اطبع هذه الصفحة


وصايا في القراءة
( دورة في القراءة الصحيحة ألقاها فضيلة الشيخ سليمان بن خالد الحربي حفظه الله في صيف 1427هـ )

 
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين، اللهم علمنا ما ينفعنا وزدنا علماً يا كريم.
موضوع الجلسة هي: وصايا في القراءة، أو المنهجية في القراءة الصحيحة، وهو بحق من المواضيع المهمة التي يحسن بطالب العلم أن يعتني بها وأن يعرفها وأن يختصر الطريق في قراءته وألا يذهب شذر مذر في فنون القراءة حتى إذا تفلت عليه العمر والزمان إذا هو ينتبه ولات ساعة مندم وهي وصايا أذكرها لكم لا تعني الإحاطة بكل ما يجب على طالب العلم معرفته وإنما هي مشاركة ومساهمة من قليل البضاعة في هذا العلم ومفتاح أيضاً للبحث في هذا الموضوع الهام لأجل أن ينتفع الإنسان من وقته وعمره.

الوصية الأولى: في القراءة الصحيحة: أن يستشعر طالب العلم أهمية الوقت وأهمية العمر وأن هذا الوقت الذي يمر عليه هو من عمره فلا يتصور طالب علم غير حريص على وقته وشحيح به ولا يعطي للوقت أهميته. كم ترى من الناس من تجده أرخص ما يبذله هو جلسة ساعة أو ساعتين أو رحلة يوم أو يومين =من أرخص ما يكون ، بل بالعكس تجد الإنسان يقرر الرحلة أو النزهة أو الجلسة دون أن يفكر ماذا ذهب عليه. وطالب العلم لا يمكن أن يزول عن باله هذه القضية لا يمكن عندما يتخذ قراراً في رحلة أو في جلسة لا يمكن أن يعزب عنه عند اتخاذه للقرار ذهاب الوقت عليه ، فإذا علمت أنك ضنين بالوقت حريص على وقتك وعمرك لا لشيء إلا لأجل أنه سيفوت عليك القراءة فاعلم أنك على طريق صحيحة وإذا رأيت العكس في يوم رحلة وبعده جلسة ونحوها ثم تسرق الوقت مسارقة لقراءة ساعة =فلا تصنّف نفسك أنك طالب علم مجد أبداً لا تصنف نفسك مع الطلبة المجدين في العلم وهذا قصور كبير جداً ، لو قيل له: ادفع مئه أو مئتين فكّر. وإذا قيل له ابذل يوما أو يومين أو ثلاثة ليس عنده أي إشكال وهذه حقيقةُ ُ مرّة ، على طالب العلم أن يعتني بالوقت وأن يحرص على أهميته وأن يربي نفسه حتى يصبح هذا الأمر سجيّة ويقّدر الوقت الثمين الذي ذهب عليه لأننا نمر بإشكالية عظيمة وهي إسراف عظيم في بذل الوقت بلا فائدة ومن نظر وسبر حال الأئمة وجد أنهم ما بلغوا ما بلغوا = إلا بشحهم بالوقت وهذا ابن الجوزي ـ رحمه الله ـ يقول كما في صيد الخاطر فإن قلت إني قرأت أكثر من عشرين ألف مجلدة وأنا في الطلب فأنا مقل. عشرين ألف والمجلد ليست كمجلداتنا هذه عشرين ألف في الطلب. لا يمكن أن يقرأ هذا الكم الهائل وهو كريم في وقته. وابن جرير الطبري عندما أراد أن يكتب تاريخ الإسلام والتفسير قال: إيتوني بثلاثين ألف ورقة. فقالوا: يا إمام هذا تنقطع دونه أعناق الإبل. فقال: الله المستعان ذهبت الهمم. فكتب في ثلاثة آلاف. ومن رأى حال هؤلاء الأئمة وشحهم في الوقت بل إنهم ـ رحمه الله ـ يشحون بالوقت حتى على العبادة من أجل القراءة وقصة الإمام أبو الفتح ابن دقيق العيد القشيري الإمام