اطبع هذه الصفحة


سلسلة طالب العلم (8)
أخي في الله إياك والتدليس ... ؟؟؟

حسام الدين سليم الكيلاني
hosamkilany@gawab.com

 
الحمد لله و كفى و صلاةً و سلاماً على عباده الذين اصطفى ، و بعد :
فإنّ الله تعالى أبى العصمةَ إلا لكتابه الذي ( لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ و لا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ) ، و لنبيّه صلى الله عليه و سلّم في تبليغ الرسالة ، و ذلك مقتضى حفظ دينه ، و إقامة حجّته على خلقه .
و اصطفى الله تعالى لحمل العلم من كلّ خلفٍ عدولَه و خصّهم بالفهم و الاستنباط السليم ، فسخّروا ما آتاهم الله من فضله في إقامة الحجّة و بيان المحجّة .
هذا ولما كنا في آخر الزمان الذي أخبر عنه الصادق المصدوق فيما روى الإمام أحمد بسند صحيح عن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تقوم الساعة حتى يأخذ الله شريطته من أهل الأرض – (شريطته أي أهل الخير والدين) – فيبقى فيها عجاجة – (وهم الأراذل الذين لا خير فيهم) – لا يعرفون معروفاً ولا ينكرون منكراً)).
ومعنى الحديث أن الله يأخذ أهل الخير والدين، ويبقى غوغاء الناس وأراذلهم ومن لا خير فيهم، وتأمل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ربط القضية بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .. وروى الإمام أحمد أيضاً بسند صحيح عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((يأتي على الناس زمان، يُغربلون فيه غربلةً، يبقى منهم حثالة – (والحثالة الردئ من كل شيء) – قد مرِجت – (أي اختلطت) – عهودهم وأماناتهم واختلفوا، فكانوا هكذا، وشبك بين أصابعه)).
وروى الإمام أحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنها ستأتي على الناس سنون خدّاعة، يصدق فيها الكاذب، ويكذب فيها الصادق، ويؤتمن فيها الخائن، ويخون فيها الأمين، وينطق فيها الرويبضة، قيل وما الرويبضة؟ قال: السفيه يتكلم في أمر العامة)) وهذا من أشراط الساعة وعلاماتها .

واعلم أخي في الله هداني الله وإياك إلى كل خير أن هذه الشبكة العنكبوتية الألكترونية ( الإنترنت ) ينشر فيها كل غث وسمين ، كل صالح وطالح فعلى المسلم أن يكون ذا فطنة عالية فالمسلم كيِّس فطن ، لا يَخدع ولا يُخدع ، فإذا ما مرَّ على صفحاتها عرف من خلال المقروء مصداقيته من عدمها .

ولكن والحال أن الذين ينشرون كتبهم أو مقالاتهم أو بحوثهم ، منهم الثقات ومنهم غير ذلك ، بل ربما عرف البعض منهم عن نفسه بتعاريف موهمة وتحتمل التأويل ، فيقول عن نفسه ( الدكتور فلان ) وهو قد كتب بحثاً فقهياً ، وعند النظر والتأمل والفحص عنه تجده طبيباً أو مخبرياً يحمل شهادة دكتوراه في اختصاصه ولا يشق له غبار في مضمار اختصاصه إلا أنه لا يفقه شيئاً في اختصاص الآخرين ، فهو صادق بما قال عن الدكتوراه إلا أنه أوهم غيره بعدم تقييد العبارة بأنه يحمل شهادة بالعلوم الشرعية ، فيقع الناس بالتدليس عليهم والتلبيس فيأخذون مقالته على أنها من نفائس البحوث الفقهية وعلى الثقة بمحتواها فيقعون في المحظور .

وآخر يعرف عن نفسه أيضاً بـ ( الدكتور فلان ) وبعد التمحيص والسؤال عنه تبين أن الدكتوراه التي يحملها دكتوراه فخرية ... أو قد اشتراها من إحدى الجامعات الهندية أو الباكستانية ... وهكذا .
وآخر عرف عن نفسه أنه عمل في كبريات المستشفيات العالمية .... فتظن أنه طبيب جراح ممارس ومشارك وبعد الفحص والسؤال عن عمله يتبين أنه عمل ممرضاً أو عامل تنظيفات في هذه المستشفيات ...

