اطبع هذه الصفحة


الطريقة المنهجية لتحصيل الفقه في الدين

د. عبدالله بن ضيف الله الرحيلي

 
إذا كان تحصيل الفقه في الدين مطلباً مهمّاً ، فإنه لا يكفي لتحصيله مجرّد الرغبة فيه ، وإنما لا بد من الأخذ بالأسباب التي شرعها الله تعالى للوصول إلى هذا المطلب العظيم .
وهذا الأسباب تُمثّل جانباً من سنن الله سبحانه في الخلق . ويمكن تلخيص أسباب الوصول للفقه فيما يلي :

1. الرغبة الصادقة لدى الإنسان في تحصيل الفقه في الدين ، رغبةً يحدوها الإخلاص لله وحده لا شريك له ؛ فإخلاص النية لله تعالى في طلب العلم، ولا سيما هذا النوع من العلم الذي هو خاص بطريق هداية الإنسان إلى الله تعالى ، وليس إلى أمور المعاش في الحياة الدنيا الفانية أمرٌ لا يغني عنه شيء آخر.
وينبغي للراغب في تحصيل الفقه، أن يُدرِك خطورة انحراف النية عن هذا القصد في طلب هذا النوع من العلم.
وينبغي للراغب في تحصيل الفقه ، أن يدرك أهمية هذا النوع من العلم وقدره ؛ فلا ينحرف به عن غايته.

2.
تحديد مفهوم الفقه في الدين تحديداً صحيحاً ، وذلك حسب ما مضى في تعريفه في هذا البحث.

3.
تحديد الطرق الصحيحة لتحصيل الفقه في الدين ، المتمثلة في تصحيح المنهج في تلقي العلم، كي لا ينحرف الدارس بإفراط أو تفريط . ومما يؤكَّد عليه في هذا الباب :
أن ندرك منذ البداية أن العلم منهج ، قبل أن يكون مسائل متفرقة .
وأن ندرك أن العلم فقه، قبل أن يكون حفظاً ، أو سعة اطّلاع قال تعالى  والذين إذا ذكروا بآيات ربهم لم يخروا عليها صُمّاً وعُمياناً  وقال صلى الله عليه وسلم ( من يرد الله به خيراً يفقه في الدين).
وأن ندرك أن العلم عملٌ وتطبيقٌ ، قبل أن يكون فكراً وثقافة ...
ويجب أن يكون أساس المنهج هو تحكيم الكتاب والسنة ، واتخاذهما ميزاناً يَصْدر عنه طالب العلم في علمه ومنهجه في طلب العلم ن وفي فهمه ...
و لا بد من سلامة المنهج في فهم الكتاب والسنة و الاستباط منهما ، وإلا فكم من الفِرَق المنتسبة إلى الإسلام قد انحرفت عن هدايات كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ودلالاتهما ، لأحد سببين أساسيين في تقديري ، أولهما معاً :
الأول : عدم استقامة منهج الفهم عند الطائفة أو الجماعة .
الثاني: عدم السلامة من الهوى ، أو وجود شيء من الهوى ... على درجات فيما بين تلك الفِرق وأصحابها.
التثبت أمر مهم ، يُمثّل جانباً أساسياً في معالم المنهجية السليمة في طلب العلم ، والتثبت يشمل جانبين ــ كما سبق ــ :
أ‌. التثبت من صحة النقل وفي الروايات التي تنبني عليها الأحكام .
ب‌. التثبت من الفهم ، بمعنى تدقيق الفهم ونقده بحيث يستقيم له صحة فهمه واستدلاله.