المشهور سمع بأن الشرح الكبير للإمام الرافعي ـ رحمه الله ـ قد نسخ واشتراه بثلاثة آلاف درهم وعكف على قراءته حتى إنه اقتصر على الفرائض فكان لا يصلي النوافل العامة مع أنه يعلم أن الطاعة فضلها عظيم لكنه شحّ بالوقت. ونحن الآن عندنا مساحات كبيرة من الفراغ ومساحات عظيمة من الوقت فكم هو الذين يسألون عن أوقاتهم ، وما أتى هذا إلا بعدم استشعار أهمية الوقت والنفس تحتاج إلى استجمام وهذا لا شك من فقه النفس ولكن هل وصلنا إلى مرحلة الاستجمام نحن عندنا ترهل!! في مسألة بذل الوقت والكرم في تقديمه للناس وهؤلاء الأئمة كانوا يضنون بالوقت ويبخلون به على أنفسهم وأهلهم حتى في ساعة الوفاة وتحضرني قصة ابن جرير الطبري لما حضرته الوفاة وهو في النـزع فسمع شخصاً بجانبه وهو يدعو ويقول الدعاء المشهور: اللهم يا سابق الفوت ويا سامع الصوت ويا كاسي العظام لحماً بعد الموت. فقال: من قال هذا الدعاء. فقيل: إنه منقول عن جعفر بن محمد أو نحوه. فقال لولده: إئتني بصحيفة فأتي بالصحيفة فكتب الدعاء. فقالوا: يا إمام أنت الآن في وقت كتابة الصحيفة فقال: إني أخجل أن ألاقي ربي وأنا لا أعرف هذا الدعاء. ـ رحمه الله ـ فهؤلاء الأئمة يخجل الإنسان عندما يسمع قصصهم وعندما يقارن نفسه بهم وتمر علينا لا أقول الساعة ولا الأيام بل قل الأسابيع والإنسان إن حضر درساً واحد عدّ نفسه من طلبة العلم الكبار وهذه تربية وهذا ما نريده في هذا الدرس أن نستشعر أهمية الوقت وأن نحيي في نفوسنا أهمية القراءة وأن الوقت مهما بالغت فيه فلا تظن أنك فعلت ما فعله الأوائل ومن حسب لنفسه كم ورقة قرأ خجل من نفسه ، كم عندك من الكتب المرصوصة الآن قد لا تجد كتاباً مجلداً واحداً قد أنهيته وهؤلاء الأئمة وفي ساعة النـزع والاحتضار يحرصون على الوقت ويكتبون العلم ويحرصون عليه لأجل ألا يضيع عليهم شيء. وتعرفون قصة القاضي أبو يوسف ـ رحمه الله ـ عندما كان في ساعة الاحتضار وفي ساعة النـزع حتى قيل إنه لما كتب سمع صياح أهله عليه التفت إلى أحد تلاميذه فقال: ترمى الجمرة راكباً أم راجلاً وهو في ساعة الاحتضار فقال التلميذ: بل راكباً. قال: أخطأت. قال: بل راجلاً. قال: أخطأت. فقال: كيف يا إمام؟ فقال: إن كانت الجمرة بعدها دعاء فراجلاً وإن كانت الجمرة ليس بعدها دعاء فراكباً. انظر إلى التعليم والحرص على الوقت والاحتساب. والأمثلة كثيرة في زمننا هذا فمثلا الشيخ ابن باز في سيارته وفي طريقه ومجيئه وفي كل وقت ،كل ما تعلم الإنسان عرف أهميته وكلما ندم على تفريطه في وقته وكرمه الزائد مع الناس في بذل الوقت وهذا الشيخ ابن عثيمين في إتيانه ورجوعه للمسجد يُقرأ عليه. قُرأ عليه كثير من رسائله فقط في مجيئه وذهابه. يعني ما الذي جعلهم يفعلون هذا؟ هل ما يجدون أوقاتاً مثلنا؟! بل الشيوخ في الوقت حرصوا على أوقاتهم بخلافنا نحن والله المستعان تجد الإنسان يجلس الساعة والساعتين والثلاث والأربع واليوم واليومين والثلاثة لا يفكر أنه قد ذهب عليه عمره سدى. ، وهنا تنبيه مهم وجيد وهو أن بعض الناس يظن في نفسه شيئا من الحرص على القراءة ويشعر أن وقته لا يكفي للقراءة ودائما ما يندب الزمن وإذا نظرت إلى قراءته في اليوم الواحد وعدد ساعات القراءة وجدتها لا ترتقي إلى المستوى الذي كان يتوقع من نفسه وإنما هي أوهام في رأسه وإبر تخدير وضعها كعقبة عن الحرص والمثابرة ، وأذكر أحد الإخوة توفي رحمه الله استشارني قبل سنوات ونحن في أول الإجازة بأن يترك الكلية لأجل أن الوقت لديه قليل ووقت الكلية يأخذ منه قدرا كبيرا من أول النهار إلى الظهر ويقول إني أرجع من الكلية وأنا متعب فلا يبقى إلا العصر وبعد العشاء فأريد أن أترك الكلية لأجل أن أستفيد من هذا الوقت وهو صادق في رغبته فقلت له: قبل الدراسة بأسبوع أعطيك رأيي وقد كنت أريد أن أختبره وأثبت له أن الخلل في نفسه وليس في الزمن = لما جاءت الدراسة أتى واستشارني فقلت له في فترة الإجازة أعطني أقصى يوم قرأت فيه من الساعات فسكت ثم قال أذكر أربع ساعات أو خمس ساعات فقلت أربع ساعات يجدها صاحب الجامعة ومن يدرس!! إذا الدراسة ليست من العوائق ، لكن الشاب من حماسه يجد أنه يستطيع أن يفعل شيئاً لكن على سبيل الواقع لا يفعل شيئاً فلا تغش نفسك فعلاً. الهمة موجودة لكن أين التطبيق. هذه الوصية الأولى وهي: استشعار الوقت.

الوصية الثانية: لا تقفز إلى الكتب التي لم تتأهل لها ولو كان فيها مجموعة من الفوائد ثق أنك لن تصل إلى ما تريد من العلم ما دمت تقفز إلى الكتب الكبار لأن المبتدئ من أوضح خصائصه الملل فليست معه لياقة تسعفه لقراءتها وجردها ، والكتب الكبار التي لم تتأهل لها هي أول ما يأتي بالملل إليك ، ونضرب مثالا : شخص ابتدأ بالفتاوى لا شك أن في الفتاوى أشياء تجذبك للقراءة وأعرف كثيراً من الطلبة ابتدأ بفتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية فلما قرأ في الفتاوى يأتي فصل فيفهمه وفصل لا يفهمه وفصل يفهمه فهماً خاطئاً وباب يجد فيه من التناقضات الشيء الكثير فتجده مباشرة يلتفت إلى كتاب آخر فيظن أن المشكلة والمصيبة في الكتاب والحق أن المصيبة به هو وأنه انتقل إلى كتاب يحتاج إلى مقدمات لقراءته وهكذا تجد الشاب يهتم بقراءة أشياء كثيرة ويترك أشياء قليلة ويظن أن هذه الأشياء الصغيرة غير مهمة أو أنها ستأتي من باب أولى عند قراءة الكتب الكبار وهذا غير تصور خاطئ ، وإنما كتب المبتدئين تكوّن قاعدة من أجل أن يتأهل لما بعدها وأذكر أن الإمام أحمد ـ رحمه الله ـ كما ذكر ذلك ابن القاضي أبي يعلى محمد بن الحسن ذكر قصة الإمام أحمد أنه جاءه رجل فقال: يا إمام ما رأيك بماء الورد أيُتطهر به؟ فقال الإمام أحمد: لا أحب ذلك ـ رحمه الله ـ. فقال: أيُتطهر بماء الباقلاء؟ قال: لا أحب ذلك. ثم أصبح يسأله مثل هذه الأسئلة فلما أراد أن يقوم جذبه الإمام أحمد فقال: أتعرف ماذا تقول إذا دخلت المسجد؟ قال: لا. قال :أتعرف ما تقول إذا خرجت من المسجد؟ قال: لا. قال: اذهب فتعلّم هذا.
