اطبع هذه الصفحة


وقفات مع العلم

علي بن عبدالعزيز الراجحي

 
الإسلام دين العلم
جاء الله تعالى بالإسلام ، والأمم غارقة في ظلام الجهل ، فكان أول ما أنزل على رسول صلى الله عليه وسلم : ((اقرأباسم ربك الذي خلق * خلق الإنسان من علق * آقرأ وربك الأكرم * الذي علم بالقلم *علم الإنسان مالم يعلم) سورة العلق
0فكانت أول إضاءة في هذا الظلام الحالك ، ثم توالت إثرها الآيات المؤذنة بأن هذا الدين دين علم ،فهو يدعو أهلة إلى العلم ، وينفرهم من الجهل ، فتحولت الأمة الأمية إلى أمة علم ونور ، قال تعالى : ((هو الذي بعث في الأمين رسولا ًمنهم يتلوا عليهم إياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفى ضلال مبين) سورة الجمعة.
فالدين كله مبني على العلم 0العلم بالله ، وبدينه ، والعلم بأمره ونهيه ،فلا يعبد الله إلا بالعلم ، ولا يمكن أن تستقيم الأمة على المناهج الصحيح إلا بالعلم .

أنواع العلوم
1- منها المحمود ، كعلم الشرع _ وهو أشرف العلوم -، والعلوم التي بها قوام أمر الدنيا ،كالطب ، والصناعات النافعة ، ونحوها0
2- ومنها المذموم ، كعلم السحر ، والتنجيم 0
3- ومنها المباح ، كالعلم بالأ شعار التي لا منافاة للشرع ، التأريخ ، ونحو ذلك

العلم الواجب:ـ
العلم الواجب على كل مسلم : أن يتعلم مل تيلم به عقيدته ، وتصح به عبادته ، فيتعلم معنى الشهادتين ، وما يناقضهما ، وحق الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم إجمالاً، وأحكام الطهارة والصلاة إجمالأ، وإن كان لديه مال تعلم كيف يزكيه ، وإن كان له تجاره فعلية معرفةما يحل ويحرم في الجملة حتى لا يقع في الحرام، وهكذاحتى يعبد الله على علم وبصيرة ،
قال صلى الله عليه وسلم (طلب العلم فريضة على كل مسلم ) رواه ابن ماجه في مقدمته 1/81ح(224)ورواه غيره,وقد اختلف فيه فضعفه جماعه من العلماء, وقواه آخرون,وقد حسنه الحافظ ابن حجر ,والمزي,والسوطي,وغيرهم.
قال عبد الله بن المبارك رحمه الله تعالى في معنى الحديث :إنما طلب العلم فريضة أن يقع الرجل في شيء من أمر دينه فيسأل عنه حتى يعلمه ) المقاصد الحسنه ,وكشف الخفاء

فضائل العلم
قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه : كفى بالعلم شرفاً أن يدعيه من لايحسنه ، ويفرح به إذا نسب إليه،وكفى بالجهل ذما أن يتبرأ منه من هو فيه ) تذكرة السامع والمتكلم

وللعلم فضائل كثيرة تدل على شرفه ورفعة مكانته ،منها :
أن الله تعالى وصف أهل العلم بالخشية له ,فقال تعالى (انما يخشى الله من عباده العلمؤا) سورة فاطر. فالعلم يورث خشية الله تعالى .
2- أن الله تعالى أمر رسوله صلىالله عليه وسلم بطلب الزيادة منه ,فقال تعالى (وقل ربي زدني علما) سورة طه .قال الحافظ ابن حجر –رحمه الله تعالى-عن هذه لأية : انما واضحه الدلالة على فضل العلم ؛لأن الله تعالى لم يأمر نبيه صلى الله عليه وسلم بطلب لازدياد من شيء الا من العلم) فتح الباري أول كتاب العلم.
3- أن العلم سبب للرفعة في الدنيا و الأخرة ، قال تعالى ( يرفع الله الذين أمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات ) سوره المجادلة .والمعنى أن الله تعالى يرفع المؤمن على غيرة ، من المؤمنين
4- أنه علامة على إرادة الله تعالى الخير للعبد . عن معاوية رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين ) متفق عليه

