اطبع هذه الصفحة


خطة عملية للاستفادة من زاد المستقنع

يوسف بن عمر


بسم الله الرحمن الرحيم

حظي (الزاد) عند الحنابلة بمنزلة سامية، لا سيما في هذا العصر، لعوامل كثيرة ليس هذا موضع ذكرها، ولكننا نفترض بقارئ هذه المقالة التسليم بأهمية المتن وضرورة دراسته كطريقة للتفقه على مذهب متبوع، وعلى متن مخدوم كما تقتضيه المنهجية السليمة في التفقه.

والمتأمل في متن الزاد، يجد أهم شروحه على الإطلاق هو الروض المربع للبهوتي رحمه الله، وعليه الاعتماد في التدريس الجامعي في غالب الكليات الشرعية في بلادنا وتخريج طلاب العلم والقضاة وذوي الولايات الشرعية، كما حظي بالرواج في دروس العلماء كما هو معلوم.

ولقد امتاز الروض بما يلي:

1- ذكر التعريفات للمصطلحات الفقهية الواردة في أصله (الزاد) والتي لم يتعرض الحجاوي لتعريفها.
2- ذكر أهم الأدلة التي احتج بها الحنابلة في مطولاتهم كالشرح الكبير ونحوه.
3- ذكر أهم التعليلات التي علل بها الحنابلة على المسائل في كتبهم.
4- وجازته.
وهناك مميزات أخر لهذا المتن، لكننا اقتصرنا على ما كتبت المقالة لأجله.

وما ذكر من مميزات هي غالب مادة الروض، وربما ذكر البهوتي بعض الروايات داخل المذهب لكن ليس ذلك غالبا.
ولما اشتهر في أوساطنا العلمية الوصية بالزاد وشرحه، يجد الطالب نفسه في حيرة إزاء الكتاب بأي طريقة يكون الاشتغال به، فلا يدري كيف يمكنه الاستفادة من هذا الكتاب، ويلجأ غالبا إلى الطريقة المعتادة وهي استشراحه على شيخ في درس عام، دون مراعاة ما حقه الحفظ وما حفه الفهم، وما حقه التكرار وما حقه المرور.

ولذا فهذه المقالة جاءت محاولة لتلبية هذا الغرض، وهو وضع خطة ميسرة يمكن لأي طالب تنفيذها ما دام قد قرأ متناً حنبليا قبل الزاد (1).
بحيث يشعر من أنجز الخطة بأنه قد استوعب مسائل الكتاب ومر على مسائله بجدارة، وما زاد على ذلك فهو مواهب ربانية يفتحها الله على من يشاء من عباده، فربما كان كتابا واحدا كالروض كافيا في تخريج فقيه كالشيخ أبا بطين رحمه الله الذي كان مفتيا للديار النجدية، فإنه وإن كان معتنياً بكتب المذهب إلا أنه عرف عنه إدمانه على مطالعة الروض.

إنه لن يتم الاستفادة من مادة الروض إلا بتفكيك مادته المتماسكة، وضبطها بعد ذلك بشكل متقن، واستخلاص ما يلزم حفظه وتكراره مما يكفي فيه تصور المسألة وفهمها، فيستفاد من الكتاب بشكل أكبر.

الخطة:

إذا اتضح ما ذكر فنجد أن الروض يمكن استيعابه بما يلي:

1- تُجرد التعريفات الواردة في الروض في جدول خاص باسم تعريفات الروض في العبادات مثلاً.
2- تجرد الشروط والأركان لكل باب في ورقة خاصة، فمثلا: تجرد أركان الحج وشروطه مواقيته وواجباته ونحو ذلك في ورقة خاصة، وهي ما يسمى عند الأصوليين بـ(الأحكام الوضعية).
3- عند عدم قدرة الطالب على استخلاص التعليلات من الروض، فيمكنه الاستعانة بكتاب (أدلة الروض المربع وتعليلاته)، للشيخ مساعد السلمان، الصادر عن كنوز إشبيليا، حيث جرد الدليل والتعليل من الروض ووضعها عند كل مسألة على هيئة حاشية على الزاد (2).
4- يستمع لشرح مختصر على الزاد، ومن الشروح المختصرة شرح الشيخ عبدالسلام الشويعر أو شرح الشيخ: محمد با جابر.

