اطبع هذه الصفحة


خطبة ( حقيقة تحرير المرأة )

سامي بن خالد الحمود

 
الحمد لله خلق وأحكم ، وأنعم وتكرم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحد لا شريك له، أرحم وأعلم، وأرأف وأحلم، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بلّغ وفهّم، وحذر وعلّم، صلى الله عليه وسلم وآله وأصحابه ومن سار على دربه الأقوم ، وسلم تسليما كثيرا ، أما بعد:
(يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون) .. عباد الله .
نـذر وربِّـك بالمصائب تُـْنِذرُ *** وخطىً على درب الهوى تتعثر
فتنٌ كلـيلٍ مظـلمٍ ينـدى لـها *** منا الجبيـن فنـارها تتسعّر
ما كنت أحسَبُني أعيش لكي أرى*** بنتَ الجزيرة بالمبادئ تسخر
جَهِـلَتْ بأنـا أمةٌ محكـومـةٌ *** بالدين يَحْرُسُها الإلـهُ ويَنْصُر
جَهِـلَتْ بأنـَّا أهـلُ ديـنٍ ثابتٍ *** في ظِـلِّه لا يُسْتَحَـلُّ المُنكَر
أخـتاه يا بنت الجزيرة هـكذا *** وخنادقُ الباغين حـولَكِ تُحْفَر
أو هـكذا والملحـدون تجمعوا *** من حولنا والطامعين تجمهروا
نعم .. لقد جاؤوا يركضون يبغونكم الفتنة، ويتربصون بكم الدوائر، في خطوات ماكرة، ودعايات مضللة تستهدف المرأة المسلمة في آخرِ معاقل الإسلام وأمنعِها .
إنهم يعملون على تغريب المجتمع وتوجيهه إلى حياة الفوضى الفكرية والأدبية والأخلاقية ، ابتداء بأن السفورَ وكشفَ الوجه والاختلاطَ جائزٌ شرعاً، وانتهاءً بأن خيرَ الهديِ هديُ أوربا وأمريكا.
لقد تجاوزوا مقام الشرع الأعظم ، بمنظارهم الأسود وتفكيرهم الأجوف، حينما وصفوا المرأة العفيفة بأنها متخلفة ومتعصبة، وبأن التقاليد والأعراف تتحكم فيها، وتعرقل تفاعلها مع المجتمع .
لقد دفع أدعياء التحرر المرأةَ إلى أحط المواقف، وزجوا بها في أشد المخاطر، وقادوها إلى أسوء حال ، فلم يحسنوا خلقا ولم يهذبوا نفسا، ولم يقوموا اعوجاجا، وإنما كل الذي عملوه أو صاغوه نساء مستهترات ضائعات، يسخرن من المقدسات، ولا يبالين بقيم ولا بأعراض .
لقد نادى أدعياء التحرر بتحرير المرأة، وصدقوا ، فهم أول من يحررها من الفضيلة والشرف والحياء .
زعموا تحريرها فاستبعدوها، وادعوا العطف عليها فأهلكوها، وزعموا إكرامها فأهانوها، سجنوها بأيديهم ثم وقفوا على باب سجنها يبكون ويندبون شقاءها .
إن المرأة اليوم في بلادنا مستهدفة بمؤامرة نفذت فصولها في بلاد مسلمة أخرى ، فأنتجت فوضىً اجتماعية، وأخلاقاً منهارة، وتجرعت المرأة هناك الغصص والآلام .
لقد أصبحنا ننام ونستيقظ على خطوات عملية تصحبها حملة إعلامية، هدفها إخراجُ المرأة من بيتها تحت أي شعار، وزجُّها في مجتمعات الرجال تحت أي ستار، يريدونها أن تتجرد من حيائها وحجابها لتصبح ألعوبة بأيديهم، وأداة لتحقيق مآربهم، فتنهار القيم وتسقط الأخلاق ، لتسقط الأمة.
لقد بدأت خطواتُ دعاةِ السفور: بالدعوة إلى كشف الوجه، وهو ما تحاول بعضُ وسائلِ الإعلام فرضَه وجعلَه واقعاً من خلال المجلات والأفلام والبرامج، ثم امتدت الخطوات إلى اللقاءاتِ المختلَطة ، ثم إلى السفر من غير محرم؛ بدعوى الدراسة في الجامعة ، أو حضورِ المؤتمرات والندوات، ثم زُيِّنت الوجوهُ المكشوفةُ بأدوات الزينة، وكل هذه الخطوات أصبحنا نراها في واقعنا ، وتعرض في صحفنا ومجلاتنا ، حتى انتهت أخيراً إلى الدعوة إلى اختلاط المرأة بالرجل بالعمل في المحلات التجارية .
عباد الله .. إن أول ما يجب أن تعلمَه الأمةُ رجالُها ونساؤها: إن الذي شرع الشرائع ووضع الحقوق وحد الحدود هو الله جل جلاله بحكمته وعدل، وهو القائل: ((لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُواْ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُواْ اللّهَ مِن فَضْلِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً)) .
وهو القائل: (( وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكُيمٌ)) .