4. السعي الجادّ في تحصيل الفقه في الدين وفْق تلك الطرق الصحيحة ن وذلك ببذل الجهد والكافي لتحصيل العلم ، وينبغي أن ندرك قدر الجهد الذي يتطلبه هذا العلم ، وأن نعي أن العلم لا يدرك بالأماني والراحة ؛ "لا يدرك العلم براحة الجسم"؛ بل لا بد من المجاهدة، والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا .
فهل ندرك ــ بعد هذا ــ نتائج الوفاء بهذه الأمور الأربعة ، ونتائج الإخلال بها أو بواحد منها !
إن من المؤكد أن من لم يسر على هذا المنهج ؛ فليس له سبيل إلى تحصيل الفقه في الدين بصورة صحيحة شاملة متكاملة ؛ لأن من سنن الله في الخلق أنه قضى ، سبحانه، أن تحصيل الأمور مرهون بـ :
ـــ الأخذ بأسبابها ، وقد قال تعالى { وأتوا البيوت من أبوابها واتقوا الله لعلكم تفلحون } ؛  فلا تكفي الرغبة وحدها لتحصيل أمر من الأمور ، حتى ينضم إليها السعي.
ـــ ولايكفي ذلك حتى يكون السعي منضبطاً بالتوجه الصحيح لتحصيل ذلك الأمر؛ قال تعالى : { والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا }
ومما يلزم الإنسان لتحقيق هذا المطلب:
1. النية الصالحة.
2. القناعة.
3. الإرادة القوية التي لا تردد فيها ؛ بحيث لا يشغلك شاغل عن الهدف وألا تُؤْثِرَ الراحة على تحصيل العلم ، ولا تؤجل الواجب لغير وقته.
4. تخصيص الوقت الكافي.

قواعد عامة لتطبيق الطريقة المطلوبة:

فيما يلي أذكر بعض القواعد العامة التي ينبغي مراعاتها لتطبيق تلك الطريقة المطلوبة في تحصيل العلم والفقه في الدين تطبيقاً فرعياً في مختلف العلوم :
ينبغي ـــ منذ البداية ـــ إدراك التلازم الذي ينبغي أن يكون بين تحصيل العلم وتحصيل الفقه؛ إذ العلم هو الطريق الطبيعية لتحصيل الفقه ، والعلم ـــ بمختلف طرقه وأساليبه ومجالاته ـــ من أم ثمراته ، والغاية منه ، أن يكون طريقاً للوصول للفقه المطلوب .
الاتجاه أولاً إلى قراءة المتون الصغيرة المنتقاة في مختلف العلوم ، وحفظها لتكون بداية مؤسسة له في كل علم يتجه إلى تحصيله . مع العناية بالفهم إلى جانب الحفظ.
ثم التوسع في كل علم بحسب الحاجة ، وفق برنامج انتقائي دقيق ، لاختيار الكتاب الذي يُحقق الغاية المرتجاة من وراء دراسة هذا العلم ، وهنا يتعين الإفادة من المتخصصين المتقنين .
العناية بتحصيل مداخل مختلف العلوم ابتداءً ، وتصور ما فيها من نظرات تقويمية للمناهج والكتب ، والإفادة من ذلك في طلب العلم وفقهه.
العناية بتحصيل مفاتيح العلم الثلاثة ، وهي : القراءة ، والكتابة ، والفهم . وسيأتي الكلام عليها قريباً .
العناية بكل من الفهم والحفظ ، مع تقديم الفهم على الحفظ.
إعمال العق ، وفهم قاعدة " لا اجتهاد مع النص" على وجهها؛ إذ أنها لا شك تمنع من الاجتهاد في فهم النص ، الأمر الذي ظنه بعض الناس كذلك ؛ فصرفهم عن إصابة باب من أهم أبواب الفقه السديد .
تأويل النصوص يجب أن يكون المنهج فيه على الاعتدال ؛ فلا يذهب إلى التكلف في تفسير النصوص وتأويلها، ولا يذهب إلى الظاهرية البحتة.
العناية بالتزكية وتهذيب النفس بالعلم الذي يُحصله الإنسان .
العناية بالعمل والتطبيق للأحكام التي يتفقه فيها من يدْرُس آيات الله وأحاديث رسوله صلى الله عليه وسلم .
أن تنطلق في طلبك للعلم من معرفة الضوابط التي يقوم عليها عامة مسائل العلم.
أن تجتهد في تحرير هذه القواعد والأصول التي تنطلق منها لفهم النصوص.
هذه نقاطٌ مهمة يتعيّن مراعاتها لتحصيل العلم، واجتناء ثمرته في الدنيا والآخرة.
وفي إطار هذا الاهتمام ، فإن من اللازم، للراغب في تحصيل العلم والفقه السديدين ن أن يُعنى بالتعرف على القواعد الفرعية التطبيقية، المطلوبة لتحصيل الفقه في مختلف العلوم ، بحيث يقف على تلك القواعد فيما يخص كل علم مستقلاً، ويراعيها في طلبه للعلم. وعلى سبيل المثال أُرِدُ فيما يلي بعض القواعد المطلوبة لدراسة الحديث وفقهه.

