اطبع هذه الصفحة


خطبة : عيد الحب

مصطفى بن سعيد إيتيم

 
ملخص الخطبة
1- كمال الدين وتمام النعمة. 2- محاسن الإسلام. 3- مكر اليهود والنصارى بالأمة الإسلامية. 4- حال المسلمين اليوم. 5- حقيقة عيد الحب وحكمه. 6- تحريم موالاة الكفار والاحتفال بأعيادهم. 7- ضلال عقيدة النصارى. 8- معنى الحب في الإسلام. 9- تلبيس أعداء الدين.

الخطبة الأولى

أما بعد:
أيها المؤمنون:
إن الله سبحانه قد حبانا بدين عظيم، وهدانا إلى صراط مستقيم، فيه الغنية والكفاية، وبه السعادة والهداية، منه الأمن والسلام، وإليه الحب والوئام، من تمسك به أعزه الله بقدر ما تمسك وأخذ، ومن تهاون أذله الله بقدر ما ترك وجحد.
إن الدين قد كمل فلا نفتقر بعده إلى مقنِّن مشرِّع، وإن النعمة قد تمت فلا نحتاج معها إلى عيد مفرِّح، اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينًا [المائدة: 3].
ديننا ـ أيها المؤمون ـ أكمل الأديان وأفضلها، جمع بين مصالح الأولى والأخرى، خدم الروح ولم يغفل الجسد، وأمَّ الآخرة ولم يهمل الدنيا قال تعالى: وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا [القصص: 77].
ديننا ـ أيها المؤمنون ـ دين الوسطية؛ لا إفراط فيه ولا تفريط، ولا إسراف ولا تقتير، لا غواية فيه ولا رهبانية، ولا غلو ولا تقصير وكذلك جعلناكم أمة وسطًا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدًا [البقرة: 143].
فبالله عليكم كيف يرضى المسلم لنفسه أن يضيّع هذه المكانة التي جعلها الله بين يديه، وأن يرضى بالهوان والكتاب والسنة نصب عينيه؟! أم كيف يرضى لنفسه الأبيّة أن يكون مقودًا بعدما كان قائدًا، وأن يكون مقلِّدًا بعدما كان مرشدًا؟ كيف يرضى لنفسه أن يصبح ضالاً بعدما كان دالاً، وأن يصير عبدًا مطيعًا بعدما كان سيّدًا؟ ولكنه قول النبي : ((لتتبعنّ سَنَنَ من كان قبلكم شبرًا بشر وذراعًا بذراع حتى لو دخلوا جحر ضبّ تبعتموهم))، قالوا: يا رسول الله، اليهود والنصارى؟ قال: ((فمن؟))[1].
أيها المسلمون:
ليس بخاف عليكم مكر اليهود والنصارى بالأمة الإسلامية، ومحاولتهم القضاء على قيمها ومبادئها الأخلاقية، إنهم يبذلون في ذلك أعزّ أوقاتهم وأنفس أموالهم، سخّروا لذلك العقول والطاقات، وسطروا المناهج والمخططات، ولقد ـ والله ـ أصابت سهامهم، وأثخنت رماحهم، كيف لا؟ والسنة الكونية تقول: من جدّ وجد، ومن زرع حصد. فصرنا اليوم نرى مظاهر ما كنا نراها بالأمس القريب، صرنا نرى التفنّن في السفور والإمعان في التبرّج، صرنا نرى الجرأة على الدين، والتبجّح بالمعاصي.
اذكروا معي ـ رحمكم الله ـ قبل بضع عشرة سنة كيف كانت المبادئ الأخلاقية والقيم المرضية منتشرة في المجتمع، كان الحياء والعفاف هو السائد في هذا المجتمع، كان الشاب لأن يحمل فوق ظهره جبلاً أهون عليه من أن يراه من يعرفه يمشي مع فتاة، وكذا شأنها هي بل أشد؛ إذا دخلا حيًا من الأحياء طردهما سكانه، وإذا مشيا بين الناس كان شزَر أعينهم إليهما أشدَّ عليهما من الكلام اللاذع، ثم انظروا إلى ما صرنا إليه اليوم، واعتبروا يا أولي الألباب.
وهاهي جيوش الكفر وجنود الإلحاد تَكِرّ من جديد، وتروّج لعيد ما أمكَرَه من عيد، عيدٍ سموه بغير اسمه تدليسًا وتلبيسًا، سمّوه باسم شريف، ليروج على التقي النقي العفيف، سموه عيد الحب وهو في الحقيقة عيد الخنا والرذيلة والعهر، ينشرون الرذائل في أثواب الفضائل، وهذه سنة إبليسية قديمة، فضحها الله تعالى وكشف أمرها لعباده المؤمنين، فقال عن مكر إبليس بأبينا آدم وأمنا حواء: وقاسمهما إني لكما لمن الناصحين [الأعراف: 152].
فاحذروا أيها المسلمون، احذروا المضِلَّ الخائن الذي يأتي في لباس الناصح الأمين، إنه لو جاء في ثوبه، ما أدرك مطلوبه ولا وصل إلى إربه،ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين [الأنفال:30].
وللأسف الشديد لقد غُرّر بكثير من الشباب والفتيات لضعف إيمانٍ منهم ونقص توجيهٍ وإرشادٍ من الدعاة الناصحين، غُرّر بهم فاغترّوا بهذا العيد، وراحوا يحتفلون به ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
ألا فليعلموا وليعلم كل مسلم أن الاحتفال بهذا العيد من أعظم البدع الكفرية، وأنه محرّم في دين الإسلام، لا خلاف في ذلك بين أهل العلم المعتبرين، إنه لو كان هذا العيد من إحداث المسلمين لكان الاحتفال به حرامًا لقوله : ((من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد))[2]، ولقوله ـ لما جاء إلى المدينة ووجد أهلها يلعبون في يومين هما من أعياد الجاهلية ـ: ((إن الله قد أبدلكم بهما خيرًا منهما: يوم الأضحى ويوم الفطر))[3]، إنه لو كان هذا العيد من ابتداع المسلمين لكان الاحتفال به حرامًا فكيف وهو من ابتداع الكافرين الضالين؟ أما كفى الدعاةَ إلى الله ـ يا عباد الله ـ أن يحاربوا البدع التي أحدثها المسلمون بعد نبيهم، حتى تشغلوهم بالبدع التي أحدثها المشركون في أديانهم؟.
فاتقو الله يا عباد الله، اتقوه وابتغوا رضاه، واجتنبوا سخطه.
أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية

الحمد لله شرع لنا دينًا قويمًا، وهدانا صراطًا مستقيمًا، الحمد لله أكرمنا بالإيمان، وفضل ديننا على سائر الأديان.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، حذرنا من مشابهة الكفار وموالاتهم، فقال تعالى: يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الذين اتخذوا دينكم هزوًا ولعبًا من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم والكفار أولياء واتقوا الله إن كنتم مؤمنين [المائدة: 57].
وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله القائل: ((من تشبه بقوم فهو منهم))[4].
صلى الله عليه، وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين.
أما بعد: فيا أيها المسلمون:
اعلموا أن الأعياد من شعائر الأديان، فمن دان بدين احتفل بأعياده، ولم يحتفل بأعيادِ سواه، واعلموا أن للضلال سبلاً، أخصرها موالاة الكفار، فإن كان للموالاة دليل، فدليله تقليدهم، فإن كان للتقليد عنوان، فعنوانه الاحتفال بأعيادهم.
فكيف يرضى مسلم بعد ذلك؛ كيف يرضى لنفسه ولمن يعول ويرعى أن يحتفل بعيد فسقي بدعي كفري، عيد الحب المزعوم؟ كيف يرضى أن يحتفل بعيد القسيس فالنتاين الذي يسبّ إلهنا ويقول: إنه ثالث ثلاثة، وإنه اتخذ صاحبة وولدًا، تعالى الله عما يقول الأفاكون علوًا كبيرًا.
ألم تسمعوا إلى قول الله عز وجل: وقالوا اتخذ الرحمن ولدًا لقد جئتم شيئًا إدًا تكاد السموات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدًا أن دعوا للرحمن ولدًا وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولدًا إن كل من في السموات والأرض إلا آتي الرحمن عبدًا لقد أحصاهم وعدهم عدًا وكلهم آتيه يوم القيامة فردًا [مريم: 88 ـ 95].
فاحذر يا عبد الله، احذر أن تكون السماء والأرض والجبال أغير منك على الله تعالى، احذر أن تكون هذه الجمادات أفضل منك إذا أنت لم تكترث لما يقوله الأفاكون المبطلون، فرُحْت تحتفل بهذا العيد أو بغيره من أعيادهم الباطلة الزائفة.
أيها المسلمون:
إنه مهما تكلم الضالون عن الحب، ومهما مجَّدوه وعظَّموه واحتفلوا به، فنحن أولاهم به، نحن أولى الناس بالحب؛ عَقْدُ الدين مبني عليه، وأساس الإيمان راجع إليه، لا يؤمن أحدٌ ولا يأمنَ حتى يحب الله، ويحب دينه وأحكامه وشريعته، ولا يؤمن أحد ولن يأمن حتى يحب رسول الله، ويحب آله وأزواجه وصحابته، لا يؤمن أحدٌ حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه من الخير.
المسلم يحب الخير وأهله، ويحب الخير للناس.
الملسم يحب والديه فيبرهما ولا يعصيهما، يأويهما ولا يرميهما، يرعاهما ولا يلقيهما في ديار العجزة كما هو حاصل في بلاد الغرب، ديار الكفر والفسوق والعصيان.
المسلم يحب أبناءه فيعولهم ولا يضيعهم، ويعدل بينهم ولا يظلمهم، ويرشدهم ولا يطردهم.
المسلم يحب زوجته فيحترمها ولا يحتقرها، ويوفيها حقها ولا يبخسها، ويعينها ولا يستغلها.
المسلم يحب إخوانه فينصحهم ولا يفضحهم، ويدعوهم ولا يقصيهم، ويحفظ أعراضهم ولا يغتابهم.