وهو القائل: (( وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْماً لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ)) .
وإن أي دعوة تخالف هذه الأحكام، أو تستورد أحكاماً لم يأذن بها الله هي اتهامٌ لله تعالى في عدله وحكمته، وانتقاصٌ لشريعته، ((مَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللّهِ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ)).
وشأن المسلم والمسلمة إزاء هذه الأحكام هو الرضا والتسليم (( وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله وَهُوَ مُحْسِنٌ )) .. (( إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ )) .
فأي إسلام لمن يعترض على حكم الله أو يتضايق مما شرع الله، والله تعالى يقول: ((فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً)) .
أيتها المرأة المسلمة ، يا ابنة هذه البلاد المباركة ، إن أيديهم الماكرةَ الخبيثة ، قد امتدت إليك في هذه الفتنة، لتنـزلك من علياء كرامتك، وتهبط بك من سماء مجدك، وتخرجك من دار سعدك، فاقطعيها بسرعة وقوة، فإنها أيد ظالمة مجرمة ، لقومٍ (لا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة) .
عباد الله .. أتظنون أن أولئك المفسدين الذين يستميتون في دعواتهم الآثمة لإخراج المرأة من بيتها وإقحامها في مخالطة الرجال، ودفعها إلى التمرد وقيادة السيارة، وتوريطها في أعمال لا تتناسب مع طبيعتها، أتظنون أنهم من الناصحين؟
لا والله أنهم يكيدون كيداً عظيماً ، ويمكرون مكرا كباراً.
وإلا فماذا يضيرهم لو بقيت المرأة آمنة في سربها ، مخدومة من زوجها وأهلها ، محفوظة بحيائها وسترها، عابدة لربها ، راعية لأولادها ؟
ولكن صدق الله: ((وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيماً)) .
إنهم قوم أشربت قلوبهم حب الكافرين، وأولعوا بما هم عليه من الضلال المبين، فكيف نصدق دعاوى الأفاكين، وننقاد لآراء المفسدين .
سبحان الله .. انظر فيما يكتبه بعض كتابنا في الصحف ، ثم انظر إلى ما يقول مراسل إحدى الصحف الأمريكية ، يقول: إن لغزَ الحجاب الذي يثير حفيظة الغرب غيرُ مطروحٍ للتساؤل هنا في السعودية، إن الحجابَ لم يقف حائلاً أما تطور المرأة، فالسعودياتُ مؤهلاتٌ للتعامل مع أحدث برامج الحاسوب والإدارة ونظريات التعليم، بل إن القطاع الواسع من النساء السعودياتِ المتعلمات ، يدافعن عن الحجاب كمنظومةٍ تَحْكُمُ علاقةَ المرأة بالرجل في إطار واسع، وإن النساء العاملات في السعودية يشعرن بأمان حقيقي بعيداً عن المضايقات أو الأخلاق السيئة، ويؤكد: أن الحجاب والبعد عن الاختلاط كانا سببين لتميز الأداء الذي لا تخطئه العين.
وينقل عن إحدى السيدات من الطبقة الثرية قولها: إن الحجاب نعمة عظيمة ،والمرأة هنا تحظى بمعاملة راقية لا تحظى بها امرأة أخرى لا تقود السيارة، لكن هناك من يقوم بخدمتها دائماً، نحن أميرات في بيوتنا ، وأزواجُنا يبذِلون جهداً رائعا لإسعادنا.
كما ينقل كلمة لإحدى السيدات السعوديات قائلة: لو سألتني هل أريد الحرية الغربية فإن إجابتي ستكون بثلاث كلمات: لا ، ثم لا ، ثم لا ، إن الدين هو الذي يحكم تصرف الإنسان، ومن كان مفلسا في دينه فإنه يفقد الضابط الذي يحرك مساره.
وتقول إحدى الصحفيات الأمريكيات: امنعوا الاختلاط وقيدوا حرية الفتاة، بل ارجعوا إلى عصر الحجاب، فهذا خير لكم من إباحية وانطلاق ومجون أوربا وأمريكا، إن الاختلاط والإباحية والحرية قد هددت الأسرة وزلزلت القيم والأخلاق.
وهذه مسلمة ألمانية تقول: كم يؤلمني أن أرى أخواتي وإخواني المسلمين يركضون إلى المكان الذي هربت منه، بعد أن كاد أن يقتلني ويخنقني .
هذه شهادتهن من واقع التجربة، وإن في حقائق الإسلام لذكرى لقوم يوقنون .
نفعني الله وإياكم بهدي كتابه ، وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ، والحمد لله رب العالمين .

