اطبع هذه الصفحة


وأخيراً عرفت طريق الهداية
عبر وعظات من قصص التائبين والتائبات

   

خالد بن مصطفى سالم

 
المقدمة

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
هذه الأمة على الرغم مما أصابها من ضعف وانحراف، وبعد عن منهج الله عز وجل، إلا أن الخير لا يزال فيها وفي أبنائها إلى يوم القيامة..
وها هي قوافل التائبين، وأفواج العائدين تتكاثر يوما بعد يوم، فيهتدي أناس بعد طول شرود، ويتوب آخرون بعد أن جربوا كل أصناف المعاصي والمخالفات..
كانوا عصاة، ولكن بذرة الإيمان- وإن ذبلت- لم تمت في قلوبهم، ولذلك فسرعان ما اهتزت وربت وأنبتت عند أول جرعة من ماء الهداية والاستقامة..
لقد استجاب هؤلاء التائبين لقوله تعالى: { زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (النور:31) وإنا لنرجو لهم الفلاح إذا استمروا على طريق التوبة والهداية.نرجو لهم الفلاح؟ لأنهم تركوا طريق الضلال والانحراف.
نرجو لهم الفلاح؛ لأنهم تركوا أموالهم المحرمة، وأعمالهم المحرمة، ومنهم من ضحى بشهرته ومكانته الاجتماعية المرموقة، ومنهم من ضحى بمنصبه، ومنهم من ضحى بتجارته ومصدر عيشه، كل ذلك تقرئا إلى الله عز وجل وطلبا لمرضاته.
ولقصص التائبين أثر بالغ في النفوس؛ نفوس الطائعين ونفوس العاصين..
فالطائع يزداد إيمانا، ويعلم أنه على طريق الحق والهداية، وأن الذين سلكوا طريق الغواية ندموا على ذلك ولم يجدوا السعادة التي كانوا ينشدونها.
والعاصي يتحرك قلبه إذا سمع قصص هؤلاء التائبين، وتبدأ نفسه اللوامة تحثه على سلوك طريقهم والتزام سبيلهم، فإن كانت له إرادة قوية وعزيمة صادقة وثب وثوب الأسد، وأفاق من رقدة الغافلين، وأثبت اسمه في ديوان التائبين. وإن لم تكن له تلك الإرادة والعزيمة، استمرت نفسه اللوامة في اللوم والتوبيخ حتى تدركه رحمة الله فيهتدي، أو يموت على حاله من الضلال والبعد عن الله، والعياذ بالله.
ومن هنا- أخي الحبيب- جمعنا لك هذه الطائفة المنتقاة من قصص التائبين والتائبات لتأخذ منها العبرة والعظة وننتظم في سلك هؤلاء التائبين لننعم بتوبتنا في دنيانا وأخرانا
{ يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ } (الشعراء:88،89) نسأل الله أن يوفقنا جميعا إلى طريق التوبة والهداية، وأن يقبل من إخواننا التائبين توباتهم، وأن يتوب على كل العصاة والمذنبين، إنه ولي ذلك والقادر عليه، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

وكتب
أبو صالح
خالد بن مصطفى سالم
رياض نجد الغراء


توبة شاب مسرف على نفسه على يد إبراهيم بن أدهم

روي أن رجلا جاء إلى إبراهيم بن أدهم، فقال له: يا أبا إسحاق إني مسرف على نفسي، فاعرض علي ما يكون لها زاجرا ومستنقذا لقلبي. قال: إن قبلت خمس خصال وقدرت عليها لم تضرك معصية، ولم توبقك لذة.
قال: هات يا أبا إسحاق
قال: أما ا لأولى، فإذا أردت أن تعصي الله- عز وجل- فلا تأكل رزقه.
قال: فمن أين آكل وكل ما في الأرض من رزقه؟
قال له: يا هذا، أفيحسن أن تأكل رزقه وتعصيه؟
قال: لا، هات الثانية.
قال: وإذا أردت أن تعصيه فلا تسكن شيئا من بلاده.
قال الرجل: هذه أعظم من الأولى، يا هذا، إذا كان المشرق والمغرب وما بينهما له، فأين أسكن؟ قال: يا هذا أفيحسن أن تأكل رزقه وتسكن بلاده وتعصيه؟
قال: لا، هات الثالثة.
قال: إذا أردت أن تعصيه، وأنت تحت رزقه وفي بلاده، فانظر موضعا لا يراك فيه مبارزا له، فاعصه فيه.
قال: يا إبراهيم كيف هذا وهو مطلع على ما في السرائر؟!
قال: يا هذا، أفيحسن أن تأكل رزقه، وتسكن بلاده، وتعصيه وهو يراك ويرى ما تجاهره به؟!
قال: لا ؛ هات الرابعة.
قال: إذا جاءك ملك الموت ليقبض روحك، فقل له: أخرني حتى أتوب توبة نصوحا، وأعمل لله عملا صالحا.
قال: لا يقبل مني.
قال: يا هذا، فأنت إذا لم تقدر أن تدفع عنك الموت لتتوب، وتعلم أنه إذا جاء لم يكن له تأخير، فكيف ترجو وجه الخلاص؟!
قال: هات الخامسة.
قال: إذا جاءتك الزبانية يوم القيامة ليأخذوك إلى النار فلا تذهب معهم.
قال: لا يدعونني ولا يقبلون مني.
قال: فكيفت ترجو النجاة إذا ؟!
قال له: يا إبراهيم، حسبي، أنا أستغفر الله وأتوب إليه. ولزمه في العبادة حتى فرق الموت بينهما.


حنين فتاة

في صيف أحد الأعوام فكرت الأسرة أن تسافر كالعادة إلى بلاد أوروبا..
هناك حيث جمال الأرض وروعة المكان..
وأكثر من هذا الحرية التي تمنحها المرأة نفسها..
كانت هذه الفتاة مع الأسرة تربط الأمتعة وتنظر إلى أخيها الأكبر..
وتقول له في فرحة غامرة وسعادة كبيرة..
أما هذه العباءة سأتركها.. لا حاجة لي بها.
وهذا الحجاب الذي حجبني عن حريتي وعن متعتي فسوف أرمي به عرض الحائط.
سألبس لباس أهل الحضارة... زعمت.
طارت الأسرة وسارت من أرض الوطن وبقيت في بلاد أوروبا شهرا كاملا . ما بين اللعب والعبث والمعصية لله سبحانه وتعالى.
وفي ليلة قضتها هذه الأسرة بين سماع المزامير ورؤية المحرمات عادت الفتاة إلى غرفتها وقبل النوم أخذت تقلب تلك الصور التي التقطتها والتي ليس فيها ذرة من حياء.
ثم أخذت الفتاة الوسادة وتناولت سماعة الراديو.. تريد أن تنام مبكرة فغدا يوجد مهرجان غنائي صاخب.
نامت وهي تفكر كم الساعة الآن في بلدي.
ثم أيقظ تذكر بلدها إيمانها النائم وقالت: منذ حضرنا في هذه البلاد ونحن لن نسجد لله سجدة واحدة، والعياذ بالله.
قامت الفتاة تقلب قنوات المذياع المعد للنزلاء وإذا بصوت ينبعث من ركام الصراخ وركام العويل والمسلسلات والأغاني الماجنات (صوت الأذان).
صوت ندي وصل إلى أعماق قلبها، وأحيا الإيمان في أعماقها، صوت من أطهر مكان وأقدس بقعة في الأرض، من بلد الله الحرام... نعم إنه صوت إمام الحرم الذي انساب إلى قلب هذه المسكينة في هجعة الليل.
انساب إلى قلب هذه الفتاة التي هي ضحية واحدة من بين ملايين الضحايا.
ضحية الأب الذي لا خلاق له، وضحية الأم التي ما عرفت كيف! تصنع جيلا يخاف الله ويراقبه سبحانه وتعالى؟! سمعت صوت القرآن وهو بعيد غير واضح.. هالني الصوت حاولت مرارا أن أصفي هذه الإذاعة التي وصلت إلى القلب قبل أن تصل إلى الأذن.
أخذت أستمع إلى القرآن وأنا أبكي بكاءً عظيماً.
أبكاني بعدي عن القرآن... أبكاني نزع الحجاب... أبكتني تلك الملابس التي كنت أرتديها.
كنت أبكي من بشاعة ما نصنع في اليوم والليلة.
فلما فرغ الشيخ من قراءته أصابني الحنين ليس للوطن.. ولا للمكان.. ولا للزمان.. ولكن الحنين.. إلى ربي سبحانه وتعالى فاطر الأرض والسماء.. إلى ا لرحيم ا لرحمن... إلى ا لغفور الودود. قمت مباشرة.. فتوضأت وصليت ما شاء الله أن أصلي، لم أصل
ولم أسجد لله أو أركع ركعة واحدة خلال شهر كامل، ثم عدت أبحث عن شيء يؤنسني في هذه الوحشة وفي هذه البلاد.. فلم أجد سوى أقوام قال عنهم ربي سبحانه وتعالى: { وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ) (محمد:12)
بحثت في حقائبي فلم أجد إلا صورا خليعة وأرقام الأصدقاء.. بحثت في أشرطتي عن شريط قرآن أو محاضرة.. فلم أجد سوى أشرطة الغناء.. فكان كل شيء في هذا المكان يزيد من غربتي وبعدي عن الله عز وجل.
بقيت ساهرة طوال الليل... أحاول أن أستمع إلى المذياع لعله يسعف قلبي بآية من كتاب الله.
لعله يسعف فؤادي بحديث... لأني والله ما شعرت براحة ولا أمان إلا بعد أن استمعت إلى تلك الآيات.
والله لا طبيعة ولا جمال ولا ألعاب ولا هواء ولا نزهة أسعدتني كما أسعدني القرآن.
جاء الفجر فتوضأت وصليت... نظرت إلى أبي!!! نظرت إلى أمي!! نظرت إلى إخواني.. وإذا بهم كلهم يغطون في نوم عميق.. فزاد هذا المنظر في قلبي حزنا إلى حزني.
فلما قرب موعد الذهاب إلى المهرجان... استيقظت الأسرة من النوم العميق وأنا لا أزال ساهرة لم أذن طعم النوم.
فقررت البقاء بالغرفة والتظاهر بالمرض... فوافق الجميع على بقائي وذهبوا إلى هذا المنكر.
فبقيت أتذكر في تلك اللحظات كم معصية لله عصيتها، وكم من طاعة فرطت فيها... وكم من حد من حدود الله انتهكته إلى أن غلبني النوم.
وعادت الأسرة بعد يوم صاخب.. فقررت أن أتقدم وأن أقول كل ما لدي.
وقفت أمام الجميع.. حاولت الكلام فلم أستطع فانفجرت باكية.. فوقف والدي ووالدتي وأخذا يهدئاني وقالا هل نحضر لك طبيباً..قلت لا.
فقويت نفسي على الحديث قلت يا أبي لماذا نحن هنا؟.. يا أبي لماذا منذ أن قدمنا لم نصل ولم نسجد لله سجدة؟.. يا أبي لماذا لم نقرأ القرآن ؟... يا أبي أعدنا سريعا إلى أرض الوطن، أعدنا إلى أرض الإسلام.
يا أبي اتق الله في أيامي.. يا أبي اتق الله في آلامي... اتق الله في دمعاتي..
فتفاجأ الجميع بهذا الكلام... وذهل الأب والأم والإخوة لهذه الفتاة التي لم تتجاوز الخامسة عشرة من عمرها، وتقول كل هذا الكلام. حاول الأب أن يبور الموقف فلم يستطع.. فاضطر إلى السكوت... وفكر كثيرا في هذا الكلام الذي كان يسقي بذرة الإيمان الذابلة في قلبه.
ثم قام وأخذ يستعيذ بالله من الشيطان.
وعزم- بعد الاستغفار- على الرجوع إلى أرض السلام.
تقول الفتاة: والله كأن الجميع كانوا في نوم عميق ثم استفاقوا فجأة فوجدوا أنفسهم في بركة من القاذورات.
قام الأب وهو يردد استعاذته من الشيطان.. فأسرع وحجز على أقرب رحلة وعادت الأسرة سريعا لأرض الوطن..
لم يكن حنينهم إلى الوطن " بل حنينهم إلى عبادة الله عر وجل والأنس بقربه .


شاب تسبب في هداية فتاة

لقد كنت متحللة إلى درجة كبيرة حتى إنني كنت أقيم علاقات مع جيراني الشباب وأغريهم بالتحدث معي وألاطفهم، كنت على درجة عالية من السخافة، أستخدم الهاتف لمعاكسة الشباب حتى إن أحد الشباب شباب الحي تركني وتزوج بأختي التي تصغرني، لم أكن أؤدي الصلاة ولا ألتزم بأي نوع من أنواع العبادات....
وفي يوم من الأيام تعطلت سيارتي في الطريق فوقفت ألوح بيدي عسى أن تقف لي إحدى السيارات المارة، وبقيت على هذه الحال فترة، رغم أنه في كل مرة ينزل الشباب بل ويسارعون ليتمتعوا بابتسامتي والنظر إلى جسدي شبه العاري... وهناك.. توقفت إحدى السيارات ونزل منها شاب "عادي " لا يظهر عليه سيما التدين، وتعجبت عندما لم ينظر إلي وعمل بجد على إصلاح السيارة، وأنا مندهشة كيف لم يعجب بي!! ولم يحاول أن يلاطفني كبعض الشباب!! فحاولت أن ألاطفه وأبتسم له، وهو لا يرد علي، وعندما أنهى مهمته، وقام بإصلاح السيارة قال لي: "ستر الله عليك.. استري على نفسك... " ثم مضى وتركني مذهولة أنظر إليه وأسأل نفسي: ما الذي يجعل شابا فتيا في عنفوان شبابه ورجولته لم يفتن بي، وينصحني أن أستر نفسي؟!
وظللت طوال الطريق، أتساءل: ما القوة التي يتمسك بها هذا الشاب؟ وأفكر فيما قاله لي.. وهل أنا على صواب؟ أم أنني أمشي في طريق الهلاك، وظللت أتعجب حتى وصلت إلى البيت ولم ليهن فيه أحد في ذلك اليوم، وعندما دخلت جاء بعد قليل زوج أختي الذي كان يريدني، وتلاطف معي.. وعلى عادتي تجاوبت معه بالنظرات والكلام حتى حاول أن يعتدي علي.. وهنا تذكرت.. وهانت على نفسي لدرجة لم أجربها من قبل.. وأخذت أبكي، وأفلت من هذا الذئب سليمة الجسد معتلة النفس.. لا أدري، ما الذي أفعله؟ وما نهاية هذا الطريق الذي أسير فيه؟
وأخذت أبحث عما يريح نفسي من الهم الذي أثقلها... لم أجد في الأفلام أو الأغاني أو القصص ما ينسيني ما أنا فيه، ومرضت عدة أسابيع، ثم بعد ذلك تعرفت على بعض الفتيات المتدينات ونصحتني إحداهن بالصلاة. وفعلا عند أول صلاة، شعرت بارتياح لم أجربه من قبل وبقيت مداومة على الصلاة وحضور الدروس والقراءة، والتزمت "بالحجاب الشرعي " حتى تعجب أهلي، الذين لم يروني أصلي في يوم من الأيام،.. ومنذ ذلك اليوم سلكت طريق الهداية والدعوة إلى لله وودعت طريق الضلال والغواية.
والآن ألقي الدروس عن التوبة وعن فضل الله جل وعلا ومنته على عباده
أن يسر لهم سبل الهداية. والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات .


توبة فتاة بعد سماعها
أحد أشرطة القرآن الكريم

رغم نشأتي في بيت متدين والحرص على التنشئة الصالحة والالتزام بأوامر الله وخاصة الصلاة.. وما إن قاربت سن البلوغ حتى انجرفت مع التيار.. وانسقت وراء الدعايات المضللة.. والشعارات البراقة الكاذبة التي يروج لها الأعداء بكل ما يملكونه من طاقات وإمكانيات، ومع ذلك كنت بفطرتي السليمة أحب الأخلاق الفاضلة والصفات الحميدة وأخجل أن أرفع عيني في أعين الرجال.. كنت شديد الحياء... قليلة الاختلاط بالناس.
ولكن للأسف زاد انحرافي وضلالي لدرجة كبيرة بسبب ابتلائي بزوج منحرف لم أسأل عن دينه وأخلاقه، وكان يمثل على الأخلاق والعفة، وعرفني على كثير من أشرطة الغناء الفاحش، لم أكن أعرفها من قبل، وتعودت على هذا اللهو الفاجر..
وزاد انحرافي وشرودي عن خالقي بسبب هذا الزوج، وتركت الصلاة نهائيا ونزعت حجابي..
وقطعت صلتي بالله؛ فقطع الصلة بي ووكلني إلى نفسي وهواي وعشت الشقاء والتعاسة.. {وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً} [الكهف: 28].
كنت دائما في هم وفراغ كبير أحسه بداخلي رغم ما وفره زوجي
من متاع الحياة الزائل... لقد سقطت في الضياع والغفلة بكل معانيها، كثيرا ما ينتابني القلق والعصبية والاضطراب النفسي.. كما حرمت الذرية، وكما أني كنت متبرجة ينظر إلي الرجال كذلك زوجي يلهث وراء النساء، وانشغل بالنساء وتركني أعاني الوحدة والضياع وأتخبط في ظلمات الجهل والضلال..
لقد حاولت التخلص من حياتي مرارا، ولكن المحاولات باءت بالفشل.. إلى أن سمعت أحد شرائط القرآن الكريم بصوت شجي أخذ بمجامع فكري وحرك الأمل بداخلي.. تأثرت كثيرا وكنت أتوق إلى الهداية.. ولكني لا أستطيع..
هرعت إلى الله ولجأت إليه في الأسحار أن يفتح لي طريق الهداية
ويزين الإيمان في قلبي، ويكره إلى الكفر والفسوق والعصيان.. ورزقني الله الهداية، والتزمت الصلاة وارتديت الحجاب وحافظت على تلاوة كتاب الله، وإتباع سنة رسوله المصطفى الكريم بعد أن تركت هذا الزوج المنحرف رغم حبي له، وآثرت قرب خالقي ولله الحمد.. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوّاً لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ} [التغابن:14].
توبة شاب عن اللهو واللعب
عن ثابت البناني قال: كان صلة بن أشيم يخرج إلى الجبّان فيتعبد فيها. فكان يمر على شباب يلهون ويلعبون. قال: فيقول لهم: أخبروني عن قوم أرادوا سفرا فحادوا النهار عن الطريق وناموا الليل، متى يقطعون سفرهم؟ قال: فكان كذلك يمر بهم ويعظهم، قال: فمر بهم ذات يوم، فقال لهم هذه المقالة. فقال شابٌ منهم: يا قوم! إنه والله ما يعني بهذا غيرنا، نحن بالنهار نلغو، وبالليل ننام. ثم اتبع صلة، فلم يزل يختلف معه إلى الجبّان ويتعبد معه حتى مات، رحمهما الله.


