اطبع هذه الصفحة


من ألف كتاباً وهو في السجن

عبدالعال سعد الرشيدي


بسم الله الرحمن الرحيم

 
 الإمام شمس الأئمة محمد بن أحمد بن أبي سهيل السَّرْخَسِيُّ .
صاحب كتاب المبسوط نقل اللنكوي - رحمه الله - : أنه أملى كتابه المبسوط نحو خمس عشرة مجلداً وهو في السجن ( بأوزجند ) ، كان محبوساً في الجب بسبب كلمة نصح بها ( الخاقان ) ، وكان يملي من خاطره من غير مطالعة كتاب وهو في الجب وأصحابه في أعلى الجب ، وقال عند فراغه من شرح العبادات (( هَذَا آخِرُ شَرْحِ الْعِبَادَاتِ بِأَوْضَحِ الْمَعَانِي وَأَوْجَزِ الْعِبَارَاتِ ، أَمْلَاهُ الْمَحْبُوسُ عَنْ الْجَمْعِ وَالْجَمَاعَاتِ مُصَلِّيًا عَلَى سَيِّدِ السَّادَاتِ مُحَمَّدٍ الْمَبْعُوثِ بِالرِّسَالَاتِ وَعَلَى أَهْلِهِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ، تَمَّ كِتَابُ الْمَنَاسِكِ وَلِلَّهِ الْمِنَّةُ وَلَهُ الْحَمْدُ الدَّائِمُ الَّذِي لَا يَفْنَى أَمَدُهُ ، وَلَا يَنْقَضِي عَدَدُهُ )) .
وقال في شرح الإقرار انتهى شرح الإقرار المشتمل على المعاني على ما هو من الإسرار أملاه المحبوس في محبس الأشرار .
وله كتاب في أصول الفقه وشرح السير الكبير ، أملاه وهو في الجب ، ولما وصل إلى باب الشروط حصل له الفرج فأُطْلِق . ([1])
 
 أحمد بن علي بن هبة الله الزوال .
 قرأ اللغة والنحو على أبي منصور الجواليقي ، وكتب الخط المليح ، وولي القضاء ، فلما تولى المستنجد حبس القضاة وهو منهم ؛ فأقام في الحبس إحدى عشرة سنة ، فكتب فيه ثمانين مجلداً ، وشرح الفصيح ، وجمع كتاباً سماه أسرار الحروف ،
ثم لما ولي المستضيء أفرج عن المحبوسين ، وأعاد عليهم مرتباتهم . ([2])
 
 إبراهيم بن هلال بن إبراهيم أبو إسحاق الصابئ.
نابغة ، كان أسلافه يعرفون بصناعة الطب، ومال هو إلى الأدب، فتقلد دواوين الرسائل ، والمظالم ، والمعاون تقليداً سلطانياً في أيام المطيع لله العباسي، ثم قلده معز الدولة الديلمي ديوان رسائله سنة ( 349ه ) فخدمه وخدم بعده ابنه عز الدولة (بختيار) فكانت تصدر عنه مكاتبات إلى عضد الدولة (ابن عم بختيار) بما يؤلمه فحقد عليه.
ولما قتل عز الدولة وملك عضد الدولة بغداد قبض على الصابئ سنة (367ه) وسجنه وأمر بأخذ أمواله. ولما ولي صمصام الدولة (ابن عضد الدولة) أطلقه سنة (371 ه) وللصابئ كتاب (التاجي) في أخبار بني بويه، ألفه في السجن .
وذكر القفطي أن عضد الدولة سجنه مدة طويلة فقال إن أراد الخروجَ من سجنه فليصنِّف مصنَّفاً في أخبار آل بويْه فصنف الكتاب ( التاجي ) . ([3])
 
  يوسف بن هارون الكندي أبو عمر يعرف بالرمادي .
شاعر قرطبي كثير الشعر، سريع القول، مشهور عند العامة والخاصة هنالك، لسلوكه في فنون من المنظوم، وتتفق عند الكل حتى كان كثير من شيوخ الأدب في وقته يقولون: فتح الشعر بكندة، وختم بكندة، يعنون امرأ القيس، والمتنبي، ويوسف بن هارون، وكانا متعاصرين .
قال الحَمِيدي عمل في السجن كتاباً سماه كتاب ( الطير ) في أجزاء، وكله من شعره، وصف فيه كل طائر معروف، وذكر خواصه وذيل كل قطعة يمدح ولي العهد هشام بن الحكم، مستشفعاً به إلى أبيه في إطلاقه، وهو كتاب مليح سبق إليه، وقد رأيت النسخة المرفوعة بخطة ونسخت منها . ([4])
 
