صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







خطبة ( الذكرى في دروس غزوة بدر الكبرى )

سامي بن خالد الحمود

 
أما بعد .. عباد الله ، ملحمة من ملاحم التاريخ ، وحادثة فرق الله بها بين الحق والباطل .
كانت هذه الملحمة قبلَ أكثرَ من ألفٍ وأربعِمائةِ سنة ، وفي شهر رمضان ، شهرِ الجهاد والفتوحات ، فبين الصيام والجهاد علاقة وثيقة ، وصلة عميقة، فالصيام مجاهدة للنفس والشهوات والشيطان ، والجهاد مغالبة لأعداء الرحمن .
بدأت الأحداث بعد مضي ليالٍ من رمضان في السنة الثانية بعد الهجرة ، حيث بلغ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم خبرُ قافلةٍ تجاريةٍ قادمةً من الشام إلى مكة، يقودها أبو سفيان وفيها أموال قريش، فندب صلى الله عليه وسلم المسلمين أن يخرجوا لاعتراضها لعل الله يكتُبها لهم، ويعوضُهم بعض ما أخذت منهم قريش عندما هاجروا من مكة .
خرج رسول الله بنفسه في ثلاثمائة وبضعة عشر رجلاً من المهاجرين والأنصار، وكانت راية المهاجرين مع مصعب بن عمير وعلي بن أبي طالب ، وراية الأنصار مع سعد بن معاذ ، ولم يكن معهم سوى سبعين بعيرًا وفرسين، فكان الرجلان والثلاثة يتناوبون على ركوب البعير الواحد بما فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وعند أحمد بإسناد حسن عن عبد الله بن مسعود قال: كنا يوم بدر كل ثلاثة على بعير، وكان أبو لبابة وعلي زميلَي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال: فإذا كان عُقْبَة ـ يعني نوبة ـ رسول الله صلى الله عليه وسلم في المشي قالا: اركب يا رسول الله حتى نمشي عنك، فيقول: ((ما أنتما بأقوى على المشي مني، وما أنا بأغنى عن الأجر منكما)).
وبلغ أبا سفيان خروجُ المسلمين لملاقاة القافلة، فبعث رجلاً اسمه ضَمْضَم الغفاري إلى مكة يستصرخ قريشًا أن ينفروا لحماية تجارتهم، فنهضوا مسرعين، وخرجوا من ديارهم كما قال عز وجل: (بَطَرًا وَرِئَاء ٱلنَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ).
ثم إن أبا سفيان انحرف إلى ساحل البحر فنجت القافلة، وكتب إلى قريش أن ارجعوا فإنما خرجتم لتحرِّزوا تجارتكم، فأتاهم خبرُه فهمّوا بالرجوع، فانبعث أشقاهم أبو جهل فقال: والله لا نرجع حتى نقدَمَ بدرًا فنقيمَ فيها ، نطعمُ من حضرنا، ونسقي الخمر، وتعزفُ علينا القِيَان، يعني المغنيات ، وتسمعُ بنا العرب، فلا تزال تهابنا أبدًا وتخافنا.
ولما بلغ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم خبرُ خروج قريش استشار أصحابه، فتكلم أبو بكر ثم عمر ثم المقداد فأحسنوا، ثم استشار النبي صلى الله عليه وسلم الناس مرة أخرى ، فعلم الأنصار أن النبيّ صلى الله عليه وسلم إنما يعنيهم، فقال سعد بن معاذ: كأنك تُعرض بنا يا رسول الله، وكأنك تخشى أن تكون الأنصار ترى حقًا عليها أن لا تنصرك إلا في ديارهم، وإني أقول عن الأنصار وأجيب عنهم: فأمض بنا حيث شئت، وصِل حبل من شئت، واقطع حبل من شئت، وخذ من أموالنا ما شئت، وأعطنا منها ما شئت، وما أخذت منها كان أحبَ إلينا مما تركت، فوالله لئن سرت بنا حتى تبلغ البَرْك من غمدان ـ أقصى الجزيرة ـ لنسيرن معك، ووالله لئن استعرضت بنا هذا البحر لخضناه معك، ثم تكلم المقداد بمثل ذلك، فأشرق وجه الرسول بما سمع منهم وقال: ((سيروا وأبشروا، فإن الله وعدني إحدى الطائفتين، وإني قد رأيت مصارع القوم)).