وقد يشترك أكثر من اثنين في تدليس وتلبيس المعلومات وهذا ما أجده غالباً في كتب بعض ناظمي شعر التفعيلة فتجد أنه يصدر قصيدته بمقولة لشاعر كبير من الشعراء الفحول أو بعبارة لأحد الكتاب والأدباء كإقبال أو الرافعي ثم عقب ذلك مباشرة يقول لك : ( ويقول الأستاذ فلان بن علان كذا وكذا ) فتظن أنت بمقتضى التعقيب والالتصاق أن هذا الأستاذ فلان بن علان له شأن كبير وباع طويل في الشعر والأدب والبلاغة وهو لا يساوي شيئاً من حيث الأدب والبلاغة والشعر أو حتى التفعيلة ، وكم تعبنا من خلال هذه الفهوم ، وبعد الفحص والتمحيص تجد أن فلان بن علان صديق لهذا الشويعر المغمور الذي أحب أن يشهر اسمه واسم صديقه ، وبالمقابل تجد أيضاً كلاً منهما يمتدح صاحبه بعبارات لا تليق إلا بكبار الأدباء والشعراء ، فيتعاونان بحسن نية أو بسوء نية على التدليس والتلبيس على العامة بحيث يقبل القول منهما بمقتضى ذكرهما مع كبار الأدباء ، فيكونان قد اشتركا في هذه الجريمة العلمية .

وآخر يدلس فيقول مثلاً ( قال شيخنا فلان رحمه الله تعالى ويكثر من هذه العبارة ) فيظن السامع أن للقائل علاقة وثيقة وحميمة مع الشيخ حتى روى عنه كل هذه الأقوال وبعد التثبت من ذلك تجد أن هذا الدعي الأشر لم يجلس إلى الشيخ فلان إلا مرة أو حضر درساً له سمعه من شريط أ وتلفاز فيخرج فيروي كل هذه الأحاديث والأقاويل،فهذه أيضاً نوع من التدليس الجديد والمعاصر .

وهذه العبارات الموهمة غالباً اليوم تكون عن قصد سابق من قبل كثير من الكتاب حتى يحصلون على الثقة من قبل القراء ، وهي كالذي يقول مثلاً مفاخراً ( أنا الذي أطعم العائلة الفلانية وأسقيهم ) فتظن أنه من كبار أغنياء البلدة ، ومن كبار الأسخياء ، ثم يتبين لك أنه خادم عند هذه العائلة الفلانية يقدم لهم المائدة ويطبخ لهم الطعام والشراب .

وقد وقع في مشكلة ومعضلة التدليس كثير من طلبة العلم اليوم فيقولون عبارات موهمة مؤولة تحتمل وجوه عن سابق قصد ونية بالتلبيس على الناس والتدليس على العامة .

و قد أحسن مَن قال :

أيُّهـا العـالِم إيّـاك الـزَلَـل *** و احـذَرِ الهفـوةَ فالخَطبُ جَلَـلْ
هفـوةُ العـالِـمِ مُـستَعظَمَـةٌ *** إن هَفَا يوماً أصبَحَ في الخَلْـقِ مَثَلْ
إن تكُـن عنـدَكَ مُـستَحقَـرةٌ *** فـهيَ عِنـدَ اللهِ و النـاسِ جَبَـلْ
أنتَ مِلـحُ الأرضِ ما يُصلحُـهُ *** إن بَــدا فيـهِ فَسـادٌ أو خَـلَـلْ

و لخطورة التدليس وأهله ومن اتصف بهذه الصفة ، رأيت أن أضع بين يدي القارئ الكريم جملة مسائل ذات صلة بموضوعها ، مرتّبةً على النحو التالي :

أولاً ــ مقدمة في معنى التدليس :
في اللغة من الدّلس ، وهو اختلاط الظلام بالنور .
وفي الاصطلاح : أن يحدّث الرجل عن شيخ قد لقيه وأدرك زمانه ، وأخذ عنه ، وسمع منه ، وحدث عنه بما لم يسمع منه ، بلفظ يوهم السماع كـ " عن فلان " أو " قال فلان " ، وسُمي هذا بالتدليس لاشتراكه مع المعنى اللغوي في الخفاء في كل منهما .