شيخ الإسلام بن تيمية .
قال عنه تلميذه الحافظ ابن عبدالهادي : وللشيخ من المصنفات والفتاوى والقواعد والأجوبة والرسائل وغير ذلك من الفوائد مالا ينضبط ولا أعلم أحدا من متقدمي الأمة ولا متأخريها جمع مثل ما جمع ، ولا صنف نحو ما صنف ولا قريبا من ذلك ، مع أن أكثر تصانيفه إنما أملاها من حفظه وكثير منها صنفه في الحبس ، وليس عنده ما يحتاج إليه من الكتب .([5])
 
عبد الملك بن غصن الخشني أبو مروان .
فاضل أندلسي ، له شعر ونثر ، من أهل وادي الحجارة ، نكبه المأمون بن ذي النون صاحب طليطلة، وحبسه مدة صنف فيها كتابه " السجن والمسجون، والحزن والمحزون " ، ضمنه ألف بيت من شعره، وسماه أيضاً رسالة : " السر المكنون في عيون الأخبار وتسلية المحزون " ، وتنقل بعد إطلاقه من السجن بين بلنسية وقرطبة، وتوفي بغرناطة .([6])
 
 محمود بن إسرائيل بن عبد العزيز بدر الدين الشهير بابن قاضى سماونة .
فقيه حنفى ، متصوف ، من القضاة ، كان أبوه قاضياً بقلعة سماونة في سنجق كوتاهية بتركيا فولد وتعلم بها، ورحل إلى قونية ثم إلى مصر ، وحج ، وتصوف ، ورحل إلى تبريز مرشداً، فأكرمه فيها الأمير تيمورخان.
وعاد إلى مصر، فبلاد الروم ، واستقر في أدرنة، وكان بها والداه، فنصب قاضياً للعسكر ، وحبس في وشاية، ففر، وصار إلى ( زغرة ) من ولاية ( روم ايلي ) فاتهم بأنه يريد السلطنة، فأخذ وقتل بسيروز ، له كتب منها : ( لطائف الاشارات ) في فقه الحنفية، ألفه ثم شرحه بكتاب سماه ( التسهيل ) وهو سجين في ( أزنيق ) .([7])
 سيد قطب .
كَتب بعض أو جُل كتابه ( في ظلال القرآن ) وهو معتقل في السجن ، وهو من أشهر كتب سيد قطب ، وهو تفسير كامل للقرآن الكريم ، أصدره سيد في ثلاثين جزاءً بعدد أجزاء القرآن . ([8])
 
أحمد المكنى محيي الدين بن خير الدين أبو الكلام آزاد .
الهندي الأب، العربي الأم والثقافة ، مفسر من خطباء المسلمين وزعمائهم في الهند أيام حركتها التحررية ، أصله من دهلي ، ومولده بمكة. وقصد الأزهر في الرابعة عشرة من عمره، فدرس على علمائه ، ودرس في خارجه ، وعاد إلى وطن أبيه (الهند) فسكن كلكتة ، وأنشأ فيها مجلة (الهلال) باللغة الأردية (سنة 1912م) ، وهاجم الاستعمار البريطاني فاعتقله الإنكليز في رانتجي (سنة 1914م ) فألف ( تفسيراً ) للقرآن الكريم في 15 جزءا بالأردية. وأطلق من معتقله (1920م) فأنشأ مجلة (البلاغ) ، وتكرر اعتقال البريطانيين له ، قال أنور الجندي: أمضى في السجن أحد عشر عاماً لم يصرفه عن هدفه في مقاومة الإنكليز. وصنف في السجن كتابه (التذكرة ) بالأردية سجل فيه فلسفته الثورية وعقيدته السياسية. ([9])
 
أحمد بن يحيى بن المرتضى بن المفضل بن منصور الحسني.
عالم بالدين والأدب، من أئمة الزيدية باليمن ، ولد في ذمار، وبويع بالإمامة بعد موت الناصر (سنة 793 هـ ) في صنعاء، ولقب (المَهْدي لِدِين الله) ، وقد بويع في اليوم نفسه للمنصور عليّ ابن صلاح الدين، فنشبت فتنة انتهت بأسر صاحب الترجمة وحبسه في قصر صنعاء (سنة 794 ،801 هـ ) ، وخرج من سجنه خلسة، فعكف على التصنيف إلى أن توفي في جبل حجة غربي صنعاء ، من كتبه (البحر الزخار الجامع لمذاهب علماء الأمصار ) خمسة أجزاء ، وفي فقه الزيدية (الأزهار في فقه الأئمة الأخيار ) ، ألفه في السجن . ([10])
 
مدحت باشا .
كتب مذكراته وهو في سجن الطائف ، حيث قال نجله علي حيدر بك : كتب والدي هذا الأثر في قلعة الطائف أمام ألف مشكل وهو محاط بالجواسيس ، فكان يكتب السطر أو السطرين ويترك الكتابة إذا سمع وقع قدم أو صوت إنسان .
ويذكر مدحت باشا أنه قد طلب منه العديدون من رفاقه في سجن قلعة الطائف كتابة هذه الأسطر فلبى طلبهم . ([11])
 