وسار النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمون إلى بدر ، حتى نزلوا في أدنى ماء من بدر ، فقال الحُبابُ: يا رسول الله، أرأيت هذا المنزل، أمنزلاً أنزلكه الله ليس لنا أن نتقدمه ولا نتأخر عنه أم هو الرأي والحرب والمكيدة؟ قال: ((بل هو الرأي والحرب والمكيدة))، فقال الحُباب: يا رسول الله، فإن هذا ليس بمنزل، فانهض بالناس حتى تأتي أدنى ماء من القوم منزلة، ونغوّر ما وراءه من الماء ، ثم نقاتل القوم فنشرب ولا يشربون، فقال صلى الله عليه وسلم : ((لقد أشرت بالرأي)) ، وأخذ برأي الحباب .
وفي هذا الموقف درس في منهج الإسلام في الشورى والرأي، فما كان أمرًا لازماً من الله فلا مجال للتقدم عليه أو التأخر عنه، وإنما الواجب إزاءه التنفيذ والالتزام. وأما ما كان من باب الرأي وتدبير أمور الدنيا وتقدير المصلحة فهو باب الاجتهاد بالعقل والاستشارة في الرأي .
وبينما المسلمون في بدر إذ لاح لهم جيش قريش، وكانوا قرابة الألف مدججين بالسلاح ، معهم مائةُ فرس، وستمائةِ درع، وجمالٌ كثيرة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اللهم هذه قريش جاءت بخيلائها وفخرها، تجادل وتكذب رسولك، اللهم فنصرك الذي وعدتني))، وقام ورفع يديه واستنصر ربه وبالغ في التضرع، ورفع يديه حتى سقط رداؤه وهو يقول: ((اللهم أنجز لي ما وعدتني، اللهم إن تَهلِك هذه العصابةُ من أهل الإسلام لا تُعبَدْ في الأرض))، فالتزمه أبو بكر من ورائه وقال: حسبك مناشدتُك ربك يا رسول الله، أبشر، فوالذي نفسي بيده لينجزن الله ما وعدك.
ودنت ساعة الصفر ، وبدأ النبي صلى الله عليه وسلم يسوي الصفوف بقدح كان في يده ، فإذا بسواد بن غَزِيّة مائل عن الصف ، فطعن في بطنه بالقدح وقال: استوِ يا سواد ، فقال: يا رسول الله أوجعتني فقدني (يعني يريد القصاص)، فكشف صلى الله عليه وسلم عن بطنه وقال: استقد ، فاعتنقه سواد وأخذ يقبل بطنه ، فقال صلى الله عليه وسلم: ما حملك على هذا؟ قال: يا رسول الله ، قد حضر ما ترى ، فأردت أن يكون آخرُ العهد بك أن يمس جلدي جلدَك . فدعا له النبي صلى الله عليه وسلم .
وقبل القتال ، خرج ثلاثة من خيرة فرسان قريش للمبارزة ، كلهم من أسرة واحدة ، عتبة وشيبة ابنا ربيعة ، والوليد بن عتبة ، فخرج لهم عبد الله بن رواحة وعوف ومعوذ ابنا عفراء ، وكانوا من الأنصار فامتنع فرسان قريش من مبارزتهم ، فقال صلى الله عليه وسلم: قم يا عبيدة بن الحارث ، وقم يا حمزة وقم يا علي . فقتل حمزة شيبة ، وقتل علي الوليد ، واختلف عبيدة وعتبة حتى قطعت رجل عبيدة ، ثم حمل حمزة وعلي على عتبة فقتلاه واحتملا عبيدة معهم.
ثم بدأ القتال العام، وشرع النبي صلى الله عليه وسلم يحرض أصحابه على القتال فقال: ((قوموا إلى جنة عرضها السماوات والأرض))، فقال عُميْر بن الحُمَام: يا رسول الله، أجنة عرضها السماوات والأرض؟! قال: ((نعم))، قال: بخ بخ، فقال رسول الله : ((ما يحملك على قولك: بخ بخ؟)) قال: لا والله يا رسول الله إلا رجاء أن أكون من أهلها، قال: ((فإنك من أهلها))، فأخرج تمرات من قرنه فجعل يأكل منهن، ثم قال: إن أنا حييت حتى آكل تمراتي هذه إنها لحياة طويلة، فما بيني وبين أن أدخل الجنة إلى أن يقتلني هؤلاء، فقذف التمرات من يده وأخذ سيفه فقاتل حتى قتل وهو يقول:
ركضًا إلى الله بغيـر زادِ إلا التُّقى وعَمَلُُ المَعَاِد
والصبرُ في الله على الجهاد وكلُّ زادٍ عُرضَةُ النفادِ
غيرُ التُّقى والبرِّ والرشادِ
هكذا كان أولئك الأبطال ينظرون إلى الحياة، فهي ممر لا مقر، وكل نعيمها زائل لا محالة، ولن يبقى ولن يدوم إلا نعيم الجنان .