قواعد تطبيقية لازمة لدراسة الحديث وفقهه(1):

أذكر فيما يلي أهم القواعد والأسس اللازمة لفقه حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم والعمل به ، فمن أهمها:
التأكد من صحة الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .
التأكد من صحة فهم النص ، وفقهه.
ومما يعين على فهم النصوص :
ــ مراعاة سبب ورود الحديث ؛ لأن له دخلاً في تحديد المراد بالنص.
ــ الوقوف على النص بتمامه، وبلفظه إن كان متاحاً.
ــ جمع النصوص الواردة في المسألة الواحدة.
ــ ربط الشرح بمواضع استنباطه من النص؛ فإنه معين على الفهم.
استعذاب النص ، وذلك بالنظر إلى من تكلم به؛ علماً بأن هذا الاستعذاب هو الذي يقود إلى فقه النص وحفظه.
أن لا تأخذ النصوص على وجه السرد ، بل على سبيل الدراسة المنهجية.
إيقانك أن الحق في كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم .
أن تنطلق من الثقة في كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم ، وهذه الثقة يجب أن تسبق الدراسة ، وتُتَرجم هذه الثقة في أمرين يجب ن يظهر فيه ، هماً:
1. الاعتقاد بأن الحق في كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم والصواب فيهما، وأنه ليس فيهما ما يضاد ذلك.
2. تحكيم الكتاب والسنة في فهمنا وفي أفعالنا وسلوكنا، وهذا نتيجة للقناعة بالأمر الأول.

وتطبيق هذا المعنى في باب الخلاف:

أن تستشعر أن هذا الحديث والكلام هو حديث النبي عليه الصلاة والسلام ؛ فمهما وضعنا بجانبه من كلام فلن يرقى إلى مستوى كلامه صلى الله عليه وسلم وما يجب له من الثقة ، واعتقاد الحق المطلق، والاحترام.
وأن نُحَكِّم نصوص الكتاب والسنة في المسائل الخلافية وفي كلام أئمتنا، لا العكس ؛ لأن الصحيح أن نأخذ أقوالهم ــ رحمهم الله تعالى في ضوء نصوص الكتاب والسنة . هذا مع التسليم بأنهم إنما كان قصدهم التماس الحق في هدايات القرآن الكريم وأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم ، لكن لم يكتب الله لهم العصمة.
على أنه ليجب علينا التأدب مع هؤلاء الأئمة الفضلاء على كل حال.
وبهذا التطبيق السليم نسلم من داء التعصب ، الذي أضل أقواماً من الناس عن الحق.
أن تستشعر المنة والنعمة من اله عليك أن صح لك الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .
ويتبع هذه المنهجية مراعاة منهجية تحصل العلم في مختلف جوانبها الأخرى، وفيما يلي حديث عن روافد تحصيل العلم والفقه ، وعن القراءة باعتبارها الطريق لتحصيل العلم.