هناك مقدمات لا ينبغي للإنسان أن يجهلها لا ينبغي للإنسان أن ينتقل إلى شيء كبير وهو لا يعرف هذه الأشياء. وهذه يا إخوان ضررها عظيم حتى في تكوين شخصية طالب العلم لا يشعر بها الشاب عاجلا وفي سن الصغر وإنما يدركها إذا كبر به السن وتأهل وانتصب للناس تجد الإنسان لمّا يسأل في مسائل الطلاق المسائل الكبار التي تبحث قد يجيب فإذا جيء به إلى مسائل صغيرة جداً فإذا هو يحار فيها ويتوقف. الناس لا يقبلون مثل هذا. يقبلون أن لا تعرف الإجابة في أشياء كبيرة فتقول: أجيب غداً، أجيب فيما بعد. لكنهم لا يقبلون أن تخطئ أو تجهل مسائل يعرفها صغار الطلبة. فتجد أنك مرة بعد مرة تحاول الفكاك من الناس، وتحاول أن تبتعد عن الناس تخشى أن تتكشف أوراقك وهذا سببه ماذا؟ هو عدم التدرج في القراءة وأنك تنتقل إلى كتب لم تتأهل لها الآن؛ فتحاول أن تقفز وتختصر الوقت فتظن أن هذا اختصار للوقت وهو في الحقيقة ليس اختصاراً وإنما هو فوضى عارمة يمرّ بها الشاب وهي معروفة ، إن لم يكن الإنسان قد ضبط نفسه فإنه يجد لهذه الكتب الكبيرة شهوة وحبا لكنه لا يعلم ضررها إلا فيما بعد. المعلومات لا ترسخ بينما الكتب الصغار التي يبتدأ بها الطالب ويحاول أن يقرأها مرة مرتين ثلاثاً تؤهله إلى ما بعد ذلك ولهذا يقرأ الشاب المبتدئ العقيدة الواسطية مرة مرتين ثلاثا أربعا يجد فيها علماً كثيراً وتجد أن هذا المبتدئ إذا حفظه قد ضبط العلم كثيراً؛ المعلومات التي في العقيدة الواسطية موجودة في الفتاوى لكنها هنا مركزة ومرتبة ليس فيها تشويش على الطالب يذكر الخلاف ويذكر الحجج ويذكر الاعتراضات، بينما لو قرأ العقيدة الأصفهانية لوقف في الصفحة العاشرة ولعجز أن يكمل هذا الكتاب لأنه لم يتأهل له حتى الآن فالطالب دائماً يحرص ألا ينتقل إلى كتاب إلا وهو قد تأهل له. لا تقفز لو كان القفز سليماً لقفز الناس من مئات السنين ولما احتاج الناس إلى الكتب الصغار كل يريد أن يختصر العمر كل أحد يريد أن لا يضيع وقته لكن الناس وجدوا أن هذه هي الطريقة الصحيحة للتدرج في القراءة؛ يقرأ الإنسان ما أوصى به علماؤنا للطالب المبتدئ كتاب التوحيد يقرأه مرة مرتين، العقيدة الواسطية مرة مرتين، زاد المستقنع مرة مرتين، الأربعين النووية يقرأها مرة مرتين ثلاثة، ثم ينتقل إلى عمدة الأحكام مرة مرتين ثم بلوغ المرام وهكذا يكون عنده حصيلة هائلة ثم بعد ذلك يبدأ بقراءة المطولات. بوقت قصير يسهل عليه أكثر ما في المطولات. حصيلته موجودة في عقله إنما هو تثبيت ورد حجج وذكر للأدلة وأما المسائل فإنها مفهومة. ولهذا نجد أن بعض الناس يأتي إليك فيسألك في مسائل هو مبتدئ فيقول ما معنى عبارة شيخ الإسلام هذه إما في العقيدة الأصفهانية أو في الرد على النسفي في المنطق. ما الذي جعلك تقفز إلى هذا الكتاب وأنت حتى الآن لم تتأهل إلى هذه الكتب. من الخطأ أن تقفز قبل أن تتأهل ولهذا هذه المقدمات في العلوم التي يقرأها الإنسان مقدمات كل علم إنما هي تؤهله إلى هذه الكتب. تقرأ في الأصول فتعرف قياس الشبه وقياس العلة وقياس الدلالة وقياس الطرد هذه أشياء كبيرة جداً لا تكاد تخلو من أي كتاب ثم تقرأها في كتاب مطوّل لا يشرح لك هذه الكلمات إنما هذه الكلمات تأتي عند البداية في الطلب مرة مرتين حتى تكون هذه المصطلحات عندك واضحة. لمّا تنتقل إلى هذه الكتب تكون قد ضبطتها وفهمتها فلا تنتقل لكتاب لم تتأهل له بعد.

الوصية الثالثة: لا تجمع في قراءتك كتباً تحتاج إلى تحليل.