الشيخ المحدث محمد ناصر الدين الألباني .
قال - رحمه الله - وشاء الله تبارك وتعالى أن أسجن في عام ( 1389ه ) الموافقة لسنة ( 1969م ) مع عدد من العلماء من غير جريرة اقترفناها سوى الدعوة إلى الإسلام وتعليمه للناس ، فأساق إلى سجن القلعة وغيره في دمشق ، ثم أفرج عني بعد مدة لأساق مرة ثانية وأنفى إلى الجزيرة لأقضي في سجنها بضعة أشهر ، أحتسبها في سبيل الله عز وجل .
وقد قدر الله ألا يكون معي فيه إلا كتابي المحبب " صحيح الإمام مسلم " وقلم رصاص وممحاة ، وهناك عكفت على تحقيق أمنيتي ، في اختصاره وتهذيبه ، وفرغت من ذلك في نحو ثلاثة أشهر ، كنت أعمل فيه ليل نهار ، دون كلل ولا ملل ، وبذلك انقلب ما أراده أعداء الأمة انتقاماً منا إلى نعمة لنا . فالحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات .([12])
طرائف ولطائف:
 
الطبيب الفيلسوف أَبو الصَّلت أُمية بن أبي الصَّلت الإشبيلي .
يُقال إِن عمره كان سِتينَ سنة ، عشرُون في إشبيلية ، وَعِشرُونَ فِي المهدية ، وَعِشرُونَ في مصر مَحبوسًا فِي خزانَة الكتب.
وَكَانَ قد خرج من إشبيلية فصحب بالمهدية مُلُوكهَا الصّنهاجيين ، وَتوجه فِي رِسَالَة إِلَى مصر فسجن في القَاهرة فِي خزانَة البنود ، وكان فيهَا خَزَائِن من أَصنَاف الكتب ، فَأَقَامَ بهَا نَحو عشرين سنة ، فَخرج مِنهَا وَقد برع فِي عُلوم كَثِيرَة من حَدِيثَة وقديمة ، وصَنَّف كتاب ( الحديقة ) على منزع كتاب ( اليَتِيمَة ) في فضلاء عصره ، وصنف الرسَالَة المصرية ، وصنف في الطِّبّ والتنجيم والألحان ، وعنهُ أَخذ أهل إفريقية الألحان الَّتِي هِيَ الآن بِأَيدِيهِم . ([13])
 
ذكر الدكتور أحمد شوقي بنين عن مشروع نهب المخطوطات في القرن 16 الميلادي باحتلال السواحل المغربية من طرف البرتغاليين والأسبانيين .
فقال : ذكر صاحب كتاب ( ممتع الأسماع ) أن المتصوف سيدي رحال الكوش الذي كان مسجوناً عند امرأة برتغالية في مدينة أزمور على الساحل الأطلسي أهدته هاته المرأة عند خروجه من السجن عدداً كبيراً من المخطوطات التي كانت بحوزتها .([14])
 
المرجع : ( الشذرات في أخبار الكُتب والكُتاب والمكتبات ) .
عبدالعال سعد الرشيدي
الكويت
 

------------------------------
([1]) الفوائد البهية في تراجم الحنفية . لللنكوي ( 158) .
([2]) بغية الوعاة ( 1/ 349 رقم 668) .
([3]) الأعلام . للزركلي ( 1/ 78 ) إخبار العلماء بأخبار الحكماء . للقفطي ( 1/100رقم 53 ) .
([4]) جذوة المقتبس في ذكر ولاة الأندلس (369رقم 878 ) بغية الملتمس ( 496رقم1452 ) .
([5]) العقود الدرية من مناقب شيخ الإسلام أحمد بن تيمية ( 26 ) .
([6]) الأعلام . للزركلي ( 4/ 161 ) .
([7]) الأعلام . للزركلي ( 7/ 165 ) .
([8]) سيد قطب من الميلاد إلى الاستشهاد . رسالة ماجستير للدكتور صلاح عبدالفتاح الخالدي ( 544) .
([9]) الأعلام . للزركلي ( 1/ 122 ) .
([10]) الأعلام . للزركلي ( 1/ 269 ) .
([11]) مذكرات " مدحت باشا "  ( 5 ، 7 ) ط الدار العربية للموسوعات .
([12]) مقدمة مختصر صحيح الإمام البخاري . للألباني .
([13]) المُغرب في حُلَى المَغرب. لـ على بن موسى الأندلسي ( 1/ 261رقم186 ) .
([14]) تاريخ خزائن الكتب بالمغرب . لـلدكتور.أحمد شوقي بنين ( 185 ) .

 

طلب العلم

  • مقدمة الموسوعة
  • منهجية الطلب
  • القراءة
  • دراسة الفنون
  • الحفظ
  • أدب الحوار والخلاف
  • متفرقات
  • المكتبة
  • الأفكار الدعوية
  • الموسوعة