توبة شاب عن العقوق

يقول الشاب:
توفي والدي وقامت أمي بتربيتي حتى أنهيت الدراسة الجامعية وجاءت بعثتي إلى الخارج، وبعد انتهاء البعثة رجعت شخصاً آخر قد أثرت في الحضارة الغربية، ورأيت الدين تخلفا ورجعية، وأصبحت لا أؤمن إلا بالحياة المادية، حصلت على وظيفة عالية وبدأت أبحث عن زوجة، وقد اخترت زوجة غنية وجميلة، وتركت اختيار أمي من تلك الزوجة المتدينة المحافظة، وبعد ستة أشهر من الزواج حدث خلاف بين زوجتي وأمي حتى طلبت الزوجة طرد أمي فطردتها في لحظة غضب فخرجت أمي من البيت، وهي تقول: أسعدك الله يا ولدي وبعد ما سكن غضبي خرجت أبحث عنها فلم أجدها، حتى انقطعت أخبارها وأصبت بعدها بمرض صرت رهين المستشفى، وعلمت أمي بالخبر وجاءت إلى المستشفى تريد زيارتي فما كان من الزوجة، إلا أن طردتها وقالت لها اذهبي عنا، وبعد مدة خرجت من المستشفى وقد انتكست حالتي النفسية وفقدت الوظيفة، وتراكمت على الديون حتى حدثت الصاعقة عليَّ بطلب الزوجة للطلاق فطلقتها. فخسرت الزوجة والأم والوظيفة فخرجت أهيم أبحث عن أمي، وفي النهاية وجدتها ولكن أين؟
في مكان تأكل من صدقات المحسنين، فدخلت عليها، وقد أثرت فيهما البكاء فما أن رأيتها حتى ألقيت بنفسي تحت رجليها وبكيت بكاءً مرا حتى شاركتني البكاء فعزمت على برّها وطاعتها وأسأل الله تعالى أن يتوب عليّ.

فلا تطع زوجة في قطع والدة *** عليك يا ابن أخي قد أفنت العمرا
فكيف تنكر أما ثقلك احتملت *** وقد تمرغت في أحشائها شهرا
وعالجت بك أوجاع النفاس *** وكم سُرَّت لما ولدت مولودها ذكرا
وأرضعتك إلى حولين مكملة *** في حجرها تستقي من ثديها الدررا
ومنك يُنجسها ما أنت راضعه *** منها ولا تشتكي لكنّا ولا قذرا
وقل هو الله بآلاف تقرأها *** خوفا عليك وتُرخي دونك السُترا
وعاملتك بإحسان وتربية حتى استويت وحتى صرت كيف ترى
فلا تُفضل عليها زوجة أبدا *** ولا تدع قلبهـا بالقهر يُنكسرا
والوالدُ الأصل لا تُنكر لتربية *** واحفظه لا سيما أن أدرك الكِبرا
فما تؤدي له حقا عليك *** ولو على عيونك حج البيت واعتمرا


توبة فتاة بعد تدبرها لسورة "ق"

كنت متمادية في المنكرات والعصيان.. ولكم حاولت والدتي نصحي وتذكيري، لدرجة أنها تبكي أمامي ولكن بدون فائدة ظللت أسير في طريق مظلم كالح، أتخبط فيه بين الأوهام والخيالات. وعندما يسدل الليل ستاره الأسود أفكر فيما أفعله غدا، وعندما يشرق النهار أبلج واضحا، أحمل هم الليل وبماذا سأقضيه، ليس لي هم غير الدنيا وإضاعة الأوقات بدون فائدة، وتمر ساعات وأنا بين أغنية أو مجلة أو فيلم ساقط.. وهكذا ألبستني الغفلة من ثيابها ألوانا شتى.
وذات يوم مللت من ذلك الروتين اليومي، ومن نصح والدتي وتذكريها لي بوالدي المتوفى- رحمه الله- وحرصه علي... وفجأة دخلت غرفتي التي تضج بالأشرطة والمجلات والصور وفتحت نافذة غرفتي فإذا بصوت إمام المسجد يهز مسامعي.. وكلمات بارئي تفعل ما تفعله في نفسي من تأثير كبير.. سبحان الله... ما أشد تلك الكلمات ومما أعظمها: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ * إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ * مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ * وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ * وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ * وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ * لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ * وَقَالَ قَرِينُهُ هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ * أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ * مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُرِيبٍ * الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ فَأَلْقِيَاهُ فِي الْعَذَابِ الشَّدِيدِ * قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَكِنْ كَانَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ * قَالَ لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ * مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ * يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ * وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ * هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ * مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ * ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ * لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ} [ق: 16-35].
إنها الحياة الحقيقية.. ما أقسى الموت! وما أشد غفلتي عنه!! والقبر لقد طوته الغفلة في طي النسيان في حياتي، والصلاة ماذا عنها؟ إنها مجرد عادة إن وجدت نفسي متفرغة أديتها، وإلا تركتها كغيرها من الفرائض.. وكتاب الله لا تمسه يداي إلا في المدرسة إن حضرت هذه الحصة وإلا هربت مع قريناتي..!! ودق جرس الإنذار في نفسي مدويا وانهالت الأسئلة من كل جانب من جوانبي... يا إلهي ماذا أعددت لسؤال ربي...!! ماذا أعددت للقبر وضمته..!! وللموت وسكرته..؟ لا شيء أبدا!!! لا رصيد لدي أنجو به.. ولا زاد أتزود به.. سوى حفظ عشرات الأغاني الماجنة!!
يا إلهي ماذا سأفعل؟!
راح من العمر الكثير.. ذنوب في الليل وآثام في النهار..!! إذا لا بد من الرجوع.. الرجوع إلى الله.. والاستعداد ليوم يشيب فيه الولدان و!ضع كل ذات حمل حملها.. لابد من الاستيقاظ والعمل بالجد والإخلاص.. لعل الله يعفو عن الكثير ويقبل مني القليل.. ولا حول ولا قوة إلا بالله.


توبة شاب في طليطلة

يقول هذا التائب:
عشت حياتي في سعادة بالغة أتلقى كل الرعاية والاهتمام من والديّ بعد أن كرسا حياتهما من أجل إسعادي؛ لأنني كنت الطفل الوحيد لهما.. وعندما حصلت على شهادتي الجامعية أهداني والدي سيارة وأبلغني بضرورة الاستعداد للعمل معه في شركته الخاصة.
في ذلك الوقت كنت أرتبط بعدد من زملاء الدراسة بصداقة وطيدة.. وكان أكثر هؤلاء قربا مني شخص اسمه علي.. وزاد من ارتباطي به تشابه ظروفنا الاجتماعية فقد كان هو الآخر وحيد والديه وكان في حالة مادية متيسرة مثل والدي تماما.. ويسكن بالقرب من منزلنا مما ساعد على لقائنا المستمر بصفة يومية.
وعقب تخرجنا في الجامعة معا عرض علي ضرورة السفر إلى الخارج كما يفعل الآخرون من زملائنا الذين يعرفون كيفية الاستمتاع بأوقاتهم!!
وطرحت الفكرة على والدي اللذين وافقا على سفري بعد إلحاح شديد من جانبي.. وأبدى والدي تخوفه من حدوث انحراف في أخلاقياتي مثلما حدث للكثير من الشباب فطمأنته ووعدته بأن أكون مثالا للابن الصالح.. وسط دعوات والدي بسلامة العودة.. ثم قمت بشراء تذكرة سفر لي ولصديقي إلى أسبانيا.
وفور وصولنا إلى هناك.. لاحظت أن صديقي يصر على إقامتنا في أحد الفنادق دون غيرها.. ولما سألته عن السبب أخبرني بأن هذا الفندق يقع بجوار العديد من حانات الشراب التي سوف نجدد فيها حياتنا كالآخرين!!
وهنا تذكرت نصائح والدي لي عن كل ما يسيء إلى ديني فرفضت الذهاب بصحبته في اليوم الأول.. لكن تحت ضغوط إلحاحه الشديد وافقت على الذهاب معه.
ومنذ اليوم الأول جرني إلى مزالق كثيرة ومساوئ أخلاقية مشينة، ولم أحس بالآثام التي ارتكبتها إلا في اليوم التالي. وهنا أحسست بالندم الشديد على ما ارتكبته من إثم في حق ديني ونفسي.
ولكن الندم لم يدم طويلا.. ومن أجل التغيير سافرنا إلى غرناطة وطليطلة.. وكان بصحبتي فتاة غير مسلمة أخذت تتجول معي في مناطق الآثار الإسلامية.
وفي طليطلة شاهدت القصور العظيمة التي بناها أجدادنا المسلمون.. وشرحت لي الفتاة كيف أن أهلها لا يذكرون المسلمين إلا بكل خير، لأنهم لم يسيئوا لأحد من أهل الأندلس عندما قاموا بفتحها. وكانت خلال شرحها المسهب لعظمة التاريخ الإسلامي في هذا البلد يزداد إحساسي بالخجل مما ارتكبته من آثام في هذه المدينة التي لم يفتحها أجدادنا إلا بتقوى الله- عز وجل-.
وصل إحساسي بالذنب إلى أقصاه عندما رأيت أحد المحاريب داخل قصر إسلامي بالمدينة كتبت عليه آيات من القرآن الكريم.. وكنت كلما نظرت إلى كلمات هذه الآيات؛ أحس وكأن غصة تقف بحلقي لتفتك بي من جزاء تلك الذنوب التي ارتكبتها في حق نفسي في اليوم الأول من وصولي إلى تلك البلاد التي تنتسب إلى ماضينا الإسلامي المجيد.
وانسابت الدموع الغزيرة من عيني عندما رأيت قول الله تعالى: {وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً} [الإسراء:32]، ودهشت الفتاة التي رافقتني لتلك الدموع فأخبرتها أنني تذكرت بعض الذكريات المؤلمة في حياتي لإدراكي أنها لن تفهم ما سأخبرها به.
وفي هذه اللحظة قررت العودة إلى المملكة على أول طائرة تغادر برشلونة.. وحاول صديقي إقناعي بالبقاء معه لمواصلة رحلتنا لكنني رفضت بإصرار بعد أن أدركت بشاعة ما يرتكبه في حق دينه ونفسه. وهكذا عدت إلى بلدي نادما على ما فعلت متمنيا من الله تعالى أن يغفر لي الذنوب التي ارتكبتها.. ومنذ أن وطئت قدماي أرض بلادي قررت قطع كل علاقة لي بهذا الصديق الذي كاد يوقعني في موارد التهلكة لكن الله تعالى أنقذني قبل فوات الأوان.

إن الليالي من أخلاقها الكدر *** وإن بدا لك منها منظر نضر
فكن على حذر مما تغر به *** إن كان ينفع من غراتها الحذر
قد أسمعتك الليالي من حوادثها *** ما فيه رشدك لكن لست تعتبر
يا من يغر بدنياه وزخرفها *** تالله يوشك أن يودي بك الغرر
ويا مُدلاًّ بحسن راق منظره *** للقبر ويحك هذا الدل والفخر
تهوى الحيا ولا ترضى تفارقها *** كمن يحاول وردا ما له صدر
كل امرئ صائر حتفا إلى جدث *** وإن أطال مد آماله العمر


حوار مع فتاة

همست في أذن صاحبتها فقالت: أيتها الحبيبة.. خلة صافية.. وصحبة زلالية.. ووشيجة قوية.. كل هذا يربطنا أيتها الغالية.. ولكنني أستغرب كل الاستغراب من حالك وسلوكك.. فلا أراك قد أخذت بحظك من الحياة الجديدة.. حياة التمدن.. حياة الفتاة المعاصرة.. كيف وأنت الفتاة الجامعية ما زلت ترتدين الحجاب!! ومازلت تعيشين مع الماضي التليد!! إننا لفي ذهاب وإياب من السوق إلى حيثما نشاء.. من زميلة إلى أخرى.. ولنا في كل جديد ينزل في السوق نصيب وغنيمة.. أما أنت.. قاطعتها قائلة: أما أنا فلست في هذا كله، ولكن أتريدين مني أنا المسلمة العفيفة الطاهرة أن أقتدي بأولئك الحثالة من البشر؟ أم تبتغين مني أن أسابق السخفيات في متابعة الأزياء؟ أم تطلبين مني أن أجعل مَثَلي الفذ وقدوتي هو فنانة ساقطة أو ممثلة هابطة تهدم الأخلاق وتفسد البيوت..؟
أختي العزيزة: مع ادخاري لك الود والاحترام الجميلين أقول من أعماق فؤادي:
أختي الكريمة: مثلك لا ينطلي عليه مثل هذه الخزعبلات التي قالها أعداؤك في ثوب قشيب، يريدون منك أن تخلعي الحجاب، وأن تسايري الرجل في عمله، وأن يكون همك هو الأزياء ومتابعة الفن الرخيص.. بعد ذلك تحققين مطلبهم.. فلا أنت حفظت بيتك، ولا أنت حصلت على زوج يحفظك من السوء، ولا أنت التي تمسكت بدينك القويم يحفظك من السوء، ولا أنت التي تمسكت بدينك القويم الذي هو عزك في الدنيا والآخرة.. وإنما خرجت من هذه الدنيا بسخط الله ورضا عدوك.. وتعاسة حياتك.، لأن الحياة السعيدة في مرضاة الله، ومن قال غير ذلك فقد ضل الطريق.. {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} [طـه:124].
أختي المسلمة: كلمات حارّة أرسلها لك عبر الأثير: أنت قائدة الجيل.. مربية النشء.. مدرسة يتخرج فيها الرجال.. فمن خزفي أمثال صلاح الدين؟ ومن ربي أحمد بن حنبل؟ ومن أوصل ربيعة الرأي إلى مكان مرموق يحسده عليه أترابه؟ وكم أتمنى لو قرأت قصة هذا البدر المضيء في تاريخنا لتعرفي أين مكانك يا أختاه..
نعم إنك أنت المدرسة الأولى.. فإذا تخرج ولدك على معرفة الإسلام وفهمه وتطبيقه فحسبك شرفا ورفعة وذكرا في الدنيا والآخرة.. وإخال أن حافظا قد سبقني إلى هذا المعنى فقال:
الأم مدرسة إذا أعددتها *** أعددت شعبا طيب الأعراق
قاطعتها قائلة: على رِسلك يا أختاه.. إنك مسكينة.. ما زلت تعيشين بأفكار قديمة والناس تسير إلى الأمام.. وإلى الحياة الجديدة بلا تعقيد.. وبحرية مطلقة، وإني لأستأذنك فإني على موعد مهم.. خرجت وتركت صاحبتها فاطمة تفكر في تصرفاتها وموقفها الحاد.. وتمر الأيام سريعة ويأتي الخبر كالصاعقة.. إن الفتاة الجريئة على حدود الله المستهزئة بصاحبتها ترقد على السرير الأبيض.. فاطمة تراجع نفسها.. وتأخذ عنوانها لتزورها في المستشفى، سلمت عليها، وهشت وبشَّت في وجهها..
قالت أمل في نفسها: من هذا الوجه المضيء الذي جاءني في هذه الساعة؟ إنها الصاحبة الوفية.. إنها فاطمة.. ردت السلام عليها بأحرّ وأقوى ما لديها.. سألتها: ما الأمر وما الخطب..؟ قالت: كنت مع السائق ذاهبة إلى بعض حاجتي وحصل لنا حادث كان من نتاجه ما ترين.. ساقي وقد انكسرت، وآمالي وقد تحطمت، أتدرين يا صاحبتي الوفية ماذا كان يدور في خلدي من ساعة الحادث إلى هذه الساعة؟
قالت: لا أدري.
قالت بأدب جمٍّ ووجه بشوش وهدوء بديع: إنها كلماتك الحارة المشرقة، لقد أضاءت كلماتك ظلمة كانت تغشاني وتغطي فؤادي.. وكأني أحس بنور يسعى بين جنبي من سنا كلماتك الصادقة.. نعم.. كلمات مما أظن أني سمعت بأجمل منها منذ عرفت الزميلات، وإنما هي مجاملات ومهاترات، وكأنك بهذا الصنيع قد أنقذتني من بحر لجي لا ساحل له كدت أغرق فيه.
ردت فاطمة: بشرى خير ورحمة، وأرجو أن يعجل الله بشفائك لتعودي إلى البيت امرأة أخرى، همُّها، شغلها.. تفكيرها في طاعة الله عر وجل، وفي هذه اللحظات كان المؤذن قد رطب الجو بذكر الله أكبر.. الله أكبر.. فاستأذنت منها وافترقنا على أمل لقاء آخر..
وتمر الأيام وتخرج أمل من المستشفى وهي تلهج بذكر الله حمدا وشكرا أن لم يأخذ روحها وهي على المعصية.. وترفع أكف الضراعة لله أن يحفظ صاحبتها ويوفقها حيثما كانت.. وفي ذات مرة تفاجأ فاطمة وقد رأت وهي داخلة المدرسة إعلانا عن محاضرة بعنوان: "العودة إلى الله يا فتاة الإسلام " تقام في إحدى مدارس البنات، ولم يكن ذلك غريبا، وإنما الغرابة بدت على وجهها عندما رأت أن اسم المحاضرة أمل صاحبتها، عندها دعت لها بالتوفيق والثبات وأن يحفظها الله من السوء والضلال. وكانت مشعلا آخر يضيء.. ويهدي.. ويعطي الكثير مما استقاه من مشكاة النبوة.