بمعنى أن الإنسان عندما يقرأ في كتاب يحتاج إلى فهم وتحليل عبارة. هذا الكتاب إذا جلست ساعة ونصفا وأنت تقرأ فيه وهو كتاب ليس بذاك السلس في القراءة انتهيت منه والذهن مكدود من شدة التأمل ثم التفت إلى كتاب آخر وهو يحتاج أيضاً إلى إعمال ذهن وتعقيد في الألفاظ وبدأت تقرأ فيه ساعة ونصفا ثم التفت إلى كتاب آخر في نفس اليوم والكتاب أيضاً عسر، عبارته صعبة ويحتاج إلى تأمل وتدقيق وجلست فيه ساعة ونصفا في أول يوم تخرج من هذه القراءة والذهن متعب جدا في اليوم الثاني في اليوم الثالث ستجد نفسك تنفر من هذا الشيء لا تحب أن تُعمل هذا العقل كثيراً. بهذه الطريقة كل سطر يحتاج إلى تأمل فيه يحتاج إلى قراءة وتكرار وأنت تحس أن بعض الألفاظ لم تفهمها تأتي هذه العبارة ولم تفهمها ثم تتنقل للكتاب الآخر وتأتي عبارة لم تفهمها ثم تأتي إلى كتاب آخر وهذه العبارة لم تفهمها ماذا يحصل للشاب المبتدئ؟! يتخذ قراراً بترك القراءة. سيقول لك العلم ليس لي لكن لو أنه جعل له كتاباً واحداً من كتب الأصول أو كتب العقائد لا يجمع معها كتابا آخر يحتاج إلى تعب في فهمه وما بعده يكون قراءة ميسورة لا تحتاج إلى إتعاب الذهن.
اجعل الكتاب الآخر متنفسا لك، لا يخلو من فائدة ولا يخلو من تقوية لك وهو متنفس لك وكم من الناس ترك القراءة بسبب هذه النظرية يجمع له كتبا كثيرة فلا يفقه في الكتاب الأول ولا يفقه في الكتاب الثاني يفوت عليه شيئا كثيرا ثم بعد ذلك يقول أنا لا أصلح للعلم والسبب هو طريقته في القراءة من المستحسن بطالب العلم أن لا يجمع هذه الأشياء العسرة هذه الأشياء الصعبة التي تحتاج إلى تدقيق مثلاً إذا كان النحو عنده صعباً فلا يجمع معه علما آخر يصعب عليه مثل علم الأصول أوالفقه أوالحديث يحاول يجمع معه كتابا في السيرة مثلاً ، لأن بعض الناس يقرأ في التفسير فيجمع له ثلاث كتب في التفسير ويقرأ هذا التفسير فيجمع له هذه الأقوال الكثيرة ويقرأ هذا التفسير ويذكر له أقوالا كثيرة ثم إذا أغلق الكتاب ما وجد شيئاً في رأسه ، بينما لو أنه تخصص في كتاب واحد وضبط وحلل العبارة ودقق فيها ثم انتقل بعد ذلك إلى شيء أخف منه سيجد أنه يتحرى تلك الساعة التي يقرأ فيها هذا الكتاب الذي يحتاج إلى تأمل، فإياك أن تجمع كتبا كثيرة تحتاج إلى تأمل في وقت واحد.

الوصية الرابعة: إياك والقراءة السريعة.
