اطبع هذه الصفحة


كشف الغطاء
عن عيني من جعل بينه وبين الله
واسطة في الدعاء
(بيان لبطلان اتخاذ العبد واسطة بينه وبين الله تعالى من عشرين وجها)

ماجد بن سليمان الرسي

 
مقدمة

الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ، وبعد،
فإن الغاية التي من أجلها خلق الله الجن والإنس هي أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا ، قال تعالى ]وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون[ ، والعبادة تشمل كل ما يحبه الله ويرضاه ، من الأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة .
فالصلاة والزكاة والصيام والحج وصدق الحديث وأداء الأمانة وبر الوالدين وصلة الأرحام والوفاء بالعهود والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وجهاد الكفار والمنافقين ، والإحسان إلى الجار واليتيم والمسكـين وابن السبيل والمملوك ، والإحسان إلى البهائم ، والدعاء والذكر والقراءة وأمثال ذلك من العبادة .
وكذلك حب الله ورسوله ، وخشية الله والإنابة إليه ، وإخلاص الدين له ، والصبر لحكمه ، والشكر لنعمته ، والرضا بقضائه ، والتوكل عليه ، والرجاء لرحمته ، والخوف من عذابه ، وأمثال ذلك ؛ هي من العبادة لله .
وضد العبادة الشرك في عبادة الله ، بأن يجعل الإنسان لله شريكا يعبده كما يعبد الله ، ويخافه كما يخاف الله ، ويتقـرب إليه بشيء من العبادات كما يتقرب لله ، من دعاء وصلاة أو ذبح أو نذر أو غير ذلك .
والكلام في هذا البحث المختصر منصب على مسألة صرف عبادة الدعاء لغير الله ، وقبل البدء في مناقشة هذه المسألة أقول إن الدعاء عبادة جليلة ، قد خصها الله بالذكر في كثير من الآيات ، وبـين النبـي صلى الله عليه وسلم شرفها في كثير من الأحاديث الصحيحة ، إلا أنه من أكثر العبادات التي شرّك الناس فيها بين الله وبين خلقه ، فإنك تجد - مع الأسف الشديد - كثيرا ممن ينتسب إلى الإسلام قد وقعوا في دعاء غير الله والاستغاثة بهم ، سواءً كانوا من الأنبـياء أو الصالحين ، كمن يقول يا نبـي الله ، أو يا عبد القادر الجيلاني ، أو يا بدوي ، أشكو إليك ذنوبـي ، أو نقص رزقي ، أو تسلط العدو علي ، أو أشكو إليك فلانا الذي ظلمني ، أو يقول أنا نـزيلك ، أنا ضيفك ، أنا جارك ، أو أنت تجير من يستجير ، أو أنت خير معاذ يستعاذ به ، أو ارزقني الولد ، أو قول القائل إذا عثر : يا جاه محمد ، يا ست نفيسة ، أو يا سيدي الشيخ فلان ، ونحو ذلك من الأقوال التي فيها تعلق وتوجه ودعاء  لغير الله ، وبعضهم يكتب على أوراق ويعلقها عند القبور ، أو يكتب محضرا أنه استجار بفلان ، ثم يذهب إلى أحد المقبورين بذلك المحضر ليغيثه!
وفي هذه الوريقات ؛ نقلت ما يسر الله نقله من أدلة شرعية على عظم شأن الدعاء من بين سائر العبادات ،  ثم ذكرت الأدلة الدالة على وجوب دعاء الله وحده وترك دعاء من سواه ، ثم عطفت بذكر الجواب عن الشبهة التي يتناقلها الناس قرنا بعد قرن ، ومفادها أن العبد ينبغي له أن لا يدعو الله مباشرة ، بل ينبغي له أن يدعو من يُنسبون إلى الصلاح من أصحاب القبور ونحوهم ، وهم بدورهم يرفعون الدعاء إلى الله!
وقد أجبت على هذه الشبهة وبينت بطلانها من عشرين وجها ، من الكتاب والسنة ، وبينت أيضا أن فاعل ذلك مشرك بالله العظيم ، وأن قد فَعل فِعل المشركين الذين بعث إليهم النبي صلى الله عليه وسلم سواء بسواء ، وإن صلى وصام وزعم أنه مسلم .
كما  نقلت ما يسر الله نقله عن علماء المذاهب الفقهية المشهورة في تحريم دعاء غير الله ، تحت أي ذريعة كانت ، الوساطة أو غيرها .
والله أسأل أن يوفق المسلمين جميعا لإخلاص العمل لله وحده ، وأن يجنبهم طرق الشرك والضلال ، والله أعلم ، وصلى الله على نبينا محمد ، وآله وصحبه وسلم تسليما كثيرا .


وكتبه ، ماجد بن سليمان الرسي
Readquran1000@hotmail.com
هاتف : 00966505906761
المملكة العربية السعودية
www.saaid.net/book
 



