اطبع هذه الصفحة


نصيحة للشباب
(على خلفية استباحة بعض الشباب للعمليات التخريبية ،
ويليها نظرة شرعية بما يسمى " الرأي الآخر ")
لفضيلة الشيخ : د. صالح بن فوزان الفوزان
- حفظه الله -

إعداد : ماجد بن سليمان الرسي

 
الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه ومن والاه وبعد :
فإنه لما حدثت التفجيرات في الرياض وغيرها ، وقد قام بها ثلة من شباب المسلمين ، استغرب الناس هذا الحدث ، واختلفوا في تعليلاته وأسبابه ، وكل أدلى برأي .

والذي أراه سببا وحيدا لذلك هو تربية الشباب منذ صغرهم على مناهج دعوية وافدة تخالف المنهج السليم الذي كانت تسير عليه البلاد ، ويتلقون أفكارا من خلال تلك المناهج ، أدت بالكثير منهم إلى ما لا تحمد عقباه .

لقد كان صدر هذه الأمة من الصحابة والتابعين والقرون المفضلة يسيرون على منهج الكتاب والسنة الذي تركهم عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأوصاهم بالتمسك به فقال : (إني تارك فيكم ما إن تمسَّكتم به لن تضلوا بعدي : كتاب الله وسنتي) .

وقال عليه الصلاة والسلام : (فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً ، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي ، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ ، وإياكم ومحدثات الأمور ، فإن كل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة) .
والله تعالى قد أوصانا باتباع السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان ، فقال - سبحانه وتعالى - : {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} .

ومنهج هؤلاء الذين أوصانا الله باتباعهم يحتاج منا إلى معرفته وتعلمه ، ومعرفة ما يخالفه ويضادّه حتى نتجنبه ، إذ لا يمكن لنا اتباع منهج السلف إلا بمعرفته ، ولهذا قال سبحانه : {وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَان} ، أي باعتدال من غير غلوّ ، ومن غير تساهل ولا تفريط ، ولا يمكن ذلك إلا بتعلم هذا المنهج ، وعِلم ما يخالفه ويضاده ، ولذلك ألَّف الأئمة كتب العقائد التي فيها بيان منهج السلف وبيان منهج المخالفين لهم ، من شيعة وقدرية وخوارج وجهمية ومعتزلة ومشتقاتهم من الفرق الضالة التي أخبر عنها - صلى الله عليه وسلم - بقوله : (وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة ، كلها في النار إلا واحدة . قيل : من هي يا رسول الله ؟ قال : من كان على ما أنا عليه وأصحابي) .

واليوم شبابنا تتخطفهم مناهج مختلفة ، فيحتاجون إلى دراسة عقيدة السلف الصالح بعناية تامة ، وتحذيرهم من الانقسامات تبعاً للمناهج الوافدة ، عملا بقوله تعالى : {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} .

وكثير ممّن ينتمون لمنهج السلف يجهلونه ولذلك اختلفوا بينهم ، كلٌّ يزعم أن الصواب معه ، فحصلت بينهم صراعات مريرة ، بل وصل الأمر ببعضهم إلى التكفير لغيرهم أو التفسيق والتبديع نتيجة للجهل بمنهج السلف ، فلم يتبعوه بإحسان ، بينما فِرق أخرى من الحزبيين تُزهد بمنهج السلف ، وتتبع رموزاً من حركيين ومنظرين أبعدوهم عن منهج السلف ، فاعتنقوا أفكاراً غريبة عن منهج السلف ، وكلا الفريقين من هؤلاء وهؤلاء على طرفي نقيض وفي صراع مرير ، أفرحوا به أعداء الإسلام ، ولا ينجي من هذا الصراع والاختلاف بين صفوف شباب الأمة إلا الرجوع الصادق إلى الكتاب والسنة وما عليه سلف الأمة وأئمتها ، قال الله تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ} ، والرد إلى الله هو الرد إلى كتابه ، والرد إلى الرسول هو الرد إلى سنته ، وهذا لا يحصل ولا يتحقق إلا بتعلم العقيدة الصحيحة المأخوذة من الكتاب والسنة وما كان عليه سلف الأمة وأئمتها ، وهذا - ولله الحمد - مضمَّن في مناهج الدراسة وكتب العقيدة المقررة في مدارسنا ومعاهدنا وكلياتنا ومساجدنا ، فيا أيها المدرسون الكرام ونحن في بداية العام الدراسي ، الله الله ، عليكم الجدّ والاجتهاد في توضيح هذه العقيدة الصحيحة السليمة لأبنائكم الطلاب ، حتى تكون لهم حصناً منيعاً - بإذن الله - يقيهم من الانحراف الفكري ، وربُّـوهم على التآخي في الحق وعِفة القول فيما بينهم ، بدلاً من التراشق فيما بينهم بالاتهامات الجارحة ، والوقيعة في أعراض العلماء والدعاة ، قال تعالى : {فَاتَّقُواْ اللّهَ وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} .

وحينما أقول : إن الشباب على طرفي نقيض حول منهج السلف ، فلست أعني كل الشباب ، لأن هناك كثيراً من الشباب - ولله الحمد - على منهج سليم ، ومنهج وسط معتدل هو منهج السلف الصالح ، وهم قدوة صالحة لشباب الأمة ، نرجو الله أن يثبتهم ويرزقهم الفقه في دينه ، لكننا نخاف عليهم التأثر بالتيارات المضللة التي اجتاحت فئات من شبابنا ، والحي لا تؤمن عليه الفتنة ، كما قال بعض السلف : (من كان مستناً فليستن بمن قد مات ، فإن الحي لا تؤمن عليه الفتنة ) .