توبة رجل عن كراهية البنات

كره منذ طفولته البنات فوالدته أنجبت سبع بنات وهو وحيدها.
وما تزال كلمات التأفف والتضجر من والده لأمه عقب كل مولودة، وما تزال همسات الجيران والأقرباء تصرخ في أذنه ونظرات الشفقة والرثاء لوالدته سياطا يلهب أحاسيسه فيثور على البنات ويتألم لما تلق أمه من حولها، وصاحبه هذا الشعور إلى أن تزوج فكان الخوف يملأ جوارحه من أن يكون القدر قد خصه بالبنات وكأنه واثق من إنجاب زوجته!!
وكانت "نهى" باكورة زواجه فتقبلها على مضض، وبدأ يلمح لزوجته تارة، ويصرح مرة أخرى أنها المسؤولة عن جنس المولد، وأنه لا علاقة له بجنس المولود مع أن العلم أثبت العكس تماما، وأن الرجل له دور رئيسي في تحديد جنس المولود بقدرة الله.
تتابعت حبات العقد من البنات إلى أن اكتملت سبعة أرقام والأب يكاد يتميز من الغيظ.
وحملت زوجته للمرة الثامنة فضاق ذرعا وأقسم إن أنجبت ثامنة، فطلاقها بالثلاثة قد يكون هدية الولادة، وكأن المسكينة خيرت بين الذكور والإناث فاختارت الإناث عنادا له !!
وأردف قسمه بأنه سيترك لها البنات وينفذ بجلده منها ومنهم.
ولم ينفعه الإقناع بأن الله { يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ(49) )أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَاثاً وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيماً إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ } (الشورى :49،50) لأن شعوره بالحاجة إلى ذكر يحمل اسمه كان يجعله سميعا أصم وبصيرا أعمى، وله قلب لكنه قد من الصخر.
ومضت الأيام على الأم المسكينة كل يوم كألف سنة مما تعدون لا تعرف ليلها من نهارها، أيامها بكاء وغصة تقف في الحلق وتضرع إلى الله أن يجبر كسرها أمام زوجها ويعوض صبرها خيرا، فهي مؤمنة بحكمة الله وقضائه لكنها تخشى الطلاق من أجل بناتها وكلما رأى زوجها خوفها زاد في قسوته وغلظته وكأنه يتلذذ بألمها ويسعد بشقائها. وجاء اليوم الموعود الذي سيفصل بين الزوج والزوجة أو يزيد الزوجية التحاما.
لم تشعر المسكينة بآلام المخاض فهي حاضرة بجسمها غائبة بوعيها واجمة ساهمة لا يبدو على وجهها أي ألم أو انفعال، وكأن تيار الحياة انقطع عنها، فنفسها وروحها وتفكيرها ومشاعرها منصرفة إلى جنس المولد وما يحمله من جحيم أو نعيم، ولخوفها وقلقها أعلن الجنين تمرده في بطنها وكأنه علم بأنه قد يكون غير مرغوب فيه، ولأول مرة احتاجت لعملية جراحية وخرجت الطفلة الثامنة إلى الحياة.
وما أن استفاقت من المخدر، وعلمت بالمولودة حتى علا بكاؤها وصراخها المؤلم، وصارت تضرب رأسها بيديها وتولول وتصرخ، حتى هرع كل من في الغرفة يستطلعون الخبر، ومنهم من ذهب في طلب الطبيب الذي جاء وحاول تهدئتها بعد جهد جهيد، ولما علم السبب في حالتها العصبية تعاطف معها ووعدها خيرا. كل هذا وزوجها لم يتصل ليطمئن على زوجته وكأنه يعلم النتيجة سلفا. أوعز الطبيب إلى الممرضات أن يخبروا الأب بأن المولود ذكرا وكان مطمئنا إلى أن هذا الكذب لا إثم فيه لأنه إصلاح حياة زوجية مهددة بالانهيار. حضر الأب وكان يطير على الأرض فرحا بعد أن اطمأن بالهاتف على جنس المولود، ودخل إلى زوجته والبشر يعلو وجهه، وقد ارتدى ثوبا من الفرحة لم يلبسه منذ زواجه.
بارك لزوجته وسأل عن المولود فأخبرته أنه في الحاضنة، فطار إلى الطبيب ليرى ولده الذي جاء على فاقة، وبكل هدوء أخذه الطبيب إلى حضانة فيها طفل امتدت يد الأب لتحتضنه بكل لهفة السنين العجاف وبكل الحرمان والشوق.. لكنه تراجع دون أن يدري بأن الطفل مشوها!! صرخ صرخة تجلت فيها خيبة الأمل ومرارة الانتظار الطويل وحارب القدر مرة أخرى وأقسم ألا يأخذ الطفل ولن يخرج به من باب المستشفى لكن الطبيب أصر على أن يأخذه عندما يصبح مؤهلا للخروج وأنه مسؤول عنه أمام الله والناس، وهو إنسان له حقوقه الإنسانية، وقد يكون أفضل من السليم الذي يجلب لأهله العار والدمار عندما يكبر، ولكن هذا لم يقنع الأب المجروح وعندما رأى تصميم الطبيب على تسليمه له بعد مدة أسقط في يده واستند إلى منضدة خوف السقوط. أسرع الطبيب فأخذ بيده وبدأ يهون عليه الأمر، ثم سأله أكنت ترضى بابنة كهذه ومد يده بمولودة بريئة؟؟
قبلها الأب دون أن يدري أنها ابنته وأقسم للطبيب أنه يتمنى لو أنجبت زوجته عشر بنات أخر واعترف أن الله عاقبه على اعتراضه لحكمه وتسخطه على قدره وسالت دموع الأب، ولم يستطع الطبيب الصبر ورحم منظر الأب المسكين ودموعه- ودموع الرجل لا يقدرها إلا رجل مثله- هذه الدموع التي أظهرت ضعفه وعجزه أمام قدرة الخالق وندمه، فما كان من الطبيب إلا أن أخبره أن هذه الطفلة التي بين يديه هي طفلتك وأنه أراد أن يعطيه درسا في الاستسلام لله وحكمته. انهال الرجل لثما وتقبيلا على الطفلة تارة وعلى الطبيب تارة أخرى، واختطف الطفلة والطبيب وراءه ودخل حجرة زوجته والسرور بادٍ على وجهه، وقد احتضن الطفلة وكأنه يحتضن العالم بين يديه وهنأ زوجته على الطفلة واعتذر لها عن إساءته وتلا قوله تعالى: {فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً} [النساء: 19].
وانهمرت دموع الزوجة فرخا لقد عادت إلى بيتها وبناتها وعاد لها زوجها، ونظر الطبيب إليهما وحمل الطفلة ومضى وهو يتلو قوله تعالى: {لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ} [النساء: 114].
وتنفس الصعداء لأنه أنقذ بيتا من أبغض الحلال، واستجاب الله تضرع الزوجة فعوض صبرها خيرا محبة ورحمة.


تلتزم بالحجاب بعد الخمسين

يقول راوي قصة هذه التائبة التي التزمت بعد تجاوزها الخمسين عاما، وارتدت الحجاب الكامل مع تغطية الوجه، ولنترك له الحديث: أخت جدتي تجاوزت الخمسين من عمرها، ورغم تقدم سنها كانت لا تهتم بأمور الدين. وكانت تلبس ثيابا غير شرعية وهكذا عهدتها منذ نشأتي حتى أصبحت رجلا. ولعدم وجود من يقوم بعمل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتعليم الناس أمور دينهم.
ظهرت جماعة أنصار السنة المحمدية وعملوا مركزا بالمنطقة ومكانا لتحفيظ القرآن الكريم، وخصصوا للنساء مكانا لتعليمهن أمور الدين الشرعي. تأثرت جدتي بهذه الدروس، حيث كانت ملتزمة لها. والتزمت بالصلاة في وقتها، وتركت مصافحة الرجال الأجانب، ورغم أنها أمية أصبحت تحفظ قصار السور. رأت يوما امرأة متحجبة ومغطية وجهها وجميع جسمها. قالت: هذا هو اللباس الشرعي، والتزمت بالحجاب الشرعي مع تغطية الوجه كاملا. وقد قيل لها أنت امرأة كبيرة ويمكن أن تكشفي وجهك. والله يقول: {وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لا يَرْجُونَ نِكَاحاً فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ} قالت: أكملوا الآية: {وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [النور: 65].
أريد العفاف ولطالما كشفته وأنا صغيرة جاهلة وعصيت ربي، سأطيعه وسأغطي وجهي وأنا كبيرة عالمة بأمور ديني، وعليكن أيتها النساء طلب العلم النافع، فالعبادة من دون علم يوقع الإنسان في المهالك. وأسأل الله أن يتقبل توبتي ويرحمني ويغفر لي ما مضى من عمري. والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر، والتائب من الذنب كمن لا ذنب له ".
وهكذا التزمت جدتي، والآن تحفظ جزء "عم " بعد أن كانت لا تحفظ شيئا من القرآن. وأيضا بالتزامها التزمت أصغر بناتها التي كانت معها في المنزل والتزمت بالحجاب الشرعي. وبفضل الله ثم بفضل هذه الجماعة أصبح الرجال والنساء يتعلمون العلوم الشرعية وما يجب أن يكون عليه المسلم، بعيدا عن الصوفية وتعصبها الأعمى


توبة شاب كان يضرب والده

قال الحسن بن علي رضي الله عنهما:
بينا أنا أطوف مع أبي حول البيت في ليلة ظلماء، وقد رقدت العيون، وهدأت الأصوات، إذ سمع أبي هاتفا يهتف بصوت حزين شجي، وهو يقول:
يا من يجيب دُعا الـمُضطر في الظلم يا كاشف الضر والبلوى مع السقم
قد نام وفدك حول البيـت وانتبهوا *** وأنت عينك يا قيـوم لـم تنم
هب لي بجودك فضك العفو عن جرمي *** يا من إليه أشار الخلق في الحرم
إن كان عفوك لا يدركه ذو سرف فمن يجود على العاصين بالكرمِ
قال: فقال أبي: يا بنيّ! أما تسمع صوت النادب لذنبه، المستقبل لربه؟ الحقه فلعل أن تأتيني به.
فخرجت أسعى حول البيت أطلبه، فلم أجده، حتى انتهيت إلى المقام، وإذا هو قائم يصلي، فقلت: أجب ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأوجز في صلاته واتبعني.
فأتيت أبي، فقلت: هذا الرجل يا أبت.
فقال له أبي: ممن الرجل؟
قال: من العرب.
قال: وما اسمك؟
قال: منازل بن لاحق.
قال: وما شأنك، وما قصتك؟
قال: وما قصة من أسلمته ذنوبه، وَأَوبَقَته عيوبه، فهو مرتطم في بحر الخطايا.
فقال له أبي: علي ذلك، فاشرح لي خبرك.
قال: كنت شابا على اللهو والطرب لا أفيق عنه، وكان لي والد يعظني كثيرا، ويقول: يا بنيّ! احذر هفوات الشباب وعثراته، فإن لله سطوات ونقمات، ما هي من الظالمين ببعيد، وكان إذا ألح عليّ بالموعظة ألححت عليه بالضرب، فلما كان يوم من الأيام ألح عليّ بالموعظة، فأوجعته ضربا؛ فحلف بالله مجتهدا ليأتين بيت الله الحرام فيتعلق بأستار الكعبة ويدعو علي، فخرج حتى انتهى إلى البيت، فتعلق بأستار الكعبة، وأنشأ يقول:
يا من إليه أتى الحجاجُ قد قطعوا *** عرض المهامة من قرب ومن بُعد
إني أتيتك يا من لا يخيب من *** يدعوه مبتهلا بالواحد الصمد
هذا منازل لا يرتد عن عققي *** فخذ بحقي يا رحمن من ولدي
وشل منه بحولٍ منك جانبه *** يا من تقدس لم يولد ولم يلد
قال: فوالله ما استتم كلامه حتى نزل بي ما ترى، ثم كشف عن شقه الأيمن فإذا هو يابس.
قال: فأبت ورجعت؛ ولم أزل أترضاه، وأخضع له، وأسأله العفو عني، إلى أن أجابني أن يدعو لي في المكان الذي دعا على.
قال: فحملته على ناقة عُشَرَاء، وخرجت أقفو أثره، حتى إذا صرنا بوادي الأراك طار طائر من شجرة، فنفرت الناقة، فرمت به بين أحجارٍ، فرضخت رأسه فمات، فدفنته هناك، وأقبلت آيسا، وأعظم ما بي ما ألقاه من التعبير أني لا أُعرَف إلا بالمأخوذ بعقوق والديه.
فقال له أبي: أبشر فقد أتاك الغوث، فصلى ركعتين، ثم أمره فكشف عن شقه بيده، ودعا له مرات يرددهن؛ فعاد صحيحاً كما كان.
قال له أبي: لولا أنه قد كان سبقت إليك من أبيك في الدعاء لك بحيث دعا عليك لما دعوت لك.
قال الحسن: وكان أبي يقول لنا: احذروا دعاء الوالدين! فإن في دعائهما النَّماء والانجبار، والاستئصال والبوار.


توبة شاب على يد منصر

إنه شاب من جملة شباب المسلمين، وعده والده بالسفر للسياحة في حال نجاحه!!، وفي لحظات ترك وطنه إلى البلاد المفتوحة.. وصل.. كل شيء معد للاستقبال.. فعل كل شيء إلا ما يرضي الله.. لم يكن هناك وقت.. يقول هذا الشاب:
مر الوقت سريعا.. لم يبق على انتهاء الرحلة إلا يوم واحد، وكما هو محدد في الجدول: نزهة خلوية، وحفل تكريم!
مالت الشمس للغروب، وسقطت صريعة خلف هاتيك الجبال الشامخات، والروابي الحالمات.. عندها بدأ ليل العاشقين، وسعي اللاهثين، واختلطت أصوات الموسيقى الحالمة بتلك الآهات الحائرة، ثم أعلن مقدم الحفل عن بدء الوداع.. أول فقرة من فقراته هي اختيار الشاب المثالي في هذه الرحلة الممتعة..
وأعلن الفائز.. الشاب المثالي هو (أنا)!
فكرت كثيرا: لم اختاروني أنا! هناك الكثير ممن هم على دينهم.. لأني مسلم اختاروني؟!.
تذكرت أبي وصلاته، وأمي وتسبيحها.. تذكرت إمام المسجد.. تذكرت رسول الله صلى الله عليه وسلم.. تخيلته أمامي ينظر ماذا أفعل.
وصلت إلى المنصة.. أمسك القائد بالصليب الذهبي.. إنه يلمع كالحقد، ويسطع كالمكر.. أمسك بعنقي.. قربني إليه.. وهم بوضع الصـ..
قف.. إنني مسلم..
أمسكت بالصليب الذهبي، وقذفته على الأرض، دسته تحت قدمي..
أخذت أجري.. وأجري.. صعدت إلى ربوة.. صرخت في أذن الكون، وسمع العالم: الله أكبر ... لله أكبر..
أشهد أن لا إله إلا الله.. أشهد أن محمدا رسول الله.. وعدت إلى بلدي إنسانا آخر غير ذلك الإنسان العابث اللاهي فسبحان من يحيي القلوب بعد موتها.


توبة الفنان محمود الجندي

لم تعد لحظات الصدق والعودة إلى الله تقتصر على الفنانات فحسب، بل طالت عددا من الفنانين، ولعل محمود الجندي أحد هؤلاء الذين مروا بتجربة عميقة الأثر، جديرة بالاهتمام والرصد، انتقل خلالها من مرحلة الشك إلى الإيمان، ومن قراءة كتب التشكيك والفكر العلماني إلى قراءة كتب اليقين والفكر الإسلامي، ومن الفن كعبث ولهو ومجون وبحث عن المال والشهرة والنجومية إلى الفن كرسالة لها أهداف في غرس القيم والمبادئ والدعوة إلى الفضيلة. وكان الجندي قد عرف- بمقاييس أهل الفن- بأنه فنان متألق ومثقف، وصاحب شخصية مبدعة ومحبوبة من الجميع، استطاع إثبات ذاته لعشقه العمل بالتمثيل، وقدرته على تقمص مختلف الأدوار الفنية.. هذه الشخصية كيف هاجرت إلى الله تعالى؟!
مرحلة تخبط وتساؤلات
يقول الجندي: عملت طويلا من أجل إثبات الذات وتحصيل المال والشهرة والنجومية، وأصبحت أحظى بشبكة علاقات واسعة، أهلتني لكي أكون محبوبا من الجميع، لكنني رغم نجاحاتي الكثيرة كنت أشعر أن شيئا ما ينقصني، فعشت مرحلة طويلة من التخبط وبدأت بعض التساؤلات تخالجني وتلح علي: ماذا لو عبدت الله حق العبادة؟ هل سأكون متخلفا ورجعيا كما يرى البعض؟ وبعد فترة طويلة من التفكير والبحث والقراءة توصلت إلى أن الإنسان لابد أن يكون صاحب قضية، وليس هناك أهم من قضية الإيمان، وإن لم يكن الإنسان مؤمنا، فسيكون في زمرة الهالكين في الدنيا والآخرة، لقد اهتديت إلى هذه القناعات بعد أن مررت ببعض المحطات القاسية.
أما هذه المحطات التي قادته إلى حقيقة الإيمان- كما يستعرضها الجندي- فأولها وفاة صديقه الفنان مصطفى متولي فجأة دون سابق إنذار، إذ يقول: كنت مع صديقي مصطفى قبل الوفاة بنصف ساعة في إحدى سهراتنا المعتادة، نتحدث فيها عن الدنيا ومباهجها والأدوار الفنية، ونصنع ما يحلو لنا، ثم استأذن مصطفى، على وعد بأن يعود بعد نصف ساعة ولم يكن به مرض، إلا أنه لم يعد.
وفي صباح اليوم التالي تلقيت اتصالا هاتفيا يحمل نبأ وفاته، فأصبت بالهلع والذعر الشديدين، وعندئذ أدركت أن الموت حقيقة لا يمكن إنكارها وأخذت أراجع نفسي وأتساءل: إلى متى سأظل هكذا من دون أن أدرك أن الموت هو المصير المحتوم؟ ومن دون أن أعمل للآخرة؟
حادث الحريق
ويروي الجندي المحطة الثانية قائلا: ذات يوم شعرت بانقباض في القلب، وعلى إثر ذلك ذهبت إلى الطبيب وحين سألني ماذا بك؟! أجبته: أشعر أنني سأموت، فأجرى الفحوصات الطبية اللازمة، إلا أن النتيجة جاءت بأنني سليم، وقال الطبيب: يبدو أنك موهوم، غير أن هذا الشعور لم يغادرني حتى بعد أن طمأنني الطبيب.
والمثير للدهشة أن زوجتي حدثتني في تلك الليلة عن ضرورة شراء مقبرة، فتعجبت وقلت: هذا الموضع لم يخطر على بالي من قبل، ولم أفكر فيه، وعندما أموت فسأدفن في بلدتي وانتهى الحوار بيننا، وخلدت إلى النوم، وإذا بي أستيقظ فأجد الفيلا معبأة بالدخان الكثيف والنيران مستعرة في كل أرجائها، وكانت زوجتي في ذلك الوقت تعاني ضيقا في التنفس، فلم تتحمل الدخان ولقيت ربها بمجرد وصولها إلى المستشفى ولحقت بها إحدى بناتي، هنا أدركت ضرورة الرجوع إلى الحق، ومما عزز هذا الموقف أن النار حين اندلعت في المكتبة أتت على كتب التشكيك فقط أي كتب الفكر العلماني والماركسي التي كنت أعشق قراءتها، وفي هذا الظرف العصيب وإبان المصاب الفادح وقفت مع نفسي وأخذت أردد "يا رب خفف " ولم أعترض على قضاء الله وقدره.
العمرة.. والشعور الكهرومغناطيسي!
ثم تأتي المحطة الثالثة حين نصحه البعض بضرورة أداء العمرة، لكنني- كما يقول محمود- كنت أتساءل: ما معنى أن أزور مكانا ما وأطوف حول الحجارة؟! لكن شاء الله وذهبت لأداء العمرة، وفي طريقي إلى مكة المكرمة زرت المدينة أولا، وفي أول ليلة بهذه البقاع المقدسة فتحت المصحف لكي أقرأ بعض الآيات من أي موضع، وإذا بعيني تقع على الآية الكريمة {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ} [البقرة: 155]، وفي الصفحة ذاتها{إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} [البقرة: 158]، وبعد أن قرأت هذه الآيات أيقنت أنها رسالة قوية جدا، فالآية الأولى تطالبني بالصبر على ما حدث، والثانية تجيب عن التساؤلات التي جالت في خاطري، وهنا قلت في نفسي: إذا كان الإنسان مؤمنا بكتاب الله فعليه أن يؤمن به جملة وتفصيلا، وأن يطبق جميع ما ورد في محتواه، وعلى رأس ذلك الإيمان بالغيب، والإيمان بأن العقل لا يمكن أن يدرك ما وراء الحجب.
وحينما ذهبت إلى الكعبة شعرت بحالة أشبه بالكهرومغناطيسية وهنا أسلمت نفسي إلى الله، وأدركت بحسابات القلب أن هناك عبادات لابد من التسليم بها، ومنذ تلك الرحلة المباركة أصبحت أحن بين الحين والآخر إلى أدائها.
كتب التشكيك والبديل
وبعد أن احترقت الكتب العلمانية والماركسية استبدلت بها الكتب الإسلامية وأقبلت على قراءتها بنهم وشغف شديدين، وإدراكي أن الإسلام هو الحق دعاني إلى الحرص على الفهم وفرز الصواب من الخطأ والتعمق في الإسلام، لكي أعيش حياتي وفق تعاليمه وأدبياته، يضاف إلى ذلك أنني لا أريد أن تكون كلمة مسلم التي أنتسب إليها مجرد معلومة لاستكمال بيانات البطاقة التي أحملها، ومن بين الكتب التي أدمنت قراءتها سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم وكتب التاريخ الإسلامي، ولقد عرفت من خلال القراءة أن الإسلام بنى حضارة عظيمة استفادت منها البشرية جمعاء.
ويستطرد قائلا: لقد نشأت في أسرة تعرف حدود الله وتحافظ على تعاليم الإسلام، حيث كان والدي يصطحبني وإخوتي إلى المسجد، وأحد أشقائي يدعى جمال- وهو يصغرني في السن، وكنت قد حببته في القراءة- سلك طريق الالتزام والتدين، بينما اخترت خطا آخر لا سيما حين انتقلت من بلدتي "أبو حمص " "بالقرب من الإسكندرية" إلى القاهرة، وبعد أن أنعم الله علي بالهداية علمت أن شقيقي جمال قد أمضى سنة كاملة يدعو لي بالهداية أثناء الصلاة، ولذلك فهو قدوتي الذي ألجأ إليه في كل قضايا الدين، ومن الشخصيات المؤثرة في حياتي الفنان حسن يوسف الذي كان أول من واساني ووقف بجواري بعد حادثة الحريق، ولا يمكن أن أنسى مؤازرته لي حينما قال عليك ب "لا حول ولا قوة إلا بالله " و{إنا لله وإنا إليه راجعون} [البقرة: 156].
سعادة وسعادة
ويرى محمود الجندي أن السعادة لا يمكن أن تكتمل إلا إذا كان المرء يحظى برضا الله عر وجل، فالسعادة التي يراها البعض في السكن والزوجة الجميلة وتحصيل الأموال وتعاطي المخدرات، ومصادقة النساء هي سعادة مؤقتة يعقبها ندم وشعور التعاسة، فما أجمل أن تكون السعادة حينما يكون الإنسان في استطاعته أن يرتكب منكرا، لكنه يأبى ذلك خوفا من الله، فتلك هي السعادة الأبدية والمتعة الحقيقية واللذة التي لا تدانيها لذة.
وعن رأيه في الفن يقول: الفن في الماضي كان مجرد مهنة، الهدف منها تحصيل الأموال وصناعة اسم كبير، ورفع سعر الأدوار التي أقوم بها، والقيام بكل الأدوار حتى لو خالفت الشرع، لكن الفن الآن أصبح رسالة، ومن خلاله يمكن تقديم الموعظة الحسنة والحث على الفضيلة وذم الرذيلة، والبعد عن إثارة الشهوات والغرائز، كما أنني وقفت مع نفسي كثيرا وتساءلت: هل الفن حلال أو حرام؟ وكدت أعتزل لكنني توصلت إلى أن الفن يمكن أن يسهم في تثبيت قيم الناس وتعاليم الإسلام، ولو اعتزلت فلن يبقى في الميدان إلا هؤلاء الذين يلعبون على وتر إثارة الغرائز، كما أعتبر نفسي سفيرا للإسلام في الوسط الفني، فكثيرا ما أدير حوارات مع أهل الفن.
أما حقيقة وتداعيات الزي الذي يرتديه وهو عبارة عن جلباب وعمامة فيقول الجندي: الإسلام لم يحدد زيا معينا، أما كوني أرتدي هذا الزي فلأنني مازلت ضعيفا، وأخشى أن أضعف أمام الإغراءات المحيطة، وهذا الذي يشكل حائط صد أمام ارتياد أماكن اللهو والعبث، فإذا سولت لي نفسي العودة إلى الماضي يكون هذا الزي حائلا دون تحقيق رغبتها؛ لأنه من غير المعقول كما أنه ليس من المألوف أن أرتاد النوادي الليلية بهذا الزي، غير أنني أذهب إلى أماكن العمل وأستبدل به الملابس الأخرى التي تتناسب وأدواري الفنية.
لحظات الضعف
وحول لحظات الضعف التي تعرض لها بعد أن سلك طريق الالتزام يقول: أتعرض للحظات ضعف كثيرة، لكن الله أعطاني السلاح الذي أقاومها به، وهو الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم، والحقيقة أن النفس تحتاج إلى جهاد كبيرة، فأحيانا تذكرني بأشياء سيئة مضت.
كما أن بعض أصدقائي حينما يشاركون في اللقاءات الصاخبة والماجنة بالعودة إلى الماضي لكنني سرعان ما أغلق التليفون ثم أشغل إذاعة القرآن الكريم، وأتصل بهم لكي يستمعوا إلى القرآن الكريم. والعجب أن بعض أصدقائي كانوا يوافقونني في كل شيء ويعتبرون رأي سديدا ويستنصحونني دائما، وعندما التزمت أخذوا ينظرون إلى على أنني غير مكتمل الأهلية، وهذا يؤكد أن الانتقال من مرحلة إلى أخرى أمر صعب ويحتاج إلى صبر ومجاهدة.
واختتم كلامه قائلا: رغم قلة الأدوار التي أقوم بها، إلا أن رزقي قد زاد، فقديما كنت أنفق الأموال على ارتكاب المحرمات وأفاجأ بأنه لم يتبق معي شيء، أما الآن فأصبحت أضع المال في موضعه ولا أنفقه إلا في الحلال وبالتالي فهو يزيد على حاجتي رغم انخفاض دخلي وترا جع أدواري.