إن الملاحظ على بعض الطلاب عدم تفريقهم بين ما يلزم حفظه وتكراره، وبين ما يكفي فيه التصور فقط، فتجدهم ربما قرأوا مروراً على ما يحتاج إلى تركيز وحفظ وتكرار، كالتعريفات الاصطلاحية والأدلة، وربما حفظوا ما ليس بضروري، كبعض المعاني اللغوية، أو انصرفوا لضبط ما ليس بمهم في هذه المرحلة، كمن راح يضبط اختلاف الروايات مثلا.
والسير بهذه الطريقة مجانب للحكمة والرأي السديد، وموجب للانقطاع.
وأسبابه كثيرة قد تعود لغياب الخبرة اللازمة في التعامل مع الكتاب، وعدم وجود "الشيخ الفتّاح"، مما أدى إلى عدم وعي الطالب بما ينبغي ضبطه ليتخرج بالكتاب ويستفيد منه.

حفظ التعريفات:

إن حفظ التعريفات وفرزها لتكون واضحة للذهن ضروري جداً لفهم مسائل كل باب، وإذا لم تحظى التعريفات بعناية وإبراز وحفظ طال طريق الاستيعاب.
وإذا جردت التعريفات فوجئ الطالب بأن حفظها كان يسيراً لو انتصب لذلك، ووفر على نفسه جهداً كبيراً.
ثم إن تكرار التعريفات وحفظها له فائدة في اختمار المسائل وتفاعلها في ذهن الطالب، بل ربما دلّته على الطريقة الصحيحة لبحث مسألة تندرج تحت ذلك التعريف.
والتعريفات قد تذكر في متن الزاد، كتعريف البيع مثلاً، وقد لا يذكرها في الزاد فيذكرها البهوتي في الروض كتعريف الإجارة.

وهل يجب الاشتغال بمعرفة محترزات التعريف ؟

إن أهم ما يطلب هو حفظ التعريف، لأن مسائل الباب ستوضح التعريف بالدرس، دون انشغال بمحترزات التعريف، ولكيلا يطول الوقت عن ضبط سائر تعريفات الكتاب، ولكن لو بذل جهد في ضبط ذلك لكان أحرى باستيعاب الكتاب.
ولم أر البهوتي يذكر محترزات التعريف إلا عندما يذكر الحجاوي التعريف في الزاد، وعند ذلك يقوم البهوتي بتحليل تعريف الحجاوي وتبيين محترزاته.
وانظر تعريف البيع مثلا.

الدليل والتعليل:

معرفة الحكم بلا معرفة دليله ولا تعليله ليس تفقهاً، ولا يثمر ولا يفيد، وهو ألصق بتعريف التقليد وأشبه بمقام العامي من مقام طالب العلم، وما قام الفقه الإسلامي إلا على الأدلة الإجمالية المعروفة من كتاب أو سنة أو إجماع أو قياس ونحوها، وإذا لم يستحضر المتفقه الدليل أو التعليل لم يكن مؤصلاً، فما التأصيل إلا البناء على أصل؟
فينبغي حينها الاهتمام بالدليل ضبطا لألفاظه، ومعرفة لوجه الاستدلال به.

وأما الأقيسة ونحو ذلك فتصورها وفهمها كافٍ في ضبطها.
لكن يلزم أن ينتبه الطالب إلى أنه : عندما يحفظ الدليل أو التعليل في مسألة ما من مسائل الزاد، أن عليه يركز على أن هذا الدليل في هذه المسألة هو مما استدل به الحنابلة، فذلك يفيده في حالتين:

1- إن كان يطمح للترقي فيما بعد لدراسة علم الخلاف (الفقه المقارن) ويتوق لمنصب الاجتهاد فإنه يعرف مذهب أصحابه الحنابلة في المسألة ودليلهم.
2- وإن كان هدفه ليس الترقي وطلب منصب الاجتهاد أو معرفة الخلاف فإنه يكون له هذا التركيز والضبط تأصيلاً له إن أراد الاكتفاء بالزاد، وعزوا للعلم إلى أهله.
فيكون اعتناؤه بالحديث مثلا بحفظ التخريج إن أورده البهوتي مخرجا، ويستحضر أن هذا من أدلة الحنابلة في المسألة.
وإن ساق البهوتي إجماعا فيقول: إن هذه المسألة حكي فيها الإجماع كما في الروض المربع... وهكذا، ولا شك أن توثيق الإجماعات الواردة في الروض مهم في العزو إلى المصدر الأصيل أيضا كابن المنذر وابن هبيرة ونحوهما (3).