تأصيلات علمية بين يدي البحث
الدعاء عبادة


الدعاء عبادة جليلة ، قد خصها الله بالذكر في كثير من الآيات ، وبـين النبـي صلى الله عليه وسلم شرفها في كثير من الأحاديث الصحيحة .
وقد جاءت الأدلة في بيان عِظم شأن الدعاء فمنها :
حديث سلمان الفارسي عن النبـي صلى الله عليه وسلم قال : إن الله حيـي كريم يستحيـي إذا رفع الرجل إليه يديه أن يردهما صفراً خائبتين .[1]
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا يرد القضاء إلا الدعاء .[2]
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ليس شيء أكرم على الله تعالى من الدعاء .[3]
وقد جاء تصريح النبـي صلى الله عليه وسلم في أن الدعاء عبادة في قوله : الدعاء هو العبادة ، وقرأ }وقال ربكم ادعوني استجب لكم( إلى قوله )داخرين{ .[4]
وحصْر العبادة في الدعاء - وإن كان حصْراً ادعائيا - فإنه يدل على عظـم الدعاء وشرف مكانته ، وأنه لب العبادة وخالصها ، وركنها الأعظم ، وهو كقوله صلى الله عليه وسلم : الحج عرفة .[5]
كما سمى الله الدعاء عبادة في قوله }قل إني نهيت أن أعبد الذين تدعون من دون الله لما جاءني البـينات من ربـي{ ، وقال تعالى }وقال ربكم ادعوني استجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين{ ، فعبر الله عن الدعاء بالعبـادة في الآيتين ، فدل ذلك على عِظم شأنه .
وقد سمى الله الدعاء ديناً كما في قوله تعالى }وإذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين فلما نجاهم إلى البر إذا هم يشركون{.
فجعل الله سبحانه الدين بدلا من الدعاء ، وعرفه بالألف واللام التي تفيد  العهد ، فدل ذلك على أن الدعاء دينا ، وما كان دينا فهو عبادة .
وقد أمر الله بدعائه ، وكل ما أمر الله بفعله فهو عبادة واجبة أو مستحبة ، قال تعالى }وقال ربكم ادعوني استجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين{ ، وقال تعالى ]ادعوا ربكم تضرعا وخفية[ .
وكذلك النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالدعاء كما في قوله : فأما الركوع فعظموا فيه الرب تعالى ، وأما السجود فأكثروا من الدعاء ، فقمـِِنٌ[6] أن يستجاب لكم .[7]
قال الشيخ عبد الله أبا بطين رحمه الله[8] :
وكل ما أمر الله به أمر إيجاب أو استحباب فهو عبادة عند جميع العلماء ، فمن قال إن دعاء العبد ربه ليس بعبادة له فهو ضال ، بل كافر .[9]
فصل في الأمر بدعاء الله وحده والنهي عن دعاء غيره
القرآن والسنة يأمران بإفراد الله بالدعاء ، وينهيان عن دعاء غيره ، ومن ذلك قوله تعالى }ادعوا ربكم تضرعا وخفية{[10] ، وقوله تعالى }أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض{[11] ، وقوله تعالى }وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان{[12] ، وقوله تعالى }واسألوا الله من فضله{[13].
قال الشيخ عبد الرحمن بن قاسم رحمه الله :
وأما إفراد الله بالدعاء فجاء ذكره في نحو ثلاثمائة موضع منوعاً ، تارة على صيغة الأمر به ، كقوله }أدعوني استجب لكم{[14] ، }وادعوه مخلصين له الدين{ [15].
وتارة يذكره الله بصيغة النهي كقوله }فلا تدعوا مع الله أحداً{ [16].
وتارة يقرنه بالوعيد كقوله }فلا تدع مع الله إلـٰهاً آخر فتكون من المعذبين{[17].
وتارة بتقرير أنه هو المستحق للألوهية والتعبد كقوله }ولا تدع مع الله إلـٰهاً آخر لا إلـٰه إلا هو{[18].
وتارة في الخطاب بمعنى الإنكار على الداعي كقوله }ولا تدع من دون الله ما لا ينفعك ولا يضرك{[19].
وتارة بمعنى الإخبار والاستخبار }قل أرأيتم ما تدعون من دون الله أروني ماذا خلقوا من الأرض أم لهم شرك في السماوات{[20].
وتارة بالأمر الذي هو بصيغة النهي والإنكار }قل ادعوا الذين زعمتم من دون الله لا يملكون مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض{[21].
وتارة أن الدعاء هو العبادة ، وأن صرفَه لغير الله شرك }ومن أضل ممن يدعو من دون الله من لا يستجيب له إلى يوم القيامة{ إلى قوله }وكانوا بعبادتهم كافرين{[22] ، }وأعتزلكم وما تدعون من دون الله{ إلى قوله }فلما اعتزلهم وما يعبدون من دون الله{[23].
وفي الحديث : (الدعاء هو العبادة)[24] ، صححه الترمذي وغيره ، وقد أتى فيه بضمير الفصل ، والخبر المعرَّف باللام ليدل على الحصر ، وأن العبادة ليست غير الدعاء ، وأنه مُعظم كل عبادة[25] ، ونهى ألا يشرك معه أحد فيه ، حتى قال في حق نبيه صلى الله عليه وسلم }قل إنما أدعوا ربي ولا أشرك به أحداً{ [26] ، وأخبر أنه لا يَغفر أن يشرك به .[27] انتهى .
ومن أدلة وجوب إفراد الله بالدعاء ؛ حديث ابن عباس رضي الله عنه ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إذا سألت فاسأل الله ، وإذا استعنت فاستعن بالله .[28]
فلو جاز سؤال غير الله لقال : واسألني واستعن بـي ، بل أتى صلى الله عليه وسلم بمقام الإرشاد والإبلاغ والنصح لابن عمه بتجريد إخلاص السؤال والاستعانة على الله تعالى .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ينـزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى سماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر ، يقول : من يدعوني فأستجيب له ؟ من يسألني فأعطيه ؟ من يستغفرني فأغفر له ؟ .[29]
وقال رسول الله : إذا تمنى أحدكم فليستكثر ، فإنما يسأل ربه عز وجل .[30]
وقال تعالى ]يسأله من في السماوات والأرض[ ،  قال ابن سعدي رحمه الله: أي هو الغني بذاته عن جميع مخلوقاته وهو واسع الجود والكرم فكل الخلق مفتقرون إليه يسألونه جميع حوائجهم ومجالهم ومقالهم ولا يستغنون عنه طرفة عين ولا أقل من ذلك وهو تعالى (كل يوم هو في شأن) يغني فقيرا ويجبر كسيرا ويعطي قوما ويمنع آخرين ويميت ويحيي ويخفض ويرفع لا يشغله شأن عن شأن ولا تغلطه المسائل ولا يبرمه إلحاح الملحين ولا طول مسألة السائلين فسبحان الكريم الوهاب الذي عمت مواهبه أهل الأرض والسماوات وعم لطفه جميع الخلق في كل الآنات واللحظات وتعالى الذي لا يمنعه من الإعطاء معصية العاصين ، ولا استغناء الفقراء الجاهلين به وبكرمه .
 