توبة فتاة عن التهاون بالصلاة

كنا عشرة من الأبناء ما بين إناث وذكور، ملأنا كل أركان بيتنا الكبير، ولم يتبق منه إلا ملحق خارجي ذو غرفتين، تم تأجيره لأسرة من دولة عربية، وبالرغم من عددهم المقارب لعددنا إلا أنهم استطاعوا أن يتكيفوا في الغرفتين اللتين أجرهما لهم والدي.
كانوا تقريبا في أعمار مقاربة لأعمارنا، وكان إخوتي يلعبون مع أبنائهم في فناء المنزل، إلا أنني كنت الابنة الوحيدة التي لم تختلط معهم، ظنا مني أنني أفضل منهم، وأني من المفترض ألا أختلط مع من هم أقل شأنا مني، كما تهيأ لي.
واستمر الحال هكذا، لا أختلط مع بناتهم، حتى المقاربة لي في السن، إلى أن جاء يوم وجدت نفسي مضطرة إلى أن أدخل منزلهم المتواضع، وهذا اليوم كان هو يوم وفاة جدي، فلقد امتلأ المنزل بالمعزين الذين جاؤوا حتى من بلدان خليجية أخرى للمواساة، وعندها وجدت أمي أنه من الضروري إبعادنا من المنزل، فطلبت من جارتنا التي تسكن في ملحق منزلنا أن تصطحبني أنا وأخي الأصغر لنمكث في منزلهم، وتعتني بنا حتى وقت النوم، ثم نعود لمنزلنا لننام.
سرت مع تلك السيدة على مضض، ودخلت لأول مرة منزلهم.. بل حجرتهم- إن صح التعبير- فهبت بناتها ليستقبلنني، وأنا أحاول أن أرسم علامات الارتياح، ولكن.. علامات الضيق كانت تأبى إلا أن تظهر.
بدأت الفتاتان بالتحدث معي، وأخذت شيئا فشيئا أستلطف حديثهن، فلقد كانتا هادئتين، متزنتين، وأخذنا نتحدث، إلى أن وصل إلى مسامعنا صوت أذان الظهر، فقمنا للاستعداد للصلاة التي لم أكن أتذكرها إلا قليلا.. ولم أكن أؤديها إلا بعد إلحاح والدتي، فقد كنت أرى أني صغيرة بالرغم من بلوغي سن الحادية عشرة.
طلبت مني الفتاتان القيام للصلاة، فاعتذرت لأنني لا أملك ثوبا للصلاة، فما كان منهن إلا أن أحضرن لي ثوبا للصلاة، ووقفت أصلي معهن، وأحسست أنني أعرفهن منذ زمن بعيد، وأننا جميعا في هذا الموقف الخاشع سواء.. لقد كانت مشاعر جميلة تلك التي أحسست بها في تلك اللحظة.
أمضيت اليوم لديهن، وعدت إلى غرفتي في المساء، ووضعت رأسي على وسادتي وأنا أشعر بشعور غريب، فلقد أديت كل صلوات يومي معهن، وكان هذا في حد ذاته إنجازا كبيرا بالنسبة لي.
استيقظت في اليوم التالي وأسرعت أنا لأطرق باب غرفة جيراننا، وأمضيت معهن ثلاثة أيام عدت بعدها إلى منزلنا، وأخذت أزورهن بين الحين والآخر، وفي يوم طرقت باب منزلنا إحدى الفتاتين، ونادتني خادمتنا لمقابلتها، وعندما دخلت الصالة وجدت صديقتي تحمل في يدها كيسا صغيرا، وهي تقول: "لقد اخترته بنفسي لك، وأرجو أن يعجبك، وتتذكريني فيه بعد رحيلنا الذي قرره والدي بعد أسبوع ".
نعم.. لقد كان أول ثوب صلاة لي، وأجمل ثوب حصلت عليه..
ورحلت تلك الأسرة عن منزلنا..
بالرغم من أنني أصبحت الآن على أبواب الجامعة إلا أنني ما زلت أتذكر أول صلاة صليتها معهن، وأجمل ثوب حصلت عيه حاكته تلك الأيدي الصغيرة التي اعتدت أن أدعو لها بعد كل صلاة، وما زلت إلى الآن أتحسس فيه دفء الصداقة، وأشم فيه رائحة الصدق.


توبة شاب على يد والدته

كان بالمدينة امرأة متعبدة، ولها ولد يلهو، وهو مُلهي أهل المدينة. وكانت تعِظُه، وتقول: يا بني! اذكر مصارع الغافلين قبلك، وعواقب البطالين قبلك، اذكر نزول الموت.
فيقول إذا ألحت عليه:
كفي عن التعذال واللوم *** واستيقظي من سنة النوم
إني وإن تابعت في لذتي *** قلبي وعاصيتك في لومي
أرجو من إفضاله توبة *** تنقلني من قوم إلى قوم
فلم يزل كذلك حتى قدم أبو عامر البناني واعظ أهل الحجاز، ووافق قدومه رمضان، فسأله إخوانه أن يجلس في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأجابهم.
وجلس ليلة الجمعة بعد انقضاء التراويح، واجتمع الناس، وجاء الفتى فجلس مع القوم، فلم يزل أبو عامر يَعِظ وينذر ويبشر، إلى أن ماتت القلوب فرقا، واشتاقت النفوس إلى الجنة، فوقعت الموعظة في قلب الغلام فتغير لونه. ثم نهض إلى أمه، فبكى عندها طويلا، ثم قال:
زَمَمْتُ للتوبة أجمالي ورحت قد طاوعت عذالي
وأبت والتوبة قد فتحت *** من كل عضو لي أقفالي
لما حدا الحادي بقلبي إلى *** طاعة ربي فك أغلالي
أجبته لبيك من موقظ *** نبَّه بالتذكار إغفالي
يا أمَّ هل يقبلني سيِّدي *** على الذي قد كان من حالي؟
واسوأتا إن ردَّني خائبا *** ربي ولم يرض بإقبالي
ثم شمر في العبادة وجد، فقربت إليه أمه ليلة إفطاره، فامتنع وقال: أجد ألم الحمى، فأظن أن الأجل قد أزف. ثم فزع إلى محرابه، ولسانه لا يفتر من الذكر. فبقي أربعة أيام على تلك الحال. ثم استقبل القبلة يوما، وقال: إلهي عصيتك قويا، وأطعتك ضعيفا، وأسخطتك جلدا، وخدمتك نحيفا، فليت شعري هل قبلتني؟ ثم سقط مغشيا عليه، فانشج وجهه. فقامت إليه أمه، فقالت: يا ثمرة فؤادي، وقرة عيني، رد جوابي.
فأفاق فقال: يا أماه! هذا اليوم الذي كنب تحذريني، وهذا الوقت الذي كنت تخوفيني، فيا أسفي على الأيام الخوالي، يا أماه! إني - خائف على نفسي أن يطول في النار حبسي؛ بالله عليك يا أماه، قومي فضعي رجلك على خدّي، حتى أذوق طعم الذل لعله يرحمني، ففعلت، وهو يقول: هذا جزاء من أساء، ثم مات رحمه الله.
قالت أمه: فرأيته في المنام ليلة الجمعة، وكأنه القمر، فقلت: يا ولدي! ما فعل الله بك؟ فقال: خيرا، رفع درجتي.
قلت: فما كنت تقول قبل موتك؟ قال: هتف بي هاتف: أجب الرحمن! فأجبت.
قلت: فما فعل أبو عامر فقال: هيهات! أين نحن من أبي عامر؟
حَلّ أبو عامر في قبة *** وطدها ذو العرش للناس
بين جوار كالدمى خُرَّد *** يسقينه بالكأس والطاس
يقلن بالترخيم خذها فقد *** هنيتها يا واعظ الناس


وأخيرا عاد الدفء لقلبي

لم أكن لأكتب هذه الأسطر عن مرحلة من مراحل حياتي لولا إدراكي لأهميتها وضرورة عرضها لما فيها من العبرة والعظة.
فأنا فتاة شابة أنعم الله على بالهداية، ونور لي بصيرتي بعد العمى والضلال.. فقد كنت تائهة حائرة، شربت من الموارد المختلفة حلوها ومرها فلم أجد ألذ من طعم الهداية والتقى في رحاب كتاب الله تعالى وسنة رسوله المصطفى صلى الله عليه وسلم..
بلغ عمري الآن الثامنة والعشرين.. عشت في أسرة ثرية.. وكان والدي دائم الأسفار ليوفر لنا كل ما نتمنى ونريد.. ولكثرة أسفار والدي تغيرت علي ملامحه..
كانت والدتي تصنع كل شيء في البيت.. وهي التي تدبر شؤوننا في غياب والدي المتكرر.. وكنا نسافر في الإجازة كثيرا حتى أنني أعتقد أنني جئت معظم أقطار العالم.. كنا نسافر مع بعض المعارف، وغالبا ما كانت تذاكر السفر على حسابنا.. كانت والدتي- في ظل غياب والدي- متحررة تارة، ومحتشمة تارة أخرى.. ولم يكن يجرؤ أحد من أخوالي على مفاتحتها في الأمر أو نهيها عن سفورها؛ لأنها كانت تجود عليهم بالمال وتمنحهم ما يحتاجون إليه من النقود.. عشت في هذه الأجواء أنا وأخواتي حتى كبرنا وصرنا نرتدي الحجاب.. لكننا كنا نشعر بعدم الحاجة إليه، ولم نكن على قناعة في ارتدائه.. لذلك كنا إذا ركبنا الطائرة لسفر خارج وطننا نسرع في خلع الحجاب فتخلص منه.. ولم نكن وحدنا الذين نفعل هذا، فقد شاهدنا فتيات كثيرات يفعلن مثلنا في الطائرة.. وهذا جعلنا نشعر بأن الكل يشارك نفس الشعور مما يولد لدينا شعورا بالراحة والرضى.. وما أن تصل الطائرة ونهبط من سلمها حتى يجتاحني شعور ببداية برنامجي المليء بالتسلية واللعب.. مسارح.. رقص.. فنادق.. سباحة.. ملاهي.. وغير ذلك.
وكثيرا ما كنت أتعرف على كثير من أبناء وطني أو من خارجه، ونقضي معا أوقاتا في اللهو والعبث و..
كان والدي قد اشترى لنا هناك شقة.. وكنت أعرف أننا على خطأ جسيم.. ولكنني كنت أعرف عددا من الفتيات من بنات وطني يفعلن !مثلي، فكثيرات هن اللاتي يأتين لممارسة العري والفحش.. كنت "أشعر بالذل لكثير من المشاهد والمواقف المؤسفة.. فعندما عرف أحدهم أنني من بلد.. تعجب وأنكر على ما أفعله، فخجلت من نفسي.. كنت أرى الكثير من الفتيات يبحثن عن صديق يشاركهن السهر والرقص.. وكنت من بين هؤلاء.. وكنت أشعر أن الكثيرين ينظرون إلينا نظرة احتقار لما نحن فيه من إقبال على الشهوات.. كنت أبحث عن والدتي لأبث لها همومي ورغبتي الأكيدة في العودة.. كنت لا أراها في البيت.. وكانت تأتي متأخرة حيث تقضي الليل خارج البيت وتأتي في الصباح.. وكانت تأتي متعبة لا ترغب في الحديث مع أحد.. شعرت بأنني أواجه هموما كالجبال.. وضاقت علي نفسي بسبب إهمال والدتي لي وعدم سماعها لما يخالج نفسي.. عدت مرة أخرى للهو والعبث.. عدت لأنتقم مما أنا فيه.. ذهبت لأحد الملاهي الشعبية في ملابس شبه عارية.. جعلت أرقص وأتلوى يمينا وشمالا لمدة طويلة.. ثم أمسكت (بالميكروفون) وجعلت أغني، وطلبت من الجمهور أن يختاروا أي أغنية لأغنيها لهم.. فوجئوا بهذا الطلب وخاصة بعد أن عرفوا أنني خليجية.. رأيت أحل الشباب يخرج من بين الجمهور ويتجه نحوي.. أقبل على بغضب ولطمني بقوة.. سحبني من خشبة المسرح وعاتبني لما صنعت.. شعرت بأن الدنيا تدور بي، وجعلت الذكريات تطوف بي وتشدني إلى الوراء.. شعرت بأن أخطائي تراكمت حتى أصبحت كالجبال.. كنت نكسة لأمتي ووطني وديني. لامني الشاب وسترني ببعض ما لديه من ملابس وغادرت معه حيثما أوصلني إلى المنزل.. كثيرا ما لامني وأنا في السيارة.. وشعرت بكلماته تنهال على كالصواعق المحرقة.. كانت صدمة اهتزت لها نفسي واستيقظت معها جوارحي وعاد دفء الحياة لقلبي.. شعرت بالندم يجتاح كياني ودخلت منزلي منكسرة ذليلة.. جلست في غرفتي أتأمل هذا الضياع الذي وصلنا إليه.. بكيت كثيرا حرقة وألفا على الذنوب والآثام.. عزمت على التوبة فاغتسلت وتوضأت وصليت.. شعرت ببرد اليقين يتسلل إلى صدري.. علمت أمي بذلك ورأتني في البيت محتشمة فذهلت وسألتني عن الخبر.. جلست أناقشها وأبث لها همومي وجعلت أستعرض معها ما نحن فيه.. بينت لها أننا نسير في الطريق الخطأ.. مرضت أياما وفكرت كثيرا فيما نحن فيه فهداها الله للقرار الصائب.. عدنا للوطن ووصلنا البيت وقد عزمنا على التغيير.. رأى والدي ما !ن فيه فندم على تفريطه.. فكر كثيرا في حقنا الذي ضيعه في التربية والبناء.. ندم على ذلك أشد الندم.. رجع إلى بيته ليصلحه من جديد.. وشاء الله تعالى أن يتقدم لخطبتي شاب صالح زادني الله على يديه هدى وتقى..
كانت فاتحة زواجنا أداء عمرة في رحاب بيت الله.. وشعرت هناك بأني إنسانة جديدة.. وأدركت كم كنت تائهة بعيدة عن الحق.. بكيت كثيرا قرب الكعبة ودعوت الله أن يغفر لنا سالف عملنا وألا يضلنا بعد إذ هدانا إليه..
كانت تجربة مريرة مررنا بها.. ولكن رحمة الله تداركتنا جميعا حيث أصبحت عائلتنا بأكملها تتشبع بنور الإيمان والهدى، وتنهل من كتاب الله تعالى، وتسير على هدي سنة نبينا صلى الله عليه وسلم.. فحمدا لله على هذا.. وحذار يا فتيات وطني أن تقعن فيما وقعت فيه..


