اطبع هذه الصفحة


ثمرات التقطيف من ثمرات الصنعة والتأليف

وليد بن عبده الوصابي


بسم الله الرحمن الرحيم


هذه رسالة للعلامة مفتي باكستان الشيخ محمد شفيع -رحمه الله تعالى- فتوى باسم (ثمرات التقطيف من ثمرات الصنعة والتأليف) .
وقد ترجمها البعض -جزاهم الله خيراً، ولندرتها أسوقها مترجمة، وقد ساقها كاملة الشيخ بكر أبو زيد في "فقه النوازل" وهي كما يلي:

السؤال:

١- يسجل المصنفون كتبهم لئلا ينشرها أحد غيرهم؛ هل هذا التسجيل جائز شرعاً أم لا؟
٢- ما حكم البيع والشراء لحقّ التصنيف والاختراع؟

الجواب:

لا يجوز المنع عن النشر والصنعة لمن يسجل تأليفه أو اختراعه؛ لأن منع أحد عن التصرف في الأمر المباح لا يخلو من وجهين:
أحدهما: أن يتم التصرف في ملك الآخر بلا إذنه.
والآخر: أن يؤدي هذا التصرف إلى إلحاق ضرر للفرد أو الجماعة.

والمسألة التي نحن بصدد بحث عنها؛ تفقد هذين الوجهين؛ لأن الناشر أو الصانع لا يتصرف في ملك أحد، بل يقوم بالكتابة، وتوفير الأوراق، ودفع أجرة الطباعة من عنده، هذا وأن ما ينقل منه إما أن يشتريه، أو يحصل عليه من أي طريق مباح.

وأما حق التصنيف: فليس بمال، ولا يصلح أن يكون ملكاً لأحد، بل إن الحكومة الحاضرة كما أنها قررت أن يكون حقاً للأشياء الكثيرة التي ليست بقابلة أن تكون حقاً، فهكذا قررت أن يكون هذا الشيء حقاً أي حق التصنيف والاختراع (الإبداع).

والوجه الثاني: مفقود كذلك؛ لأن الناشر لا يمنع المصنف ولا أحداً عن النشر الذي هو سبب في إلحاق الضرر، بل النشر يؤدي إلى حرمان المصنف أو المبتكر من الغلاء ولا يضر الناس على منفعتهم الشخصية؛ فهذا ليس بضرر بل تقليل للنفع والفرق ظاهر بين الضرر وتقليل النفع.

وقد صرح شمس الأئمة في "المبسوط" -كتاب السير والجهاد-: بأنه لا يجوز لأحد أن يكون سبباً في المضارة لأحد، ولكن لو نقص ربح فرد؛ فهذا جائز، فلو كثر عدد المحلات التجارية في السوق وأدّى ذلك إلى نقص الربح أو عدمه لشخص معين فعندئذ لا يقال: إن التجار الآخرين ألحقوا به الضرر، فلذا ليس من ثَمّ مبرر عقلي أو نقلي على الحجر ومنع الناس من شيء.

لعل منع المصنف أو المبتكر لأحد عن الطباعة والنشر إنما يحتمل أن يقرر نسبة الربح أكثر من العادة أو ألا تكون المنافع التجارية إلا له وأن لا يستفيد الآخرون من ربح هذه الصفقة التجارية، وبهذا يتضرر الناس فهذا يؤدّي إلى الحجر عليه فضلاً عن أن يمنع الآخرين.

ولأن النفع الفردي الذي يكون سبباً لإضرار عامة الناس فالشرع لا يبيحه. ولهذا الأمر نظائر وشواهد كثيرة واردة في الأحاديث الصحيحة، نحو حديث الصحيحين من رواية عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: نهى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم،َ (أن تتلقى الركبان، وأن يبيع حاضر لباد).
أي: أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ منع أن تشترى الحبوب في القرى والمزارع، قبل أن تصل إلى المدن، وأن يكون رجل من أهل المدينة سمساراً في بيع البضائع؛ لأن في ذلك تبقى الحبوب في سيطرة شخص واحد، أو بعض أشخاص، وهذا موجب لإرضاء عامة الناس لما حددوا من الأسعار، وبهذا يتم حرمان الناس من رخص الأسعار من قبل أهل القرى والبدو، وهذا يؤدّي إلى إلحاق ضرر للناس.

وحرفة السمسرة: صارت سبباً مباشراً في غلاء الأسعار؛ ولهذا ورد النهي عن ذلك في الحديث المذكور، وكذلك ورد النهي عن الاحتكار في الأحاديث الصحيحة. أي: أن يتم شراء الحبوب واحتكارها حتى تباع عندالغلاء.
فهذا كذلك سبب مباشر في إلحاق الضرر لعامة الناس رغم أن هذه التصرفات كلها تتم في ملك شخص معين، ومع ذلك لم يبح له الشرع ذلك، فكيف يسمح ويتحمل أمر تسجيل حق الطبع والابتكار ما ليس بملك له وأنه سبب ضرر للناس.