{نص الشبهة ؛ شبهة الواسطة والشفاعة}


قال بعضهم : نحن مذنبون عصاة ، وبعيدون عن جناب الله ، فليس من اللائق بنا أن ندعوا الله مباشرة ، لأننا إن دعوناه مباشرة عدنا بخُفَّي حُنَين ، لكوننا مذنبون عصاة ، وإنما ندعوه بواسطة أناسا صالحين ، أقرب إلى الله منا ، يستجيب لهم إذا دعوه ، ويقبل شفاعتهم إذا شفعوا لنا لديه ، فنطلب حاجاتـنا من الله عن طريقهم ، ونقدم بـين دعائنا ذِكرهم ، ثم هم يرفعون الدعاء إلى الله ، عسى أن ينظر الله إلينا إكراما لهم ، ويجيب دعائنا مراعاة لخاطرهم ، فإذا احتجنا الولد أو سعة الرزق أو غير ذلك توجهنا لأولئك الصالحون بالدعاء ، ومن ثم هم يرفعون الدعاء إلى الله ، فلماذا تمنعون هذا النوع من الدعاء ، مع أن البشر يستعملونه فيما بـينهم ، كملوك الدنيا الذين يطلب الناس حاجاتهم منهم عن طريق الوسطاء من الحجاب والوزراء والمقربـين ، فلماذا لا نستعمله مع الله؟
والجواب عن هذه الشبهة من عشرين وجها :
الوجه الأول : أن دعاء غير الله شرك أكبر مهما كانت ذريعته ، توسط أو غيره ، والشرك محرم في جميع الشرائع ، وناقض لدين الإسلام بالكلية ، قال تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم )ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين * بل الله فاعبد وكن من الشاكرين(.
وهذه المسألة مجمع عليها عند علماء الإسلام قاطبة ، بما فيهم علماء المذاهب الأربعة وغيرهم ، فقد أجمعوا على أن دعاء غير الله شرك أكبر مخرج من ملة الإسلام ، وإجماع المسلمين حجة شرعية كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم : إن الله تعالى لا يجمع أمتي على ضلالة ، ويد الله على الجماعة .[31]
وفيما يلي ذكر طرف من أقوالهم رحمهم الله.
أما كلام الحنفية ؛ فقال الشيخ محمد عابد السندي الحنفي في كتابه « طوالع الأنوار شرح تـنوير الأبصار مع الدر المختار »:
ولا يقول : يا صاحب القبر ، يا فلان ، إقض حاجتي ، أو سلها من الله ، أو كن لي شفيعا عند الله ، بل يقول : يا من لا يشرك في حكمه أحدا ؛ اقض لي حاجتي هذه .
وبهذا قال من أئمة الحنفية المتأخرين الإمام أحمد السرهندي ، والإمام أحمد الرومي ، والشيخ سجان بخش الهندي ، ومحمد بن علي التهانوي ، ومحمد إسماعيل الدهلوي ، والشيخ أبو الحسن الندوي ، وشدد في ذلك .[32]
وللشيخ الدكتور شمس الدين الأفغاني رسالة عظيمة جمع فيها أقوال علماء الأحناف في إبطال عقائد القبورية ، وأسماها «جهود علماء الحنفية في إبطال عقائد القبورية» ، تقع في ثلاث مجلدات ، نال فيها رسالة الدكتوراة العالمية .
وأما كلام المالكية ؛ فقال أبو بكر الطرطوشي في كـتاب « الحوادث والبدع » لما ذكر حديث الشجرة المسماة بذات أنواط : فانظروا رحمكم الله أينما وجدتم سدرة أو شجرة يقصدها الناس ، ويُعظمون من شأنها ، ويرجون البُـرء والشفاء لمرضاهم من قِـبَلِها ؛ وينوطون بها المسامير والخرق ؛ فهي ذات أنواط ، فاقطعوها .[33]
وأما كلام الشافعية ؛ فقال ابن حجر الشافعي في « شرح الأربعين النووية » : من دعا غير الله فهو كافر .[34]
وقال الإمام العلامة أحمد بن علي المقريزي المصري الشافعي رحمه الله :
وشرك الأمم كله نوعان : شرك في الإلـٰهية وشرك في الربوبية ، فالشرك في الإلـٰهية والعبادة هو الغالب على أهل الإشراك ، وهو شرك عُباد الأصنام وعباد الملائكة وعباد الجن وعُباد المشايخ والصالحين الأحياء والأموات ، الذين قالوا )إنما نعبدهم ليقربونا إلى الله زلفى( ، ويشفعوا لنا عنده ، وينالونا بسبب قربهم من الله وكرامته لهم قرب وكرامة ، كما هو المعهوم في الدنيا من حصول الكرامة والزلفى لمن يخدم أعوان الملك وأقاربه خاصته .
والكتب الإلـٰهية كلها من أولها إلى آخرها تبطل هذا المذهب وترده وتقبح أهله ، وتنص على أنهم أعداء الله تعالى .
وجميع الرسل صلوات الله عليهم متفقون على ذلك من أولهم إلى آخرهم ، وما أهلك الله تعالى من أهلك من الأمم إلا بسبب هذا الشرك ومن أجله .[35]
وأما كلام الحنابلة ؛  فقال الشيـخ تقي الدين رحمه الله لما ذكر حديث الخوارج :
فإذا كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه ممن قد انتسب إلى الإسلام ؛ من مَرق[36] منه مع عبادته العظيمة ، فيُعلم أن المنتسب إلى الإسلام والسنة قد يمرق أيضاً ، وذلك بأمور ، منها الغلو الذي ذمه الله تعالى ، كالغلو في بعض المشائخ ، كالشيخ عدي ، بل الغلو في علي بن أبي طالب ، بل الغلو في المسيح ، ونحوه .
فكل من غلا في نبي أو رجل صالح ، وجعل فيه نوعاً من الإلـٰهية ، مثل أن يدعوه من دون الله ، بأن يـقول : (يا سيدي فلان أغثني ، أو أجرني ، أو أنت حسبي ، أو أنا في حسْبك) ؛ فكل هذا شرك وضلال ، يستتاب صاحبه ، فإن تاب وإلا قتل ، فإن الله أرسل الرسل ليُعبد وحده ، لا يُـجعل معه إلـٰه آخر ، والذين يجعلون مع الله آلهة أخرى ، مثل الملائكة أو المسيح أو العزير أو الصـالحين أو غيرهم ؛ لم يكونوا يعتقدون أنها تخلق وترزق ، وإنما كانوا يدعونهم ، يقولون ]هؤلاء شفعاؤنا عند الله[ ، فبعث الله الرسل تنهى أن يُدعى أحد من دون الله ، لا دعاء عبادة ، ولا دعاء استغاثة .[37] انتهى .
وقال أيضا : سؤال الميت والغائب - نبياً كان أو غيره - من المحرمات المنكرة باتفاق أئمة المسلمين ، لم يأمر الله به ولا رسوله ، ولا فعله أحد من الصحابة ولا التابعين لهم بإحسان ، ولا استحسنه أحد من أئمة المسلمين ، وهذا مما يعلم بالاضطرار من دين المسلمين .[38]
وقال أيضا رحمه الله :
والمرتد من أشرك بالله تعالى ، أو كان مبغضا للرسول صلى الله عليه وسلم ولما جاء به ، أو ترك إنكار منكر بقلبه ، أو توهم أن أحدا من الصحابة أو التابعين أو تابعيهم قاتل مع الكفار أو أجاز ذلك ، أو أنكر مجمعا عليه إجماعا قطعيا ، أو جعل بينه وبين الله وسائط يتوكل عليهم ويدعوهم ويسألهم ، ومن شك في صفة من صفات الله تعالى ومثله لا يجهلها فمرتد ، وإن كان مثله يجهلها فليس بمرتد ، ولهذا لم يُكفر النبي صلى الله عليه وسلم الرجل الشاك في قدرة الله وإعادته لأنه لا يكون إلا بعد الرسالة .[39]
وقال أيضا : فمن جعل الملائكة والأنبياء وسائط ، يدعوهم ، ويتوكل عليهم ، ويسألهم جلب المنافع ودفع المضار ، مثل أن يسألهم غفران الذنب ، وهداية القلوب ، وتفريج الكروب ، وسد الفاقات ؛ فهو كافر بإجماع المسلمين .[40]
ونقله عنه الشيخ سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب[41] من علماء الحنابلة في كتابه «تيسير العزيز الحميد» ثم قال :
نقله عنه غير واحد مقررين له ، منهم ابن مفلح في « الفروع »[42] ، وصاحب «الإنصاف»[43] ، وصاحب «الغاية»[44] ، وصاحب «الإقناع »[45] ، وشارحه[46] ، وغيرهم ، ونقله صاحب « القواطع »[47] في كتابه عن صاحب «الفروع» .
قلت[48]: وهو إجماع صحيح معلوم بالضرورة من الدين ، وقد نص العلماء من أهل المذاهب الأربعة وغيرهم في باب حكم المرتد على أن من أشرك بالله فهو كافر ، أي عبد مع الله غيره بنوع من أنواع العبادات ، وقد ثبت بالكتاب والسنة والاجماع أن دعاء الله عبادة له ، فيكون صرفه لغير الله شركا .

الوجه الثاني :
أن اتخاذ الصالحين واسطة بـين العبد وبـين ربه هو فعل مشركي مكة الذين بعث إليهم النبي صلى الله عليه وسلم سواء بسواء ، قال الله تعالى عنهم ]والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى[ ، أي : والذين اتخذوا من دون الله أولياء يدعونهم ما كانت حجتهم إلا دعوى أنها تقربهم إلى الله ، هكذا فسرها قتادة كما رواه ابن جرير وابن أبي حاتم عنه رحمهما الله في تفسير الآية الكريمة .
وقال تعالى )ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله([49] ، قال ابن كثير رحمه الله: ينكر تعالى على المشركين الذين عبدوا مع الله غيره ظانين أن تلك الآلهة تنفعهم شفاعتها عند الله ، فأخبر تعالى أنها لا تضر ولا تنفع ، ولا تملك شيئا ، ولا يقع شيء مما يزعمون فيها ولا يكون هذا أبدا ، ولهذا قال تعالى )قل أتنبئون الله بما لا يعلم في السماوات ولا في الأرض(. انتهى .

الوجه الثالث : أن الله لو كان يرضى بأن يتخذ الناس وسائط بـينهم وبـينه لاستفاض الأمر بذلك في الكتاب والسنة ، لأن إجابة الدعاء شأنها مهم ، ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم بين الوسائل الشرعية لإجابة الدعاء ، سواء المتعلقة بالأزمنة الفاضلة أو الأمكنة الفاضلة أو الأحوال الفاضلة ، ولم يرد عنه في شيء منها اتخاذ الصالحين واسطة ، ومن المعلوم أن كتاب الله فيه تبـيان لكل شيء ، والنبي صلى الله عليه وسلم علم أمته كل شيء ، حتى آداب قضاء الحاجة ، ثم تعلم الصحابة منه دين الله ، كما قال أبو ذر رضي الله عنه : (لقد تركنا محمد صلى الله عليه وسلم وما يحرك طائر جناحيه في السماء إلا أذكَرنا منه علما)[50] ، ثم حُفظ هديه وهدي صحابته في العبادة – الذي هو خير الهدي - في كتب الحديث والأثر ، ولم يرد في شيء منها الحث على اتخاذ الصالحين واسطة في الدعاء ، بل الذي نجده هو خلاف ذلك تماما ، فالكتاب والسنة ينهيان عن دعاء غير الله بتاتا تحت أي ذريعة كانت ، وجاء فيهما وصف من فعل ذلك بالكفر عياذا بالله .