روافد تحصيل العلم والفقه

لتحصيل العلم والفقه في الدين روافد. ومن أهمها ما يلي:
ــ الانصراف للعلم بالقدر الكافي لتحصيل مهماته، وذلك من حيث الوقت والجهد والتفكير.
ــ الأخذ عن متخصص متقن ، ممن توجّه في تحصيله للعلم إلى الفقه وتحرير مسائل التخصص وقواعده ومناهجه على الفهم السديد ، لا إلى مجرد الاطلاع أو الحفظ؛ لأن فاقد الشيء لا يعطيه.
ــ القراءة الواعية بضوابطها المطلوبة فيها. وهذا الرافد من أهم روافد تحصيل العلم والفقه، وهي لا تقل أهمية عن الأخذ على الشيخ أو المتخصص ، وإن كانت لا تغني عن ذلك.
إلى آخر ما هنالك من روافد تحصيل العلم والفقه في الدين.

القراءة رافداً من روافد العلم والفقه

نظراً لأهمية هذا الرافد من روافد تحصيل العلم والفقه، تعيَّن هنا أن تخص بيان شيء من ضوابطها وقواعدها؛ كي تؤتي ثمارها؛ فمن ذلك ما يلي:
الانقطاع للقراءة ، واتخاذها واجباً لازماً طوال العمر .
أن تقرأ وأنت على علم بقدر ما تقرأ ، وتتقرب إلى الله بهذه القراءة.
أن تقرأ لتفهم ، لا لتنتهي ، ولا لتحفظ ، فقط، وليكن الحفظ بعد الفهم ، إذ ليست العبرة بأن تحفظ ن أو تفهم فقط ، ولكن أن تفهم وتحفظ بما تفهم.
أن تعمل بما تقرأ . وهذا نتيجة للإخلاص.
أن تُهيئ نفسك للقراءة الأُولى ؛ وذلك لأن مراعاة الجانب النفسي أمر مهم في القراءة، ويتم لك هذا المر بمراعاة ما يلي :
ـــ أن تستشعر أن ما تقرؤه جديد عليك.
ـــ أن تستثمر أول قراءة لك ؛ لأن هناك فرقاً بين القراءة الأولى والقراءة الثانية ، وما بعدها ، فأنت بالقراءة الأولى تُعبّد الطريق لك في هذا المجال.
ـــ ينبغي أن يكون معك ورقة وقلم حينما تقرأ ؛ لتسجل ما يلزم تسجيله.
ينبغي أن يكون معك ورقة وقلم حينما تقرأ ؛ لتسجل ما يلزم تسجيله.
في حال قراءتك ينبغي أن ترشح معلومات مما تقرؤه ، للاسترجاع في الوقت الضيق.
ينبغي أن تحدد عناصر الموضوع الذي تقرؤه، ثم تربط العناصر ببعضها .
أن تجتهد في أن تكون قراءتك قراءة سليمة موصلة للعلم والفقه السديدين؛ وهذا يتطلب منك التعرف على مفاتيح العلم الثلاثة ، وطرية تحصيلها . وفيما يلي حديث عن هذه المفاتيح ، وعن طريقة تحصيلها .

مفاتيح العلم الثلاثة (2)

ليست مشكلة كثير من الناس أنهم لا يطلبون العلم ، لكن المشكلة عندهم أنهم لا يأتون الأمر من بابه، ومن ذلك أنهم قد يبدءون بما ينبغي أن يؤخره ، أو يؤخرون ما ينبغي أن يقدموه . ومن هذا أن يتجه أحدهم لطلب العلم بالدرس والقراءة وتلقّي العلم مع أنه لم يُحصل مفاتيح العلم الثلاثة التي هي شرط تحصيل العلم ، وهي :
المفتاح الأول : أن تقرأ قراءة صحيحة.
المفتاح الثاني: أن تكتب كتابة صحيحة.
المفتاح الثالث: أن تفهم فهماً صحيحاً.
ومن لم يحصل هذه المفاتيح الثلاثة أولاً فإنه لا يمكنه تحصيل العلم بحال. فهل يدرك هذا الأمر المعلمون والمربون والمتعلمون؛ فيتجهون إليه أولاً ؛ فيُقدمون المقدَّم أولاً ويؤخرون المؤخر ؛ فينجحون في مهمتهم .