من آداب العالم والمتعلم

1- الإخلاص: فيطلب العلم تقرباً إلى الله وحدة ، فينفع نفسه، ويعلم الآخرين ، لاأن يطلب العلم ليقال :عالم ،ولا لمباهاة الأقران ، وتعظيم الناس ، والتصدير في المجالس ، ولا يطلبة لتحصيل شهادة يتوصل بها عمل دنيوي . روى أبو هريره رضى الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (إن أول الناس يقضي يوم القيامة عليه... )وذكر ثلاثة ،ومنهم (رجل تعلم العلم وعلمه ، وقرأ القرآن ، فأتي به فعرفة نعمة ، فعرفها ، قال : فما علمت فيها ؟ قال : تعلمت العلم وعلمته ، وقرأت فيك القرآن ، قال : كذبت ولكنك تعلمت العلم ليقال : عالم، وقرأت القرآن ليقال : هو قارىء ، فقد قيل ، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار) رواه مسلم

2- العمل بالعلم إن من أعظم ثمار العلم : العمل به ، وإلا فما فائدة أن يعلم المسلم أن هذا الفعل واجب ثم تجدة معرضاً عنه ، أو يعلم ان ذلك الفعل حرام ثم تراه منكباً عليه ، ولأجل هذا اهتم العلماء بهذا الجانب ، فكتبوا فيه ، فمن ذلك كتاب : (اقتضاء العلم والعمل ) ، للخطيب البغدادي ، وكتاب : ( ذم من لا يعمل بعلمه ) للحافظ أبي القاسم ابن عساكر رحمة الله تعالى عليهما . قال صلى الله عليه وسلم :لا تزول قدما عبد يوم القيامه حتى يسأل عن اربع خصال : عن عمره فيما افناه ، وعن شبابه فيما ابلاه ، وعن ماله من اين اكتسبه وفيما انفقه,وعن عمله ماذا عمل فيه) رواه الترمذي عن ابي هريره ,وقال :حسن صحيح قال المنذري في الترغب والترهب اسناده صحيح

3- الدعوة إلى الله بما معه من العلم : ومن ثمار العلم : بذله للناس , وهو من تبليغ العلم المأمور به في مثل قول النبي صلى الله عليه وسلم (بلغوا عني ولو آيه) رواه البخاري

4- التواضع: فلا يترفع عن الآخرين عجبا بنفسه وما وصل إليه من علم ، ولا يحتقر الناس ويزدريهم ، فالكبر خلق مذموم ،والتواضع واللين خلق محمود ،فعن أبي هربرة – رضي الله عنه – عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : (ما نقصت صدقة من مال ،وما زاد الله عبداً بعفو إلا عزا ، وما تواضع أحد لله إلا رفعه ) رواه مسلم
ومن علامات التواضع : العطف على الصغير ، واحترام الكبير ، وألا يرى في نفسه أنه أعلى قدراً من أقرانه .

5- أن يتأدب الطالب مع معلمه :
فيحترمه ويجله ، ويتأدب معه في السؤال ،ولا يسابقه الجواب أو الكلام ،ولا يقاطعه ،بل ينصت إلى كلامه ، ولا يتحدث مع أحدِ أثناء كلام المعلم .
فعن ابن عباس –رضي الله عنهما – أنه أخذ بركاب زيد بن ثابت – رضي الله عنه – فقال له : تنح يا ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم )، فقال ابن عباس : (إنا هكذا نفعل بكبرائنا وعلمائنا) رواه الحاكم في مستدركه وقال صحيح الإسناد على شرط مسلم .