الأركان والشروط والواجبات والفرائض ونحوها:

هذه الفقرات بعضها يندرج تحت ما يسميه الأصوليون بالحكم الوضعي (كالشروط والأركان والعلل والأسباب) ومن أمثلتها في الزاد أركان الحج، وشروط البيع، وأركان النكاح...الخ.
فهذه لا تضبط إلا بالحفظ، والتكرار، وربما حفظت إذا فُهمت، لكن ليس كل الطلبة يؤتى فهما في بداية الطلب، فيكون فرضه بالنسبة لها الحفظ.
وإذا انتزعها واستخلصها من بين سطور الكتاب كان ضبطها وتصورها بل وتصور مسائل الكتاب أسهل بإذن الله

المسائل:
والمسائل يهم الطالب فيها (تصور المسألة) وفهمها، فإذا نظر عبارة في الزاد لم يفهمها، فلديه خطوات :

1- أن يستمع إلى الشارح ماذا قال فيها.
2- أن يتأمل فيها ويحاول فهمها من السياق.
3- أن يرجع فيها إلى شرح معاصر يفك عبارتها.
4- أن يسأل فيها شيخه أو أحد ممن تعامل مع الكتاب.

كما يستعمل معها طريقة (الأسئلة الكاشفة)، وهي أن يضع في بداية كل فقرة أو مسألة مهمة سؤالا كاشفا لمحتوى هذه الفقرة، فينتبه العقل لما فيها، وتعينه إذا رجع مرة أخرى إلى مراجعة الكتاب على معرفة مسائله، وكذلك عنونة الفقرات تؤدي نفس الوظيفة، لكن الأسئلة أكثر استثارة للذهن، وهي المطروحة في واقع طالب العلم من المستفتين أو الطلبة الذين سيدرسهم المتن في المستقبل.

ومثال ذلك: قال في الروض في باب زكاة الحبوب والثمار:

«(وتضم) أنواع الجنس من (ثمرة العام الواحد) وزرعه (بعضها إلى بعض) ولو مما يحمل في السنة حملين (في تكميل النصاب) لعموم الخبر، وكما لو بدأ صلاح إحداها قبل الأخرى سواء اتفق وقت إطلاعها وإدراكها أو اختلف تعدد البلد أو لا (لا جنس إلى آخر) ، فلا يضم بر لشعير، ولا تمر لزبيب في تكميل نصاب كالمواشي».

يمكن أن تقول: ما الحكم لو بدا صلاح بعض الثمرة ولم يكمل النصاب؟
فيكون الجواب: تضم أنواع الجنس من ثمرة العام الواحد بعضها إلى بعض...الخ.
أو تقول: ما شرط ضم الثمرة بعضها إلى بعض في الزكاة؟ فيكون الجواب: أن تكون من جنس واحد ومن ثمرة عام واحد.
أو تقول: ما الحكم لو ضم جنسين مختلفين ليكمل النصاب، كضم بر لشعير؟ فيكون الجواب: لا يضم، لاختلاف الجنس.
أو تضع عنواناً: أثر اتحاد العام واتحاد الجنس في زكاة الثمار.
وهكذا.

هذا وأرجو أن يكون الروض قريباً إلى نفس الطالب، يجعل له فيه ورداً كالورد من القرآن والذكر، حتى يستفيد منه غاية الاستفادة، فالعلم إنما يرسخ بالتكرار، وإدمان النظر، وصل اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
 

أبو يعقوب، يوسف بن عمر
modarsah.al3lm@gmail.com
حرر في 15 /5/ 1437
 

مقطع فيديو بعنوان (آلية ضبط زاد المستقنع) في قناة الشيخ عبيد الظاهري:
https://youtu.be/OBB7rLBpeR4



-------------------------------
(1) ولا مانع لو كان أخصر المختصرات أو دليل الطالب أو عمدة الفقه، إذ ليس الغرض إلا التأهل لقراءة الزاد، وليس دراسة كل ما كتب من متون في المذهب.
(2) وقد صدرت نسخة حديثة رائعة من الروض المربع، من إعداد الفريق العلمي بشركة إثراء المتون، ميزت كل ما يحتاج إليه الطالب، ولله الحمد.
(3) ولا بد من إعداد حاشية مخصصة لتوثيق الإجماعات أو المسائل المحكي في إجماع وتنضيدها على مواضعها من الزاد، ولعل الله يهيئ لذلك من يقوم به.

 

طلب العلم

  • مقدمة الموسوعة
  • منهجية الطلب
  • القراءة
  • دراسة الفنون
  • الحفظ
  • أدب الحوار والخلاف
  • متفرقات
  • المكتبة
  • الأفكار الدعوية
  • الموسوعة