ثانياً ــ أقسامه من حيث علوم الحديث :
وينقسم إلى ثلاثة أقسام :
1. تدليس الإسناد : وهو أن يسقط اسم شيخه الذي سمع منه ، ويرتقي إلى شيخ شيخه بلفظ يوهم السماع كعن وأن وقال ، أو يسقط أداة الرواية ويسمي الشيخ فقط ، فيقول : فلان . مثلا .
واختلف في أهل هذا القسم ، فقيل : يرد حديثهم مطلقا ، سواء أثبتوا السماع أم لا ، وأن التدليس نفسه جرح ، والصحيح التفصيل فإن صرح بالاتصال كقوله " سمعت " أو "حدثنا" أو "أنبأنا" فهو مقبول يحتج به ، وإن أتى بلفظ يحتمل فحكمه حكم المرسل .
2. تدليس الشيوخ : وهو أن يصف الشيخ المسمع بوصف لا يعرف به من اسم أو كنية أو لقب أو نسب إلى قبيلة أو بلدة أو صنعة أو نحو ذلك .
قال ابن الصلاح : وأمر هذا أخف من القسم الأول .
وقد جزم ابن الصباغ بأن من فعل ذلك لكون من روى عنه غير ثقة عند الناس وإنما أراد أن يغير اسمه ليقبلوا خبره يجب أن لا يقبل خبره ، وإن كان يعتقد فيه الثقة فقد غلط في ذلك ، لجواز أن يعرف غيره من جرحه مالا يعرفه هو ، وإن كان لصغر سنه فيكون ذلك رواية عن مجهول ، لا يجب قبول خبره حتى يُعرف من روى عنه .
3. تدليس التسوية : وهو أن يروي حديثا عن شيخ ثقة غير مدلس ، وذلك الثقة يرويه عن ضعيف عن ثقة ، فيأتي المدلس الذي سمع من الثقة الأول غير المدلس فيسقط الضعيف الذي في السند ، ويجعل الحديث عن شيخه الثقة الثاني بلفظ محتمل ، فيستوي الإسناد كله ثقات .
وهذا أشر الأقسام ؛ قادح فيمن تعمد فعله ، وقال العلائي في التحصيل في المراسيل : ( ولا ريب في تضعيف من أكثر من هذا النوع ).
تنبيه :
اعلم أن الشافعي أثبت أصل التدليس بمرة واحدة ، قال ابن الصلاح : والحكم بأنه لا يقبل من المدلس حتى يبين قد أجراه الشافعي فيمن عرفناه دلس مرة ، وممن حكاه عن الشافعي البيهقي في المدخل .

ثالثاً ــ حكم التدليس ، وحكم من عرف بِهِ :
مضى بنا في أنّ مجموع معانيه تؤول إلى إخفاء العيب ، وليس من معانيه الكذب ، ومع ذَلِكَ فَقَدْ اختلف العلماء في حكمه وحكم أهله .
فَقَدْ ورد عن بعضهم ومنهم - شعبة - التشديد فِيْهِ ، فروي عَنْهُ أنه قَالَ : (( التدليس أخو الكذب )).
ومنهم من سهّل أمره وتسامح فِيْهِ كثيراً ، قَالَ أبو بكر البزار : (( التدليس ليس بكذب ، وإنما هُوَ تحسين لظاهر الإسناد )).
وَالصَّحِيْح الَّذِيْ عليه الجمهور أنه ليس بكذب يصح به القدح في عدالة الرَّاوِي حَتَّى نرد جميع حديثه، وإنما هُوَ ضَرْبٌ من الإيهام، وعلى هَذَا نصّ الشَّافِعِيّ –رحمه الله– فَقَالَ: ((ومن عرفناه دلّس مرة فَقَدْ أبان لنا عورته في روايته، وليست تِلْكَ العورة بالكذب فنرد بِهَا حديثه،ولا النصيحة في الصدق،فنقبل مِنْهُ ما قبلنا من أهل النصيحة في الصدق)).