6- عدم الجرأة على الفتوى وإصدار الأحكام بدون علم ،وليكن شعاره فيما لا يحيط بعلمه أن يقول :(لاأعلم )،أو(لاأدري)، فليس أحد يزعم أنه يعرف كل شيء ،
قال ابن مسعود رضي الله عنه : إن الذي يفتي الناس في كل ما يستفتي لمجنون ،
وقال الشعبي : لاأدري نصف العلم . رواهما الدارمي
تظهر خطورة القول –في الدين –بغيرعلم إذا علمت أنك في الحقيقة لا تخبر عن رأيك ، وإنما تخبر عن حكم الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم ، فكأنك تقول لمن سألك :هذا هو حكم الشرع في ذلك قال تعالى : ( ولا تقف ما ليس لك به علم000) سوره الاسراء .
وقال تعالى ( قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والا ثم والبغى بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا ًوأن تقولوا على الله ما لا تعلمون ) سوره الاعراف .
ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه والسلف الصالح أسوة حسنة ، فقد كانوا إذا سئلوا عما لا يعلمون قالوا:(لاندري )،أو (لانعلم )،أو (الله أعلم )
وإليك مثالاً واحداً على ذلك :عن جبير بن مطعم –رضي الله عنه أن رجلا سأ ل النبي صلى الله عليه وسلم فقال :أي البلاد شر؟ قال (لاأدري حتى أسأل ) فسال جبريل عن ذلك ، فقال (لاأدري حتى أسال ربي ) فانطلق فلبث ما شاء الله ، ثم جاء ، فقال :(إني سألت ربي عن ذلك فقال :شر البلاد الأسواق ) قال الحاكم :هذاالحديث أصل في قول العالم : لاأدري .

7- أن يتلقى العلم على أهله ، وهم العلماء ، ولا يأخذ عن كل من هب ودب ،فإن المتكلمين كثير ، وكثير منهم لا يتورع عن إطلاق التحليل والتحريم بدون علم .

8- محبه العلماء ، وتقدير جهودهم ، الحي منهم والميت ، وعدم انتقاص أحد منهم ، فإن ذلك مزلة قدم ،قال صلى الله عليه وسلم (قال الله تعالى :من عادي لي وليأ فقد آذ نته بالحرب) رواه البخاري
قال ابو حنيفه و الشافعي رحمهما الله تعالى :إن لم يكن العلماء أولياء لله فليس لله ولي ) التبيان في آداب حملة القران
وقال الحافظ أبو القاسم ابن عساكر رحمه الله تعالى :إن لحوم العلماء مسمومة ، وعاده الله في هتك أستار منتصيهم معلومة ، وإن من أطلق لسانه في العلماء بالثلب ، ابتلاه الله تعالى قبل موته بموت القلب . التبيان في اداب حملة القران

9 ـ الاستمرار في طلب العلم ، وعدم التوقف عند حد معين ، وليس الغرض مجرد تحصيل شهادة معينه ثم ينتهي التعلم ، بل يستمر في تحصيل العلم وزيادته الى اخر العمر ، قال الامام احمد : انما اطلب العلم الى ان ادخل القبر ) مفتاح دار السعاده

10- خدمة امته ووطنه بالمجال الذي يحسنه ويتقنه ، وهذا من العمل بالعلم . واخيرا فليحذر الطالب من القراءه غير النافعه ، فانها تضيع الزمان ، وتشوش الفكر ، وقد تفسد العقائد ، وليحرص على انتقاء ، وليسأل عما يقرا من يثق به من عالم واستاذ ومرب ، وليس المراد بالعلم مجرد القراءه ، فان القراء اليوم كثير ، ولكن العلماء قليل .
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

علي بن عبدالعزيز الراجحي
الرياض alt1@maktoob.com
ص ب 26200 الرمز 11486
 

طلب العلم

  • مقدمة الموسوعة
  • منهجية الطلب
  • القراءة
  • دراسة الفنون
  • الحفظ
  • أدب الحوار والخلاف
  • متفرقات
  • المكتبة
  • الأفكار الدعوية
  • الموسوعة