المسلم يحب نساء المؤمنين، يحبهن فيدفع الأذى عنهن ولا يؤذيهنّ، يحبهن فيحترمهنّ ولا يخلو بهن، يحبهم فيغض بصره عنهن ولا يسلّطه عليهن.
وأغض طرفي إن بدت لي جارتي حتـى يـواري جارتي مثواها
إن الحب عند المسلمين معنى عظيمٌ شريف، يقول ابن القيم رحمه الله: " فبالمحبة وللمحبة وجدت الأرض والسموات، وعليها فطرت المخلوقات، ولها تحركت الأفلاك الدائرات، وبها وصلت الحركات إلى غاياتها، واتصلت بداياتها بنهاياتها، وبها ظفرت النفوس بمطالبها، وحصلت على نيل مآربها، وتخلصت من معاطبها، واتخذت إلى ربها سبيلاً، وكان لها دون غيره مأمولاً وسؤلا، وبها نالت الحياةَ الطيبة وذاقت طعم الإيمان لما رضيت بالله ربا وبالإسلام دينًا وبمحمد رسولاً"[5]. انتهى كلامه رحمه الله.
ثم يأتي هؤلاء الأفاكون المبطلون، وحلفاؤهم من ضعفة النفوس والمنافقين، وأذنابهم من المخدوعين المغرورين، فيستغلون هذا الاسم بدهاء، ويستخدمونه بمكر، ويطلقونه كذبًا وزورًا على العلاقات الغرامية، والأحلام الوهمية التي سرعان ما تتبخر في أرض الواقع، وتخفق في أرض التجربة.
إننا في زمان انقلبت فيه الموازين، وسميت فيه الأشياء بغير أسمائها؛ فسمي الفسوق والخنا، والفجور والزنا حبًا، وسمي الحياء والعفة والحشمة مرضًا، وسمي الزواج والحياة الأسرية النبيلة عبءًا وقيدًا، وسمي قطع الطريق وقتل الأبرياء جهادًا، وسمي الجهاد الحق، الجهاد في سبيل الله، سمي إرهابًا، وسمي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر اعتداءً، وسميت التقاليد البالية تراثًا وثقافة، وسمي التمسك بالدين وإحياء السنة رجعية وتخلفًا، وسمي تقليد الكفار والتشبه بهم رقيًا وتقدمًا، وسمي الغناء والمجون فنًا، إنها ـ والله ـ لمن أشراط الساعة ولا حول ولا قوة إلا بالله.
فيا عبد الله، لا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد متاع قليل ثم مأواهم جنهم وبئس المهاد [آل عمران: 196، 197]، لا يغرنك ما هم عليه، فإنها دنيا زائلة، والآخرة خير وأبقى [الأعلى: 17]. كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إلا عشية أو ضحاها [النازعات: 46]. فالثبات الثبات، الثبات حتى الممات. نسأل الله حسن الخاتمة.
ويا أمة الله، لا يستخفنك الذين لا يوقنون، ولا يضلنك الذين لا يؤمنون، اعتزي بدينك، وافخري بأعيادك، وإياك ثم إياك من تقليد الكفار؛ فإنه طريق الهلاك وسبيل النار. نسأل الله السلامة والعافية.

----------------------------------
[1] أخرجه البخاري [3269،6889] ومسلم [2669] من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.
[2] أخرجه البخاري [2697] ومسلم [1718] من حديث عائشة رضي الله عنها.
[3] أخرجه أبو داود (1134) من حديث أنس وصححه الألباني.
[4] أخرجه أحمد (2/50، 92)،وأبو داود (4031) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما،وقال الألباني في تعليقه على المشكاة (4347): "إسناده حسن".
[5] من مقدمة روضة المحبين ونزهة المشتاقين

المصدر
 

عيد الحـب

  • فتاوى شرعية
  • مـقـالات
  • مـنـوعـات
  • عرض شرائح
  • تصـامـيـم
  • أعياد الكفار
  • الصفحة الرئيسية