اطبع هذه الصفحة


لقاء ملتقى أهل الحديث
بفضيلة الشيخ عبد الرحمن البراك

 
بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله على النبي الكريم محمد وآله وصحبه أجمعين .
أما بعد :
فقد تكرم فضيلة الشيخ عبد الرحمن بن ناصر البراك ـ حفظه الله ـ بالموافقة على إجراء لقاء معه يجيب فيه أسئلة أعضاء موقع « ملتقى أهل الحديث » ، وقد عَرضتُ هذه الأسئلة على الشيخ ، وتكرم بإملاء هذه الإجابات ـ بارك الله في الشيخ ، ونفع المسلمين بعلمه .

عبد الرحمن بن صالح السديس
sds55@gawab.com
 



1- السؤال :
الذي يطوف على القبور كقبر الحسين والبدوي وغيره هل عملهم مكفر-مع غض النظر عن أعيانهم- لكن السؤال : هل هناك من قال إذا كان الطواف للتحية ليس كفر ومن كان للعبادة كفر؟ هل لهذا القول قائل من السلف ؟

الجواب:
الحمد لله حمداً كثيراً طيبا مباركا فيه وصلى الله وسلم ، وبارك على عبده ، ورسله ، وعلى آله وصحبه أما بعد :
فمعلوم لجميع المسلمين أن الطواف بالبيت العتيق عبادة شرعها الله في الحج والعمرة ، وفي غير هما، ولم يشرع الله الطواف بغير بيته فمن طاف على بَنِيَّةٍ أو قبر، أو غيرهما عبادة لله ؛ فهو مبتدع ضال متقرب إلى الله بما لم يشرعه ، ومع ذلك فهو وسيلة إلى الشرك الأكبر ؛ فيجب الإنكار عليه ، وبيان أن عمله باطل مردود عليه كما قال صلى الله عليه وسلم :" من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد ".
أما من قصد بذلك الطواف التقرب إلى صاحب القبر فهو حينئِذ = عابد له بهذا الطواف ؛ فيكون مشركاً شركاً أكبر كما لو ذبح له ، أو صلى له .
وهذا التفصيل هو الذي تقتضيه الأصول ، كما يدل لذلك قوله صلى الله عليه وسلم "إنما الأعمال بالنيات ، وإنما لكل امرئ ما نوى". فلا بد من اعتبار المقاصد .
والغالب على أهل القبور القصد الثاني ـ وهو أنهم يتقربون إلى الميت بذلك ـ ، فهم بذلك العمل كفار مشركون ؛ لأنهم عبدوا مع الله غيره .
والسلف المتقدمون من أهل القرون المفضلة لم يتكلموا في ذلك ؛ لأنه لم يقع ، ولم يعرف في عصرهم ، لأن القبورية إنما نشأت في القرن الرابع .
وأكثر من أفاض في الكلام على شرك القبور، وبدع القبور، شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم رحمهما الله ، ثم من جاء بعدهم من أهل العلم ، وعامة كلامهم يقتضي هذا التفصيل المتقدم فإنهم تارة يصفون هذه الأعمال بالبدعة ، وتارة بالشرك . والله أعلم.

2- السؤال:
هل الشرك الأصغر أعظم من الكبائر ، وهل هذا القول على إطلاقة ؟

الجواب:
الحمد لله ، دلت النصوص على أن الشرك فيه أكبر وأصغر ، فالأكبر مناف لأصل الإيمان والتوحيد ، وموجب للردة عن الإسلام ، والخلود في النار ، ومحبط لجميع الأعمال ، والصحيح أنه هو الذي لا يغفر كما قال تعالى : {إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء } ، وأما الشرك الأصغر فهو بخلاف ذلك ، فهو ذنب من الذنوب التي دون الشرك الأكبر فيدخل في عموم قوله تعالى : {وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء }
وهو أنواع :
شرك يكون بالقلب كيسير الرياء ، وهو المذكور في قوله صلى الله عليه وسلم :" أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر " فسئل عنه فقال: "الرياء ".
ومنه ما هو من قبيل الألفاظ كالحلف بغير الله كما قال صلى الله عليه وسلم :" من حلف بغير الله فقد أشرك ".
ومنه قول الرجل: لولا الله وأنت ، وهذا من الله ومنك ، ولولا كليبة هذا لأتانا اللصوص ، ولولا البط في الدار لأتانا اللصوص كما جاء في الأثر المروي عن ابن عباس في تفسير قوله تعالى : {فَلاَ تَجْعَلُواْ لِلّهِ أَندَاداً وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ}
ومنه قول الرجل : ما شاء الله وشئت .
وقد ذكر بعض أهل العلم أن الشرك الأصغر عند السلف أكبر من الكبائر ، ويشهد له قول ابن مسعود رضي الله عنه :" لأنْ أحلف بالله كاذبا أحب إليّ من أن أحلف بغيره صادقا".
ومعلوم أن الحلف بالله كذبا هي اليمين الغموس ، ومع ذلك رأى أنها أهون من الحلف بغير الله.
والذي يظهر ـ والله أعلم ـ أن الشرك الأصغر ليس على مرتبة واحدة بل بعضه أعظم إثما ، وتحريما من بعض .
فالحلف بغير الله أعظم من قول الرجل: ما شاء الله وشئت ، لأنه جاء في حديث الطفيل الذي رواه أحمد وغيره أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يقولون: ما شاء الله وشاء محمد ، ولم ينههم صلى الله عليه وسلم عن ذلك في أول الأمر حتى رأى الطفيل الرؤيا وقصها على النبي صلى الله عليه وسلم :" فخطبهم النبي صلى الله عليه وسلم ، ونهاهم عن ذلك ، وقال: إنكم كنتم تقولون كلمة كان يمنعني الحياء منكم أنْ أنهاكم عنها لا تقولوا ما شاء الله وشاء محمد ".
وفي رواية "قولوا ما شاء الله ثم شاء محمد".
والظاهر أيضا : أن قول السلف الشرك الأصغر أكبر من الكبائر يعني مما هو من جنسه كالحلفِ ، فالحلفُ بغير الله أكبر من الحلف بالله كذبا كما في أثر ابن مسعود ، وجنس الشرك أكبر من جنس الكبائر ، ولا يلزم من ذلك أن يكون كلما قيل : إنه شرك أصغر يكون أكبر من كل الكبائر ، ففي الكبائر ما جاء فيه من التغليظ ، والوعيد الشديد ما لم يأت مثلُه في بعض أنواع الشرك الأصغر ، كما تقدم في قول الرجل: ما شاء الله وشئت. والله اعلم.

