اطبع هذه الصفحة


أتُرُجة البيت

 
ورد في حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه, أن النبي صلى الله عليه وعلى آله قال: "المؤمن الذي يقرأ القرآن ويعمل به كالأ ُترُجة, طعمها طيب وريحها طيب, والمؤمن الذي لا يقرأ القرآن ويعمل به كالتمرة, طعمها طيب ولا ريح لها, ومثل المنافق الذي يقرأ القرآن كالريحانة, ريحها طيب وطعمها مر, ومثل المنافق الذي لا يقرأ القرآن كالحنظلة, طعمها مر أو خبيث وريحها مر" رواه البخاري ومسلم.

ألا ما أروع الفتاة حين تكون مع القرآن قراءة ً وتدبراً وعملاً, أ ُترُجة البيت هذه لها مع القرآن شأنٌ عجيب, لنستمع إليها من خلال رسالتها والتي توجهها إلى الفتيات, وقد عَنوَنت لها بقولها (أتريدين لؤلؤاً ؟ أغطسي في البحر), تقول هذه الأخت: استعذبت يوماً الحديث عن كتاب الله فطفقت أقطف زهيرات لها رحيق, قصصاً أستنشقها, ولأهديها لمن تاقت نفسها لحفظ كتاب الله تعالى, وتعلمه والاشتغال به, نعم والله, استعذبت حديثاً عما فاقت عذوبة ألفاظه وبديع نظمه امرؤ القيس إذا ركب، زهيراً إذا رغب، والأعشى إذا طرب، والنابغة إذا رهب، تدور نفسك مع وعد ووعيد وتخويف وتهديد وتهذيب وتأديب بل إخبارٍ بمغيب حِكمٍ بالغة وقصص واعظة، إذا لاح لك زخرف الدنيا الفاني ونعيمها البراق الخادع تأتيك
"أصحاب الجنة يومئذ خيرٌ مستقر وأحسن مقيلاً" إذا أُذيت في سبيل الله ترآءت لك "آلم، أفحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون" إذا ضاقت عليك الدنيا بما رحبت وصد عنك القريب والبعيد، سلوت بـ "إنما أشكو بثي وحزني إلى الله" ويخفف وطأته، بل ويزيله حتى ما يبقى منه شيء قول أهل الجنة:"الحمدلله الذي أذهب عنا الحزن، إن ربنا بنا لغفورٌ شكور، الذي احلنا دار المقامة من فضله لا يمسُنا فيها نصب ولا يمسُنا فيها لغوب" يسرح ذهنك إلى عهد الصحابة والنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم معهم فتتصورين حالهم وكأنك تنظرين إليهم "لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة والذين تبؤوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أُتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة"
بل يطير قلبك شوقاً لرؤيتهم حينها فتأملي قوله تعالى:
" من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلاً"، بل طريق الدعوة والتعليم يسليه ويصبره "واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا" إذا اضجرتِ من أمرِ أولادكِ أو أهلكِ بالصلاة وأحسست بالملل جاءتكِ "واءمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها" وساندتها "وكان يأمُرُ أهله بالصلاةِ والزكاةِ وكان عند ربه مرضياً" فيتجدد نشاطكِ .