الوجه الرابع : لو كان اتخاذ الوسائط بين الله وبين خلقه جائزا لفعله الصحابة رضي الله عنهم ، لأنهم أحرص الناس على الخير ، ولفعله التابعون وأتباعهم ، أصحاب القرون الثلاثة المفضلة الأولى ، الذين شهد لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخيرية في قوله : (خير الناس قرني ، ثم الذين يلونهم ، ثم الذين يلونهم)[51] ، ولكن الذي نجده هو خلاف ذلك تماما ، فالصحابة رضوان الله عليهم والتابعون قد حلت بهم مصائب ، ودهمتهم نوائب ، وأصابهم القحط مرات ، ولم يرد عنهم أنهم اتخذوا وسائط يتقربون بها لتشفع لهم عند الله بكشف شيء من تلك الكروب ، لا النبي صلى الله عليه وسلم ولا غيره من كبار الصحابة ، وما لم يكن في القرون الثلاثة دينا فلا يكون بعد تلك القرون دينا .

الوجه الخامس :
ومن أدلة بطلان اتخاذ الوسائط بين العبد وبين ربه في الدعاء ؛ إجماع العلماء على أن من جعل بـينه وبـين الله وسائط يتوكل عليهم ويدعوهم ويسألهم كفر إجماعا ، قال ابن تيمية رحمه الله : سؤال الميت والغائب - نبياً كان أو غيره - من المحرمات المنكرة باتفاق أئمة المسلمين ، لم يأمر الله به ولا رسوله ، ولا فعله أحد من الصحابة ولا التابعين لهم بإحسان ، ولا استحسنه أحد من أئمة المسلمين ، وهذا مما يعلم بالاضطرار من دين المسلمين .[52]
وقال أيضا : فمن جعل الملائكة والأنبياء وسائط ، يدعوهم ، ويتوكل عليهم ، ويسألهم جلب المنافع ودفع المضار ، مثل أن يسألهم غفران الذنب ، وهداية القلوب ، وتفريج الكروب ، وسد الفاقات ؛ فهو كافر بإجماع المسلمين .[53]
وقد تقرر أن إجماع العلماء حجة شرعية ، ودليل هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم : إن الله تعالى لا يجمع أمتي على ضلالة ، ويد الله على الجماعة . [54]

الوجه السادس :
ومن أدلة بطلان اتخاذ الوسائط أن فاعلي ذلك ينسونها إذا اشتد الكرب ، وهذا دليل فطري على سقوط تلك الواسطة وبطلانها ، إذ لو كانت نافعة حقا لاستمروا في دعائها ، قال تعالى )فإذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين فلما نجاهم إلى البر إذا هم يشركون( ، }قل أرأيتم إن أتاكم عذاب الله أو أتتكم الساعة بغتة أغير الله تدعون إن كنتم صادقين * بل إياه تدعون فيكشف ما تدعون إليه إن شاء وتنسون ما تشركون{.

الوجه السابع : ومن أدلة بطلان اتخاذ الوسائط أن طلب التشفع والتوسط في اللغة وفي الشرع يكون بأن يطلب شخص من غيره أن ينضم إليه ليتوسط له عند ثالث لقضاء حاجة ما ، أما الذين يفعله عباد القبور فخلاف ذلك تماما ، فإنهم يطلبون حاجاتهم من الواسطة نفسها ، فهذا يطلب الولد ، وذاك يطلب المدد ، وذاك يطلب الشفاء ، وذاك يطلب النصر على الأعداء ، فهم جعلوا الواسطة بمنـزلة من يملك قضاء الحاجة نفسه ، وهذا في غاية البطلان الشرعي والعقلي ، ولو أنهم عرفوا معنى التشفع لذهب الأول إلى الثاني وطلب منه أن يدعو الله أن ييسر له قضاء حاجته ، لا أن يدعوه نفسه أن يقضي حاجته .

الوجه الثامن :
ومن أدلة بطلان اتخاذ الوسائط في الدعاء أنه ليس في صلاح الموتى ما يوجب اتخاذهم واسطة أصلا ، فصلاح الإنسان واستقامته وقربه من الله عائد نفعه على نفسه وليس على الناس ، فإنه إذا كان أقرب منك وأعلى درجة فمقتضاه أن يثيبه الله تعالى ويعطيه أكثر مما يعطيك ، وليس مقتضاه أنك إذا دعوته أن الله يقضي حاجتك بواسطة دعائك إياه أعظم مما يقضيها إذا دعوت أنت الله مباشرة.[55]
كذلك ، فلو أن صلاح المرء في حياته أو بعد وفاته يعود نفعه على الآخرين بمجرد اتخاذه واسطة ؛ لبـين ذلك النبـي صلى الله عليه وسلم ، لأنه بلغ الدين ونصح الأمة .

الوجه التاسع :
أن قياس الله على ملوك الدنيا – كما جاء في الشبهة - باطل من جهة العلم ، فإن الملوك إنما احتاجوا إلى الوسطاء لأنهم لا يعلمون حاجات الناس إلا عن طريقهم ، ولهذا اتخذوهم وسائط ، أما الله فإنه يعلم كل شيء بدون واسطة تطلعه على ذلك ، فهو سبحانه يعلم السر وأخفى ، لا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء ، يسمع ضجيج الأصوات باختلاف لغاتهم على تـنوع حاجاتهم ، لا يشغله سمع عن سمع ، ولا يغلط من كثرة المسائل ، ولا يمل من إلحاح الداعين ، قال تعالى ]وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ويعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبـين[.

الوجه العاشر :
أن قياس الله على ملوك الدنيا باطل من جهة التدبير ، فإن ملوك الدنيا لا يستطيعون تدبـير أمور رعيتهم وقضاء حوائجهم إلا بأعوان يعينونهم ، ولهذا اتخذوهم وسائط ،  أما الله سبحانه فإنه قيوم السماوات والأرض ، له الأمر كله ، وبيده مقاليد كل شيء ، قوي متين جبار ، ليس بحاجة إلى معين ، ولا إلى نصير ، قال تعالى ]وقل الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك ولم يكن له ولي من الذل[56] وكبره تكبـيرا[ .

الوجه الحادي عشر : أن قياس الله على ملوك الدنيا باطل من جهة الغنى ، فإن ملوك الدنيا قد يقبل الواحد منهم شفاعة الوسطاء اضطرارا ، مع عدم إرادته لذلك وتثاقله له ، إما لحاجته إليهم ، أي الوسطاء ، أو تطيـيبا لخاطرهم ، أو خوفا منهم أن تـنقص طاعتهم له ، أو أن يغدروا به ، أو مكافأة لهم على صنيع صنعوه ، فلهذا اتخذوهم وسائط ، فيكون بذلك كارها أو مستثقلا أو مستحيـي لقبول شفاعتهم ، وربما لا يقبل شفاعتهم إلا بعد عناء وعسر ، لأنهم بشر ، والبشر صفتهم البخل والشح والتمنع والتكره ، وإن أعطى أعطى بحدود ، خشية نفاد ما عنده ، أما الله تعالى فغنيٌ كريم ، عنده خزائن السماوات والأرض ، لا يُكرثه شيء ، يريد نفع عباده بلا مقابل ، ورحمتهم بلا إكراه ، قال تعالى ]قالوا اتخذ الله ولدا سبحانه هو الغني له ما في السماوات وما في الأرض[.
وعن أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما روى عن الله تبارك وتعالى ، أنه قال : يا عبادي ، لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل إنسان مسألته ؛ ما نقص ذلك مما عندي إلا كما يَتقص المخيط[57] إذا أدخل البحر .[58]
وفي الحديث : إذا دعا أحدكم فلا يقل اللهم اغفر لي إن شئت ، ولكن ليعزم المسألة وليُـعظِّم الرغبة ، فإن الله لا يتعاظمه شيء أعطاه .[59]

الوجه الثاني عشر : أن قياس الله على ملوك الدنيا باطل من جهة الملك ، فإن ملوك الدنيا لهم شركاء في ملكهم من وزراء وحاشية ونحوهم ، ولا يستطيعون تسيير الأمور بدون رضاهم ، فلهذا جعلوهم وسائط بينهم وبين رعيتهم ، أما الله فلا شريك له في ملكه ، بل هو يملك الشافع وغيره ، قال تعالى ]ولم يكن له شريك في الملك[ ، فالذي يجعل بـينه وبـين الله واسطة قد شبه الله بخلقه من هذا الوجه ، وهذا باطل .