3- السؤال:
بعضُ الأخوة من طلبة العلم الذين مَنّ الله عليهم بصحة العقيدة ، يعيشون في بلاد تكثر فيها البدع ، والشركيات ، والمنكرات العظيمة .. ونجد معظم نشاطهم ، و دروسهم في علوم الآلة كالمصطلح ..ونحوه ، أو تحقيق ، وتخريج الكتب ، أو حتى الدروس الفقهية .. ونحوها ولا نجد لهم دروسا ، أو جهودا في تصحيح العقائد الفاسدة ، والبدع المنتشرة في بلادهم ! فهل من كلمة توجهونها لهم ؟ وهل يأثمون بترك الدعوة إلى التوحيد ، ونبذ البدع والشرك مع شدة حاجة الناس لذلك ؟

الجواب:

الحمد لله لا ريب أن العناية بعلوم الحديث ودراسة الأسانيد ، وتحقيق الكتب المشتملة على ذلك عمل جليل والحاجة داعية إليه ، وهو سبيل أهل العلم قديما وحديثا ، ولكن لا يخفى أن ذلك كله وسيلة إلى معرفة حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وتمييز الصحيح من غيره والغاية من معرفة كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم العمل بهما ، والدعوة إلى ذلك . واستغراق الوقت بالوسيلة عن الغاية خطأ ظاهر لا يليق بطلاب العلم ، ولا يصدر من ذوي البصائر والفقه في الدين .
ولقد أرسل الله رسوله محمد صلى الله عليه وسلم بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون ، ولقد تحقق ذلك على يده صلى الله عليه وسلم ، ويد أصحابه ، وأتباعه ؛ فالواجب سلوك سبيلهم بالعناية بتدبر القرآن ، وتدبر السنة ،والتفقه فيهما ، والعمل بهما ، والدعوة إليهما ، ومن أوجب الواجبات الأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، ومن المعلوم أن أعظم المنكرات ؛ الشرك ، والبدع كبيرها ، وصغيرها ، فيجب على أهل العلم القيام بذلك عملا بقوله تعالى {وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} ، وذلك مما يدخل من قام به في عموم قوله تعالى {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ } ، ولا يخفى أن الأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر من فروض الكفاية ، ومعنى ذلك أنه إذا لم يتحقق القيام بهذا الواجب تعين على من كان قادرا أن يقوم به نصحا لله ، ولكتابه ولرسوله ، ولعامة المسلمين .
فيا أيها الأخوة انهضوا بهذا الواجب العظيم ، واجب الدعوة إلى الله ، والأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ؛ فهذا سبيل الرسول صلى الله عليه وسلم ، وأتباعه كما قال تعالى {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} ، ولا يخفى عليكم فضل الدعوة إلى الله ، وما لها من الأثر العظيم في هداية الخلق ، وأي ثناء ، وترغيب فوق ثنائه سبحانه وتعالى بقوله {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} ، نسأل الله أن يسلك بنا ، وبكم سبيل المؤمنين ، وأن يجعلنا هداة مهتدين إنه تعالى على كل شيء قدير ، والله أعلم.