مات وهو ساجد يناجي ربه
توبة شاب عن ترك الصلاة

انطلق صوت أحد أولئك الشباب بأذان المغرب، يختلط مع صوت الأمواج الهادئة التي كانت قريبة من "الشاليه " الذي كانوا يفطرون به، وإذا بأحدهم يقدم لصاحبنا تمرة، فقال له: شكرا، ولكني لست بصائم.
قال له صاحبه: ما عليك!، مجرد مشاركة معنا.. أقيمت الصلاة فدخل معهم في الصلاة لأول مرة- منذ أن تركها- قبل فترة طويلة- وبعد الصلاة قام أحد الشباب بإلقاء خاطرة إيمانية دخلت كل كلمة فيها إلى أعماق قلبه، وبعد الإفطار استأذن من صاحبه ليعود إلى البيت، كان يفكر في هذا الجمع الطيب، وتلك الكلمات التي لم يسمع مثلها من قبل، أو ربما سمع مثلها كثيرا، ولكن لأول مرة يسمعها بقلب متفتح، فكان يحاسب نفسه أثناء قيادته سيارته إلى متى أظل على هذا الطريق؟
أما آن الأوان للاستقامة؟ ما المانع من ذلك؟
وصل إلى البيت مبكرا على غير عادته، تعجبت زوجته من قدومه المبكر، وعندما سألته قص عليها ما جرى لي.
وفرحت زوجته، واستبشرت بقدوم أيام الفرح، بعد أن أحال أيامها كلها منذ أن تزوجته حزنا يولد حزنا، بسبب ما يقترف من المعاصي وما يعاملها بها من القسوة.
صحا من النوم الساعة الثانية قبل الفجر بمدة طويلة، توضأ وأخذ يصلي مناجيا ربه، ويستغفر عن الأيام الخالية، يطيل في السجود والقيام حتى أذن الفجر.
استيقظت زوجته، فرأته ساجدا، فرحت كثيرا بهذا التغيير، واقتربت منه منتظرة انتهاءه من الصلاة، ولكنه لم يقم من سجدته، فوضعت يدها عليه مخاطبة: "بو فلان شفيك "؟
ولكنه بدل أن يجيبها سقط على جبنه، لقد وافته المنية وهو ساجد يناجي ربه.


توبة فتاة مستهترة

حياتي كلها كانت مختلطة متبرجة، عشتها كما أردتها لنفسي، وكنت أصرف دخلي الشهري على الملابس الضيقة والقصيرة وأصباغ المكياج التي ألطخ بها وجهي كلما أردت الخروج، ولا أشتري إلا أغلى العطور حتى أن الجميع يشم رائحتي من على بعد مسافة.. وكنت مغرمة بإتباع ما تجلبه الموضة من قصات الشعر وتسريحاته ولا أرضى بديلا..
وكنت أرتاد الرحلات ونقضيها في الغناء المحرم والمزاح والاختلاط وهذا والله- ما يريده أعداء الإسلام بشباب المسلمين، يريدون منهم أن يكونوا كالبهائم العجماوات لا هم لهم إلا البحث عن الشهوات، وأذكر مرة أثناء إحدى الرحلات كنا نغني ونطلق أنواع النكت والأهازيج هما جعل سائق الحافلة يتضجر وينزعج وينظر إلينا بسخرية..
وسألنا هل تجيدون جميع الأغاني، فأجبنا بثقة. نعم، ماذا تريد أن نغني لك؟ فلم يجب؟ ثم قال: هل تعرفون كل شيء؟-.. قلنا: نعم نعرف كل شيء..
فقال: كم عدد أولاد النبي !؟
فتلعثمنا جميعا ولم يستطع أحط منا الإجابة لجهلنا بها..
لقد كنت أسخر واستهزئ بالملتزمات والمحجبات ولملابسهن المحتشمة ثم التحقت بالعمل، فإذا بإحدى زميلاتي الملتزمات تأمرني بالحجاب الشرعي فكنت أسخر منها ولا أطيق كلامها ولا الجلوس معها، ولكنها لم تيأس من نصحي وتذكيري وإهدائي بعض الأشرطة والكتيبات النافعة حتى بدأت أميل لكلامها بعض الشيء..
ورزقني الله بزوج صالح، أخذ يرغبني في الله ويأمرني بالصلاة، فتأثرت بكلامه.. واستطاع بأسلوبه الطيب أن يجذبني إلى طريق الإيمان ويحببه إلى.. وإن كنت لم ألتزم التزاما كاملا.. إلى أن هز مشاعري غرق إحدى البواخر ومات من مات، ونجا من نجا.. فاستيقظت من غفلتي، وسألت نفسي سؤالا صريحا.. إلى متى الغفلة؟.. إلى متى أظل أسيرة الهوى والشيطان والنفس الأمارة بالسوء.. ودارت في مخيلتي أسئلة كثيرة.
وبعد لحظات من التفكير ومحاسبة النفس نهضت مسرعة إلى تلك الأخت الفاضلة التي كنت أكره الجلوس معها وبحوزتي جميع الأشرطة الغنائية التافهة، فأعطيتها إياها للتسجيل عليها محاضرات وندوات دينية، وأعلنت توبتي وعاهدت ربي أن يكون هدفي هو إرضاء الله، وحمدت الله على هدايتي قبل حلول أجلي.


توبة شاب مستهتر

يظل هذا الإنسان على مفترق طرق كفها في النهاية تعود إلى طريقين لا ثالث لهما: طريق الأخيار، وطريق الأشرار.. هذا الإنسان وإن عاش طويلا فإن الأعمار لمح بصر.
فرق بين شاب نشأ في طاعة الله، وشاب نشأ على المسلسلات والأفلام.. بين شاب إن حضر في مجلس أنصت إليه الناس لكي يسمعوا منه كلمة من قال الله وقال رسوله صلى الله عليه وسلم، وشاب إن حضر أو لم يحضر فزملاؤه قائمون على الاستهزاء به، والضحك منه.
كنت في الصف الثاني الثانوي، فبدأت حياتي تتغير إلى الأسوأ، وتنقلب رأسا على عقب.. بدأت لا أصفي، ولا أشهد الجماعة في المسجد.. أخذت حياتي تتغير حتى في مظهري الخارجي.. تلك قصة شعر فرنسية، وأخرى إيطالية.. وملابسي لم تعد ثوبا وغترة، بل أصبحت لباسا غربيا فاضحا.. وجهي أصبح كالحا مكفهرا.. وفارقت الابتسامة شفتاي.
مرت سنة وسنتان وأنا على تلك الحال، حتى جاء اليوم الموعود..
كنت جالسا مع "شلة" لا هم لهم إلا الدندنة والعزف على العود، ودق الطبول إلى آخر الليل.. شفة فاسدة لا تعرف معروفا ولا تنكر منكرا، بل تحث على المنكر، وتأمر به.
وبينما نحن في لهونا وغفلتنا، إذ أقبل علينا ثلاثة نفر من الشباب الصالح.. كنت وقتها أكره الملتزمين كرها شديدا لا يتصوره أحد.. أقبل أولئك النفر، فسلموا علينا، وجلسوا بيننا بعد أن رحبنا بهم مجاملة.. كنا عشرة، وكنت أنا أشد هؤلاء العشرة في الرد على أولئك الأخيار وتسفيههم كلما تكلموا، كنت أقول لهم: أنتم لا تعرفون أساليب الدعوة، ولا كيف تدعون.. الخ.
دار النقاش بيننا وبينهم لمدة ساعة كاملة كنا خلالها نستهزئ بهم، وكانوا يقابلون ذلك بالابتسامة والكلام الطيب.. ولفا حان وقت الانصراف صافحني أحدهم وقال لي: إن لك شأنا عظيما.
مر أسبوع على هذه الحادثة وحالتي لم تتغير.. من معصية إلى أخرى، وفي ليلة من الليالي عدت إلى المنزل بعد منتصف الليل، بعد سهرة مع تلك الشفة الفاسدة.. كنت متعبا، فألقيت بنفسي على الفراش، ورحت أغط في سبات عميق، فرأيت فيما يرى النائم أنني أمام حفرة سوداء مظلمة قد ملئت قارا أو أسفلتا محرفا، فتخطيتها، فإذا أمامي حفرة بيضاء لم أر مثلها قط، فسجدت لله شكرا حيث نجاني من تلك الحفرة السوداء المظلمة، فقمت من نومي فزعا، فإذا بشريط حياتي الأسود يمر أمامي.. لا أدري ما الذي أصابني.. قلت في نفسي: لو أني مت في تلك اللحظة هل تشفع لي حسناتي في دخول الجنة؟.. هل تنفعني تلك الشفة الفاسدة التي لا هم لها إلا السهر إلى آخر الليل، والتفكه بأكل لحوم البشر.. فعاهدت الله على الالتزام بمنهج الله ومنهج رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم، وعلى تطليق تلك الشلة الفاسدة، ومن ترك شيئاً لله، عوضه الله خيرا منه.


توبة فتاة أعرضت عن الإسلام بالكلية

الدموع لغة الكل يفهمها، وهي أصدق تعبير عن المشاعر، ولكن الذي يلفت النظر حينما تمتزج دموع الفرحة بالنجاة بدموع الحزن والحسرة على أيام لن تعود، ووقت ضاع في لهو بعيد عن الله، فالدين الإسلامي هو قوام الحياة، وهو الذي خلص البشرية من عنائها الطويل وهمها الأبدي، حررها من قيود العبودية والذل إلى عبادة رب العالمين، فأصبحنا مسلمين بالفطرة منذ ولادتنا.
ولكن هذه الحكاية تتسم بالغرابة في طريقتها ومضمونها، فهل فكرنا أنه سوف يجيء من أولادنا من يكفر بملتنا ويخرج من ديننا؟ هل دار بخلدك أيها الأب أنك قد تمسي أو تصبح فتجد أحد أبنائك وقد أصبح كافرا مرتدا عن الدين؟ إنه أمر شديد الخطورة شديد الألم. رأيتها وهي تدخل مصلى المدرسة دخول الخائفين، ظهر عليها التوتر وكأني بها لأول مرة تستمع للقرآن الكريم، تكلمت المحاضرة في المصلى فأجهشت بالبكاء، واستغربت المعلمة هذا الوضع فأرادت أن تعرف أصل الحكاية، فكان السؤال: ما لي أراك قلقة ومتوترة وتبدو عليك علامات الحزن الشديد؟ فأجابت: أتعرفين بأنني الآن يا معلمتي والآن فقط أسلمت ودخلت الدين الإسلامي!
سادت الدهشة المكان وبان عدم التصديق على محيا المعلمة، فخرجت ابتسامة باهتة باردة كبرودة الجو الذي تقفان فيه، ثم قالت المعلمة، قولي: الآن اهتديت وقررت ترك المعصية والعودة إلى الله، ولا تقولي أسلمت، فكلنا مسلمون يا صغيرتي، وأنت ابنة عائلة معروفة ولا ينبغي لك أن تتفوهي بهذا الكلام. فقالت: أعرف أنك قد لا تصدقينني لعظم ما أقوله ولكنها الحقيقة. قالت: كيف؟ فردت: حينما ترك أمر تربيتنا للخدم والمربيات والسائقين، وعندما كانت فطرتنا سليمة لم تزرع فينا الأم بذور الإيمان، وعندما كان للثراء دور وللإهمال أثر في حياتنا؛ انحرفت عقيدتنا، فالأم مشغولة بكل شيء إلا بنا. اعتقدت أن الخادمة والمربية والسائق والمدرسة يغنون عن وجودها، فتربيت دون أسمح كلمة حق ولم أوجه أي توجيه! وكما تعرفين، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه " الحديث. [متفق عليه].
وقد تحقق هذا الحديث، فأنا ولدت على الفطرة، ولكن أخذت المربية تعلمني دينها وتبعدني عن الدين الإسلامي، وأخذت المدرسة الأجنبية تغرس في نفسي الولاء والحب للغرب، وتثير في الأحقاد على الإسلام، وأنه دين التخلف، وتشوه الدين في نظري وباستمرار.
سألتها المعلمة: ولماذا لم تستفسري أو تشكي في صحة ما تقول؟ فأجابت: لقد كنت صغيرة وليس لدى أمي استعداد للإجابة عن أسئلتي! وكنت أتساءل فلم أجد من يجيبني فصدقتها ووثقت بهما.
وتواصل المسكينة: لقد كبرت وأنا أعيش في غفلة من الأم وإهمال من الأب وعدم رقابة من الأهل، سنوات طويلة مرت لم تأمرني أمي فيها بالصلاة، ولم توقظني لصلاة الفجر، هل تصدقين أنها لا تعرف هل أصوم رمضان أم لا؟ للفجوة الكبيرة التي بيننا؟ لقد كانت غفلة استمرت طويلا.. خسرت سنوات عمر عظيمة، وفي المدرسة الثانوية أخذت الطالبات يلاحظن علي بعض التصرفات، وتشك! الزميلات في أمري، فأنا لا أؤدي الصلاة معهن، ولا أستمع للمحاضرات، ولا أقرأ النشرات، ولا أذهب للمصلى!!
فما كان من زميلاتي إلا أن قمن بنقل هذا الأمر لإحدى المعلمات الداعيات التي أحست بأمانة التعليم وعظم شأن الدعوة إلى الله، فتحرت عني حتى عرفت مشكلتي وأبعادها وبعدي العظيم عن الله، وعتمة الضلالة التي أعيش بها، فأخذتي باللين وتوضيح الأمور وظلت تسير معي خطوة بخطوة حتى وصلت إلى بر الأمان، أخذتني للمحاضرات داخل المدرسة وخارجها، فيسر الله أمري وشرح صدري، وأعلنتها توبة صادقة وعودة إلى الله تعالى على يد هذه المربية الفاضلة.. وبقيت الآن يا معلمتي أذرف دموع الخدم والحسرة على ما مضى من عمري في الضياع.
وتقول: لم أسجد لله طوال هذه السنوات الماضية، وأنا الآن عمري 71 سنة، ضاع عمري وذهب شبابي وأنا بعيدة عن الله، انجرفت وراء اعتقادات واهمة وأفكار منحلة، ولم تعلم أمي عن إسلامي؛ لأنها لا تعرف أصلا بأني خرجت منه حتى أعود إليه!


توبة الفضيل بن عياض

كان الفضيل تقطع الطريق وحده. فخرج ذات ليلة ليقطع الطريق، فإذا هو بقافلة قد انتهت إليه ليلا، فقال بعضهم لبعض: اعدلوا بنا إلى هذه القرية فإن أمامنا رجلا يقطع الطريق، يقال له: الفضيل.
قال: فسمع الفضيل، فأرعد، فقال: يا قوم! أنا الفضيل، جوزوا، والله لأجتهدن أن لا أعصي الله أبدا، فرجع عما كان عليه. وروي من طريق أخرى أنه أضافهم تلك الليلة؟ وقال: أنتم آمنون من الفُضيل. وخرج يرتاد لهم علفا؛ ثم رجع فسمع قارئا يقرأ: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ} [الحديد: 16].
قال: بلى والله قد آن. فكان هذا مبتدأ توبته.
وذكر الحافظ ابن حجر سببا آخر للتوبة، فقال: قال الفضل بن موسى: كان الفضيل بن عياض شاطرا يقطع الطريق بين أبيورد وسرخس، وكان سبب توبته أنه عشق جارية، فبينما هو يرتقي الجدران إليها إذ سمع تاليا يتلو: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ} فلما سمع قال: بلى يا رب قد آن، فرجع، فآواه الليل إلى خربة، فإذا فيها قافلة، فقال بعضهم: نرتحل، وقال بعضهم: حتى نصبح، فإن فضيلا على الطريق يقطع علينا، قال: ففكرت، قلت: أنا أسعى بالنيل في المعاصي، وقوم من المسلمين يخافونني ههنا، وما أرى الله ساقني إليهم إلا لأرتدع؟ اللهم إني قد تبت إليك، وجعلت توبتي مجاورة البيت الحرام.
وقال إبراهيم بن الأشعث: سمعت فضيلاً ليلة وهو يقرأ سورة محمد صلى الله عليه وسلم، ويبكي ويردد هذه الآية {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ} [محمد:31].
وجعل يقول: ونبلوا أخباركم، ويردد ويقول: وتبلوا أخبارنا،إن بلوت أخبارنا فضحتنا، وهتكت أستارنا، إن بلوت أخبارنا أهلكتنا وعذبتنا.
وسمعته يقول: تزينت للناس وتصنعت لهم وتهيأت لهم، ولم تزل ترائي حتى عرفوك، فقالوا: رجل صالح، فقضوا لك الحوائج، ووسعوا لك في المجلس، وعظموك، خيبة لك، ما أسوأ حالك إن كان هذا شأنك. وسمعته يقول: إن قدرت أن لا تعرف فافعل؛ وما عليك أن لا تُعرف، وما عليك إن لم يُثن عليك، وما عليك أن تكون مذموما عند الناس إذا كنت عند الله محمودا.


توبة فتاة في رمضان

أنا شابة عمري الآن 22 سنة، لقد كنت في السابق بنتا تعرف الله من حيث الصلاة وصلة الرحم وكيفية التعامل مع الناس بالطريقة المثلى، لكن اسمحوا لي بأن أكون صريحة معكم، لقد كنت أعرف طريق المعاكسات منذ أن كان عمري 15 سنة: "نعم أعرف أنه شيء محزن ومخزي للغاية، وبعدها استمرت حالتي من شاب إلى آخر ومن فتى إلى فتى، وهم يلعبون بي كالدمية في أيديهم، لكن الشرف الجسدي موجود، أما بالنسبة للشرف النفسي، للأسف كان ملطخا باليا.
واستمرت حالتي هذه إلي أن صار عمري 20 سنة، في ذلك اليوم الذي اعتزمت فيه أن لا أكلم الشباب مرة أخرى، لأني عرفت أن غرضهم التسلية فقط، لا الزواج.
فقلت لنفسي من اليوم لا للمعاكسات.
وفي يوم من الأيام كنت خارجة مع صديقتي "علما بأني كنت فتاة غير محجبة"، وهذه صديقتي أيضا غير محجبة، المهم وأنا مع صديقتي بالسيارة قلت لها هل سمعت الأغنية الفلانية إنها رائعة، فقالت لي: أنا لا أسمع الأغاني.
فقلت لها: لماذا؟ فقالت: إن الأغاني حرام، وكنت أعرف أنها حرام فسكت.
رجعت إلى البيت فقمت بإبعاد جميع أشرطة الأغاني،، وقلت لنفسي أنا أعلم أنها حرام إذا لماذا أسمعها، وصديقتي ليست أحسن مني فقلت: بما أنها حرام فلا للأغاني من اليوم وصاعدا وأشكرها الآن؛ لأنها أرشدتني لهذا الشيء.
وبعدها خففت الخروج وصرت لا أخرج من البيت إلا للضرورة، وهكذا استمرت حالتي إلى أن جاء رمضان، وعندما أتى رمضان سبحان ربي أحسست بفرحة غير طبيعية؛ لأن ربي امتن علي بالعيش إلى أن أحضر رمضان.
وفي أيام رمضان الأولى كنت أحس بضيق غير طبيعي ولا أعرف سبب هذا الحزن أو الضيق وكنت أذهب لصلاة التراويح وكنت أبكي في الصلاة وتقول صديقتي: ما بك؟ أقول لها: لا أعرف سبب حزني وضيق صدري.
وظلت حالتي هذه طوال الأسبوعين الأولين لرمضان.
وفي يوم من أيام رمضان كانت ليلة ممطرة وكان صلاة التراويح، وكنا نصلي بالخارج أي خارج المسجد وكان المطر ينزل ونحن نصلي، وفي صلاة الوتر إذا الإمام يدعو بدعاء هز كياني واقشعر منه شعر جسدي، وعندما انتهت الصلاة التفت على صديقتي وقلت لها سوف أتحجب..
وكان هذا القرار نهائيا، وقالت لي صديقتي أيضا أنها سوف تتحجب معي.
وبعدها ولله الحمد أقلعت عن جميع الذنوب والمعاصي التي كنت أعملها بالسابق، والتحقت بالدروس الدينية والندوات، لكي يكون الدين والإيمان يجري في عروقي جري الدم.
وهذه كانت قصة توبتي.
أتمنى منكم... الدعاء لي بالثبات.
وآخر دعائي اللهم يا مثبت القلوب ثبت قلبي على دينك، اللهم يا مصرف القلوب صرف قلبي على طاعتك.