الوجه الثالث عشر :
أن قياس الله على ملوك الدنيا باطل من جهة الرحمة ، وبيان ذلك أن الملوك بحاجة إلى من يلينهم ويعطفهم على رعاياهم عن طريق الوسطاء والمقربـين ، فلهذا اتخذوهم وسائط ، أما الله تعالى فليس بحاجة إلى ذلك ، فهو الرحمن الرحيم ، أرحم من الوالدة بولدها ، وهو الذي خلق الرحمة وجعلها في قلوب عباده ، فصار هذا يحسن إلى هذا ، وهذا يحسن إلى هذا ، فعن سلمان الفارسي رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن لله مائة رحمة ، فمنها رحمة بها يتراحم الخلق بينهم ، وتسعة وتسعون ليوم القيامة .[60]
قال الشيخ عبد الرحمن بن قاسم رحمه الله مناصحا أحد من قرروا دعاء غير الله :
إذا دعوت نبياً أو غيره ، فإن كنت تظن أنه أعلم بحالك ، أو يقدِر على سؤالك ، وأرحم بك من ربك ؛ فهذا جهل وكفر وضلال ، ولا حُجة لك على ذلك لا نقلاً ولا عقلاً ، ولا يحتج أحد بما هو بعينه حجةٌ عليه ، اللهم إلا من ابتُلي بسوء الفهم وفساد التصور .
وإن كنت تعلم أن اللهَ أعلم وأقدر وأرحم ، فلِماذا عدَلت عن سؤاله إلى سؤال غيره ، وهو سبحانه القائل }أدعوني أستجيب لكم{ ، والقائل }وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان{ ؟[61]
فالحاصل أن قياس الله على ملوك الدنيا باطل ، بل هو كفر بالله العظيم ، لأن تشبـيه الله تعالى بخلقه يلزم منه رد خبر القرآن ، قال تعالى ]ليس كمثله شيء وهو السميع البصير[ ، قال نُعيم بن حماد الخزاعي شيخ البخاري رحمـهما الله : من شبه الله بخلقه فقد كفر ، ومن أنكر ما وصف به نفسه فقد كفر ، وليس ما وصف الله به نفسه ولا رسوله تشبيها .[62]
وأخرج اللالكائي في « شرح أصول اعتقاد أهل السنة » عن إسحاق بن راهويه قال : من وصف الله فشبه صفاته بصفات أحد من خلق الله فهو كافر بالله العظيم ، لأن وصف صفاته[63] إنما هو استسلام لأمر الله ولما سن الرسول صلى الله عليه وسلم .[64]
وبناء على ما تقدم فإن دعاء غير الله يستلزم سوء الظن بالله ، وتنقص الداعي به في صفة العلم والرحمة والتدبير والغنى والملك ، وسوء الظن بالله من كبائر الذنوب ، ومما توعد الله عليه بالعقاب الشديد ، قال تعالى }الظانين بالله ظن السوء عليهم دائرة السوء وغضب الله عليهم ولعنهم وأعد لهم جهنم وساءت مصيرا{ .
قال ابن القيم رحمه الله :
أعظم الذنوب عند الله إساءة الظن به ، فإن المسيء به الظن قد ظن به خلاف كمالِه المقدس ، وظن به ما يناقض أسمائه وصفاته ، ولهذا توعد الله سبحانه الظانين به ظن السوء بما لم يتوعد به غيرهم ، كما قال تعالى }عليهم دائرة السوء وغضب الله عليهم ولعنهم وأعد لهم جهنم وساءت مصيرا{ ، وقال تعالى لمن أنكر صفة من صفاته }وذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم أرداكم فأصبحتم من الخاسرين{ .
وقال تعالى عن خليله إبراهيم أنه قال لقومه }ماذا تعبدون * ءإفكا آلهة دون الله تريدون * فما ظنكم برب العالمين{ ، أي فما ظنكم أن يجازيكم به إذا لقيتموه وقد عبدتم غيره ، وماذا ظننتم به حتى عبدتم معه غيره ؟ وما ظننتم بأسمائه وصفاته وربوبيته من النقص حتى أحوجكم ذلك لعبودية غيره ، فلو ظننتم به ما هو أهلُـه من أنه بكل شيء عليم ، وعلى كل شيء قدير ، وأنه غني عن كل ما سواه ، وكل ما سواه فقير إليه ، وأنه قائم بالقسط على خلقه ، وأنه المنفرد بتدبير خلقه ، لا يَشرََكُـه فيه غيره ، والعالِـم بتفاصيل الأمور ، فلا يخفى عليه خافية من خلقه ، والكافي لهم وحده فلا يحتاج إلى معين ، والرحمن بذاته فلا يحتاج في رحمته إلى من يستعطفه ، وهذا بخلاف الملوك وغيرهم من الرؤساء فإنهم محتاجون إلى من يعرفهم أحوال الرعية وحوائجهم ، وإلى من يعينهم على قضاء حوائجهم ، وإلى من يسترحمهم ويستعطفهم بالشفاعة ، فاحتاجوا إلى الوسائط ضرورةً ، لحاجتهم وضعفهم وعجزهم وقصور علمهم .
فأما القادر على كل شيء ، الغني بذاته عن كل شيء ، العالم بكل شيء ، الرحمن الرحيم ، الذي وسعت رحمته كل شيء ؛ فإدخال وسائط بينه وبين خلقه نقص بحق ربوبيته وإلاهيته وتوحيده ، وظنٌّ به ظن السوء ، وهذا يستحيل أن يشرَعُـه لعباده ، ويمتنع في العقول والفِطر جوازه ، وقُـبحه مستقر في العقول السليمة فوق كل قبيح .
يوضح هذا أن العابد مُعظِّم لمعبوده ، متأله خاضع ذليل له ، والرب تعالى وحده هو الذي يستحق كمال التعظيم والإجلال والتأله ، والخضوع والذل ، وهذا خالص حقه .
فما قدر الله حق قدره من عبد معه غيره ممن لا يقدر على خلق أضعف حيوان وأصغره ، وإن سلبه الذباب شيئا مما عليه لم يقدر على استنقاذه منه ، قال تعالى }ما قدروا الله حق قدره والأرض جميعاً قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون{ ، فما قدَرَ من هذا شأنه وعظمته حق قدرِه من أشرك معه في عبادته من ليس له شيء من ذلك البتة ، بل هو أعجز شيء وأضعفه ، فما قدَرَ القوي العزيز حق قدره من أشرك معه الضعيف الذليل .[65]
وبناء على ما تقدم ؛ فإن دعاء غير الله يدل على قصور عند الداعي في فهم ما دلت عليه أسماء الله تعالى الحسنى : العليم ، الرحيم ، الرحمـٰن ، الغني ، الملك ، الغفور ، وغيرها من الأسماء والصفات .

الوجه الرابع عشر :
يقال لمن قال إن عنده معاصي تحول بينه وبين إجابة دعاءه : إن الله سبحانه وتعالى الله أخبر بأنه يستجيب للعبد ولو كان عنده معاصي ، بل حتى لو كان كافرا ، لأن هذا من مقتضيات رحمته ، ورحمته تشمل المطيع والعاصي ، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اتقوا دعوة المظلوم وإن كان كافرا ، فإنه ليس دونها حجاب .[66]
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : دعوة المظلوم مستجابة ، وإن كان فاجرا فجوره على نفسه .[67]
فإجابة الدعاء ليست محصورة بدعاء الرجل الصالح ، فإنه وإن كان دعاؤه أقرب للإستجابة من دعاء العاصي ، ولكن لا ينحصر فيه ، وإلا لما استجاب الله لدعاء أحد ، لأن كل ابن آدم خطاء كما أخبر بذلك النبـي صلى الله عليه وسلم بقوله : كل بني آدم خطاءون ، وخير الخطائين التوابون .[68]

الوجه الخامس عشر :
ومن وجوه بطلان اتخاذ العبد واسطة بينه وبين ربه في الدعاء أن اتخاذ الواسطة يلغي العلاقة المباشرة بـين العبد وربه ، ويقطع الصلة بـينهما ، لكون فاعل ذلك قد وكَّّّل غيره ليقوم عنه بعبادة الدعاء ، فجعل بـينه وبـين الله حاجزا ، وهذا خلاف ما قصدته الشريعة الإسلامية من تقوية العلاقة بـين العبد وربه .