أختاه قلتُ: هكذا تعبر هذه الأخت عن موقِفها تجاه كتاب ربِها وهي من الحافظات وفقها الله تعالى، ثم تواصل الأخت حديثها فتقول عن القرآن: لعل الحديث استعذبك فازدتي شوقاً لقراءتِه بل ستزدادين شوقاً لحفظه لكن قبل أن تذهبي لتقرأي وتحفظي تعطري بما قطفت لك من زهيرات هي مواقف لقارئات وحافظات، تقول هذه الأخت هذه قصة لإحداهن وفي المركب ركبٌ كثير بحمد ِالله تعالى، هي قصة امرأة متزوجة ذات أولاد أرّقها اجتماع عائلتها على القيل والقال وغير ذلك مما لا تسلم منه المجالس التي نُحّي عنها الخير وأُبعِد، فكرَت كثيراً كيف تجمع شتات هذه القلوب، وهل يحتار من يريد الخير والهادي هو الله، حينها قالت في نفسِها: "وأيّ شيءٍ أعظم من كتاب الله، هذا الكتاب الذي جمع الله به شتات العرب، تآخى المهاجرون والأنصار والأوس والخزرج بسببه، كتاب يهدي ولا يضل، يجمع ولا يفرق، تقول هذه الأخت :حينها عزمتُ على جمعهن على مائدة القرآن، وانعم بها من مائدة، وفي أول اجتماع طرحت هذا الموضوع على كبيرات الجمع، فتحججن بأنهن اجتمعن للمؤانسة والمحادثة، فراجعت نفسي، حينها عاهدتها على عدم اليأس، فكرتُ كثيراً، فوجدت أن الأمهات مجبولات على حب من أحسن إلى صغارهن، فعرضت عليهن في الاجتماع القادم افتتاح حلقة لبناتهن الصغيرات، رحبن بالفكرة ليأمنّ على الأقل ازعاجهن ولعبهن وعبثهن، ولو لبعض الوقت، جمعتهن مع إحضار بعض الجوائز، حينها دفعت الأمهات إليّ من هن أكبرُ سناً لتعليمهن القرآن، وشيئاً فشيئاً بدأ يكبر هذا الدرس، قمت برعايته بحمد الله تعالى، كما ترعى الأم وليدها، رأيته طفلاً رضيعاً فشاباً، لكنه لن يشيخ بإذن الله تعالى، مضى على هذا الدرس ما يقرب من ثمانية أعوام نجتمع عليه في الأسبوع مرة واحدة، ولعلكم تتساءلون عن ثمرته بعد ذلك، فإليكم شيئاَ من ذلك كما تقول هذه الأخت، أربعون طالبة يدرسن من خلال حِلَقٍ أربع، تم تقسيمهن على مستويات حتى لا يخيل للرائي والغريب عن ذلك الاجتماع، أن ذلك الاجتماع مدرسة لتحفيظ القرآن بحمد الله تعالى، لم ينتهِ الأمر عند ذلك الحد، بل كان من ثمار ذلك بحمد الله، طالبتان حفظن من خلال هذه الحلقة أربعة عشر جزءاً، وثلاث طالبات حفظن تسعة عشر جزءاً، والبقية الباقية ما بين ثلاثة أجزاء وأربعة وخمسة، وكفى ثمرة لهذا الدرس كما تقول الأخت، الأمهات حيث أصبحن يترنمن بجزءٍ وجزئين في وقتٍ كن فيه لا يحسن الفاتحة، تقول هذه الأخت ما زالت هذه الأخت بحمدالله تعالى، ترعى هذه النبتة بل وأضافت إلى ذلك درسٍ علمي، لمدة نصف ساعة من كل أسبوع في ذلك الاجتماع بأحد طلبة العلم من محارمها، وما زال المركب يسير تحفه عناية الله ورعايته، يسير بثقة واطمئنان في وسط الأمواج العالية، في وقت تعاني فيه الأسر من الشتات والتفرق عن طريق الاجتماعات لا عجب هو القرآن ومن غير القرآن يستطيع أن يجمع تلك القلوب ويؤلف بينها، فنحمد الله على ذلك ونسأله المزيد.

من شريط ( صانعات المآثر )
للشيخ خالد بن إبراهيم الصقعبي

نقله جوري
 

قصص مؤثرة

  • قصص الرسول
  • قوافل العائدين
  • قصص نسائية
  • قصص منوعة
  • الحصاد المر
  • مذكرات ضابط أمن
  • كيف أسلموا
  • من آثار الدعاة
  • قصص الشهداء
  • الصفحة الرئيسية