رابعاً ــ حكم من عرف بالتدليس :
وإذا تقرر هَذَا ، فما حكم حَدِيْث من عرف بِهِ ؟ للعلماء فِيْهِ أربعة مذاهب :
الأول : لا تقبل رِوَايَة المدلس ، سواء صرح بالسماع أم لا ، حكاه ابن الصَّلاَحِ عن فريق من أهل الْحَدِيْث والفقه ، وهذا مبني عَلَى القَوْل بأنّ التدليس نفسه جرح تسقط بِهِ عدالة من عُرِف بِهِ . وهذا الَّذِيْ استظهره عَلَى أصول مذهب الإمام مالك القاضي عَبْد الوهاب في الملخص .
الثاني : قبول رِوَايَة المدلس مطلقاً ، وَهُوَ فرع لمذهب من قَبِلَ المرسل ونقله الْخَطِيْب البغدادي عن جمهور من قَبِلَ المراسيل ، وحكاه الزركشي عن بعض شارحي أصول البزدوي من الحنفية . وبنوا هَذَا عَلَى ما بنوا عَلَيْهِ قبول المرسل ؛ من أنّ إضراب الثقة عن ذكر الرَّاوِي تعديل لَهُ ، فإن من مقتضيات ثقته التصريح باسم من روى عَنْهُ إذا كَانَ غَيْر ثقة .
الثالث : إذا كَانَ الغالب عَلَى تدليسه أن يَكُوْن عن الثقات فهو مقبول كيفما كانت صيغة التحديث ، وإن كَانَ عن غَيْر الثقة هُوَ الغالب رد حديثه حَتَّى يصرح بالسماع ، حكاه الْخَطِيْب عن بعض أهل العلم ، ونقله الزركشي عن أبي الفتح الأزدي .
الرابع : التفصيل بَيْنَ أن يروي بصيغة مبينة للسماع، فيقبل حديثه، وبين أن يروي بصيغة محتملة للسماع وغيره فلا يقبل. وهذا الَّذِيْ عَلَيْهِ جمهور أَهْل الْحَدِيْث وغيرهم وصححه جمع ، مِنْهُمْ : الْخَطِيْب البغدادي وابن الصَّلاَحِ وغيرهما .

خامساً ــ حكم الْحَدِيْث المدلس :
لما كَانَ في حَدِيْث المدلس شبهة وجود انقطاع بَيْنَ المدلس ومن عنعن عَنْهُ ، بحيث قَدْ يَكُوْن الساقط شخصاً أو أكثر ، وَقَدْ يَكُوْن ثقة أَوْ ضعيفاً . فلما توافرت هَذِهِ الشبهة اقتضى ذَلِكَ الحكم بضعفه.

التدليس والزيف اليوم :
إن المعلومات الزائفة والمدلسة تأتي بإتباع عدة طرق:
حقائق وردت عن أشخاص لهم مصالح ومخاطر شخصية في الأمر.
ملاحظات من أشخاص لم يحصلوا على خبرات, أو تدريب كاف في ذلك المجال الخاص.
معلومات تم التوصل إليها على عجل, وقد تحتوي على أخطاء في الأرقام والطباعة.
تقارير سطحية لم تتناول الموضوع بعمق.
آراء تم اتخاذها مسبقاً دون أن تستند إلى حقائق.
أو تكون ببساطة من النوع الذي عفا عليه الزمن.

وهناك قاعدة أساسية في عصر المعلوماتية تتلخص في عدم قبول أي شيء دون نقد. فالتسليم بكل الأمور قد يؤدي إلى كارثة, وكن على ثقة من أن ما استوعبته هو أمر غير دقيق ومطابق للوضع الراهن قبل أن تقبل على تنفيذه. فقد يتجاوز الأمر عدم الفائدة إلى ما هو أسوأ من ذلك. إن أهم خطوة بالنسبة للمعلومات هو تخليصها من الشوائب المحيطة بها. وهذا هو ما يكشف الفارق بين المتعلم الممتاز وأستاذ في تدقيق المعلومات. وهو أمر بالغ الصعوبة ، ينقلب بالتدرب على كشف الزائف من المعلومات والمدلس من الأقوال إلى أمر بالغ السهولة.