فيا شباب الأمة ، خذوا عن العلماء الربانيين الذين يدعون إلى كتاب الله وسنة رسوله ، ويعلمونكم العلوم النافعة في المدارس والمساجد ، وإياكم والأخذ عن أهل الضلال والجُهال وأصحاب الأهواء ، وخذوا عمن تثقون بعلمه ودينه وعقيدته ، كما قال بعض السلف : (إن هذا العلم دين فانظروا عمّن تأخذون دينكم) ، فأقبلوا على طلب العلم الصحيح ، واحذروا من التفرق والتنابز بالألقاب ، قال الله تعالى : {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ} ، وقال تعالى : {وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} ، وذلك بسبب تفرقهم واختلافهم .

وخذوا بوصية نبيكم - صلى الله عليه وسلم - حيث قال : (فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً ، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي ، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ) ، وخُوفوا مما خاف منه النبي - صلى الله عليه وسلم - حينما قال : (وإنما أخاف على أمتي الأئمة المضلين) .
إنه ليس لنا إمام وقدوة سوى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال الله تعالى : {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخر} .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية : (من قال هناك شخص يجب اتباعه غير الرسول - صلى الله عليه وسلم - فإنه يستتاب ، فإن تاب وإلا قُـتل) .

ومعنى هذا أن غير الرسول لا يُتَّبع إلا إذا اتبع الرسول ، ومن خالف الرسول حرم اتباعه ، وأبو بكر - رضي الله عنه - يقول : (أطيعوني ما أطعت الله فيكم فإن عصيته فلا تطيعوني) ، ومعنى هذا أنه ليس هناك متبوع معصوم غير الرسول - صلى الله عليه وسلم - .

وعليكم معشر الشباب بتوقير العلماء والمدرسين حتى تستفيدوا من علمهم ، فإن احتقرتموهم حُرمتم من علمهم ، وفق الله الجميع للعلم النافع والعمل الصالح .

هناك من يدعو إلى البقاء على التفرق في الآراء ، كما نقرأ لهم في الصحف والمجلات ، ويقولون : (إن هذا من يسر الإسلام في قبول الرأي والرأي الآخر ، ومِن الأخذ بالاجتهاد) ، وهذا من المغالطة والتضليل ، لأن الله لم يرضَ لنا البقاء على الاختلاف ، بل حذرنا من ذلك ، فقال سبحانه : {وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ . يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ} ، قال ابن عباس - رضي الله عنهما - : تبيض وجوه أهل السنة والجماعة ، وتسود وجوه أهل الفرقة والإضاعة .

والأخذ بأقوال المجتهدين - وهو الذي يعبر عنه بقولهم : لا إنكار في مسائل الاجتهاد - فذلك حينما لا يتبين الدليل مع أحد المختلفين ، فإذا تبين وجب الأخذ بما قام عليه الدليل وترك ما خالفه ، وهو معنى قوله تعالى : {فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ} ، وأصحاب هذه الفكرة يقولون : (لا تردون مسائل النـزاع إلى الله والرسول ، وإنما كلٌّ يبقى على قوله ، ويجوز لنا الأخذ بأي قول دون نظر إلى مستنده ) !
نحن لا نتعصب لإمامٍ معينٍ لا نأخذ إلا بقوله ، وإنما نتبع الدليل مع أي إمام كما أمرنا الله ورسوله بذلك ، قال الإمام أبو حنيفة رحمه الله : (إذا جاء الحديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فعلى الرأس والعين ، وإذا جاء الحديث عن الصحابة فعلى الرأس والعين ، وإذا جاء عن التابعين فهم رجال ونحن رجال ) ، أي هم مجتهدون ونحن مجتهدون ، حيث لا دليل .
وقال الإمام الشافعي رحمه الله : أجمع المسلمون على أن من استبانت له سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يكن له أن يدعها لقول أحد .

وقال رحمه الله : إذا خالف قولي قول رسول الله فاضربوا بقولي عرض الحائط .
وقال الإمام مالك رحمه الله : أو كلما جاءنا رجل أجدل من رجل تركنا ما جاء به جبريل إلى محمد لجدل هؤلاء ؟ .
وقال الإمام أحمد رحمه الله : عجبت لقوم عرفوا الإسناد وصحته يذهبون إلى رأي سفيان ، والله تعالى يقول : {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} .

وقبل هؤلاء الأئمة يقول ابن عباس رضي الله عنهما - لما خالفه أبو بكر وعمر رضي الله عنهما في مشروعية فسخ الحج إلى العمرة مع أن سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - واضحة في مشروعية الفسخ - قال : (يوشك أن تنـزل عليكم حجارة من السماء ، أقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وتقولون : قال أبو بكر وعمر) .
أقول : فكيف بالذين يقولون الآن : (قال المفكر الفلاني والكاتب والفلاني) ، ممّا يخالف كلام الله وكلام رسوله ، ويُسر الإسلام ليس باتباع الأقوال ، وإنما هو بالأخذ بالرخص الشرعية ؟!
اللهم إنا نبرأ إليك من هذا القول ، ونسألك الثبات على الحق ، ونعوذ بك من اتباع الهوى ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه .


عضو هيئة كبار العلماء
جريدة الجزيرة / 6 / 7 / 1425/ هـ

 

ماجـد الرسي
  • كتب عربية
  • رسائل العقيدة
  • "English"انجليزي
  • "Philippino"الفلبينية
  • كتب بلغات أخرى
  • بريد الكاتب e-mail
  • الصفحة الرئيسية