الوجه السادس عشر :
ومن وجوه بطلان اتخاذ الواسطة أن فاعل ذلك قد حرم نفسه من خير كثير ، ألا وهو فرح الله بإقباله إليه ، وانطراحه بـين يديه ، واستعاض عن هذا بالانطراح بين يدي ميت ، ليس له من الأمر شيء ، ولا يقربه من ربه بشيء ، ومن المعلوم أن الله أشد فرحا من عبده بإقباله إليه ولو بلغت ذنوب عبده عنان السماء ، قال الله عز وجل في الحديث القدسي الذي رواه أبو هريرة رضي الله عنه: قال النبـي صلى الله عليه وسلم : يقول الله عز وجل : أنا عند ظن عبدي بـي ، وأنا معه إذا ذكرني ، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي ، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم ، وإن تقرب إلي بشبر تقربت إليه ذراعا ، وإن تقرب إلي ذراعا تقربت إليه باعا ، وإن أتاني يمشي أتيته هرولة .[69]

الوجه السابع عشر: وفضلا عن كون دعاء غير الله شرك في العبادة ؛ فإن أولئك الوسائط لا تقوم بدعاء الله كما يظنه من يدعوهم ، لأنهم إما جمادات وإما موتى ، وكلاهما لا يعلم شيئا عن الحي ، ولا يستجيب له ، ولا يخدمه بشيء ، لا دعاء ولا غيره ، قال تعالى )وما أنت بمسمع من في القبور( ، وقال تعالى )إن تدعوهم لا يسمعوا دعائكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم ويوم القيامة يكفرون بشرككم ولا ينبئك مثل خبير( ، فسمى الله دعاءهم شركا .
بل إن الميت يعتبر مضرب مثل عند الناس في عدم الاستجابة ، فواعجبا من حي سميع بصير يسأل ميتا حاجاته!
ولهذا قيل:

لقد أسمعت لو ناديت حيا  *** ولكن لا حياة لمن تنادي

الوجه الثامن عشر: ومن وجوه بطلان اتخاذ العبد شفعاء ووسطاء بينه وبين الله تصريح القرآن بأن أولئك الشفعاء لن يشفعون لهم يوم القيامة ، بل ستتقطع بينهم الوصائل والعلائق ويتبرؤون منهم ، )ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة وتركتم ما خولناكم وراء ظهوركم وما نرى معكم شفعاءكم الذين زعمتم أنهم فيكم شركاء لقد تقطع بينكم وضل عنكم ما كنتم تزعمون([70].

الوجه التاسع عشر: ومن وجوه بطلان اتخاذ العبد واسطة بينه وبين ربه في الدعاء أن أولئك المدعوين من الأنبـياء والصالحين هم أنفسهم محتاجون لدعاء الأحياء واستغفارهم لهم ، لأن الميت قد انقطع عمله ، كما قال عليه الصلاة والسلام : إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث : صدقة جارية ، أو علم ينتفع به ، أو ولد صالح يدعو له .[71]
فهذا محمد صلى الله عليه وسلم - أفضل البشر وأقربهم عند الله منـزلة - طلب منا أن نصلي عليه ، حيا وميتا ، والصلاة عليه هي الدعاء له بالرحمة ، قال صلى الله عليه وسلم : إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول ثم صلوا علي ، فإنه من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرا ، ثم سلوا الله لي الوسيلة فإنها منـزلة في الجنة لا تـنبغي إلا لعبد من عباد الله وأرجو أن أكون أنا هو ، فمن سأل لي الوسيلة حلت له الشفاعة .[72]
وكذلك علمنا النبـي صلى الله عليه وسلم بأن ندعو له ولكل عبد صالح في السماء والأرض ، كما في دعاء التشهد في التحيات : السلام عليك أيها النبـي ورحمة الله وبركاته ، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين … الحديث.
ومن ذلك أيضا أن النبـي صلى الله عليه وسلم علم أمته أن يدعوا للميت بالرحمة والمغفرة في عموم الأحوال ، وفي صلاة الجنازة ، وبعد الدفن خصوصا ، فعن أبـي هريرة رضي الله عنه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى على جنازة يقول : اللهم اغفر لحينا وميتـنا ، وشاهدنا وغائبنا ، وصغيرنا وكبـيرنا ، وذكرنا وأنثانا ، اللهم من أحيـيته منا فأحيه على الإسلام ، ومن توفيته منا فتوفه على الإيمان ، اللهم لا تحرمنا أجره ، ولا تضلنا بعده .[73]
وعن عثمان رضي الله عنه : كان النبـي صلى الله عليه وسلم إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه وقال : استغفروا لأخيكم ، وسلوا له التثبـيت ، فإنه الآن يسأل .[74]
فإذا تقرر أن الميت بحاجة للحي ؛ فلا يصح إذن أن نطلب من الموتى شيئا من المصالح الدينية أو الدنيوية . 

