اطبع هذه الصفحة


العبث بالكتب من النساخين والوراقين وغيرهم

عبدالعال سعد الرشيدي


بسم الله الرحمن الرحيم

 
 قال أبو عثمان عمرو بن الجاحظ .
ولربَّما أراد مؤلِّف الكتاب أن يصلِح تصحيفاً أو كلمةً ساقطة فيكون إنشاء عشرِ ورقاتِ من حرِّ اللفظ ، وشريفِ المعاني أيسَرَ عليه من إتمام ذلك النقص حتى يردَّه إلى موضعه من اتِّصال الكلام فكيف يُطيق ذلك المعرض المستأجَر والحكيمُ نفسهُ قد أعجزه هذا الباب وأعجب من ذلك أنَّه يأخذ بأمرَين : قد أصلحَ الفاسدَ وزاد الصالحَ صَلاحاً ثم يصير هذا الكتاب بعد ذلك نسخةً لإنسان آخَرَ فيسير فيه الورَّاقُ الثاني سيرَةَ الوَرَّاقَ الأوَّل ولا يزال الكتابُ تتداوله الأيدي الجانية والأعْرَاض المفسِدة حتَّى يصير غَلَطاً صِرفاً وكذِباً مصَمتاً ، فما ظنُّكم بكتابٍ تتعاقبه المترجمون بالإفساد ، وتتعاوره الخُطَّاط بشرٍّ من ذلك أو بمثله كتابٍ متقادِم الميلاد دُهْرِيّ الصنعة . ([1])
 
 قال العلاَّمة أحمد شاكر .
 ")  ألوفٌ من النسخ من كلِّ كتاب تُنْشَر في الأسواق والمكاتب تتناوَلها أيدي الناس ليس فيها صحيح إلا قليلاً، يقرؤها العالم المتمكِّن، والمتعلم المستفيد، والعامي الجاهل، وفيها أغلاطٌ واضحة، وأغلاط مُشكِلة، ونقص وتحريف، فيضطرب العالم المتثبِّت إذا وقع على خطأٍ في موضع نظرٍ وتأمُّل، ويظنُّ بما علم الظنون، ويخشى أن يكون هو المُخطئ، فيُراجِع ويُراجِع حتى يستَبِين له وجهُ الصواب، فإذا به قد أضاع وقتاً نفيساً، وبذل جهداً هو أحوج إليه، ضحيَّة لعبٍ من مصحِّحٍ في مطبعة، أو عَمْدٍ من ناشرٍ أمي يأبى إلا أنْ يُوَسِّدَ الأمر إلى غير أهله، ويأبى إلا أنْ يركب رأسه، فلا يكون مع رأيه رأي، ويشتَبِه الأمر على المتعلِّم الناشئ في الواضح والمشكل، وقد يَثِقُ بالكتاب بين يديه، فيحفظ الخطأ ويطمئن إليه، ثم يكون إقناعه بغيره عسيراً، وتصوَّر أنت حال العامي بعد ذلك!!.
وأيُّ كتب تبتلى هذا البلاءَ؟! كتبٌ هي ثروةٌ ضخمة من مجد الإسلام ومَفخَرة للمسلمين، كتب الدين والعلم : التفسير ، والحديث ، والأدب ، والتاريخ ، وما إلى ذلك من علوم أُخَر . ([2])اهـ
 
 قال الشيخ بكر بن عبدالله أبو زيد .
فصار إظهار جملةٍ كبيرةٍ من التراث مطبوعاً يعتَرِيه عوامل نحس مهولة تُمثِّل ظاهرة مُؤلِمة جاءتْ بالخاطئة، ونهضة مهجنة خافضة، ترتعد من هيبتها فرائص أهل البصائر منها.
مسخ الكتاب عن مكانته التي خطَّها قلمُ مؤلفه، فإذا كان العلماء بالأمس يقولون: "الناسخ ماسخ"، فإنَّا نقول اليوم " : الطابع عابث"؛ لما تراه من الفرق بين الأصل والمطبوع كالفرق بين طلعة الصبح وفحمة الدُّجَى، واغتيال الطبعة القديمة، فترى الفرق بين الطبعتين كالفرق بين الرجلين!. ([3])
 
 قال عبدالله الحبشي في كتابه "الكتاب في الحضارة الإسلامية"  .
وربما أضرَّت حِيَل النُّسَّاخ بالإنتاج العلمي، وضايَقَت العلماء في علومهم، حتى قال مَن قال: إنَّ آفة العلم خيانة الورَّاقين، وكان العلماء الذين يحرصون على سلامة كتبهم ينسخون كتبهم بأنفسهم إنِ استَطاعوا، وقد شكَّك ابن خلدون في صحَّة الخطوط الموجودة في عصره فقال: صارت الخطوط مائلةً إلى الرداءة، بعيدةً عن الجودة، وصارت الكتب إذا انتُسِخت بلا فائدة تحصل لمتصفِّحيها منها إلا المشقة والعَناء؛ لكثرة ما يقع فيها من الفساد والتصحيف وتغيير الأشكال الخطيَّة عن الجودة، حتى لا تكاد تقرأ إلا بعد عسرٍ، ووقَع فيه ما وقَع في سائر الصَّنائع بنقص الحضارة وفساد الدولة ."([4])
 