4- السؤال:
سماحة الشيخ استنكر عَليّ أحد الأخوة تكفير الرافضة- المقصود من يقومون بأعمال شركية كالاستعانة و الاستغاثة بالحسين و زيارة و حِج الأضرحة- فقال الأخ (علماً أنه أقدم منى في طلب العلم) أن تكفير عقيدتهم لا يعني تكفير عامة جُهّالهم الذين يُضَلّلون مِن قِبل أئمتهم، ولكن إن نُصِحوا وبُيِّنَ لهم وأقيمت عليهم الحُجة ولم يرجعوا عن تلك العقيدة الفاسدة وجب تكفيرهم ، فما رأي سماحة الشيخ، هل الجاهل منهم معذور بشركه ؟

الجواب :
الحمد لله : الرافضة الذين يسمون أنفسهم الشيعة ، ويدعون حب آل بيت الرسول صلى الله عليه وسلم ، هم شر طوائف الأمة ،وقد كان المؤسس لهذا المذهب يهودي اسمه عبد الله بن سبأ ، وأصحابه السبئية الغلاة الذين ادعوا الإلهية في علي رضي الله عنه ،وورثتهم يألهون أئمتهم من ذرية علي رضي الله عنه ، وهؤلاء كفار بإجماع المسلمين ، وإذا أظهروا الإسلام وكتموا اعتقادهم كانوا منافقين ، وهؤلاء من غلاة طوائف الرافضة الذين قال فيهم بعض العلماء : إنهم يظهرون الرفض ، ويبطنون الكفر المحض ، ومن الرافضة السبابة الذين يسبون أبا بكر وعمر ويبغضونهما ،ويبغضون سائر الصحابة ،ويكفرونهم ، ويفسقونهم إلا قليلا منهم . وفي مقابل ذلك يغلون في علي رضي عنه وأهل البيت ، ويدعون لهم العصمة ، ويدعون ان عليا رضي الله عنه هو الأحق بالأمر بعد النبي صلى الله عليه وسلم ، وأن النبي صلى الله عليه وسلم أوصى بذلك ، وأن الصحابة كتموا الوصية ، واغتصبوا حق علي في الخلافة ، فجمعوا بين الغلو ،والجفاء ، ثم اعتنقوا بعض أصول المعتزلة كنفي الصفات ، والقدر ، ثم أحدثوا بعد القرون المفضلة بناء المشاهد على قبور أئمتهم ؛ فأحدثوا في الأمة شرك القبور ، وبدع القبور ، وسرى منهم ذلك لكثير من طوائف الصوفية ، والمقصود أن الرافضة في جملتهم هم شر طوائف الأمة ،واجتمع فيهم من موجبات الكفر ، تكفير الصحابة ، وتعطيل الصفات ، والشرك في العبادة بدعاء الأموات ، والاستغاثة بهم , هذا واقع الرافضة الإمامية الذين أشهرهم الإثنا عشرية فهم في الحقيقة كفار مشركون لكنهم يكتمون ذلك ، إذا كانوا بين المسلمين عملا بالتقية التي يدينون بها ، وهي كتمان باطلهم ، ومصانعة من يخالفهم ، وهم يربون ناشئتهم على مذهبهم من بغض الصحابة خصوصا أبا بكر وعمر ، وعلى الغلو في أهل البيت خصوصا علي ، وفاطمة ، وأولادهما ، وبهذا يعلم أنهم كفار مشركون منافقون وهذا هو الحكم العام لطائفتهم ، وأما أعيانهم فكما قرر أهل العلم أن الحكم على المعين يتوقف على وجود شروط ، وانتفاء موانع ، وعلى هذا فإنهم يعاملون معاملة المنافقين الذين يظهرون الإسلام . ولكن يجب الحذر منهم ، وعدم الاغترار بما يدعونه من الانتصار للإسلام فإنهم ينطبق عليهم قوله سبحانه {وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ} ،وقوله تعالى {وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِن يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ } ، ولا يلزم مما تقدم أن كل واحد منهم قد اجتمعت فيه أصولهم الكفرية ، والبدعية . ومن المعلوم أن أئمتهم ، وعلماءهم هم المضلون لهم ،ولا يكون ذلك عذرا لعامتهم لأنهم متعصبون لا يستجيبون لداعي الحق ، ومن أجل ذلك الغالب عليهم عدواة أهل السنة ، والكيد لهم بكل ما يستطيعون ، ولكنهم يخفون ذلك شأن المنافقين ، ولهذا كان خطرهم على المسلمين أعظم من خطر اليهود ، والنصارى لخفاء أمرهم على كثير من أهل السنة ، وبسبب ذلك راجت على كثير من جهلة أهل السنة دعوة التقريب بين السنة والشيعة ، وهي دعوة باطلة . فمذهب أهل السنة ،ومذهب الشيعة ضدان لا يجتمعان ، , فلا يمكن التقريب إلا على أساس التنازل عن أصول مذهب السنة ، أو بعضها ، أو السكوت عن باطل الرافضة ، وهذا مطلب لكل منحرف عن الصراط المستقيم ـ أعني السكوت عن باطله ـ كما أراد المشركون من الرسول صلى الله عليه وسلم أن يوافقهم على بعض دينهم ، أو يسكت عنهم فيعاملونه كذلك ، كما قال تعالى {وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ} ، والله أعلم .
 

تابع اللقاء على ملف وورد


 

لقاءات الشبكة

  • لقاءات عبر الشبكة
  • لقاءات عبر المجلات
  • الصفحة الرئيسية