سبع طرق مؤكدة للتعرف على المعلومات الزائفة والخاطئة والمشوهة :
في معظم الحالات لا يعد التأكد من صلاحية ما تقرأ وتسمع أمراً بالغ الصعوبة أو الإطالة. ولا يحتاج الأمر إلى الرجوع إلى الكتب خاصة والبحث عنها في كل مكان فأنت تستطيع التفرقة بين الغث والثمين من النظرة الأولى. وفي كل وقت تمر عليك أفكار ومعلومات جديدة عليك أن تسأل نفسك الأسئلة التالية التي سوف تساعدك على التعرف على الحشو الرديء الذي يستنفذ تسعين في المائة من الوقت دون بذل مجهود واسأل نفسك:
أولاً ــ هل هناك كلمات غير محددة أو لغة غامضة ؟
تصل إلينا المعلومات الحقيقية دائماً في شكل دقيق جداً إما عن طريق أرقام, أوكلمات محددة وواقعية. ولذا عليك البحث عن اللغة الغامضة والكلمات المبهمة وبخاصة تلك التي يمكن تفسيرها على عدة أوجه ثمَّ العمل على تجنبها.
ثانياً ــ ماهو مصدر المعلومات؟
أحياناً كثيرة ما تكون مصادر المعلومات للكاتب أو المتحدث غير كافية ومغلوطة وواضحة الخطأ. لذا لا تعتمد على الحقائق ما لم يكن مصدرها واضحا. وإذا كانت منسوبة إلى مصادر غامضة أو غير موجودة فسوف يكون لك الحق في رفضها وعدم الثقة بها.
ثالثاً ــ هل تحتوي على تعميمات وأحكام عامة؟
لا تثق في التعميمات وما قد يقوم عليها من أفكار وحوارات. وغالباً لا تكون البيانات المطلقة عن المجموعات والأشخاص صالحة للاستخدام. فالحياة تضم اختلافات كثيرة للغاية, ولا يمكن تعميم شيء ما على كل الأشخاص .
وقد ضربنا أمثلة على ذلك في مقدمة مقالنا هذا .
رابعاً ــ هل تعتمد أساساً على التشابه الجزئي والتماثل؟
لا يمكن الاعتماد بشكل مطلق على التشابه الجزئي والتماثل. والتماثل قد يضم وسائل لإيضاح النقاط والقضايا عن طريق المقارنة بينها وبين أشياء أخرى لها نفس الخصائص. وهي تفترض أن بسبب وجود علاقة بين شيئين فإنهما يتشابهان بكل الطرق. ولكن لا يمكن المقارنة بين الأشياء المختلفة. فهي تتناقض في بعض النواحي والطرق.
خامساً ــ هل المعلومات حديثة ومستخدمة وقابلة للتطبيق؟
تتغير الأشياء والظروف وتلغي النظريات الفنية الأفكار بعضها البعض بسرعة البرق في هذا العصر. وسوف يكون من الخطأ أن نقبل حقائق وأفكار غير حديثة أو غير مطابقة لزمانها. وكلما كانت المعلومات قديمة كانت بدورها خارجة عن نطاق الزمن.
سادساً ــ هل هي المعلومات حديثة أم قديمة؟
تأتي دائماً أفضل المعلومات أول ما تأتي على ألسنة من يعرفون حقاً الحديث عنها لخبرتهم المباشرة بها. على الجانب الآخر فإن الأحاديث التافهة واللغو تزداد فرصة الخطأ المتعمد وغير المتعمد فيهما بعد مرورهما على ألسنة أناس عديدين.
سابعاً ــ هل هناك دلائل مساعدة أم أنها مجرد وجهة نظر؟
إن أحد مساوئ العصر الإليكتروني هو أننا نواجه على جميع الجبهات وجهات نظر شخصية متنكرة في شكل حقائق. إنها مجرد آراء شخصية إلا إذا قدم المؤلف أو المتحدث أرقاماً محددة ومقاييس ومصادر أو حالات واقعية. وما عدا ذلك فهي افتراضات غير مدعومة بالأدلة . وبدون الخبرة أو المعلومات الموثقة فإن رأي أي شخص لا يختلف عن الآخر. إن وجهات النظر قد تضيء الطريق ولكن لا تتركها تأخذك بعيداً عن الحقائق.

