كان العرب في الجاهلية يعظمون شهر رجب حتى اشتهر عنهم قولهم : عِش رجبًا ترى
عجبًا. ونُسب القول للحارث بن عباد.
ويقصدون به تغير الأحوال وتقلبها وظهور العجائب.
واشتهر رجب بأسماء عدة أحصاها ابن حجر بثمانية عشر اسمًا، ومنها :
رجب : لأنه كان يرجب أي يعظم في الجاهلية.
والأصم : لأنه لا تُسمع فيه قعقعة السلاح .
والفرد : لأنه يأتي منفردًا عن الأشهر الحرم .
ومنصل الأسنة : لأنهم كانوا ينزعون نصل الرماح للكف عن الاقتتال .. وغير ذلك من
أسماء.
هل لرجب فضل ومزية ؟
رجب هو أحد الأشهر الحرم والتي ذكرها الله سبحانه وتعالى فقال:
﴿ إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي
كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ
حُرُمٌ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ ۚ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ﴾
[التوبة : 36].
والأشهر الحرم تأتي متوالية ذو القعدة ذو الحجة المحرم أما رجب فيأتي منفردًا
عنها ومتقدمًا عليها.
وسميت حرمًا لأن الظلم والمعاصي فيها أشد حرمة من غيرها ولتحريم الاقتتال فيها
.
حكم تخصيصه بصيام
جمع ابن حجر الأحاديث في صيام رجب وقسمها إلى قسمين:
ضعيفة ( وهي أحد عشر حديثًا ).
وموضوعة ( وهي واحد وعشرون حديثًا).
قال ابن حجر في كتابه " تبيين العجب بما ورد في فضل رجب":
لم يرد في فضل شهر رجب ولا في صيامه ولا في صيام شيء منه معين ولا في قيام ليلة
مخصوصة فيه حديث يصلح للحجة.
وقال ابن تيمية : وأما صوم رجب بخصوصه فأحاديثه كلها ضعيفة ؛ بل موضوعة ، لا
يعتمد أهل العلم على شيء منها ، وليست من الضعيف الذي يروى في الفضائل ، بل
عامتها من الموضوعات المكذوبات.[الفتاوى الكبرى : ٢/ ٤٧٨]
إذًا لا يوجد حديث صحيح في صوم رجب بخصوصه
فهل من حديث عام يشهد بمشروعية صوم بعض رجب؟
استدل بعض أهل العلم بحديث النبي ﷺ : " صُمْ مِن الحُرُمِ واترُكْ صُمْ مِن
الحُرُمِ واترُكْ فقالَ بأصابعِه الثَّلاثةِ فضمَّها ثمَّ أرسلَها" . رواه أبو
داود .
وبما أن رجب من الأشهر الحرم باتفاق فإنه يدخل في استحباب صومه .
قال ابن حجر بعد ذكر الحديث ففي هذا الخبر - وإن كان في إسناده من لا يعرف- ما
يدل على استحباب صيام بعض رجب لأنه أحد الأشهر الحرم .
إلا أن الحديث لا يخلو من مقالة ففي إسناده من لا يعرف.
وكذلك استدل الإمام الشوكاني بحديث أسامة بن زيد قال: قلت: يا رسول الله، لم
أرك تصوم شهراً من الشهور ما تصوم من شعبان، قال: "ذلك شهر يغفل الناس عنه بين
رجب ورمضان وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين، فأحب أن يرفع عملي وأنا
صائم" رواه النسائي وحسن إسناده العيني والألباني.
فالحديث يومئ إلى اشتهار رجب عند الناس .
قال الشوكاني :" ظاهر قوله في حديث أسامة: " إن شعبان شهر يغفل عنه الناس بين
رجب ورمضان" أنه يستحب صوم رجب؛ لأن الظاهر أن المراد أنهم يغفلون عن تعظيم
شعبان بالصوم كما يعظمون رمضان ورجبًا به. ويحتمل أن المراد غفلتهم عن تعظيم
شعبان بصومه كما يعظمون رجبًا بنحر النحائر فيه، فإنه كان يعظم ذلك عند
الجاهلية وينحرون فيه العتيرة كما ثبت في الحديث، والظاهر الأول. المراد
بالناس: الصحابة، فإن الشارع قد كان إذ ذاك محا آثار الجاهلية، ولكن غايته
التقرير لهم على صومه، وهو لا يفيد زيادة على الجواز" . [ نيل الأوطار: ٤/
٢٩٢].
غير أن هذا الاستدلال لا ينهض للاحتجاج على استحباب الصوم أو ندبه بل هو يصور
حالة قائمة أراد النبي ﷺ صرف الناس إلى ما هو أفضل منها وهو الاجتهاد في شعبان
.
وسنة النبي ﷺ الصريحة مقدمة على غيرها من الأعراف والعادات.
من البدع المنكرة في رجب : صلاة الرغائب في أول ليلة جمعة من رجب ؛ قال
النووي رحمه الله [عن صلاة الرغائب وصلاة ليلة النصف من شعبان]:
وهما بدعتان مذمومتان منكرتان، وأشدهما ذمّاً الرغائب لما فِيهَا من
التَّغْيِير لصفات الصَّلَاة، ولتخصيص ليلة الجمعة ، والحديث الْمَروي فِيها
باطل، شَدِيد الضعْف، أَو مَوْضُوع ". [خلاصة الأحكام ٢/ ٦١٦]
ومن البدع أيضًا تخصيص ليلة السابع والعشرين من رجب بصيام أو قيام أو الجزم
بأنها ليلة الإسراء والمعراج لأنها ليلة مختلف في تحديدها ولا خصوصية للعبادة
فيها.
كذلك لايوجد دليل على خصوصية العمرة في شهر رجب .
وخلاصة القول ماذكره النووي رحمه الله حيث قال: "ولم يثبت في صوم رجب
نهي ولا ندب لعينه ؛ ولكن أصل الصوم مندوب إليه وفي سنن أبي داود أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم ندب إلى الصوم من الأشهر الحرم ، ورجب أحدها ، والله أعلم".
[شرح النووي على مسلم: ٨/ ٣٩]
وواجب المسلمين التثبت واتباع سنة النبي ﷺ والاقتداء بالصحابة وترك البدع
والمحدثات .
نسأل الله أن يُرينا الحق حقًّا ويرزقنا اتباعه ويرينا الباطل باطلًا ويرزقنا
اجتنابه.
|