اطبع هذه الصفحة


حبيبتي ( ريــما ) .. هذا بوح قلبي إلى قلبك..!

 
حبيبتي ( ريما) :

دعي عنك العواذل، واسمعيني :
لمّا رأيتُك البارحة، وما في المكان إلا أنا وأنت، انتابتني مشاعرُ لا عهد لي بها من قبل..

لستُ يا حبيبتي بحديث عهدٍ بالأسى ولا بالألم، لكن قواي تهاوت أمام منظرك الساحر الباكي، وقد ألقتِ الرزايا بظلالها على وجهك الجميل، كأنما هو البدرُ حين يتوارى خلف أسداف الغمام، تحجب جمالََه السحائب، وهي تغرينا على الحقيقة بارتقاب اطلالته..!

وأقسى ما يكون الحزن حين يرتسم على جبين الجمال..!

صغيرتي ريما.. كلا، لا تسبلي الدمع على أبيك الذي زجوا به في غيابت الأسر، ولا تنحني أمام رياح الظلم العاصف.. فما كان أبوكِ امرأَ سوءٍ، وما كانتُ تهمتُه غيرَ الجهاد.. والجهاد فحسب..

أتدرين..؟!
إن يد الظلمِ حين يُملي لها الله - بعدله وحكمته - فإنها تبطش بجنونٍ وحماقة، فما تعود تفرق بين المُجرم والبرئ، ولا بين القاتل والمُجاهد.. ولم يكن أبوك الحبيبُ بمعزلٍ عن أن تطاله يدُ الظلم الأثيم..

لقد كان – يعلمُ الله – من أشد الناس تألمًا لما يجري في البلاد من فتن وتفجيرات، لا خوفًا من مخلوقٍ ولا إرضاءٍ لعبدٍ يلبس تاج مُلك..
بل كان ( دينًا ) يدين اللهَ به، ويراه قربةً يتعبد بها.. وكانتْ نظرة أبيك – فكّ الله أسرَه – إلى الجهاد نظرةَ متأملٍ بصير، لا يبخلُ بروحه عن نصرة الدين، لكنه لا يُلقي بها فيما يشتبه أمرُه..!

حبيبتي.. أتعلمين..؟!
إنني ما رأيتُ أباك متأثرًا، كما رأيته مرتين :

ذات ألم.. حين سمع بخبرِ تفجير ........... ، فبكى على أن أمد الله في عمره حتى شهد هذه الفتن المائجة، ولم يتخذه شهيدًا مع إخوانه الذي سبقوه إلى شرف الشهادة - نحسبهم كذلك -..!

وذات شوق.. حين استمطرته ليحدثني عن هتون ذكرياتِه في أرض الجهاد والرباط.. فلم يقوَ - والله - على إكمال قيادة السيارة.. فتنحى جانبًا، وأرخى يديه عن المقود، وتحدثت عيناه بلغة الدموع التي لا يفهمها إلى من ذاق الحب الذي لا يُجارى.. حب الجهاد، وحب دوي القصف، وحب غبار الأقدام في ساحات الوغى..!

لكن ذلك كله لم يشفع له عند أولئك..!

يا ذات النقاء.. أتذكرين يوم أتي رجال المباحث إلى بيتكم.. رجال المباحث..؟!!.. آااااه
أولئك المساكين، كم أشفق والله على أكثرهم وهم يركضون هُنا وهُناك، كالآلة الصماء، لا تدري لمَ تعمل، وفيم تعمل..

صدقيني يا صغيرتي.. إن فيهم طيبين وبُسطاء، يبحثون عن لقمة العيش فلم يجدوها إلى على أفواه المظاليم.. ورب لقمةٍ لا تُنال إلا بتقديم ( قرابين ) تُنحر فيها المروءة والكرامة..!

فاصفحي صغيرتي عن الطيب منهم، وكوني كما قيل عن السجّان - بتصرف - :

أنا لا أحس بأي حقد نحوه........... ماذا جنى فتمسَّه أضغاني
هو طيب الأخلاق مثلك يا أبي........ لم يبدُ في ظمأ إلى العدوانِ
لكنه إن نام عنك دقيقة........... ذاق العيالُ مرارةَ الحرمانِ
فلربما.. وهو المروع سحنةً........... لو كان مثلك شاعرًا لرثاني
أو عاد – من يدري؟ – إلى أولاده......... يومًا.. تذكر صورتي لبكاني

نعم يا بُنيتي.. أكثرُهم كذلك صدقيني.. لكنه زمان الفتنة، لا يدري السجان لمَ سجن، ولا المسجون فيمَ سُجن..!

وفي ذاك اليوم البئيس.. حاصروا البيتَ كأنه وكر جريمة أو مثابةُ عدوان.. ثم دخلوا عليكم حين نومكم، ففتشوا كل شبرٍ من البيت.. سلةَ ألعابكِ، ودُميتَك، وفستانَكِ الوردي الذي اشتراه أبوكِ للعيد.. وما درى أن العيد سيمر عليه وهو خلف القضبان، وأنتِ وأمكِ تعيشون العيد باهتًا بلا ألوان..!

آاااه يا ريما.. كأني بأبيكِ في زنزاته عامرًا وقتَه بالطاعة والعبادة، وهنيئًا لمن كان كذلك.. لكن الأسى، كل الأسى هو لكِ ولأمك ولأحبابه.. لكِ أنت – بالذات - حين تتبسمين لكل ذي لحيةٍ تظنينه أباك، وما علمتِ أنه ليس كل ما يلمعُ ذهبًا، بل قد يكون ( اكسسوارا) .. ولا كل ماء يلوح هو واحةً، فلربما كان سرابًا..!

عُذرًا يا حبيبتي.. فما زلتِ صغيرةً على الأسى والجراح.. لكنها خطراتٌ من وحي مرآكِ البارحة.. وأنت تتشبثين بي وبلحيتي.. وترفعين صوتك بالبكاء حين تواريتُ بعيدًا عنكِ.. فلم أجد يا صغيرتي غيرَ جهازي أكتبُ عليه، وعيني لأبكي بها، ولساني لأدعو به.. وقلبي.. قلبي..؟! .. ويح قلبي من فراق أبيك..

__________________
ثمة التماسٌ ممن يقرأ هذه السطور : أن يدعو لأبي ريما، ولكل أسير مظلوم، بأن يفك الله أسرهم، ويحفظ عليهم دينهم وأعراضَهم.. وأن يربط على قلوب والديهم وأهليهم وزوجاتهم وذرياتهم.. وأحبابهم

فذاك خيرٌ وأبقى..!

الباتك
 

قصص مؤثرة

  • قصص الرسول
  • قوافل العائدين
  • قصص نسائية
  • قصص منوعة
  • الحصاد المر
  • مذكرات ضابط أمن
  • كيف أسلموا
  • من آثار الدعاة
  • قصص الشهداء
  • الصفحة الرئيسية