انتشر في هذا الوقت الآن تقرأ كذا صفحة في ساعة ، ودورات في تطوير القراءة ، وهذا النمط من القراءة لا يصلح أبدا لطالب العلم المبتدئ مع المتون الأساسية بل هو مضر جدا ، إيّاك والتسرع في القراءة لا سيما في الكتب التأصيلية. لا تستعجل في القراءة. تأنّ. بل من أعظم أسباب خطإ التصور هو العجلة في القراءة ، ولو كرر العبارة أكثر من مرة لفهم وفقه العبارة حق الفهم وما نراه الآن من خطإ في نسبة الأقوال إنما هو من خطإ في التصور ، فيتعامل مع فتاوى ابن عثيمين أو فتاوى الشيخ عبد العزيز أو فتاوى شيخ الإسلام أو ما عداه بقراءة سريعة دون تأمل ظانا أنه قد فهم الكلام القراءة تحتاج إلى مرة مرتين ثلاث أربع حتى تتصورها حق التصور وكان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ كما تعلمون في الصحيح كان يكرر الكلام ثلاثاً من أجل أن يتصور الناس ويفهم الناس هذا الكلام فهماً صحيحاً. وكان أيوب السختياني من شدة تحرزه في الفهم كان إذا سأله السائل يقول: أعد عليّ سؤالك فإذا أعاد سؤاله صواباً أجابه وإذا أعاد السؤال بطريقة أخرى تركه. لماذا؟ من لم يستطع أن يحفظ سؤاله فلن يستطيع أن يحفظ الجواب. لأنه يرى هذا الشخص غير متأهل فالسائل يفترض فيه أنه قد حضر سؤاله ومع ذلك لم يحفظ السؤال من باب أولى ألا يحفظ الإجابة فأنت لما تقرأ حاول أن تتأمل قد يلوح لك المعنى مباشرة. كرّرها مرة أخرى قد يظهر لك جواب لم يظهر من قبل وأصبح هذا المعنى الذي فهمته في أول مرة على خلاف الذي فهمته في المرة الثانية أو في المرة الثالثة. وكلكم يحفظ من القصص الكثير بأخطاء الناس وإساءة التصور كثيراً من الناس تعرفونهم أخطأ في الفهم والتصور إنما هو بسبب العجلة في القراءة وأحياناً يكون السؤال مرتبطاً بالإجابة والإجابة مرتبطة بالسؤال لا بد أن تقرأ السؤال ،ولهذا القرآن كيف يقرأ؟ يرتل ترتيلاً ﴿لتقرأه على الناس على مكث ونزلناه تنزيلا﴾ يقرأ الإنسان على مكث وتأني

الوصية الخامسة: تكرار الكتاب.
من الأشياء المتناقضة في زماننا وزمن من قبلنا أنهم كانوا يقرءون الكتاب أكثر من مرة بينما في وقتنا تجد أن طالب العلم إذا قرأ كتاباً لا يفكّر أن يقرأه مرة أخرى بل إنك لما تنصح شابا: قرأت كتاب التوحيد يقول قرأته. تقول إقرأه مرة أخرى. يقول: قرأته كأنما هو شيء انتهى منه وتعدّاه والأئمة ـ رحمهم الله تعالى ـ في سيرهم قرأنا لهم أنهم يقرءون الكتاب أكثر من مرة. فهذا الإمام المزني تلميذ الإمام الشافعي قرأ الرسالة خمسين سنة وبعض الأئمة قرأ صحيح البخاري أكثر من ستين مرة وبعضهم قرأ الكتب الستة أكثر من عشر مرات قراءة جرد وقراءة تأمل بينما في عصرنا هذا نجد الشاب انتهى من زاد المستقنع تقول له راجع الكتاب مرة أخرى يقول: لا أنا انتهيت أريد أن أنتقل إلى كتاب آخر وما تفهمه من القراءة الأولى أقل بكثير مما تفهمه في القراءة الثانية وهذا شيء مجرب. ما تفهمه في القراءة الثانية أفضل وأحسن مما تفهمه في القراءة الأولى =عندما تقرأ في المرة الثانية ستجد أنك استوعبت شيئاً لم تستوعبه في القراءة الأولى بينما طلبة العلم في زمننا هذا يحرصون على العجلة زاد المستقنع ثم الروض المربع ثم المقنع ثم المنتهى ثم ينتهي ويجد أنه لم يستفد شيئاً كثيراً يرجوه هو.
ولهذا الشيوخ الذي أدركتموهم وأدركناهم تجده شرح الكتاب أكثر من مرة ، لا تجد أنه شرح الكتاب وانتهى منه وإنما لأنه يرى أن الكتاب إذا شرح أو قرئ أكثر من مرة أصبح أقوى وأضبط في الفهم فحاول أن تكرر الكتاب لا سيما الكتب التي هي تأصيلية.

الوصية السادسة: احذر من الشهرة والكتب التي قرأتها.