الوجه العشرون والأخير: أن الاعتماد على مبدأ القياس لتسويغ اتخاذ واسطة بين العبد وبين ربه خطأ من خمسة وجوه:
الأول: أن عقول البشر قاصرة ، أما الشرع فإنه من حكيم خبـير يهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم ، وما مثل العقل والوحي إلا كمثل العينين والنور ، فإذا كان عند الإنسان عينان ولكنه في مكان مظلم فانه لا يستفيد من عينيه شيئا ، بل هو كالأعمى تماما ، وكذلك العقل لا يستطيع أن يحكُم بنفسه إلا بنور الشريعة .
الثاني : أن معارضة نصوص الكتاب والسنة بالأدلة العقلية والأقيسة الذهنية باطل من جهة أنه لو كان بمقدور الإنسان أن يهتدي إلى الحق اعتمادا على العقل لاهتدى إلى ذلك الرسول صلى الله عليه وسلم ، لأن عقله أكمل العقول ، ومع هذا فلم يهتد الرسول صلى الله عليه وسلم إلا بالوحي كما قال تعالى }وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان{ ، وقال تعالى }ووجدك ضالا فهدى{ ، وقال تعالى }قل إن ضللت فإنما أضل على نفسي وإن اهتديت فبما يوحي إلي ربـي{ ، فإذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم قد تجرد من حولِه وقوته الحسية والعقلية وردَّ نعمة الهداية إلى الوحي ؛ فكيف تحصل الهداية لمن هو دون النبـي صلى الله عليه وسلم بمجرد الاعتماد على العقل ، أو التشبه بالكفار الذين نص القرآن على أنهم ليس لديهم عقول ؟!
الثالث : أن معارضة نصوص الكتاب والسنة بالأدلة العقلية والأقيسة الذهنية باطل من جهة أن مبدأ القياس لا يلجأ إليه العلماء دائما ، بل عند الضرورةً ، وذلك عند عدم وجود النص الشرعي المبـيِّن لحكم مسألة ما ، فعندئذ يلجأ العلماء إلى القياس ، أما مع وجود النص فلا ، وإلا فما فائدة النصوص الشرعية إذا كان القياس العقلي مقدما عليها ؟
وهنا النصوص الشرعية واضحة في النهي عن اتخاذ الوسائط ، بل إن إفراد الله بالعبادة هو أصل الدين وأساس الملة .
الرابع : إن معارضة نصوص الكتاب والسنة بالأدلة العقلية والأقيسة الذهنية باطل من جهة أن كل قياس يخالف كتاب الله أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم في نصهما أو ظاهرهما ، أو يخالف إجماع ما كان عليه سلف الأمة وأئمتها ؛ فهو قياس فاسد الاعتبار لا يعول عليه عند جميع علماء المسلمين وفي جميع المذاهب الفقهية ، وقياس الله على ملوك الدنيا من الأقيسة الفاسدة قطعا ، لأن الله أبطله صراحة في القرآن في قوله )ليس كمثله شيء وهو السميع البصير( ، وقال )فلا تضربوا لله الأمثال( .
وقد شبَّّـه بعض العارفين حال من يعترض على الشرع بالشبه العقلية بحال من أتى إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وقال له : (إن الوحي الذي تلقيناه منك ، والسنة التي تدلنا عليها ؛ فيها ما توافق عليه عقولنا وفيها ما لا توافق ، فسنأخذ منك ما وافق عقولنا ونترك الباقي) ، فهل هذا مؤمن ؟ قطعا لا .
وهذا إبليس - أعاذنا الله منه - عارض أمر الله له بالسجود لآدم لما اتبع رأيه الفاسد ، وقدم العقل على الأمر الشرعي ، فقال }لم أكن لأسجد لبشر خلقتني من نار وخلقته من طين{ ، فهلك وأهلك عياذا بالله .
الخامس : أن معارضة نصوص الكتاب والسنة بالأدلة العقلية والأقيسة الذهنية باطل من جهة أن اتباع العقل والأعراض عن النقل هو أساس الضلال والكفر ، أما اتباع الوحيين فهو أساس الهدى والرشاد الذي دل عليه الكتاب والسنة .
قال ابن القيم رحمـه الله : وأصل كل فتـنة إنما هو من تقديم الرأي على الشرع ، والهوى على العقل .[75]
فالحاصل أن تقديم العقل على النقل[76] من أسباب الهلاك ، والواجب أنه إذا صح النقل شهد العقل وسلَّم وأذعن ، فإن الشرع قائم بنفسه ، سواء علمناه بعقولنا أم لم نعلمه ، كما أن الشرع مستغنٍ في نفسه عن علمنا وعقلنا ، أما نحن فمحتاجون إليه وإلى أن نعلمه بعقولنا .
فمن كان له عقل كامل فليتبع الشرع ، ولهذا وصف الله المعرضين عن شرعه وحكموا عقولهم أنهم لا يعقلون ولا يتفكرون ولا يتعظون ، وكل هذه مرتبطة بالعقل .
فالواجب هو التسليم والاستسلام لله ، واتباع أوامره ، وعدم الاعتراض عليها بشيء من الأقيسة العقلية ، قال تعالى }فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بـينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما{ ، وقال تعالى }وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبـينا{ ، وقال تعالى }وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة سبحان الله وتعالى عما يشركون{ ، ففي هذه الآية نـزه الله نفسه عما اختارته عقول البشر ، وسماه شركا ، ووجه ذلك أن الذي يجعل عقله عمدة فيما يختار ؛ فهذا قد جعل له مرجعا آخر غير الشريعة ، وهو عقله ، الذي جعله شريكا لله فيما يأمر وينهى ، فالواجب الحذر .
قال ابن تيمية رحمـه الله تعالى : فعلى العبد أن يسلم للشريعة المحمدية الكاملة البـيضاء الواضحة ، ويسلم أنها جاءت بتحصيل المصالح وتكميلها ، وتعطيل المفاسد وتقليلها ، وإذا رأى من العبادات والتقشفات وغيرها التي يظنها حسنة ونافعة ما ليس بمشروع ؛ عَـَلِِِم أن ضررها راجح على نفعها ، ومفسدتها راجحة على مصلحتها ، إذ الشارع حكيم لا يهمل المصالح .[77]

فصل
ومما ينبغي أن يعلم أن غالب الذين يدعون أصحاب القبور أو غيرها أن حجتهم أنها تقربهم وتشفع لهم عند الله ، والحق أن تلك المعبودات لن تقربهم وتشفع لهم عند الله ، بل ستتبرأ منهم يوم القيامة ، قال تعالى )ويوم تقوم الساعة يبلس المجرمون * ولم يكن لهم من شركائهم شفعاء وكانوا بعبادتهم كافرين([78] ، قال ابن كثير رحمه الله: أي ما شفعت فيهم الآلهة التي كانوا يعبدونها من دون الله تعالى ، وكفروا بهم ، وخانوهم أحوج ما كانوا إليهم .
وقال تعالى )ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة وما نرى معكم شفعاءكم الذين زعمتم أنهم فيكم شركاء لقد تقطع بينكم وضل عنكم ما كنتم تزعمون([79].

خلاصة

وخلاصة القول أن اتخاذ العبد واسطة بينه وبين ربه ، يزعم أنها تقربه إليه ، وتشفع له عنده ؛ أمر باطل ، وهو من أنواع الشرك بالله العظيم ، ومستلزم لسوء الظن به ، والمشروع أن يدعو العبد ربه مباشرة ، كما قال تعالى )وقال ربكم ادعوني استجب لكم( ، وهكذا باقي العبادات ، يتقرب بها العبد إلى ربه مباشرة ، قال ابن تيمية رحمه الله في الرد على من اتخذ واسطة بينه وبين الله :
وهذا جهل بدين الحنفاء ، فإن الحنفاء ليس بينهم وبين الله تعالى واسطة في العبادة والدعاء والاستعانة ، بل يناجون ربهم ويدعونه ويعبدونه بلا واسطة ، وكل مصل يعبد ربه منه إليه بلا واسطة .[80]
وقد جاء التصريح القرآني بأن دعاء غير الله باطل ، وفي هذا كفاية وشفاء لمن أراد الحق وآمن بالقرآن ، وذلك في قولـه تعالى في سورة الحج ]ذلك بأن الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه هو الباطل[[81]، وقوله تعالى في سورة لقمان ]ذلك بأن الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه الباطل[[82].
أما دعاء الله فإنه حق ، كما قال تعالى )له دعوة الحق والذين يدعون من دونه لا يستجيبون لهم بشيء إلا كباسط كفيه إلى الماء ليبلغ فاه وما هو ببالغه وما دعاء الكافرين إلا في ضلال(.


ثبت لبعض المراجع

* الكتاب المصنف في الأحاديث والآثار ، عبد الله بن أبي شيبة ، الناشر مكتبة دار الباز ، مكة
* الاستغاثة في الرد على البكري ، ابن تيمية ، تحقيق عبد الله السهلي ، ط 1 ، مدار الوطن
* تأسيس التقديس في كشف تلبيس داود بن جرجيس ، عبد الله أبا بطين ، الناشر مؤسسة الرسالة
* السيف المسلول على عابد الرسول ، الشيخ عبد الرحمن بن محمد بن قاسم
* المنتخب من مسند عبد بن حميد ، تحقيق مصطفى العدوي ، الناشر دار بلنسية
* تجريد التوحيد المفيد ، أحمد بن علي المقريزي المصري الشافعي ، تحقيق علي بن محمد العمران ، الناشر  دار عالم الفوائد
* الداء والدواء ، ابن القيم ، تحقيق علي حسن عبد الحميد ، الناشر دار ابن الجوزي
* تلخيص كتاب الاستغاثة في الرد على البكري ، الحافظ ابن كثير ، تحقيق محمد علي عجال ، الناشر مكتبة الغرباء الأثرية

 