توبة امرأة عن التعرض للرجال وفتنتهم

كانت امرأة جميلة.. يفتن بها كل من رآها.. إلا من عصم الله تعالى.. نظرت يوما إلى وجهها في المرآة وقالت لزوجها: أترى أحدا يرى هذا الوجه ولا يفتن؟!.. كان عليه أن ينصحها.. ويأمرها بالتقوى والعفاف.. وينهاها عن المعاصي والغرور.. ولكنه كان رجلا لا غيرة له.. فلما سألته هذا السؤال قال: نعم.. هناك من ينظر إلى هذا الوجه الجميل .. والثغر الباسم.. والجسد الناعم ولا يفتن به.. قالت: من يكون؟ قال: عبيد بن عمير.. ذلك الشيخ التقي النقي.. فجن جنونها.. وتعجبت.. وكانت جريئة.. فقالت لزوجها: ائذن لي فلأفتننه.. سوف أجعله كغيره من الرجال.. ينسى عبادته.. ويلهث وراء الجمال والحسن والدلال.. هكذا أنتم جميعا يا معشر الرجال.. فقال زوجها: أذنت لك!!.. كيف يأذن لها أن تتكشف لرجل أجنبي؟! كيف يأذن لها أن تتكسر وتتغنج وتتمايل لتفتن عبدا من عباد الله وإماما من أئمة الهدى والصلاح.. ذهبت المرأة إلى عبيد بن عمير.. وكان في المسجد الحرام.. فأتته كالمستفتية.. فوقف معها في ناحية المسجد.. فنزعت الغطاء عن وجهها.. فأسفرت عن وجه مثل فلقة القمر.. فهل تأثر عبيد بن عمير؟.. قال لها: يا أمة الله استتري.. قالت: إني قد فتنت بك.. وليتأمل كل منا نفسه في هذا الموقف.. ماذا سيكون تصرفه حينما تأتي امرأة من أجمل النساء.. وتسفر له عن وجهها.. وتبذل نفسها له.. وتقول له: إني قد فتنت بك..
قال لها عبيد بن عمير: إني سائلك عن شيء.. إن أنت صدقتني نظرت في أمرك.. قالت: لا تسألني عن شيء إلا صدقتك.. قال: أخبريني.. لو أن ملك الموت أتاني ليقبض روحك.. أكان يسرك أن أقضي لك هذه الحاجة وأتابعك على ما تريدين؟
قالت: اللهم لا.. قال: صدقت..
قال: فلو دخلت قبرك.. وأجلست للمساءلة.. أكان يسرك أني تابعتك على ما أردتِ؟
قالت: اللهم لا. قال: صدقت.
قال: فلو أن الناس أعطوا كتبهم.. ولا تدرين أتأخذين كتابك بيمينك أم بشمالك.. أكان يسرك أني تابعتك؟
قالت: اللهم لا. قال: صدقت.
قال: فلو أردتِ الممر على الصراط.. ولا تدرين هل تنجين أو لا تنجين.. أكان يسرك أني تابعتك؟
قالت: اللهم لا. قال: صدقت.
ثم قال لها: اتقي الله.. قد أنعم الله عليك.. وأحسن إليك.. ثم تركها وذهب..
رجعت المرأة إلى نفسها.. ولامست كلمات عبيد بن عمير شغاف قلبها.. فندمت على ما فعلت.. ورجعت إلى بيتها!ا!!ة دائبة باكية.. فلما رآها زوجها قال لها: ما صنعت؟ قالت له: أنت بطال.. ونحن بطالون.. ثم أقبلت على الصلاة والصوم والعبادة.
تفنى اللذاذة ممن نال صفوتها *** من الحرام ويبقى الإثم والعار
تبقى عواقب سوء في مغبتها *** لا خير في لذة من بعدها النار


من مفتش رياضي إلى دكتوراه في الشريعة
توبة الشيخ سعيد بن مسفر

من منا لا يعرف شيخنا "سعيد بن مسفر" حفظه الله؟! صاحب المحاضرات الرائعة، والأسلوب المؤثر البليغ.. لطالما وقف أمام الجماهير الغفيرة داعيا إلى الله تعالى.. ولعلو همته فقد التحق بكلية الشريعة على الرغم من تقدمه في السن واستقراره في الوظيفة، بل لقد شق طريقه هذا نائلا بعده شهادة الماجستير.. فالدكتوراه.. قارنا علمه بالعمل والدعوة.
ولعلك تعلم- أخي القارئ- كما أعلم أن الشيخ سعيد كان مفتشا رياضيا في يوم من الأيام. ولكنه لم يكن كما ينبغي أن يكون عليه المفتش الرياضي المسلم من الالتزام بالإسلام. فما الذي غيره؟! حسنا.. فلقد تساءل الناس كما تساءلنا..
ففي لقاء مبارك ميمون معه- حفظه الله ورعاه- طلب منه بعض الحاضرين أن يتحدث عن بداية هدايته، فقال:
حقيقة.. لكل هداية بداية.. ثم قال: بفطرتي كنت أؤمن بالله، وحينما كنت في سن الصغر أمارس العبادات كان ينتابني شيء من الضعف والتسويف على أمل أن أكبر وأن أبلغ مبلغ الرجال، فكنت أتساهل في فترات معينة بالصلاة، فإذا حضرت جنازة أو مقبرة، أو سمعت موعظة في مسجد ازدادت عندي نسبة الإيمان؛ فأحافظ على الصلاة فترة معينة مع السنن، ثم بعد أسبوع أو أسبوعين أترك السنن.. وبعد أسبوعين أترك الفريضة، حتى تأتي مناسبة أخرى تدفعني إلى أن أصلي.
وبعد أن بلغت مبلغ الرجال وسن الحلم لم أستفد من ذلك المبلغ شيئا، وإنما بقيت على وضعي في التمرد وعدم المحافظة على الصلاة بدقة؛ لأن من شب على شيء شاب عليه.
وتزوجت.. فكنت أصلي أحيانا وأترك أحيانا على الرغم من إيماني الفطري بالله.
حتى شاء الله تبارك وتعالى في مناسبة من المناسبات كنت فيها مع أخ لي في الله وهو الشيخ "سليمان بن محمد بن فايع " بارك الله فيه، وهذا كان في سنة 1387 هـ- نزلت من مكتبي- وأنا مفتش في التربية الرياضية- وكنت ألبس الزي الرياضي، والتقيت به على باب إدارة التعليم وهو نازل من قسم الشؤون المالية، فحييته لأنه كان زميل الدراسة، وبعد التحية أردت أن أودعه، فقال لي: إلى أين؟- وكان هذا في رمضان- فقلت له: إلى البيت لأنام.
وكنت في العادة أخرج من العمل، ثم أنام إلى المغرب، ولا أصلي العصر إلا إذا استيقظت قبل المغرب وأنا صائم.
فقال لي: لم يبق على صلاة العصر إلا قليلا، فما رأيك لو نتمشى قليلاً؟.
فوافقته على ذلك.. ومشينا على أقدامنا، وصعدنا إلى السد (سد وادي أبها)- ولم يكن آنذاك سدا- وكان هناك غدير وأشجار ورياحين طيبة، فجلسنا هناك حتى دخل وقت صلاة العصر وتوضأنا وصلينا ثم رجعنا، وفي الطريق ونحن عائدون.. ويده بيدي قرأ على حديثا كأنما أسمعه لأول مرة- وأنا قد سمعته من قبل لأنه حديث مشهور-.. لكن حينما كان يقرأه كان قلبي ينفتح له حتى كأني أسمعه لأول مرة.
هذا الحديث هو حديث البراء بن عازب رضي الله عنه، الذي رواه أحمد في مسنده وأبو داود في سننه، قال البراء رضي الله عنه: خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في جنازة رجل من الأنصار، فانتهينا إلى القبر ولما يلحد، فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم وجلسنا حوله وكأن على رؤوسنا الطير، وفي يده عود ينكت في الأرض، فرفع رأسه فقال: "استعيذوا بالله من عذاب القبر" قالها مرتين أو ثلاثا- ثم قال: "إن العبد المؤمن إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال من الآخرة نزل إليه ملائكة من السماء بيض الوجوه.. " الحديث، فذكر الحديث بطوله من أوله إلى آخره، وانتهى من الحديث حينما دخلنا أبها، وهناك سنفترق حيث سيذهب كل واحد منا إلى بيته.
فقلت له: يا أخي، من أين أتيت بهذا الحديث؟ قال: هذا الحديث في كتاب رياض الصاحين. فقلت له: وأنت أي كتاب تقرأ؟. قال: أقرأ كتاب الكبائر للذهبي.
فودعته.. وذهبت مباشرة إلى المكتبة- ولم يكن في أبها آنذاك إلا مكتبة واحدة وهي مكتبة التوفيق- فاشتريت كتاب الكبائر وكتاب رياض الصالحين، وهذان الكتابان أول كتابين اقتنيتهما.
وفي الطريق وأنا متوجه إلى البيت قلت لنفسي: أنا الآن على مفترق الطرف وأمامي الآن طريقان:
الطريق الأول: طريق الإيمان الموصل إلى الجنة.
والطريق الثاني: طريق الكفر والنفاق والمعاصي الموصل إلى النار.
وأنا الآن أقف بينهما، فأي الطريقين أختار؟ العقل يأمرني بإتباع الطريق الأول. والنفس الأمارة بالسوء تأمرني بإتباع الطريق- الثاني. وتمنيني وتقول لي: ما زلت في ريعان الشباب، وباب التوبة مفتوح إلى يوم القيامة، فبإمكانك التوبة فيما بعد. هذه الأفكار والوساوس كانت تدور في ذهني وأنا في طريقي إلى البيت.
وصلت إلى البيت وأفطرت، وبعد صلاة المغرب صليت العشاء تلك الليلة وصلاة التراويح، ولم أذكر أني صليت التراويح كاملة إلا تلك الليلة.. وكنت قبلها أصلي ركعتين فقط ثم أنصرف، وأحيانا إذا رأيت أبي أصلي أربعا ثم أنصرف.. أما في تلك الليلة فقد صليت التراويح كاملة.
وانصرفت من الصلاة وتوجهت بعدها إلى الشيخ سليمان في بيته، فوجدته خارجا من المسجد، فذهبت معه إلى البيت، وقرأنا في تلك الليلة- في أول كتاب الكبائر- أربع كبائر: الكبيرة الأولى: الشرك بالله، والكبيرة الثانية: السحر، والكبيرة الثالثة: قتل النفس، والكبيرة الرابعة: كبيرة ترك الصلاة.
وانتهينا من القراءة قبل وقت السحور، فقلت لصاحبي: أين نحن من هذا الكلام؟
فقال: هذا موجود في كتب أهل العلم ونحن غافلون عنه.
فقلت: والناس أيضا في غفلة عنه، فلابد أن نقرأ عليهم هذا الكلام.
قال: ومن يقرأ؟ قلت له: أنت، قال: بل أنت.. واختلفنا من يقرأ، وأخيرا استقر الرأي علي أن أقر أنا.
فأتينا بدفتر وسجلنا فيه الكبيرة الرابعة: كبيرة ترك الصلاة. وفي الأسبوع نفسه، وفي يوم الجمعة وقفت في مسجد الخشع الأعلى الذي بجوار مركز الدعوة بأبها- ولم يكن في أبها غير هذا الجامع إلا الجامع الكبير- فوقفت فيه بعد صلاة الجمعة وقرأت على الناس هذه الموعظة المؤثرة التي كانت سببا- ولله الحمد- في هدايتي واستقامتي، وأسأل الله أن يثبتنا وإياكم على دينه إنه سميع مجيب.


توبة شاب مدمن

ولد عبد العزيز في مجتمع مسلم واكتحلت عيناه بنور الإسلام، ترعرع في بيت من بيوت المسلمين تسوده الألفة والمحبة.
انخرط في السلك الدراسي حتى تخرج في الجامعة والتحق بعدها بوظيفة محترمة ذات دخل جيد، وكان وقتها محل تقدير واحترام من الجميع.
عرض عليه ذات يوم السفر للفسحة والاستجمام، وشحن ذهنه وعقله بفوائد السفر والراحة والسعادة.. أخذ إجازة من عمله مدتها خمسة عشر يوما.
وما أن وضع رجله في تلك البلاد التي سافر إليها واستقر في أحد فنادقها حتى أتاه أحد شياطين الإنس قائلا له: إنك الآن متعب من عناء السفر.. إن الإجهاد والإرهاق واضح على محياك.. فقط كأس من هذا المشروب ينسيك جميع أتعابك وإجهادك.. سوف تمر بعدها بسعادة لم تمر عليك في حياتك قط.
ولما لهذا الكلام المعسول من تأثير.. ولحب الاستطلاع قال عبد العزيز هات الكأس.. احتسى عبد العزيز هذا الكأس.. وبعدها تبعه كؤوس.. وكؤوس.
نعم لقد تأثر أبلغ الأثر من هذا الكأس لقد ترك الصلاة وكان هو الإنسان المحافظ عليها.. وغفل عن ذكر الله.. ليته استفاد من ذلك الدرس.. وذلك الصداع والغثيان والقيء الذي باشره بعد أن استيقظ في منتصف النهار.. لقد كان الصداع يفجر رأسه.. وأصبح يلعن الخمرة ومن أحضرها.
لكن ذلك الشيطان. الذي استهواه بالأمس أتى ليهون عليه الأمر قائلا له لابد أن هذا الشراب لم يناسبك.. أجاب عبد العزيز: نعم إن رأسي يكاد ينفجر من شدة الألم والصداع.. فرد عليه.. هون عليه، هذه حبوب (السكنال) فيها الشفاء التام مما تجد.. لكنها ممنوعة لأنها!! ولأنها!! ما عليك إلا أن تدفع وأنا خادمك.. اطلب تجد.. اشتراها المسكين بعرق جبينه ولم يعلم ما سوف تجر عليه من المتاعب والمآسي والآلام.. والذل.. والعار.
لقد تعاطى عبد العزيز هذه السموم التي جلبت له الهم والشقاء.. وبعد فترة أحس أنه لا يستطيع أن يتخلى عنها مهما كلفه ذلك.. لقد قارب ذلك المبلغ الكبير الذي يملكه والذي جمعه في سنين.. قارب على الانتهاء في أيام قليلة.. الإجازة التي أخذها قد انتهت وقضى عليها بضعة عشر يوما.. ومع ذلك فهو يقابل كل هذه الأمور بلا مبالاة ولا إحساس. لقد أتاه ذلك الرجل (البياع) ذات يوم وقد طلب منه عبد العزيز كمية من المخدر مهما كان المبلغ المطلوب شريطة أدن ينتظر حتى تأتي الحوالة التي طلبها عبد العزيز من أهله.. ولكن ذلك المجرم كشر عن أنيابه.. قائلا له.. هل أنت مجنون.. تريد أن أعطيك بلا ثمن.. ونظر إلى عبد العزيز وكان في يده ساعة ثمينة فأخذها منه بنصف قيمتها مقابل كمية من المخدر وبينما هو على هذه الحالة في تلك البلاد إذا ببرقية من أهله تخبره بأنه قد فصل من العمل بسبب غيابه.
أفاق عبد العزيز من هول الصدمة.. التي كانت كالصاعقة عليه وأسرع بالرجوع إلى بلده وهو يجر أذيال الفقر والذل والضياع.
عاد إلى أهله وكادوا أن لا يعرفوه.. لقد غابت الابتسامة عن وجهه وتبدلت إلى هزال وشقاء واكتئاب.. بعدها انطوى عبد العزيز على نفسه.. ولم يعد ذلك الشاب الاجتماعي الذي يحب المرح؛ بل لقد ترك الصلاة منذ حين.
سياط النصائح تلهبه ولكن تأثير المخدرات أنهك جسده وحطم عقله.. وأمست هي كل شيء بالنسبة إليه. لقد أصبحت حياته جحيما لا يطاق ولم يعلم الكثير ممن حوله ماذا أصابه.. أحس بأنه عبء ثقيل على أهله.
عزم على أن يبحث عن عمل يسترزق منه.. فاستدان مبلغا من المال ورحل إلى مدينة أخرى ليغيب عن أنظار من يعرفه.. ومن يرثى لحاله ويترحم عليه.. وليغيب عمن يشمت به.. ويسخر منه.
سافر إلى مدينة أخرى من مدن بلده عله يصلح من حاله ولكنه لم يستطع أن يتغلب على تأثير المخدر في جسده وفي هذه المدينة التقى بمن قاده مرة أخرى إلى هذه السموم.. بينما هو على هذه الحال إذا به في أحد الأيام وقد تناول ما أفقده صوابه ولم يفق إلا وهو بين جدران أربعة.. قد. قبض عليه رجال مكافحة المخدرات.. بعدها اعتصره الألم وتخلى عنه القريب قبل البعيد.. وأصبح يجرجر الآلام والأحزان والقلق والحيرة والندم.. وكأنه يصارع سكرات الموت وشدته.. أحس بالاختناق وانفجر في أعماقه بركان هائل من الألم والأسى.. حكم عليه بالسجن لمدة سنتين.. كان كل يوم منها سنة كاملة.
وفي أحد الأيام التعيسة على عبد العزيز داخل أسوار الوحدة والغربة دخل أحد المرشدين إلى الجناح الذي يقضي فيه عبد العزيز مدة حكمه فأخذ يذكر النزلاء بالله تعالى وبضرورة التوبة والرجوع إلى الله وأن الله تعالى قد فتح بابه للتائبين في جميع الأوقات.. وأن السعادة والراحة والطمأنينة في الرجوع إلى الله.. وفي أثناء هذا الكلام كان عبد العزيز أذنا صاغية لكل ما يقال وبدأت تنفتح أسارير وجهه بعدها أخذ المرشد يتلو شيئا من سورة الفرقان { تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجاً.......}إلى آخر السورة ثم أخذ يوضح شيئا من تفسيرها. ففتح الله قلب عبد العزيز لهذه الكلمات وقام بعدها وهو يقول: الحمد لله الذي أبقاني على قيد الحياة حتى أتوب.. بعد ذلك تطهر ولبس ثيابا طاهرة وشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ودعا للمرشد بخير.. وحافظ بعدها على الصلوات الخمس مع الجماعة في أوقاتها في السجن.. وتحسنت حاله..
يقول عبد العزيز: لقد فكرت فيما بعد بالموت فأشفقت من النهاية وخفت من سوء المصير فلجأت إلى الله أطرق أبوابه في ذل وندم أطلب منه الصفح والعفو والغفران.. أسأله التوبة النصوح.. أغسل الذنوب بالدموع.. أبحث عن هدوء النفس وراحة الضمير لهذا لجأت إلى الله.
لقد التحق عبد العزيز بدروس حفظ القرآن الكريم في السجن واستطاع أن يحفظ أحد عشر جزءا في سنة. نسأل الله له الثبات.
يقول عبد العزيز: إنني أشعر بالسعادة والطمأنينة وراحة الضمير بعد رجوعي إلى الله رغم أني في السجن.. لقد أيقنت أن الحياة جحيم لا يطاق بدون منهج الله مهما ملك الإنسان من منصب وجاه ومال وسلطان. إن الحياة السعيدة هي التي تكون على منهج الله ولو كانت في السجن ولو كانت خلف القضبان.
إني أحذر من الوقوع فيما حرم الله وخصوصا تعاطي المخدرات.. فكم من الويلات فيها.
أنصح كل صاحب معصية أو مصيبة أو مشكلة بالرجوع إلى الله، كما أنصح بمصاحبة أهل الخير والجلوس معهم والابتعاد عن أهل السوء والفسق والمعاصي.
أسأل الله التوفيق والسداد وصلى الله على نبينا محمد .