وهناك قاعدة وهي: (الضرر يزال) في كتاب "الأشباه والنظائر" حيث اتخذه الفقهاء مستنبطاً من الكتاب والسنة، وذكرت فيه شواهدها الكثيرة.
فالحاصل: أنه يتحمل أحياناً خسائر فردية لإزالة الضرر عن عامة الناس، فعند الحاجة يحق للحاكم تسعير السلع اللازمة حتى لا يسمح لأحد أن يبيع بسعر زائد على التسعيرة. "الأشباه والنظائر".
فلذا إزالة الضرر الذي يعم الجميع، والذي لا يلحق به الضرر لأحد،بل ولا حرمان من النفع، قد يكون هناك تقليل في نسبة الربح، وهذا أيضاً موهوم، فكيف تُبقي الشريعة الإسلامية مثل هذا الضرر الذي يعم الناس.
ولو أمعن النظر؛ لتبيّن أن العالم في قلق واضطراب بحيث لا سكون فيه لفقير، ولا لغني وتظهر كل يوم آلاف من الطرق والوسائل المباحة، وغير المباحة؛ لكسب الأموال؛ فسببه الكبير هو: السيطرة من قبل الحكومات الرأسمالية وأعوانها على طرق الكسب المباحة من قبل الشرع الإسلامي.
أو أن الحكومة تملك كل شيء وتجبر الناس على أداء الضرائب، وأدّى ذلك إلى نشأة الصراع بين العمال والأغنياء الرأسماليين.
وبدأ جنون الرأسمالية الذي يخالف الفطرة (السليمة) وهذا صار سبباً لنشأة مصائب كثيرة.
ولا شك أن هذا الاضطراب لن يزول، ولا يحصل للناس أمن عام إذا لم يعتمد على نظام اقتصادي إسلامي سليم.

وملاك هذا الأمر: أن يتم تحرير المصالح العامة والمنافع من سيطرة الأفراد، ولا يسمح لأحد أن يرفع نظره الطامع إلى أجزاء مشتركة المنافع في الكون نحو البحر وما فيه من الخلق والجبال، ومما ينبت فيها من الغابات والعيون الطبيعية بقدرة الله تبارك وتعالى، وما يتبعها من المنافع ينبغي تحريرها، فلا يحفظ حق النشر للمصنف، أو المبتكر بل يتم إتاحة فرصة الانتفاع به لكل تاجر وهذا هو النظام الاقتصادي السليم الذي يكفل الأمن للجميع.

وخلاصة الأمر: أن حق التصنيف والابتكار ليس بشيء قابل أن يكون ملكاً لأحد، فلو طبع أحد كتاباً، أو نقله، أو قلد صناعة بجهوده فالمنع عن ذلك ليس بأمر مباح، بل هذا من حقه، فلا يخفى أن هذا المنع ظلم لا ينبغي.

التنبيه:

١- وقد يتأول في ذلك بعض الناس؛ بأن من مصلحة التسجيل حفظ الكتاب عن الطباعة المحرفة، والمشحونة بالأخطاء؛ فبهذا يفوت الهدف الأصيل الذي ألف الكتاب من أجله.
فالجواب: أنه يحق للمصنف في مثل هذه الحالة أن يرفع دعواه ضد الطابع المحرف بأنه نسب إليّ شيئاً لم يصدر مني؛ فلذا يحكم عليه بالمنع من الطبع والنشر ويجبر "ويكره" على أن يحتاط في العودة إلى مثل ذلك.
فإذاً: الحجر والمخالفة من الإشاعة مطلقاً ليس من حق أحد أن يفعله شرعاً. والله أعلم.
٢- لما ثبت أنه ليس من حق المصنف والمخترع أن يخصص التصنيف أو الابتكار لنفسه فلا يجوز شرعاً بيع هذا الحق وشراؤه ويشترط في المبتاع والمشتري أن يكون مالاً. والحق المحض المجرد ليس بمال.
ولو من صلاحيته أن يكون وسيلة إلى كسب المال.
والله سبحانه وتعالى أعلم.

انتهت الرسالة مترجمة.
 



 

طلب العلم

  • مقدمة الموسوعة
  • منهجية الطلب
  • القراءة
  • دراسة الفنون
  • الحفظ
  • أدب الحوار والخلاف
  • متفرقات
  • المكتبة
  • الأفكار الدعوية
  • الموسوعة