كيف تكشف التلاعب بالمعلومات : وهو أمر هام جداً ؟
تستطيع الأسئلة السبعة السابقة أن تكشف لك عن خمسة وتسعين في المائة من جميع الحالات التي تجد فيها شيئاً جديرا بأن يشد انتباهك لملاحظته أو تذكره, أو متابعته تكشف لك إذا كان مزيفاً أو حقيقياً. غير أن بعض الكتاب, والمؤلفين, والمتحدثين أصبحوا خبراء في لَيِّ الحقائق وتحريف الكلمات لخلق انطباعات واستنتاجات مضللة لخدمة أهوائهم الخفية. غير أنك أيضاً تستطيع أن تزيح القناع عن محاولاتهم لخداعك, وتضليلك واستغلالك, حيث أصبح من اليسير أن تضع أصابعك على مواطن التلاعب بالمعلومات في كل مرة إذا عرفت مفتاح حل الشيفرة والرموز المتعلقة بشيفرة الراوي ، وذلك عن طريق ما يلي :
أولاً ـــ كشف "البراهين الانتقائية" :
يعتبر المتلاعبون بالمعلومات أساتذة لا يشق لهم غبار في عرض المواد التي تدعم آراءهم فقط, فهم يتجاهلون عن عمد كافة الحقائق غير الملائمة والمتناقضة معهم. (ونظراً لأن لكل قصة جانبين, فهناك دائماً ما يقال عن الجانب الآخر).
ثانياً ــ كشف "تحويل الانتباه" :
يحاول المتلاعبون بالمعلومات أن يحولوا انتباهك بعيدا عن اكتشاف ثغرات في مناقشتهم أو توجيه أسئلة منطقية قد تثور في ذهنك بشأن إفادتهم. ويطلق بعض الناس على مثل هذا السلوك "تحويل الانتباه المعلوماتي". ولعل أشهر مثال يضرب على ذلك الخطيب الذي واجه سؤال محرجاً فلم يجد مخرجاً لمداراة افتقاره للشجاعة اللازمة للإجابة عنه سوى تغيير موضوع الحديث .
ثالثاً ــ كشف "تلويث السمعة" :
عندما تتأزم الأمور, يصبح المتلاعبون بالمعلومات أشد غلظة. وإذا فشلوا في الصمود أمام الموقف, أو إذا كان الخصم أفضل منهم, فإنهم يتجاهلون الموضوع ويشرعون في إلقاء الوحل على الطرف الآخر .
رابعاً ــ كشف "النقاشات المثيرة للمشاعر" :
إن المتلاعبين بالمعلومات خبراء أيضاً في إثارة المشاعر بهدف تعبئتك في صالح قضية ما أو ضد قضية ما. إن الكلمات لا تنقل الحقائق فقط. بل تنقل المشاعر أيضاً. إن أحداً لا يقبل أن يطلق عليه لفظ "غبي" حيث يثير ذلك مشاعر الغضب لديه. كذلك فأن كلمات مثل "طفل مصاب" من المرجح أن تثير مشاعر عارمة لدي معظم الناس. فإذا أراد أحدهم أن يسلبك ملكاتك المتميزة، فإنك ستفقد نقاطاُ مهمة في منافستك معهم، وسيقومون بنشر ما يريدون قوله في حرية محملاً بالمضامين المثيرة للعواطف. فعندما تسمع قوله مثل " وهذه المسألة لا يقولها إلا غبي ...... " فإنه كفيل بإثارة قدر ضخم من الاضطراب مما يدفعك إلى عدم القول بهذه المسألة وإن كانت صحيحة . ولكن هل هذا حقيقي، أم أن الشخص الذي يوجه الاتهامات يحاول التغطية على مغالطاته ؟ وغير ذلك من الأمثلة .
خامساً ــ كشف "الاستشهاد بأصحاب الشهرة " :
يهوى المتلاعبون بالمعلومات إبهارك بمقتطفات عن المشاهير والخبراء. فمثلا يقول أحدهم إن فلان رحمه الله وهو العلامة في علم كذا وكذا قال كذا وكذا ، فتأخذ هذا الكلام على علاته ، وربما هذا القول لا يصح عنه ولم ينقل عنه ، بل ربما هو قول مبتور عن أصله ومغاير للحقيقة .
أو يأخذون بعضاً من كلام فلان وفلان ولا يتمون كلامه بقصد الاستشهاد لآرائهم المغلوطة ولو بتروا أقوال الآخرين ، بل إنهم قد يفهمون عكس ما يقصد هؤلاء تماما في أحيان أخرى .
سادساً ــ كشف النتائج الخاطئة "المؤسسة على حجج واهية" :
إن ما يسعى هؤلاء المتلاعبون بالمعلومات إلى تحقيقه من وراء كل ذلك هو الوصول إلى نتائج زائفة تأسيسا على حقائق خاطئة ومناقشات واهية.