واشتد القتال ، وحمي النزال ، وأزهقت النفوس ، وتطايرت الرؤوس ، وثبت الله المؤمنين ، وأمدهم بالملائكة منزَلين ومسوِّمين ومردِفين .
وأغفى النبي صلى الله عليه وسلم إغفاءة ، ثم رفع رأسه فقال: أبشر يا أبا بكر ، هذا جبريل على ثناياه النقع (أي الغبار) .
وكان رأس الرجل من الكفار يطير لا يدري من ضربه ، وكانت يده تطير لا يدري من ضربها .
وقاتل عُكّاشَةُ بن مِحْصَن يوم بدر بسيفه حتى انقطع في يده، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاه جِذْلاً من حطب، فقال: ((قاتل بهذه يا عُكاشة))، فلما أخذه من رسول الله هزَّهُ فعاد سيفًا في يده طويل القامة، فقاتل به حتى فتح الله على المسلمين ، ولم يزل يقاتل بهذا السيف حتى قُتل في حروب الردة وهو عنده .
وأما قائد جيش الكفر أبو جهل ، فقد التفت حوله عصابة من المشركين ، وقالوا: أبو الحكم لا يُخلَص إليه . ولكن هيهات .
قال عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه: إني لواقف يوم بدر، فنظرت عن يميني وشمالي فإذا أنا بين غلامين من الأنصار حديثة أسنانهما، فتمنيت أن أكون بين أضلع منهما، فغمزني أحدهما فقال: يا عماه، أتعرف أبا جهل؟ فقلت: نعم، وما حاجتك إليه؟! قال: أُخبرت أنه يسب رسول الله ، والذي نفسي بيده لئن رأيته لا يفارق سوادي سواده حتى يموت الأعجل منا، فتعجبت لذلك، فغمزني الآخر فقال لي أيضا مثلها، فلم ألبث أن نظرت إلى أبي جهل وهو يجول في الناس، فقلت: ألا تريان، هذا صاحبكم الذي تسألاني عنه، فابتدراه بسيفيهما فضرباه حتى قتلاه. ثم احتز رأسه ابن مسعود وجاء به إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فكبر وحمد الله وقال: هذا فرعون هذه الأمة .
وانجلت المعركة عن نصر عظيم للمسلمين ، وانهزمت جموع الكفار وولت الدبر ، مصداقاً لقول الله: (سيهزم الجمع ويولون الدبر) وقُتِل منهم سبعون ، معظمهم من صناديدِهم وأشرافِهم، وعلى رأسهم أبو جهل، وأُسِر منهم سبعون ، وفر الباقون يجرون أذيال الهزيمة إلى مكة ، واستشهد من المسلمين أربعة عشر رجلا رضي الله عنهم.
منهم حارثة بن سُراقة ، كان قد رُمي بسهم وهو يشرب من الحوض، فأصاب نحره فمات، وقد ثبت في الصحيحين عن أنس أن أم حارثة قالت: يا رسول الله، أخبرني عن حارثة، فإن كان في الجنة صبرت ، وإن كان غير ذلك اجتهدت عليه بالبكاء، فقال رسول الله : ((يا أم حارثة، إنها جنان في الجنة، وإن ابنك أصاب الفردوس الأعلى)) .
أيها الأحبة .. وفي هذه الغزوة العظيمة دروس كثيرة، أولها:
1) درس في فضل الجهاد في سبيل الله .
الجهاد ذروة سنام الدين ، وسبيل عز المؤمنين ، وهو أفضل عملٍ يتقرب به العبد لربه بعد الإيمان به ، ففي الصحيحين عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله، أي العمل أفضل؟ قال : ((الإيمان بالله ، والجهاد في سبيله)) .
إن منزلة الجهاد منزلة عظيمة لا يصل إليها إلاَ مَن عظمت الآخرة في نفسه ، وهانت الدنيا عنده، ورسخت محبة الله في سويداء قلبه، فعاش بالله ولله ومع الله .
