اطبع هذه الصفحة


مصارع الشبـــــــاب

النقيب سامي بن خالد الحمود
عضو إدارة الشؤن الدينية في الأمن العام
ومكافحة المخدرات سابقاً

 
 المسلم لا ينتحر .. قاعدة صحيحة تشهد بصحتها البحوث والدراسات المعاصرة فضلاً عن النصوص الشرعية ( ولكل قاعدة شواذ ) .. وأنّـى لمسلم أن يقتل نفسه ، ومولاه عز وجل ينهاه عن مغبة الوقوع في هذه الفعلة الشنيعة، قال تعالى : {وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً }.
ومع بزوغ فجر الحضارة المعاصرة وجد الإنسان نفسه أمام سيل جارف من التحديات والصراعات في مواجهة تغيرات الحياة الجديدة .. صراع مع الوقت .. صراع مع أطماع النفس .. صراع مع موارد الكون .
حتى أضحت فئام من بني آدم أجساداً بلا أرواح .. يلهثون ويلهثون .. وكأنهم من ماء البحر يشربون .. فهم إلى عطشٍ عطشاً يزدادون .
ومع كل أسف .. كان من تبعات الحضارة الزائفة سلسلة من الأمراض النفسية والاجتماعية .. لعلّ من الواضح لأدنى متأمل أن من أعظم أسبابـها الإفلاس الروحي والخواء العقدي ، فإنه بقدر ما يتقدم العالم اليوم مادياً وتكنولوجياً فهو يتخلف في الواقع روحياً واجتماعياً إلا من رحم ربك من أهل الإيمان ، وقليلٌ مـا هم .
ومن محاسن ديننا الحنيف أنه يربي في المسلم عقيدة ثابتة وإيماناً راسخاً يضبط انفعالاته وسلوكياته تجاه تقلبات الزمن ونوائب الدهر .. إذ العلاقة بين الإنسان ونفسه التي بين جنبيه محكومة بالإرادة الإلهية .. فليس لـه أن يلحق بنفسه الأذى أياً كانت الأحوال أو الظروف .
أن يقتل المسلم نفسه وهو يدري فتلك صورة نادرة ، ولكن أن يقتل نفسه وهو لا يدري فهي صورة متكررة ، على صفحات عالم المخدرات ، يقف الحليم أمامها حيراناً ، فإلى القصة .
سبعة من الشباب .. أعمارهم في العشرينات .. يستقلون سيارة واحدة قاصدين مدينة الرياض .
تنطلق السيارة عبر الطريق السريع .. وفي أثناء الطريق يقوم أحد الشباب بإخراج مجموعة من سجائر الحشيش المخدر من جيبه .. تتنقل السيجارة الخبيثة بين أفواه الشباب .. يتنازعونـها بينهم ، وهي تختم بصمة العار على وجوههم .
يقود السائق السيارة بسرعة ورعونة ، وهو تحت تأثير الحشيشة الملعونة .. قد فقد وعيه فلا يكاد يرى الطريق فضلاً عن أن يرى السيارات الأخرى .. وفي لحظة قاتلة تصدم السيارة المسرعة بإحدى الشاحنات الكبيرة .. تنطبق مقدمة السيارة على السائق و الشابين الذين بجواره كلمح البصر فيفارقون الحياة فوراً .. تتقلب السيارة على الطريق وكأنها ريشة في مهب الريح ، فيهوي السقف على الشباب الأربعة الذين يقبعون في المقعد الخلفي .. أما أحدهم فتنزل على رأسه ضربة مميتة لم تمهله طويلاً إذ فارق الحياة فور وصوله المستشفى .. أما الثلاثة الناجون فهم ما بين طريح تحت العناية المركزة بسبب ضربة في مقدمة رأسه ، وكسير ، وجريح .

التقيت باثنين من الشباب الناجين ، وانتقيت من حديثهما ما فيه عبرة لأولي الألباب .

يقول أحدهما : التقيت بأحد الشباب .. طلب مني أن أرافقه مع بعض الأصدقاء إلى الرياض .. ألح عليّ في طلبه فأجبته .. انطلقنا من بلدتنا علي سيارة واحدة تكاد تنوء بالأنفس التي اكتظت بها .. يركب ثلاثة من الشباب في المقدمة ، بينما كنت رابع أربعة على المقعد الخلفي .
بعد قرابة الخمسين كيلومتراً رأيت أحد الشباب يخرج علبة دخان من جيبه .. نظرت إلى العلبة وإذا بها سجائر غريبة ، علمت أنها سجائر الحشيش المخدر .. أُشعلت السيجارة الأولى، وبدأت تدور بين الشباب ، وكأنها كوكب متوهج يدور في فلكه .
ووصل الدور إلي .. ترددت في البداية .. لكن قلت بسذاجة وجهل : الموت مع الجماعة رحمة .. لم أشعر إلا وأنا أضع السيجارة في فمي .. أصبت بدوار غريب .
السيجارة تدور .. ورأسي يدور .. وكل من حولي يدور .. كأنني في دوامة .
وضعت رأسي على كتف زميلي الذي كان بجواري وأنا في حالة بين اليقظة والمنام .
لم يكن قائد السيارة ليسلم من السيجارة الخبيثة .. بل قد رأيته يدخنها بشراهة .
كانت السيارة تطير بسرعة وكأنها تسبح في الفضاء حتى حدث ما حدث .. لم أفق من خدري إلا ورأسي تحت الأقدام على أرض السيارة .
رفعت رأسي في ذهول وكأنني في حلم .. رأيت المشهد المفزع .. زملائي الذين في المقدمة وقد التفت عليهم مقدمة السيارة .. واختلطت أجسادهم الطرية بحديدها وزجاجها ومقودها ، فلا تكاد ترى وجوههم .. التفت يميناً إلى زميلي الذي كنت متكئاً عليه فإذا بسقف السيارة قد خر على رأسه حتى غدا بين الموت والحياة ، بل هو إلى الموت أقرب إذ توفي في المستشفى .
صورة مرعبة مخيفة ، لا تزال تخامرني بين الفينة والأخرى ..
ولكن .. الحمد لله على قضائه ، والشكر له على أن مد في عمري ولم يقبض روحي على خاتمة السوء .
بكيت أسىً وندماً ، وليت البكاء يجدي شيئاً .. عاهدت الله تعالى على التوبة والاستقامة حتى الموت وأسأله أن يثبتني على ذلك .. ولا أزال أدعو الله في صلاتي أن يعفو عن إخواني الذي نقشت في قلبي مصارعهم .. فلا أنساها ما حييت .
أيها الأخوة .. أيها الشباب : إن الحال أبلغ من المقال، فكم صاح الغيورون ، ونادى المنادون .. مراراً وتكراراً أن المخدرات آفة .. آفة بكل ما تعنيه هذه الكلمة .. آفة على الإنسان .. آفة على الأسر .. آفة على المجتمعات البشرية .
وإن في أحداثها وقصصها لعبرة ، فهل من معتبر ؟!..

 

سامي الحمود
  • كتب وبحوث
  • محاضرات
  • كلمات قصيرة
  • منبر الجمعة
  • مذكرات ضابط أمن
  • تحقيقات ميدانية
  • مقالات وردود
  • معرض الصور
  • قصائد
  • فتاوى أمنية
  • صوتيات
  • الجانب المظلم
  • الصفحة الرئيسية