وهذه معضلة كبيرة جداً تصيب طالب العلم عندما يحاول أن يشتهر أنه قرّاء وشخصا مكثر للقراءة ولا يوجد كتاب إلا وقرأه ـ إلا إذا كان في سنٍ كبير يحفز الطلبة ويحثهم هذا له باب آخر ـ ولكن على الطالب المبتدئ ألا يتكلم في هذا. كم من الناس يقول أنا قرأت كتاب كذا وعندي مختصر له وعندي مختصر للكتاب الفلاني ثم يشتهر فالشهرة قاصمة لطالب العلم. ولهذا يقول ابن المبارك ـ رحمه الله ـ كلمته الشهيرة: ما اتقى الله من أحب الشهرة. بل هي منافية لتقوى الله لأنك أصلاً ما قرأت لله. كم من الناس الآن عندما يتكلم ويقول قرأنا كذا أو قرأت كذا وكذا وقرأت كذا ولم أجده أو قرأت على الشيخ الفلاني كذا وقرأت عليه كذا وكذا بدون مبرر. لست بحاجة إلى أن تهلك نفسك بهذه الشهرة. فعلى طالب العلم أن يكون حذراً في مسألة القراءة. نعم يتكلم بما ينفع الناس لكنه لا يحاول أن يبوأ نفسه مكانة لم يصلها ولم يتشبع بها. لا يحاول أن يرسل للناس رسائل خفية يفهمهم ويبلغهم أنه قد قرأ وتأهل وفعل وفعل هذا مضرة عليه ـ نسأل الله السلامة والعافية ـ. الإنسان يحاول أن ينفع الناس دون أن يسحب الأنظار إليه ولهذا الإمام أحمد ـ رحمه الله ـ كان يقول كثيراً: قد وددت أن أكون في شعب من شعاب مكة ولا أكون مشتهراً. لا يحبون الشهرة لأنهم وجدوا ضررها. وعمر الفاروق ـ رضي الله عنه ـ عندما رأى أبيّاً يمشي والناس خلفه نهره. هذا يضرّ الإنسان وتعلمون كلمة ابن مسعود: إنما هي مذلة لكم وفتنة لي. كن خفياً إذا كنت مع الناس وكل إنسان خصيم نفسه لكن لا توقع نفسك في هذه المواقع فإياك والشهرة سواءً في القراءة أو في لفت الأنظار أو في إخبارهم بأنك قرأت كذا وقرأت كذا وكذا.

الوصية السابعة:(وهي من أهم الوصايا) تعليق الفوائد والفرائد في أول الكتاب وجعل فهرس عام للفوائد التي تجدها أثناء قراءتك.
وهذا منهج جميل جداً ورائع أن الإنسان يتعود عند قراءته أن يكتب ما يمرّ عليه من الفوائد؛ الإنسان ينسى من حين ما تقرأ الفائدة ضع تحتها خطاً وفي أول الكتاب اجعل فهرسا عاما وأنت بالخيار إما أن تجعل الفهرس مقسم في العقائد والفقه واللغة والأصول والتفسير، أو أن تجعل الفوائد مسرودة سرداً المهم أن تقيد هذه الفائدة التي قد لا تجدها فيما بعد أو لا تذكر أين قرأتها وإنما ترجع إلى الفهرس العام الذي كتبته وستجد فائدتك. أحياناً تضيف بحثاً جيداً وأنت تقرأ في الكتاب تجد مسألة تريد أن تبحث فيها قيد هذا البحث في نفس الصفحة التي قرأت فيها هذه الفائدة قيد هذه الفائدة ثم في أول الفهرس اكتب "بحث في مسألة كذا " وإن كانت فقط فائدة اكتب رقم الصفحة بجانبها
وسماحة الشيخ ابن عثيمين تعرفون كتابه فرائد الفوائد كان يقيد ما وجده من الكتب ولا يخلو عالم إلا وعنده بحث وما كتاب ابن القيم بدائع الفوائد إلا من هذه الطريقة يجعلون بحوثا لهم في قراءاتهم ويجمعونها في كتاب واحد ينفعون بها أنفسم والمسلمين.

الوصية الثامنة: القراءة الجماعية.