توبة فتاة عن العقوق والعصيان

كان الشيطان يزين لي سوء عملي.. حبَّبَ إليَّ المعاصي.. جعلي أعشق الغناء ولا شيء سواه.. زين لي العقوق والعصيان..
لقد أصبح في أذني حاجز منيع من سماع النصائح، وعلى قلبي قفل محكم الغلق فلا أتدبر ولا أتفكر في آيات الله وخلقه..
ونفخ الشيطان في رأسي، فأصبح غروري وكبريائي يمنحاني من الاختلاط مع الأخريات إلا بمن على شاكلتي من شياطين الإنس، تركت الدراسة لعامين متتاليين بعد أن أخفقت فيهما..
لقد كان هدفي من المدرسة هدفا تافها لا يرضى الله سبحانه وتعالى، فلم تكن المدرسة سوى سوق لتبادل الأشرطة والصور، ولأعرض ما بحوزتي من الأزياء والموديلات..
كانت هذه حياتي.. ولكن الله الرحيم بعباده أنجاني حيث أصرت إحدى الأخوات الملتزمات على الاتصال بي، واستطاعت بحول الله التأثير علي بعد عدة محاولات..
خرجت من حياة الضياع والضلال إلى حياة جدية، جعلت رضا الله تعالى ثم والدتي هدفي الأسمى الذي أسعى لتحقيقه، وعدت لمقاعد الدراسة أنهل من بحور المعرفة والعلم، وأنا أتمسك بالحجاب والفضيلة. وأعيش حلاوة الإيمان والتوبة بعد نبذ التبرج والأغاني.. لقد عشت في ظل السعادة الحقيقية بمسح دموع اليتامى والثكالى، وأحاول أن أرسم ابتسامة على شفاه المحزونين.. إنهما حلاوة الرحمة والحنان والحق.


توبة زاذان الكندي

روِي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، أنه مر ذات يوم في موضع من نواحي الكوفة، فإذا فتيان فشاق قد اجتمعوا يشربون، وفيهم مغن، يقال له: زاذان، يضرب ويغني، وكان له صوت حسن.
فلما سمع ذلك عبد الله، قال: ما أحسن هذا الصوت لو كان بقراءة كتاب الله. وجعل الرداء على رأسه ومضى.
فسمع زاذان قوله، فقال: من كان هذا؟ قالوا: عبد الله بن مسعود صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: وأي شيء قال؟ قالوا: إنه قال: ما أحسن هذا الصوت لو كان بقراءة كتاب الله تعالى.
فقام وضرب بالعودة على الأرض فكسره، ثم أسرع فأدركه، وجعل المنديل في عنق نفسه، وجعل يبكي بين يدي عبد الله بن مسعود، فاعتنقه عبد الله بن مسعود، وجعل يبكي كل واحد منهما.
ثم قال عبد الله: كيف لا أحبّ من قد أحبه الله- عز وجل-، فتاب إلى الله- عز وجل- من ذنوبه.
ولازم عبد الله بن مسعود حتى تعلم القرآن، وأخذ حظا من العلم حتى صار إماما في العلم، وروى عن عبد الله بن مسعود وسلمان وغيرهما.


توبة أخوين عن التدخين

يقول أحمد بادويلان:
بدأت رحلتي المؤسفة مع التدخين قبل عشرين سنة حينما كنت طالبا في المرحلة المتوسطة وفي أيام الامتحانات، حيث كنت أجتمع أنا وبعض زملائي في سطح منزلنا، لمذاكرة الدروس، فانضم إلينا أحد أصدقاء السوء ممن ابتلوا بالتدخين، وحتى يستطيع أن يدخن دون أن نوبخه ونلومه سعى إلى جرنا معه إلى شرب الدخان، فقال لنا: إن التدخين يساعد على التركيز والفهم، وإنه جرب ذلك، وطلب منا أن نخوض التجربة، وإذا لم تحقق نتيجة نترك التدخين، فخضنا التجربة، وأشعلت مع زملائي السيجارة الأولى، فشعرت أن رأسي أصبح أثقل من جسدي، وأن الأشياء حولي تدور، وبدأ الفتور يدب في جسدي، فقلت لصديق السوء: ما الذي أشعر به؟ فقال لي: هذه أول سيجارة، وطبيعي ما حصل لك، اشرب الثانية، وسيذهب منك الفتور والدوار، وشربت الثانية والثالثة والرابعة، وذهبت لأول مرة إلى البقالة واشتريت أول علبة دخان من أردأ الأنواع وأكثرها ضررا؛ لأنها رخيصة الثمن.
وهكذا أصبحت أخصص كل ريال أحصل عليه لأشتري الدخان
حتى غدوت أشرب عشرين سيجارة في اليوم الواحد، ولا أخفيكم سرا إذا قلت: إن عدم التوفيق في تركه سببه أنني كلما فكرت في تركه كون الدوافع لتركه إما من أجل نظرة المجتمع للمدخن، وإما من أجل صحتي وإما من أجل توفير المال.. ولم أفكر في تجاربي الفاشلة أن أتركه لله، مستعينا به، ومتوكلا عليه كما حدث في تجربتي الناجحة التي سأوردها لاحقا.
قبل الهداية:
قبل أن يهديني الله ذو الفضل والمنة إلى ترك التدخين تحولت إلى مدخنة بشرية متحركة، أشرب الدخان بشراهة حتى أصبحت أدخن أربع علب يوميا، أي ثمانين سيجارة، وحتى أصبح الجمر متقدا في فمي منذ الاستيقاظ صباحا وحتى أنام، بل أحيانا أقوم من نومي لأشعل سيجارة، وأعود إلى النوم مرة أخرى.
أما الغرفة التي أجلس فيها سواء في العمل أو البيت أو عند الأصدقاء فيغلفها ضباب كثيف من الدخان عندما أكون موجودا بها يعتريني فتور دائم، وكسل، بلغم أسود، وكحة مستمرة، لا ينفع معها العلاج.. وشفتان سوداوان، وعينان حمراوان، ووجه عبوس.. المكان الذي لا أستطيع أن أدخن فيه لأي سبب أغادره فورا، وأتعجل في أداء الصلوات حتى أعود للسيجارة.
في رمضان يكون الفطور على التبغ قبل التمر أحيانا.. خطوات ثقيلة عند السير، وريق ناشف.. أشرب الشاي والماء بكثرة ولهفة.. حالة يرثى لها لا تفرح عدوَّا ولا صديقا، سدَّت أمام وجهي كل الطرق لتركه بعد المحاولات العديدة التي فشلت فيها حتى وصلت إلى قناعة بألا أحاول مرة أخرى تركه، فقد بلغ اليأس والقنوط مبلغهما مني، حتى إنني أصبحت أتخيل أنني سأموت وفي فمي سيجارة.
اللحظة الحاسمة:
قال الله تعالى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر: 53]. وقال تعالى:{مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيّاً مُرْشِداً} [الكهف: 17].
ففي إحدى الليالي المباركة من العشر الأخيرة من شهر رمضان عام 1412 هـ كنت أصلي القيام أنا وأخي- الذي يدخن مثلي- في أحد مساجد حي الناصرية بالرياض، وبعد التسليمة الثانية يستريح عادة القائمون قليلا، لشرب الماء أو القهوة والشاي قبل مواصلة قيامهم، فسولت لي نفسي أن أخرج من المسجد لأشرب سيجارة، ثم أعود لمواصلة الصلاة، وأوحيت لأخي بما سولت به نفسي الأمارة بالسوء لي، فما كان منه إلا أن قال لي: ما رأيك بدلا من الذهاب إلى شرب سيجارة أن ندعو الله أن يعيننا على تركه، وأن نترك الدخان لله، وخوفا من عقابه، وطمعا في رحمته، وأن نجتهد في الدعاء حتى نهاية القيام سائلين الله ألا يردنا خائبين هذه الليلة، وأن يكرمنا بالهداية..
فوقعت كلماته من نفسي موقعا حسنا ووجدت أذنا صاغية، وواصلنا القيام، وبعد نهايته أخرجت أنا وأخي ما تبقى من سجائر من جيوبنا وحطمناها أمام المسجد، وتعاهدنا ألا نشرب الدخان من تلك الليلة المباركة، وأن يعين كل منا الآخر على تركه كلما ضعف وسولت له نفسه العودة إليه.
والحمد لله كانت لحظة حاسمة في حياتنا لم نعد بعدها إلى التدخين بحمد الله وتوفيقه، والآن أصبح لي أنا وأخي أكثر من سنتين لم نشعل فيهما سيجارة واحدة، وعاد الصفاء إلى وجهينا، ودعنا أمراض الصدر والبلغم والكحة، وانتهت- بالنسبة لي- رحلة عذاب عمرها عشرون سنة، وفرح الأهل والأصدقاء بما صنعناه.. والحمد لله الذي بفضله تتم الصالحات.


توبة فتاة في السكن الجامعي

ما أتعس الإنسان حينما يعيش في هذه الحياة بلا هدف!! وما أشقاه حين يكون كالبهيمة لا هم له إلا أن يأكل ويشرب وينام دون أن يدرك سر وجوده في هذه الحياة، لقد كان هذا هو حالي قبل أن يمن الله علي بالهداية. لقد عشت منذ نعومة أظفاري في بيت متدين وبين أبوين ملتزمين كانا هما الوحيدين الملتزمين من سائر الأقارب والمعارف، وكان بعض الأقارب يلومون والدي- رحمه الله- لأنه لا يدخل بيته المجلات الهابطة وآلات اللهو والفساد وينعتونه بالمتزمت والمعقد، ولكنه لم يكن يبالي بأقوالهم.
أما أنا فكنت بخلاف ذلك كنت مسلمة بالوراثة فقط، بل كنت أكره الدين وأهله، وأكره الصلاة، وطوال أيام حياتي في المرحلة المتوسطة والثانوية لم أكن أركع لله ركعة واحدة وإذا سألني والدي هل صليت أقول نعم كذبا ونفاقا، ولقد كان لرفيقات السوء دور كبير في فسادي وانحرافي حيث كن يوفرن لي كل ما أطلبه من مجلات هابطة وأغاني ماجنة وأشرطة خليعة دون علم والدي.
أما اللباس فكنت لا ألبس إلا القصير أو الضيق وكنت أتساهل بالحجاب وأتضايق منه؛ لأنني لم أكن أدرك الحكمة من مشروعيته.
ومضت الأيام وأنا على هذه الحال إلى أن تخرجت في المرحلة الثانوية واضطررت بعد السفر إلى مغادرة القرية التي كنا نسكن فيها لإكمال الدراسة الجامعية، وفي السكن الجامعي تعرفت على صديقات أخريات فكن يشجعنني على ما كنت عليه من المعاصي، ومن جهة أخرى كان هناك بعض الأخوات الملتزمات كن دائما يقدمن لي النصيحة إلا أنهم لم يوفقن في نصحي بالحكمة والموعظة الحسنة فكنت أزداد عنادا وإصرارا وبعدا.
ولما أراد الله لي الهداية وفقني في الانتقال إلى غرفة أخرى في السكن، ومن توفيق الله سبحانه أن رفيقاتي هذه المرة كن من الأخوات المؤمنات الطيبات، وكن على خلق عظيم وأدب جم وأسلوب حسن في النصيحة والدعوة، فكن يقدمن لي النصيحة بطريقة جذابة وأسلوب مرح، وطوال إقامتي معهن لم أسمع منهن تافها أو كلاماً قبيحا بل كن يتبسمن لي ويقدمن لي كل ما أحتاجه من مساعدة وإذا رأينني أستمع إلى الموسيقى والغناء كن يظهرن لي انزعاجهن من ذلك ويخرجن من الغرفة دون أن يقلن لي شيئا فأشعر بالإحراج والخجل مما فعلت، وإذا عدن من الصلاة في مصلى السكن كن يتفقدنني في الغرفة ويبدين قلقهن لعدم حضوري الصلاة فأشعر في قرارة نفسي أيضا بالخجل والندم، فأنا لا أحافظ على الصلاة أصلا حتى أصليها جماعة.
وفي أحد الأيام أخذت دوري في الإشراف على الوحدة السكنية وبينما أنا جالسة على مكتبي أستمع إلى أغنية في التلفاز وقد ارتفع صوت الغناء جاءتني إحدى رفيقاتي في الغرفة وقالت: ما هذا؟ لما لا تخفضي الصوت إنك الآن في موقع المسؤولية فينبغي أن تكوني قدوة لغيرك. فصارحتها بأني أستمع إلى الأغاني وأحبها فنظرت إلى تلك الأخت وقالت: لا يا أختي هذا خطأ وعليك أن تختاري إما طريق الخير وأهله أو طريق الشر وأهله، ولا يمكنك أن تسيري في طريقين في آن واحد.
عندما أفقت من غفلتي وراجعت نفسي وبدأت أستعرض في مخيلتي تلك النماذج الحية المخلصة التي تطبق الإسلام وتسعى جاهدة إلى نشره بوسائل وأساليب محببة، تبت إلى الله وأعلنت توبتي وعدت إلى رشدي، وأنا الآن ولله الحمد من الداعيات إلى الله ألقى الدروس والمحاضرات، وأؤكد على وجوب الدعوة وأهمية سلوك الداعية في مواجهة الناس، كما أحذر جميع أخواتي من قرينات السوء والله الموفق.


توبة فتى عن التخنث

عن رجاء بن ميسور المجاشعي، قال:
كنا في مجلس صالح المزي وهو يتكلم. فقال لفتى بين يديه:
اقرأ يا فتى، فقرأ الفتى: {وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطَاعُ} [غافر: 18]، فقطع صالح عليه القراءة، وقال: كيف يكون لظالم حميم أو شفيع، والمطالب له رب العالمين؟ إنك والله لو رأيت الظالمين وأهل المعاصي يساقون في السلاسل والأنكال إلى الجحيم، حفاة عراة، مسودة وجوههم، مزرقة عيونهم، ذائبة أجسادهم، ينادون: يا ويلنا. يا ثبورنا، ماذا نزل بنا؟ ماذا حل بنا؟ أين يذهب بنا؟ ماذا يزاد متا؟ والملائكة تسوقهم بمقامع النيران، فمرة يجزون على وجوههم ويسحبون عليهما منكبين، ومرة يقادون إليها مقرنين، من بين باك دما بعد انقطاع الدموع، ومن بين صارخ طائر القلب مبهوت، إنك والله لو رأيتهم على ذلك لرأيت منظرا لا يقوم له بصرك، ولا يثبت له قلبك، ولا تستقر لفظاعة هول على قرار قدمك.
ثم نحب، وصاح: يا سوء منظراه، يا سوء منقلباه، وبكى وبكى الناس.
فقام فتى من الأزد كان به تأنيث، فقال: أكل هذا في القيامة يا أبا بشر؟
قال: نعم والله يا ابن أخي، وما هو أكثر؛ لقد بلغني أنهم يصرخون في النار حتى تنقطع أصواتهم، فما يبقى منهم إلا كهيئة الأنين من المدنِف.
فصاح الفتى: إنا لله! واغفلتاه عن نفسي أيام الحياة، واأسفا على تفريطي في طاعتك يا سيداه، واأسفا على تضييعي عمري في دار الدنيا، ثم بكى؛ واستقبل القبلة، فقال: اللهم إني أستقبلك في يومي هذا بتوبة لا يخالطها رياء لغيرك؛ اللهم! فاقبلني على ما كان في، واعف عما تقدم من فعلي، وأقلني عثرتي، وارحمني ومن حضرني، وتفضل علينا بجودك وكرمك، يا أرحم الراحمين، لذ ألقيت معاقد الآثام من عنقي، وإليك أنبت بجميع جوارحي، صادقا لذلك قلبي، فالويل لي إن لم تقبلني.
ثم غلب فسقط مغشيا عليه، فحمل من بين القوم صريعا، فمكث صالح وإخوته يعودونه أياما، ثم مات- والحمد لله- فحضره خلق كثير يبكون عليه، ويدعون له.
فكان صالح كثيرا ما يذكره في مجلسه فيقول: بأبي قتيل القرآن، وبأبي قتيل المواعظ والأحزان.
قال: فرآه رجل في منامه، قال: ما صنعت؟ قال: عمتني بركة مجلس صالح، فدخلت في سعة رحمة الله التي وسعت كل شيء.


توبة فتاة من استماع الغناء

كتبت التائبة:
كنت شديدة الحب والإعجاب بأحد الفنانين المغنين وكنت دائمة السماع لأغانيه، لا أستطيع القيام بأي مهمة إلا على نغمات صوته، حتى حال ذلك بيني وبين القيام بالأعمال المنزلية العادية، كالطبخ والغسيل وغيرهما.
وكثيرا ما أسهر الليالي من أجل استماع أغانيه من خلال الإذاعات المختلفة، وزيادة على ذلك أقوم بجمع صوره من كل جريدة أو مجلة وأكتب اسمه على كل كتاب أو دفتر أو جدار من شدة شغفي به، ومن غفلتي أنني إذا رأيته في المنام قمت بتسجيل ذلك الحلم السخيف في ورقة واحتفظت بها لئلا أنسى ذلك الحلم!!
وكم مرة أجهشت في البكاء عندما يتعرض ذلك الفنان لإهانة أو تحقير من أحد من الناس، أما حرمة الله فلا يهمني انتهاكها!!
وكنت في غفلتي لاهية، ولعذاب ربي ناسية!! حتى جاءت اللحظة الحاسمة في حياتي، وذلك عندما ألقت إحدى المعلمات الفاضلات في مدرستنا محاضرة عن عذاب المغنين والمغنيات، ومن يستمع للغناء!
فأصابت جسمي قشعريرة، وخفت خوفا شديدا، ولم أتمالك نفسي حين عودتي إلى منزلي، فقمت بتحطيم أشرطة الغناء دون إصغاء لداعي الشيطان، وكانت تلك المحاضرة سببا في العودة إلى الله وتطهيرا لقلبي من رجس الغناء.
وأحمد ربي أن خلصني من ذلك الذنب الأثيم، وأدعو الله أن يهدي الفنانين وغيرهم أجمعين.