قال أحمد بن عبد الوهاب النويري .
وأمّا من ينسخ العلوم ، كالفقه واللّغة العربيّة والأصول وغير ذلك، فالأولى له والأشبه به ألّا يتقدّم إلى كتابة شيء منها إلّا بعد اطّلاعه على ذلك الفنّ وقراءته وتكراره، ليسلم من الغلط والتحريف، والتبديل والتصحيف؛ ويعلم مكان الانتقال من باب إلى باب، ومن سؤال إلى جواب ، ومن فصل إلى فصل، وأصل إلى فرع أو فرع إلى أصل ، ومن تنبيه إلى فائدة، واستطراد لم يجر الأمر فيه على قاعدة؛ ومن قول قائل، وسؤال سائل ، ومعارضة معارض، ومناقضة مناقض ، فيعلم آخر كلامه ، ومنتهى مرامه؛ فيفصل بين كلّ كلام وكلام بفاصلة تدلّ على إنجازه، ويبرز قول الآخر بإشارة يستدلّ بها على إبرازه ، وإلّا فهو حاطب ليل لا يدرى أين يفجأه الصباح ، وراكب سيل لا يعرف الغدوّ من الرواح . ([5])
 
 كان إسماعيل بن صبيح أقدم أبا عبيدة في أيام الرشيد من البصرة إلى بغداد وأحضر الأثرم ، وكان وراقاً في ذلك الوقت ، وجعله في دارٍ من دوره ، وأغلق عليه الباب ودفع إليه كتب أبى عبيدة وأمره بنسخها ، قال فكنت أنا وجماعة من أصحابنا نصير إلى الأثرم فيدفع إلينا الكتاب من تحت الباب ويفرق علينا أوراقاً ويدفع إلينا ورقا أبيض من عنده ويسألنا نسخة وتعجيله ويوافقنا على الوقت الذي نرده عليه فيه فكنا نفعل ذلك ، وكان الأثرم يقرأ على أبى عبيدة ويسمعها قال : وكان أبو عبيدة من اضن الناس بكتبه ، ولو علم بما فعله الأثرم لمنعه منه ولم يسامحه. ([6])
 
طرائف ولطائف:

 
 محمد بن محمد أبو الفتح الحريري .
تعاطى التجارة في الكتب ، وصار ذا براعة تامة في معرفتها ، وخبرة زائدة بخطوط العلماء والمصنفين بحيث إنه يشتري الكتاب بالثمن اليسير ممن لا يعلمه ثم يكتب عليه بخطه إنه خط فلان فيروج ، وقد يكون ذلك غلطاً لمشابهته له ، بل وربما يتعمد لأنه لم يكن بعمدة حتى أنه ربما يقع له الكتاب المخروم فيوالي بين أوراقه أو كراريسه بكلام يزيده من عنده أو بتكرير تلك الكلمة بحيث يتوهمه الواقف عليه قبل التأمل تاماً ، وقد يكون الخرم من آخر الكتاب فيلحق ما يوهم به تمامه .([7])
 
 علي بن محمد الأحدب المزور .
قال ابن كثير - رحمه الله -  كان قوي الخط ، له ملكة على التزوير لا يشاء يكتب على أحد كتابة إلا فعل، فلا يشك ذلك المزور عليه أنه خطه، وحصل للناس به بلاء عظيم، وختم السلطان على يده مرارا فلم يقدر، وكان يزور .([8])
 
 
 
المرجع : ( الشذرات في أخبار الكُتب والكُتاب والمكتبات ) .
عبدالعال سعد الرشيدي                                                                             
الكويت                                                                           
 

-----------------------------------
([1])كتاب الحيوان للجاحظ . ( 1/79 ) .
([2]) الجامع الصحيح للترمذي . تحقيق الشيخ أحمد شاكر  (1/16 ) .
([3]) الرقابة على التراث. للشيخ بكر أبو زيد (11)  .
([4]) الكتاب في الحضارة الإسلامية ( 52 ) مقدمة ابن خلدون (421) .
([5]) نهاية الأرب في فنون الأدب ( 9/214 ) .
([6]) تاريخ بغداد ( 12/108رقم6547 ) .
([7]) الضوء اللامع ( 9/148رقم376 ) .
([8]) البداية والنهاية (11/318 سنة 371 ه) الكامل في التاريخ (5/443 سنة 370ه) السير (16/312) .


 

طلب العلم

  • مقدمة الموسوعة
  • منهجية الطلب
  • القراءة
  • دراسة الفنون
  • الحفظ
  • أدب الحوار والخلاف
  • متفرقات
  • المكتبة
  • الأفكار الدعوية
  • الموسوعة