-------------------------------------------
[1] رواه الترمذي (3556) ، وصححه الألباني .
[2] رواه الترمذي (2139) ، عن سلمان الفارسي ، وحسنه الألباني ، انظر «الصحيحة» (154) .
[3]  رواه الترمذي (3370) ، عن أبي هريرة رضي الله عنه ، وحسنه الألباني .
[4] رواه أبو داود (1479) ، والترمذي (2969) ، وغيرهما عن النعمان بن بشير ، وصححه الشيخ الألباني .
[5] رواه النسائي (3016) ، عن عبد الرحمن بن يعمر ، وصححه الألباني .
[6] أي حريٌّ .
[7] رواه مسلم (479) .
[8] الشيخ عبد الله من فحول علماء نجد ، عاش في الفترة ما بين (1194 – 1282 هـ)
[9] « تأسيس التقديس في كشف تلبيس داود بن جرجيس » ، ص 127 .
[10] سورة الأعراف : 55 .
[11] سورة النمل : 62 .
[12] سورة البقرة : 186 .
[13] سورة النساء : 32 .
[14] سورة غافر : 60 .
[15] سورة الأعراف : 29 .
[16] سورة الجن : 18 .
[17] سورة الشعراء : 213 .
[18] سورة القصص : 88 .
[19] سورة يونس : 106 .
[20] سورة الأحقاف : 4 .
[21] سورة سبأ : 22 .
[22] سورة الأحقاف : 5- 6 .
[23] سورة مريم 48 ـ 49 .
[24] تقدم تخريجه .
[25] صدق رحمه الله ، فلا تكاد تخلو عبادة من دعاء ، فالصلاة والحج والأذكار الخاصة والعامة والجهاد كله يشرع فيه دعاء الله عز وجل ، فضلا عن كون الدعاء عبادة مستقلة .
[26] سورة الجن : 20 .
[27] « السيف المسلول على عابد الرسول » ، ص 131 – 132 ، باختصار وتصرف يسير .
[28] رواه الترمذي (2516) ، وأحمد (1/303) ، وهو في « صحيح الترمذي » للألباني (2516) .
[29] رواه البخاري (1145) ، ومسلم (1772) ، وغيرهما .
[30] رواه عبد بن حميد في « المنتخب » (1494) ، وابن أبي شيبة (29360) ، وصححه الألباني في « السلسلة الصحيحة» (1266) .
[31] رواه الترمذي (2167) ، عن ابن عمر ، وصححه الألباني ، وكذا الحاكم في « مستدركه »  (392 ، 397) ، وحكى بعد ذكره للحديث إجماع أهل السنة على هذه القاعدة ، وأنها من قواعد الإسلام .
[32] انظر المراجع المذكور فيها إنكارهم على من دعا غير الله في «المجموع المفيد في نقض القبورية ونصرة التوحيد» ، جمع د. محمد الخميس ، ص 412 – 418 .
[33] ص 39 ، الناشر دار ابن الجوزي .
[34] نقله الشوكاني عنه في « الدر النضيد » .
[35] « تجريد التوحيد المفيد » ، ص 52 – 53 ، تحقيق علي بن محمد العمران ، الناشر  دار عالم الفوائد .
[36] المروق الخروج من شيء من غير مدخله ، والمارقة الذين مرقوا من الدين لغلوهم فيه ، والمروق سرعة الخروج من الشيء . «لسان العرب » .
[37] مختصرا من « الرسالة السنية » ، وتقع كاملة في « مجموع الفتاوى » (3/363-430) ، والمنقول مختصر من الصفحات 383- 400 .
[38] « الاستغاثة في الرد على البكري » ص 331 ، تحقيق عبد الله السهلي ، ط 1 ، الناشر مدار الوطن .
[39] « الفتاوى الكبرى » (4/506) ، (اختيارات شيخ الإسلام) ، باب حكم المرتد .
[40] « مجموع الفتاوى » (1/124) .
[41] الشيخ سليمان من فحول علماء نجد ، ولد سنة 1200 هـ ، درس على عدة مشائخ ، وعنده إجازة في رواية الكتب الستة ، درّس وولي القضاء ، وتوفي شابا شهيدا بإذن الله سنة 1234 هـ ، له عدة مؤلفات من أشهرها كتابه «تيسير العزيز الحميد» ، والكتاب على مدى ثلاث قرون ينهل منه العلماء وطلبة العلم إلى وقتنا هذا ، وهو عمدة في علم توحيد العبادة ، ومن بعده عيال عليه ، رحمة الله رحمة واسعة .
[42] (6/165) .
[43] (10/327) .
[44] أي « غاية المنتهى في الجمع بين الإقناع والمنتهى » لمرعي الكرمي (3/355) .
[45] (4/297) .
[46] يعني الشيخ منصور بن يونس البهوتي في كتابه « كشاف القناع في شرح الإقناع » (6/168) .
[47] أي ابن حجر رحمه الله ، واسم كتابه « الإعلام بقواطع الإسلام » .
[48] لا زال الكلام للشيخ سليمان .
[49] سورة يونس ، الآية 18 .
[50] رواه أحمد (5/153) .
[51] رواه البخاري (2652) ومسلم (2533) عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه .
[52] « الاستغاثة في الرد على البكري » ص 331 .
[53] « مجموع الفتاوى » (1/124) .
[54] رواه الترمذي (2167) ، عن ابن عمر ، وصححه الألباني ، وكذا الحاكم في « مستدركه »  (392 ، 397) ، وحكى بعد ذكره للحديث إجماع أهل السنة على هذه القاعدة ، وأنها من قواعد الإسلام .
[55] انظر ما قاله الشيخ مرعي بن يوسف الكرمي في كتابه « شفاء الصدور في زيارة المشاهد والقبور » ، ص 117– 118 ، ط مكتبة نـزار مصطفى الباز ، بتصرف .
وانظر ما قاله الشيخ عبد الرحمن بن قاسم رحمه الله في « السيف المسلول على عابد الرسول » ، ص 32 .
[56] الذل هو العجز .
[57] المخيط هو الإبرة .
[58] رواه مسلم (2577) .
[59] رواه البخاري (6339) ، ومسلم (2679) ، واللفظ لمسلم .
[60] رواه مسلم (2753) واللفظ له ، وأحمد (5/439) .
[61] « السيف المسلول على عابد الرسول » ، ص 31 – 32 ، بتصرف يسير جدا .
[62] أخرجه الذهبي في « العلو » ، برقم (464) ، ص 172 ، ط مكتبة أضواء السلف .
[63] في المطبوع : لأنه وصف لصفاته ، ولعله تصحيف .
[64] رقم (937) ، ط دار طيبة .
[65] « الداء والدواء » ، ص 211 – 217 ، باختصار .
[66] رواه أحمد (3/153) ، وحسنة الألباني في « صحيح الجامع » (119) ، و « الصحيحة » (767) .
[67] رواه أحمد (2/367) ، وحسنه الألباني في « الصحيحة » (767) .
[68] رواه ابن ماجه (4251) ، والترمذي (2499) ، وغيرهم ، وحسنه الألباني .
[69] رواه البخاري  (7405) ، ومسلم (2675) .
[70] سورة الأنعام ، الآية 94 .
[71] رواه مسلم (1631) عن أبـي هريرة رضي الله عنه .
[72] رواه مسلم (384) عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه .
[73] رواه ابن ماجه (1498) ، وأبو داود (3201) ، وصححه الألباني .
ورواه أحمد (2/368) ، والترمذي (1024) بدون زيادة : اللهم لا تحرمنا أجره . . . الحديث .
[74] رواه أبو داود (3221) عن عثمان رضي الله عنه ، وصححه الألباني في «صحيح أبـي داود» (3221) .
[75] « إغاثة اللهفان » (2/167) ، تحقيق الفقي .
[76] النقل هو الدليل الشرعي من الكتاب أو السنة ، وسمي نقلا لأن الصحابة نقلوه وحفظوه للأمة .
[77] « تلخيص كتاب الاستغاثة في الرد على البكري » (1/167) .
[78]  سورة الروم ، الآية 13 .
[79]  سورة الأنعام ، الآية 94 .
[80] « الاستغاثة في الرد على البكري » ، (2/477-478) باختصار .
[81] الآية 62 .
[82] الآية 30 .

 

ماجـد الرسي
  • كتب عربية
  • رسائل العقيدة
  • "English"انجليزي
  • "Philippino"الفلبينية
  • كتب بلغات أخرى
  • بريد الكاتب e-mail
  • الصفحة الرئيسية