توبة شاب على يد رجل من أهل الحسبة

قال راوي القصة:
أمام تلك المرآة القابعة في الزاوية الشرقية من غرفتي كنت أسرح شعري في أصيل يوم قائظ.. وكانت نغمات الموسيقى تملأ الجو صخبا وضجيجا.. وفجأة خفق قلبي خفقانا شديدا لم أعرف سببه. اتجهت إلى المسجل وأسكت تلك الموسيقى الغربية وذلك الضجيج الذي لا أفهم منه شيئا.. وزاد قلبي خفقانا.. اتجهت إلى النافذة لأستنشق الهواء، إلا أنني أحسست بشعور غريب لا أعلم كنهه ولا أدرك سببه! فما هي أول مرة أستعد هذا الاستعداد..، ثم أتجه إلى أحد الأسواق كي أنقل طرفي هنا وهناك.. وأستأثم بمعاكسة الفتيات. وخلال عبوري البيت متجها إلى الباب الخارجي مررت بأمي.
وبعد أن تجاوزتها ببضع خطوات نادتني: أحمد لقد رأيتك البارحة في المنام.. إلا أني تظاهرت بعدم السماع وواصلت المسير.. لحقتني وأمسكت بذراعي وقالت: ألن تضع حدا لهذا الاستهتار وضياع الوقت يا أحمد.
وعندما التقت عيناي بعينيها عاودني ذلك الخفقان القلبي المريب.. واتجهت إلى الباب صامتا ومن ثم خرجت إلى صديقي وبعد أن امتطيت سيارته الفارهة.. التفت إلى مبستفا ونفث في وجهي شيئا من دخان سيجارته الملتهبة.
أما أنا فلا زال قلبي يضرب بقوة.. رفعت صوت المسجل عله يصرف عني ما بي.. أفي سوق سنذهب إليه الآن؟
سألني.. وعندما سمعت هذه الكلمة اقشعر جسدي.. أجل السوق.. وتلك الكلمات التي سمعتهما ليلة البارحة وكأنما صمَّت أذناي فلم أعد أسمع شيئا سوى صدى تلك الكلمات المتدفقة بالحياة: "أخي أليس من العيب أن تضيع شبابك لاهثا.. ساعيا..
وراء بنات المسلمين، وأن تسهم في إفساد المجتمع، وأن تدعم مخططات الأعداء وأنت من فلذات أكبادنا ومن أبنائنا.. أخي ألا تتقي الله ".
وهكذا أصبحت هذه الكلمات تدوّي في سماء عقلي كالرعد المجلجل.. وصورة ذلك الرجل الذي يضيء وجهه إيمانا وطهرا لا تفارق مخيلتي رجل هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي أمسك معصمي البارحة وأنا أتجول في أحد الأسواق ألاحق الفتيات.. وهمس في أذني بتلك الكلمات التي كانت أبلغ من كل تهديد أو وعيد..
فتحت عيني فإذا بصديقي يهزني بيده سائلا: ما بك؟
التفت إليه وقلت: لا شيء.. أريد أن أرجع إلى البيت. ولا أدري ما هي القوة التي دفعت بصاحبي بأن يرجعني إلى البيت بدون مناقشة.
هبطت من السيارة واتجهت إلى البيت دون أن أودع صاحبي..
وكم كان عجبي شديدا عندما رأيت البيت ممتلئا.. رجالا.. ونساء.. ذهلت.
اتجهت إلى أخي الصغير لما رأيته ينتحب باكيا.. سألته: ما بك؟! نشج.. ثم سعل.. ثم رفع رأسه الصغير إلى وقد امتلأت عيناه دموعا وقال: أحمد.. لقد ماتت أمي.. أصيبت بنوبة قلبية.. وماتت.. أحسست بقلبي يتوقف رويداً رويدا، وتمنيت أن يعاوده ذلك الخفقان، إلا أنه لم يفعل.. رحمك الله يا أمي الحبيبة رحمة واسعة.
لقد مضى على هذه القصة ثلاث سنوات، وها أنذا الآن أرويها بدموعي.. وأردد الدعاء وجزيل الشكر لذلك الرجل الذي منحني عاطفة صادقة وكلمات ناصحة من القلب، ومنذ ذلك الحين وأنا تائب إلى الله تعالى من كل ذنوبي وسيئاتي، وأسأله سبحانه العفو والغفران عن ذلك الماضي الأسود، والثبات على طريقه إلى يوم لقاه.


توبة فتاة على يد معلمتها

الهاتف نعمة من الله سبحانه، ولكن تحول عند الكثير من الناس إلى نوع من الإيذاء للآخرين.. وآهات ليلية.. وزفرات.. وحب وهمي صناعي، وفي النهاية الفضيحة.
تقول إحدى التائبات:
اتصل بي شاب في منزلنا فخاطبني برقة، فرققت له ثم ما هو إلا أن سلب لُبي، فما أن أنزل سماعة الهاتف حتى إني كدت أجن أنتظر هاتفه وموعده الذي في الغد، فلما أتى الغد كلمني.. وهكذا دارت الأحاديث بيننا، ثم ما هو إلا أن تحولت إلى قضية حب، وتحولت إلى قضية عاطفية، فأصبحنا نتكلم مع بعضنا طوال الليل عبر سماعة الهاتف، فلما كانت البارحة طلب مني أن أخرج معه لأننا سوف نتزوج ونعتزم على الزواج.
وقال لي: ذرينا نتقابل حتى نرى بعضنا قبل الخطبة فإن أعجت بعضنا وإلا فكأن شيئا لم يكن!
فأصر على مقابلتي فرفضت ثم قال: لي: إن هذا أمر يعيق على الوفاق في الزواج فمنذ تلك اللحظة وأنا في قلق دؤوب وهم مستمر وحيرة بالغة. بين حبه لي وحبي له وبين الحياء وبين العادات وبين كيفية الخروج معه وبين الخوف من أن يرانا أحد فلذلك حبه قطع قلبي حتى أصبحت لا أتحمل أن أسمع أنه غاضب على فهو كلما كلمني يطلب رؤيتي اعتذرت إليه.. وأصبحت أعيش في حيرة واضطراب.. وقلق نفسي دائم.. وتخشى أن يعلم والداها عنها.. تخاف من أخيها.. تخاف من نظرات المجتمع.. وقبل ذلك.. الخوف من الله سبحانه.. وذهبت في الصباح إلى إحدى معلماتها في المدرسة.. وحدثتها عن قصتها..
فقالت لها: لا عليك.. وهدأت من خاطرها.. وقالت لها: لا تكثري يا عزيزتي الآن البكاء، فالأمر بيدك والحبل ممدود معكِ، فلذلك أذكرك وأذكر جميع بنات جنسي أن ينتبهن لهذه الذئاب الضارية الجائعة النهمة، ولينتبهن للحومهن فلئن كان خوف النعجة أشد هو على حياتها أن يسلبها الذئب منها فإن خوف البنت من الرجل أشد من أن يسلبها حياتها بل هو يسلبها عزها وشرفها ويستبدله بذلها وأن يسلب منها جنتها ويستبدلها بنارها وأن يسلب منها عقلها ويستبدله بجنونها لذلك فإن هؤلاء الأوباش لا يستحقون حتى النظر إليهم.. ولئن كان الله يخاطب أمهات المؤمنين العفيفات الصينات بقوله:
{فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ} [الأحزاب: 32].
فكيف بنا نحن وقد ذهبت عقولنا وذهب ديننا وما عقولنا عند عقولهن إلا كتفلة في بحر.
فلذلك أيتها الحبيبة نحذر جميع بنات جنسنا.
تخيلي لو سلمت المرأة لو ركبت معه أول مرة ثم الثانية والثالثة.. وهكذا.. ما الحيرة التي سوف تصيبها ما القلق ما مصير هذا الخروج؟! إنه سوف يؤدي بها أن تذهب عزتها وعلياؤها وكرامتها نظرا لتساهلها بما تصنع مع تزيين الشيطان لذلك ما مصيرها لو علم أهلها؟ القتل مباشرة لا حل لهم سوى ذلك.
فلذلك يا عزيزتي لا تغتري بحال أولئك الأوباش الأخباث فإنهم وإن زينوا لك لين الجانب فإنهم يلبسون جلود الضأن وقلوبهم قلوب الذئاب.
يا أختي العزيزة إن قلوبهم خلت من مراقبة الديَّان وانساقت سبيل الهوى والشيطان.
كم من شابة قتلها أبوها! كم من شابة قتلها أخوها! كم من قتلتها عائلتها! كم من شابة أصابها الجنون وذهب عقلها، فهي أحد عنابر مستشفيات الصحة النفسية، كم من شابة طعنت نفسها فهي في أحد أسرة المستشفيات ما السبب؟ إنها سماعة الهاتف.
استعجلت لذة وهوانا وخزيا في الدارين.
وبكت الفتاة التائبة.. وقد أغرق الدمع وجنتيها.. وقالت: والله أيتها المعلمة النبيلة لقد أيقظتني من شباب عميق ومن غفلة عظيمة ورفعت يدها إلى السماء.. قائلة. رباه.. عفوك.. ومغفرتك.. وبرحمتك.. رباه.. قبل توبتي.. وأجب دعوتي.


قصة عجيبة في توبة رجل

يحكي قصته وعلامات الندم تعلو وجهه. يقول: كنت لا أصلي، ولا أشعر بالذنب، ولا تأنيب الضمير، وكأن الأمر لا يهمني، مع أني مسلم. كنت مسلما بالاسم فقط. إذا جاء شهر رمضان كنت أصوم وأصلي وكأني أعبد رمضان، ناسيا تلك الفريضة والشعيرة العظيمة، باقي السنة. رغم أني أسكن بجوار المسجد لم أقل لنفسي يوما: لماذا لا أصلي؟ وإذا جاء المساء كنت أنطلق إلى السهر مع أصدقاء السوء.
لم أفكر في الزواج رغم تجاوزي خمسة وثلاثين عاما. كنت أراقب امرأة تذهب إلى المسجد وقت الصلوات، خصوصا صلاة العصر، وهي متحجبة تمشي على استحياء بطرف الطريق وكأنها تلصق بالجدار. كنت أعترض لها كثيرا وأحدثها ولا ترد عليَّ. وعندما كثرت مضايقتي لها قالت لي: ماذا تريد مني؟
قلت لها: أريدك أن تدخلي بيتي ليس معي أحد في المنزل.
قالت وبكل أدب: أطلب منك طلبا إذا نفذته سأدخل منزلك.
قلت لها: اطلبي ما تشائين.
قالت: أريدك أن تصلي أربعين يوما في المسجد كل الصلوات وخصوصا الصبح والعصر والمغرب والعشاء، وأن تحضر الدروس بعد صلاة العصر. قلت لها: سأفعل وسأصلي هذه المدة. لأول مرة أدخل المسجد وأصلي العصر وأخذت أعد الأيام على أمل اللقاء بها.. وأصبحت أحضر الدروس تلو الدروس، وبعد أسبوعين فقط تغيرت أحوالي ولزمت المسجد رغبة مني في التوبة، خصوصا وقد تعلمت من الدروس أمور ديني وأن تارك الصلاة كافر، حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة ومن تركها فقد كفر". وأخذت أحاسب نفسي وأنا أندم إلى يومي هذا على ما فاتني من الخير الكثير. وعندما أوشكت المدة على الانقضاء قابلتني وأنا في طريقي إلى المسجد، وقالت لي: هل أنت ما زلت على رأيك؟
قلت لها: معاذ الله إني تائب وإني نادم، وأنت جزاك الله خيرا فقد غير الله بك حالي، وأرجو أن تسامحيني على ما بدر مني.
قالت: يا أخي، والله إنني منذ وعدتك وأنا أدعو الله لك الهداية في جميع صلواتي، والآن الحمد لله الذي هداك وأخذ بيدك إلى طريق الخير، فطالما عرفت الطريق إلى الله نسأل الله لك الثبات، فاصبر يا أخي فإن الدنيا متاع من لا متاع له، ومن لا حظ له في الآخرة. ثم انصرفت والدموع تنهمر من عيني وأنا مطأطئ الرأس.
إنه الإيمان، إنه طريق الخير والرشاد. إن هذه المرأة علمتني ما لم تعلمني الأيام.. هذه قصتي لعلها عبرة وعظة.


العودة

سقطت على الأرض مغشيا عليها..
ليست المرة الأولى.. فهي تعاني من إرهاق نفسي متواصل منذ أن تزوجت قبل سنتين.
لقد أخبروها أنه رجل طيب.. وفيه خير..
تستطعين التأثير عليه لكي يتدارك أمور دينه.. ويحافظ على الصلاة مع الجماعة.. وأنت يا بنيتي.. قد تزوجت أختك الصغرى قبلك.. وأعتقد أن هذا هو الأصلح لك..
وأصرت أمي على هذا الخاطب.. فهو ميسور الحال.. ومن عائلة معروفة.. ومركزه الوظيفي جيد..
مظاهر براقة لا تهمني..
فقد سألت عن الدين.. هذا ما يهمني.. أريد رجلا صالحا على الخير وعلى الطاعة.. إن أحبني أكرمني، وإن كرهني سرحني سراحا جميلا.. فما أكثر ما نسمع من تلك القصص المبكية من ظلم الأزواج ومشاكلهم مع زوجاتهم لقلة الخلق والدِّين.
كنت أحلم بمن يوقظني للصلاة في جوف الليل..
كنت أدعو الله في ظلام الليل ودموعي تتساقط أن يرزقني الرجل الذي يعينني على الطاعة، وأعيش معه على مرضاة الله..
نسير سويا متجهين إلى الله.. نقتفي أثر الرسول صلى الله عليه وسلم، وأصحابه الطيبين.
كنت أحلم بالرجل الذي يربي أبنائي تربية إسلامية صحيحة..
كأني أقف بالباب أرمقه هو وابني وهما ذاهبان إلى المسجد.. دعوت الله أن يتردد على مسامعي.. قول زوجي.. كم حفظت اليوم من القرآن؟!
وكم جزءا قرأت.. أحلم أنني أقف بطفلي أمام الكعبة وأدعو له.. سأنجب أكبر عدد من الأبناء طالما أن في ذلك أجرا.. وأنني سأخرج للدنيا من يوحد الله..
طالما حلمت الأحلام الكثيرة.. ولطالما متعت نفسي بتلك الأحلام.. الحمد لله على كل حال..
احتسبت الأجر وصبرت على زوجي.. في البداية كان ينهض للصلاة.. ومع مرور الأيام بدأ يتثاقل..
ماذا تريدين.. الله غفور رحيم..
سأصلي..
الوقت مبكر..
هذا هو الرد السريع عندما أحثه على صلاة الجماعة حتى لا تفوته.. أحس أنه يتغير مع إلحاحي إلى الأفضل.. على الأقل هذا ما أتفاءل به..
كنت أخشى رفقاء السوء فقد حدثني عن بعضهم.. أصبحت أخشى عليه من تأثيرهم.. فكرت في طريقة قد تكون مجدية أكثر من نصحي له.
لماذا لا أعرفه على الشباب الصالح فقد يتأثر بهم..
زوج صديقتي شاب طيب وملتزم وصالح إن شاء الله.. أسرعت للهاتف رحبت صديقتي بالفكرة وشجعت زوجها..
أخبرته أن صديقتي ستأتي ومعها زوجها..
بعد أسبوع من الانتظار الطويل زارتني صديقتي هي وزوجها..
قلبي يخفق من الفرح.. عسى الله أن يلقي في قلبه حبه.
كلما طال وقت الزيارة؛ زادت دقات قلبي.
بعد زيارة قصيرة ودعت صديقتي عند الباب.. رجعت إليه بسرعة..
جلست أضغط على أصابعي بقوة.. أنتظره يقول شيئا..
نظرت في عينيه.
فقال: لقد كان لطيفا.. وذا خلق عال..
ولكنه لم يبد حماساً للقائهم وللذهاب لهم كما وعدهم برد الزيارة.
حاولت بشتى الوسائل والسبل أن أعينه على المحافظة على الصلاة في المسجد.
الآن إلحاحي زاد بعد أن أنجبت منه ابناً.. أسهر الليالي الطويلة لوحدي..
هو يقهقه مع زملائه وأنا أبكي مع طفلي..
أكثرت من الدعاء له بالهداية..
قررت أن أصلي صلاة الليل في غرفتنا بجواره عسى أن يهدي الله قلبه..
أحياناً يستيقظ ويراني أصلي.. وفي النهار ألاحظ عليه أنه يتأثر من صلاتي وطولها.
مساء ذلك اليوم أخبرني أن أجهز له ثيابه.. سيسافر.. إلى المدينة الفلانية في رحلة عمل.. لا أعرف صدقه من غيره.. غالبا يسافر ولا يتصل بنا.. أحياناً أخرى يتصل ويترك رقم غرفته وهاتفه.. إذا اتصل عرفت أين هو.. لكن أحياناً كثيرة لا أعلم أين يذهب..
ولكني أحسن الظن بالمسلم إن شاء الله.
في مدة سفره سأخلصه بالدعاء.
في اليوم التالي.. اتصل بنا.. هذا رقم هاتفي.. الحمد لله.. اطمأننت أنه في المملكة..
انقطع صوته ثلاثة أيام.. وفي اليوم الرابع..
أتى صوته.. لم أكد أعرفه.. صوته حزين.. ما بك؟! سأعود الليلة إن شاء الله.. في تلك الليلة لم أنم من كثرة بكائه.. ماذا جرى لك؟! أخذ في البكاء كالطفل.. ثم تبعته في البكاء وأنا لا أعلم ماذا به.. وبعد فترة سادها الصمت الطويل.. أخذ ينظر إلي.. والدموع تتساقط من عينيه..
مسح آخر دمعة ثم قال: سبحان الله! زميلي في العمل.
سافرنا سويا لإنجاز بعض الأعمال.. ننام في غرفتين متجاورتين لا يفصلنا سوى جدار واحد.. تعشينا ذلك المساء.. وعلى المائدة.. تجاذبنا أطراف الحديث.. ضحكنا كثيرا.. لم يكن بنا حاجة للنوم.. تمشينا في أسواق المدينة لمدة ساعتين.. أرجلنا لم تقف عن المشي.. وأعيننا لم نغضها عن المحرمات.
ثم عدنا وافترقنا على أمل العودة في الصباح للعمل لإنهائه.
نمت نوما جيدا..
صليت الفجر عند الساعة السابعة والنصف..
اتصلت به بالهاتف لأوقظه.. لم يرد.. كررت المحاولة.. لعله في دورة المياه.. شربت كوبا من الحليب كان قد وصل في الحال.. اتصلت مرة أخرى.. لا مجيب.. الساعة الآن الثامنة وقد تأخرنا عن موعد الدوام.. طرقت الباب.. لا مجيب.. اتصلت باستعلامات الفندق لعله خرج.. ولكنهم أجابوا أنه موجود في غرفته..
لابد أن نفتح لنرى..
أصبح الموقف يدعو للخوف.. أحضروا مفتاحا احتياطيا.. دلفنا الغرفة بسرعة..
إنه نائم..
يا صالح..
ناديته مرة أخرى يا صالح..
رفعت صوتي أكثر وأنا أقترب منه..
نائم ولكنه عاض لسانه..
ومتغير اللون..
ناديته..
اقتربت أكثر..
لا حراك.
 

قصص مؤثرة

  • قصص الرسول
  • قوافل العائدين
  • قصص نسائية
  • قصص منوعة
  • الحصاد المر
  • مذكرات ضابط أمن
  • كيف أسلموا
  • من آثار الدعاة
  • قصص الشهداء
  • الصفحة الرئيسية