بهذه العقيدة الصحيحة ربى الرسول صلى الله عليه وسلم أصحابه، فتسابقوا للجهاد، وواجهوا أعداء الله بثبات وإيمان، وحرصوا على الموت حرص غيرهم على الحياة، فنصر الله بهم الدين ، وجعلهم أحياءً في الدارين ، فهم أحياءٌ فوق الأرض بالعزةٍ والتمكين ، وهم أحياءٌ تحت الأرض عند ربهم يرزقون .
وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن هذه الأمة عزّها في الجهاد، متى ما رفعت راية الجهاد كانت عاقبتها النصر والعزة والتمكين، ومتى ما استكانت ورضيت بالقعود وتركت الجهاد ضربت بالذلة، وتسلط عليها أعداؤها .
قال صلى الله عليه وسلم: ((إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم أذناب البقر ورضيتم بالزرع وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلاً لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم)). رواه أحمد وأبوداود عن ابن عمر وصححه الألباني.
وإذا عرفنا فضل الجهاد والاستشهاد .. فإن الجهاد لا بد له من إعداد واستعداد .
إن غزوة بدر لم تكن مقطوعة الصلة بما سبقها من تربية طويلة بمكة ثم بالمدينة ، حتى إذا قويت شوكة النبي صلى الله عليه وسلم وقوي عود أصحابه شرع الله لهم الجهاد .
ليس الجهاد بأعمال طائشة ، يقوم بها بعض المتهورين ، دون علم راسخ ، ونظر في المصالح والمفاسد .
ولهذا قرر أهل العلم أن الأمة متى ما ضعفت أو كانت المصلحة في ترك الجهاد فإن الأمة تؤخر الجهاد أعني جهاد الطلب ، ويبقى جهاد الدفع واجباً بقدر الاستطاعة إذا دهم العدو بلاد المسلمين .
2) في هذه الغزوة تجلت صور الحب الحقيقي لله ورسوله ، والاستجابة لله وللرسول، وبرزت صفحات من البطولة والتضحية .
كان الصحابة يتسابقون إلى ساحات الجهاد، ويتنافسون على القتال في سبيل الله ونيل الشهادة .
بل كان لصغار الصحابة نصيب من هذه البطولات ،
فهذا عمير بن أبي وقاص أخو سعد ، حضر غزوة بدر وعمره ستة عشر عاماً .. وكان قبل المعركة يتخفى عن النبي صلى الله عليه وسلم حتى لا يراه فيردَّه بسبب صغره .. وسرعان ما اكتشف هذا البطل الصغير .. فيؤتى به إلى النبي صلى الله عليه وسلم .. فلما رآه صغيراً رده عن المشاركة في المعركة .. فتولى وهو يبكى .. فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم بكاءه وإصراره أجازه ، فدخل المعركة ، فقاتل حتى قتل .. رضي الله عنهم أجمعين .
عباد ليل إذا جن الظلام بهم كم عابدٍ دمعَه بالخد أجراه
وأسدغاب إذالاح الجهاد بهم هبواإلى الموت يستجدون لقياه
يا رب فابعث لنا من مثلهم نفراً يشيدون لنا مجداً أضعناه
3) درس في نصر الله تعالى لأوليائه . حيث استجاب الله دعاء رسوله وأصحابه، ونصر حزبه، وأنجز وعده ، مع وجود الفارق في العدد والعدة.
(وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ ٱللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ) ، لقد أراد الله سبحانه أن يعرف المسلمون على مدى التاريخ أن النصر سنةٌ من سنن الله، وهو سبحانه إنما ينصر من ينصره ، فليس النصر بالعدد والعدة فقط، وإنما هو بمقدار اتصال القلوب بقوة الله (وما النصر إلا من عند الله) .
ونحن اليوم قبل أن نقول: أين نصر الله؟ نقول: أين المسلمون؟
وما فتئ الزمان يدور حتى مضـى بالمجـد قوم آخرونَ
وآلَمني وآلـم كلَّ حـر سؤال الدهر: أين المسلمونَ؟
أين المسلمون ، واليهود يدنسون المسجد الأقصى وينتهكون الحرمات في الأرض المباركة؟! أين المسلمون وديار الإسلام تضيع الواحدة تلو الأخرى؟!.