هدف التدليس والتلبيس وإعطاء المعلومات الزائفة والمختلطة :
وتهدف الفكرة كلها إلى تشتيتك كليا عن اختراق نقاط الضعف في مواقفهم وأقوالهم وآرائهم عن طريق النقاط الست السابقة الذكر ، ويعتبر ذلك من الاستراتيجيات الشائعة في عوالم التسويق والسياسة والإعلانات التجارية والصحافة والمناظرات غير العلمية والمقابلات الفنية وغير الفنية ، إلى غير ذلك مما يشمل جوانب الحياة العصرية الحديثة اليوم .

فإذا تشككت فتحقق من كل ما تسمع أو تقرأ !
إن عصر المعلومات قد يفرض بعض المتطلبات, غير أنه يتيح أيضاً العديد من الفرص. ونظراً لأن الأدوات والقدرات اللازمة لإدارات المعلومات المتدفقة إلى حيث أنت كماً ونوعاً أصبحت رهن إشارتك. فأنت حر في استعمالها, كمعاونة قوية لنفس أجهزة الحاسبات الآلية, والهواتف التصويرية (فاكس), وقنوات الكابلات, وأجهزة القياس (مودم), وغيرها من الأدوات التي كانت تهددك في يوم ما بالسيطرة عليك. وتتدفق قنوات المعلومات الأسطورية الجديدة هذه في اتجاهين ـ ( منك وإليك ). وإذا ما استفدت منها جيداً فسيكون بوسعك الحصول حرفيا على المعلومات التي تريدها تحديداً, في الوقت الذي ترغبه, جاهزة عند أطراف أصابعك.

الخاتمة :
وقد سبق أن قلنا أن الشافعي أثبت أصل التدليس بمرة واحدة ، وقول ابن الصلاح : والحكم بأنه لا يقبل من المدلس حتى يبين .
فالمدلس ما دلس وما زيّف وما لبّس إلا لكي يقبل كلامه ، فكان لزاماً رد كلامه وقوله وحديثه حتى نرى ونتبين ، وذلك كي تكون العقوبة من جنس العمل .

أسأل اللهَ العظيم رب العرش العظيم أن ينفع بهذه المقالة طلبة العلم وإياي أيضاً إنه هو السميع العليم ، وأن يجعلها في قلوبنا, وأن يجعلنا ممن يستمع القول فيتبع أحسنه.
اللهـم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك سيدنا محمد وعلى آله وصحبـه أجمعين، وسبحانك اللهم وبحمدك أشهد ألا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك.


وكتبه أفقر الورى
حسام الدين بن سليم الكيلاني
و أفوّض أمري إلى الله ، إنّ الله بصير بالعباد .
و الحمد لله ربّ العالمين .
 


سلسلة طالب العلم (7) إن كنت خطيباً أو داعية فخرِّج ما ترويه من أحاديث .. !!!

سلسلة طالب العلم (6) الكبر عند بعض طلبة العلم ...!!!

سلسلة طالب العلم (5) التواضع من حياة النبي صلى الله عليه وسلم وأقوال السلف الصالح ؟؟؟

سلسلة طالب العلم (4) مظاهر الرياء عند طلبة العلم !!!

سلسلة طالب العلم (3) إخلاص النية في طلب العلم ... !!!

سلسلة طالب العلم (2) أقوال السلف في طلب العلم ... !!!

سلسلة طالب العلم (1) فضل طلب العلم !!!
 

طلب العلم

  • مقدمة الموسوعة
  • منهجية الطلب
  • القراءة
  • دراسة الفنون
  • الحفظ
  • أدب الحوار والخلاف
  • متفرقات
  • المكتبة
  • الأفكار الدعوية
  • الموسوعة