة ليهب عليّ نسيم عليل حلو الرائحة مدخلا بأذني أصوات التكبيرات والهتافات يرفض عقلي تصديق ما أراه وأستنتجه كأني به " يشلع " قلبي من مكانه ولتسبقني نظراتي لأراه ممددا أمامي وشبانا آخرين من حوله .. لأول مرة في تاريخه أراه مبتسم الفاه!!... مرخيا وجهه مظهرا إياه ، بهي الطلعة حلو الملامح ؛ أجمل من السابق ! ...
اقتربت من مكانه كالآخرين لكني لا أندب حظه ، بل أرسل زغرودة لم أكن أعرف كيفية خروجها من فمي والدموع تنهال عليه كندى يداعب أجفانه التي لم تعرف المداعبة واللعب يوما .. أنزع شيئا من جيبي لأربط مصدر كرامته التي لم تفارقه حتى النهاية ، بل هو الذي شحنها بالقوة في الوقوف أمام "اسطورة القهر " فأخذها معه حيث اشتهى واشتهيتها من بعده...


بقلم :ـ اسلام حمزة محفوظ كبها
ثانوية خديجة بنت خويلد ـ أم الفحم -عرب48
 

قصص مؤثرة

  • قصص الرسول
  • قوافل العائدين
  • قصص نسائية
  • قصص منوعة
  • الحصاد المر
  • مذكرات ضابط أمن
  • كيف أسلموا
  • من آثار الدعاة
  • قصص الشهداء
  • الصفحة الرئيسية