الطريقة المثلى لتحصيل مفاتيح العلم الثلاثة (3) :

لتحصيل مفاتيح العلم الثلاثة ــ السابق ذكرها ــ طريقة ، من لم يأخذ نفسه بها فإنه لن يُحصلها ن وتتلخص هذا الطريقة فيما يلي:
الطريق إلى تحصيل المفتاح الأول ــ وهو : أن تقرأ قراءة صحيحة:
إن الطريق لتحصيل هذا المفتاح هو أن تتعرف عل صورة كل حرف وتتدرب على قراءته مفرداً ومجموعاً مع بقية حروف الكلمة بشكل صحيح، لكن ذلك يكفي لأن تقرأ القراءة الصحيحة ؛ ولا يتم لك ذلك حتى تُلِمَّ ــ فيما بعد ــ بالأساس من اللغة العربية نحواً وصرفاً ــ نظرياً وعملياً ــ بأن تتعرف على ذلك من كتاب جيد مختار، وتدرسه على يد شخص متقن ، بشرط أن تجمع بين الإلمام النظري والتدريب العملي ؛ فتقرأ بين يديه ، ويتولى توجيهك في نطق الكلمات ــ من حيث صفات الحروف ومخارجها ، وضبطها الإعرابي ــ ويوقّفك عند القراءة ،ويسألك عن سبب الرفع والنصب والجر للكلمة ، حتى يصبح الطابع لقراءتك رفع المرفوع ونصب المنصوب وجر المجرور ن، وهذا هو المفتاح الأول تماماً .

الطريق إلى تحصيل المفتاح الثاني تـ وهو : ا، تكتب كتابة صحيحة ــ :
إن الإتقان لطريق القراءة الصحيحة ــ نظرياً وعملياً ــ يُعد الشطر الأول للقيام بواجب الكتابة كتابة صحيحة ، ومعنى ذلك أنك إذا عرفت وتدربت كيف تقرأ قراءة صحيحة فقد خطوت نصف الخطوة لتكتب كتابة صحيحة.
إن الطريق لتحصيل هذا المفتاح هو أن تتعرف على صورة كل حرف وتتدرب على كتابته بشكل صحيح ، ثم تتعرف على ربط الحروف مع بعضها بطريقة صحيحة ، ثم تتعرف على قواعد الإملاء السليم نظرياً، وتتدرب على تطبيقها عملياً، ثم تتدرب على شيء من أنواع الخط وطرق وضوحه وجماله؛ بحيث يؤدي كل ذلك إلى أن تكتب كتابة صحيحة وواضحة وجميلة في الوقت نفسه .