لقد أصبح المسلمون اليوم مع كثرتهم غثاءً كغثاء السيل، كما أخبر عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وإذا أراد المسلمون نصر الله فلينصروا الله بالتمسك بدينه أولاً ، ثم بالأخذ بأسباب النصر من قوةٍ وعُدة ، (وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللَّهِ يَنصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ).
يا قدس مهما الليل طال *** فلن يدوم الاحتلال
الكفر ولّى لن يعود *** ولست في هذا مغال
الفجر آت لا محال *** والظلام إلى زوال
لاحت تباشير الصباح *** وجاء دورك يا بلال
4) ومن دروس هذه الغزوة ، أن رابطة الدين وعقيدة الولاء والبراء أعظم من كل العلاقات والقرابات والأنساب.
ها هو عبد الرحمن بن أبي بكر بعدما أسلم ، يقول لأبيه أبي بكر رضي الله عنه: لو رأيتني وأنا أُعرِض عنك في بدر حتى لا أقتلَك، فقال أبو بكر: أما إني لو رأيتك وقتئذٍ لقتلتك. ويقابل أبو عبيدة رضي الله عنه أباه في المعركة فيقتلَه. ويمر مصعب بن عمير بعد نهاية المعركة ورجل من الأنصار يأسِرُ أخاه أبا عزيز، فيقول مصعب: شدَّ وثاقه فإن أمَّه ذاتُ مال، فيقول أخوه: أهذه وصاتك بي؟! فيقول مصعب: هو ـ أي: الأنصاري ـ أخي دونك .
إنها صور فريدة ، تمثل التطبيق الواقعي لمبدأ الولاء والبراء، فالرابطة الحقيقة هي رابطة الدين والعقيدة، فلا نسبَ ولا صهر ، ولا أهلَ ولا قرابة ، ولا وطنَ ولا جنس ، ولا عصبةَ ولا قومية ، حين تقف هذه الوشائج دون ما أراد الله، وإنما الحب والولاء لله ولرسوله وللمؤمنين . أولئك حزب الله ، ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هو الغالبون .

الخطبة الثانية
الحمد لله وحده أنجز وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده ، وصلى الله على من لا نبي بعده ، وعلى آله وصحبه ، وسلم تسليماً كثيراً .
عباد الله .. أيام معدودة وتنسلخ العشرون الأُوَلُ من شهر رمضان، وتدخل العشر الأواخر منه، العشر المباركة ، التي هي أعظم أيام رمضان فضلاً ، وأرفعُها قدرًا ، وأكثرُها أجرًا، تصفو فيها الأوقات للذيذ المناجاة، وتسكب فيها العبرات بكاءً على السيئات، فكم فيها لله من عتيق من النار، وكم فيها من أسير للذنوب وصله الله بعد الجفاء، وكتب له السعادة بعد طول شقاء، إنها الفرصة التي إذا ضاعت فلن تنفع بعدها الحسرات، والأعمار بيد الله، (وَمَا تَدْرِى نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِى نَفْسٌ بِأَىّ أَرْضٍ تَمُوتُ) .
وقد روى الإمام مسلم في صحيحه عن عائشة رضي الله عنهما قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر شد مئزره وأحيا ليله وأيقظ أهله .
فلا ينبغي لك أخي أن تفوت هذه الفرصة الثمينة على نفسك وأهلك . وما هي إلا ليالٍ معدودة لعلك تدرك فيها نفحةً من نفحات الرحمن ، تكون بها سعادتك في الدنيا والآخرة .
إنه لمن الحرمان العظيم والخسارة الكبيرة أن تجد فئاماً من المحرومين في هذه العشر، رجال دَأبهم سهر في الاستراحات ، ومشاهدة للمحرمات ، وتسكع في الطرقات، ونساء شغلهن التردد على الأسواق لحاجة وغير حاجة ، والانشغال بالتوافه من الأمور .
فاغتنموا عباد الله شريف الأوقات، وبادروا بالأعمال الصالحات ، واعملوا وأحسنوا وأبشروا، إن الله لا يضيع أجر المحسنين .
اللهم صل على محمد ، وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم ...

 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
سامي الحمود
  • كتب وبحوث
  • محاضرات
  • كلمات قصيرة
  • منبر الجمعة
  • مذكرات ضابط أمن
  • تحقيقات ميدانية
  • مقالات وردود
  • معرض الصور
  • قصائد
  • فتاوى أمنية
  • صوتيات
  • الجانب المظلم
  • الصفحة الرئيسية