الخطبة الثانية
الحمد لله الذي أطعم وسقى ، وآوى وكسى ، ومن كل ما سألناه أعطى ، والصلاة والسلام على عبده المصطفى ورسوله المجتبى ، وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجهم واقتفى ، أما بعد .
عباد الله .. ومع عظم الفتنة ، وشدة البلاء ، فلا يزال في الأمة بقية من خير ، ولا تزال في القلوب أثارة من غيرة .
لقد خُيِّل إلى أعداء الإسلام أن الأمة قد استجابت لجهودهم، ورضخت لدعواتهم، واستسلمت لأفكارهم، وإذا بالأمة تؤوب إلى دينها وترجع إلى فطرتها.
وإذا بشباب الأمة يستيقظون من غفلتهم ، ويعودون إلى ربهم .. وإذا بالنساء المسلمات في شتى البلاد يعدن إلى دينهن ، ويعتززن بحجابهن .
وما انتشار ظاهرة الحجاب في مصر وغيرها من البلدان الإسلامية إلا دلالة على هذه الحقيقة، وأن السيادة ستبقى بإذن الله لشرع الله ، (وكلمة الله هي العليا ، والله عزيز حكيم) .
لقد سعى المفسدون في شتى البلدان ، ليصدوا المسلمة عن دينها، ويذبحوها على أعتاب الجامعات والمصانع والمتاجر ، فاستجاب لهم تائهات ومخدوعات، فما لبثوا إلا أن أخرج الله لهم فتياتٍ عفيفات ، رفعن نداء: (رضينا بالله ربا وبالإسلام دينا ومحمد صلى الله عليه وسلم نبيا ورسولا)، فبُدِّدت أطماعهم ، وانقلبوا خاسئين .
حتى قال قائلهم: أصابت المرأة المصرية في أيامنا نكسةٌ ارتدت بها إلى ما قبل، هناك اليوم عشرات الألوف من النساء المرتدات ، ينزلقن طوعاً إلى هُوّة الماضي، والمأساة أن المرأة اليوم تتبرع سلفا بحجاب نفسها ، قبل أن يأمرها بالحجاب والدُها أو زوجُ . انتهى كلامه أهلكه الله أو هداه.
إن أقوى رد يفند أباطيل دعاة الاختلاط ومروجي الانحطاط ، هو تخلي المرأةِ المسلمةِ عنهم بعد أن انخدعت بهم زمنا طويلا، فخلعتِ الحجاب وخالطتِ الرجال، وذاقتْ ويلاتِ جاهلية القرن العشرين، وجرتْ في دروب المفسدين، فما وجدت عندهم إلا البلاء والشقاء ، فعادت لربها ، مستغفرة لذنبها ، (سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ) .
ألا فلتعلم المرأة المسلمة في هذه البلاد ، ولنعلم جميعاً ، أن أن المعركة بين الحجاب والسفور، معركة بين الحق والباطل ، وأعداء الفضيلة في كل زمان ومكان ، وتيرتهم واحدة، وقلوبهم متشابهة ، وكم يعيد التاريخ نفسه، وتلك سنة الله في خلقه ، ولن تجد لسنة الله تحويلاً .
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد ...


 

سامي الحمود
  • كتب وبحوث
  • محاضرات
  • كلمات قصيرة
  • منبر الجمعة
  • مذكرات ضابط أمن
  • تحقيقات ميدانية
  • مقالات وردود
  • معرض الصور
  • قصائد
  • فتاوى أمنية
  • صوتيات
  • الجانب المظلم
  • الصفحة الرئيسية