والشروط في التعرف على كل ذلك أن تعتمد على :
ـــ كتاب جيد محرر في الإملاء ، وكتاب كذلك في الخط .
ـــ التدرب على يد شخص متقن للإملاء ، وشخص متقن للخط.
الطريق إلى تحصيل المفتاح الثالث ــ وهو : أن تفهم فهماً صحيحاً ــ :
إن تحصيل المفتاحين : الأول والثاني بإتقان يعين أنك قد خطوت نصف الخطوة لكي تفهم فهماً صحيحاً ، لكن ذلك لا يكفي لأن تفهم فهماً صحيحاً ، وإنما عليك أن تخطو النصف الباقي لتحصل هذا المفتاح ، وهو أن تُعنى بالفهم، ويساعدك عليه العناية بما يلي:
ـــ الإلمام ببعض تراكيب اللغة وأساليبها ، من الحقيقة والمجاز، والظاهر المراد والظاهر غير المراد ، والأمثال في اللغة ، وكل ما يلزم من مباحث علم البلاغة .
ـــ الإلمام بالأساس من القواعد في أصول الفقه ، والقواعد الفقهية.
ـــ الإلمام بالأساس في أصول التفسير.
ـــ الإلمام بالأساس في أصول الحديث.
فإذا فعلت ذلك فقد أصبحت عارفاً بمدلولات الألفاظ والتراكيب، وعرافاً بعلوم الآلة ــ كما يسمونها ــ وبالعلوم المنهجية للفهم والتحقيق العلمي ، وتستطيع ، عندئذ، المشاركة في العلم والفهم ، ويسهل عليك تحصيل العلم من بابه، وتميز بين الصحيح وغير الصحيح رواية ورأياً . والموفق من وفقه الله تعالى ، ومن يرد الله به خيراً يفقهه في الدين.
وبهذا يتضح أن كل مفتاح من هذه المفاتيح شرط لتحصيل المفتاح الآخر ، على الترتيب المذكور .

وكم من إنسان وقع في اللحن أو الخطأ وهو لا يشعر، ويأتيه الخطأ من أربعة أمور ، وهي :
1. الخطأ في حركة إعراب الكلمة .
2. الخطأ بإبدال كلمة بكلمة .
3. الخطأ بإبدال كلمة بكلمة .
4. الخطأ في المعنى بسبب الوقف والابتداء بما يحيل المعنى.
وهو يستطيع أن يعرف خطأه ما لم يكن عنده إلمام بالصواب في مجالات الخطأ هذه كلها ، ولا يستطيع أن يلم بتلك المجالات إلا بالعناية بتحصيل تلك المفاتيح الثلاثة اللازمة لطلب العلم .
وربما قالت الإنسان نفسه: إن هذا طريق طويل لتحصيل العلم .
والجواب كلا ً ليس هذا طريقاً طويلاً ، بل الأطول منه طريق الجهل، والأطول منه كذلك إتيان العلم من غير بابه؛ فيُفسد الإنسان ، عندئذ، أكثر مما يُصلح ، ويَضِل ويُضِل ن وقد قال الله تعالى  وأتوا البيوت من أبوابها واتقوا الله لعلكم تفلحون .
ولاشك في أن تحصيل العلم بهذه الطريقة ، يختصر كثيراً من الوقت على المتعلم والمعلم ، إضافة إلى الإتقان والضبط ؛ فيحصل على ما يريد بالضبط ؛ فدعك من أهل الظن والخلط والخبط.

وختاماً:
ينبغي أن يعلم الإنسان أن (الهم ــ البرنامج ــ العمل) كل هذه الأمور لا بد منها لتحصيل العلم ، وللسير في طريق التوفيق والفقه السديد.
وأن يَعلم أن الثواني والدقائق والساعات تسير الإنسان إلى أجله ، وإن لم يَسِرْ به أو معها!
ونسأله تعالى أن يجعل هذه النقاط الوارد في هذا الفصل عن طرق المنهجية لتحصيل الفقه في الدين طريقاً عملياً مثمراً يتحقق به المطلوب . والله ولي التوفيق والسداد.

-------------------
الهوامش :
(1) يُنظر تفصيل هذه المنهجية" السنة النبوية: أهميتها ومنهج فقهها" ؛ فقد فصلت فيه المنطلقات والأسس اللازمة لفقه حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم .
(2) كتاب : "كلمات في مناسبات" ، للمؤلف.
(3) كتاب : "كلمات في مناسبات" ، للمؤلف..

المصدر : المركز العلمي الأول
 

طلب العلم

  • مقدمة الموسوعة
  • منهجية الطلب
  • القراءة
  • دراسة الفنون
  • الحفظ
  • أدب الحوار والخلاف
  • متفرقات
  • المكتبة
  • الأفكار الدعوية
  • الموسوعة