من المستحسن أن يكون للطالب أقران يقرأ معهم ويتدارسون هذا العلم بمعزل عن القراءة على الشيوخ هذا باب آخر. وإنما يكون هناك قراءة مع الأقران يختارون كتاباً وهذا الكتاب لا يكون سهلاً يفهمه الإنسان في بيته كلا. بل يكون هذا الكتاب يحتاج إلى مباحثة وإلى نقاش وحوار من أجل أن يكون الفهم للمسألة فهماً جيداً هذا قد لا يتأتى مع الشيوخ قد يخجل الإنسان عند شيخه أو ما شابه ذلك. لكن مع الأقران قد يكون الأمر سهلاً وميسوراً فاحرص أن يكون لك من الأقران من تجلس معهم وتتباحثون في كتاب معيّن تختارون كتاباً تتدارسونه فيما بينكم وكل إنسان يطرح ما عنده مما فهم واستشكل. وإذا استغلق عليكم هذا الموضوع رجعتم إلى شيخ ليحل هذه القضية. فمن الجيّد والجميل أن يكون للإنسان قراءة جماعية مع أقرانه وكم من المسائل لم تتصورها حق التصور إلا من خلال مناقشتك. وهذا شيء مجرب معروف مشهور. فاحرص أن تكون لك قراءة جماعية مع أقرانك مع إخوانك ولو اثنين أو ثلاثة. فمن الملاحظ وجود جفوة بين طلاب العلم أنفسهم تجد طالب العلم الذي يحضر الدرس عند شيخه يحضر عشرة خمسة عشر بينهم فواصل وحواجز وعدم تواصل وهذا شيء ليس بجيد والواجب أن يكون الطلبة الذين يحضرون عند شيخ واحد بينهم تواصل من المستحسن بين الطلبة فيما بينهم يتناقشون. وأذكر مرة في درس الشيخ محمد ـ رحمه الله ـ عام 1416 أو 17 الشاهد أن الشيخ أفتى بالإزار؛ الإزار المدور ولم نتصور هذا الكلام إلا في تلك اللحظة ، انتهى الشيخ وروجع مرة ومرتين في الدرس . كثير من الطلبة استشك في فهمه وكل واحد من الطلبة الكبار يظن أنه قد فهم المسألة غلطا الشاهد أن الشيخ رحمه الله ـ لما انتهى من الصلاة صلاة العشاء فلما خرج التفت فإذا كثير من الطلبة يتباحثون في رأي الشيخ وكل يتأكد من فهمه.

الوصية التاسعة والأخيرة: ألا تكون القراءة على حساب حضور الدروس.
نعم القراءة مهمة ومفيدة ونافعة لكن لا تعتقد أن نفعها أكثر من حضور الدروس. لا تعتقد هذا. حضور الدروس أنفع بمراحل من قراءتك وأتكلم بكلام عقلي لما تقرأ الكتاب بنفسك = الذي يعمل عقل واحد لما تحضر الدرس كم يعمل من عقل ؟ عقل الشيخ والطلاب ، هذا يتصور شيئا وهذا يتصور شيئا آخر ثم تبدأ الأسئلة وكل إنسان يذكر رأيه الذي هو عقله وعندما يسال الشيخ ليراجع الدرس هذا سؤال وهذا سؤال سيرجع الناس إلى الفهم الصحيح ولا يمكن أن تفهم فهماً خاطئاً هذا من حيث الفهم وحسن التصور ورأينا وأنتم ترونه بوضوح طلاب الشيوخ المكثرين: تصورهم للعلم جيد والطلاب الذين يحصرون القراءة على أنفسهم تجد تصورهم أضعف. لماذا؟ لما ذكرت لك . أنت تقيم العقل أمامك وهذا يسمع وهذا يسمع والعقول جميعاً موجودة والأسئلة فتكون المعلومة والفائدة أوضح.
كذلك من وجه آخر : الفائدة تأتي من الكتاب بسرعة والفائدة تأتي من الكتاب بسطرين. لما أتحدث عنها كم سأجلس؟ سأجلس قرابة ستة أسطر أليس كذلك؟ أيهما أفضل لتصور العقل للفائدة سطرين أو ستة أسطر ؟ ستة أسطر،
هذه الوصايا كما قلت مختصرة وليست بذاك ولكنها مشاركة في فتح باب القراءة الصحيحة وأنا أركز على قضية أن طالب العلم لا بد أن يقرأ ويقرأ في طريقة الطلب في كتب الخطيب البغدادي وحلية طالب العلم للشيخ بكر أبو زيد وكتاب العلم للشيخ محمد العثيمين. لا يقول هذا علم ليس له فائدة. هناك سلم صحيح للقراءة وطلب العلم
لا تزهد في مثل هذه العلوم ، إقرأها وستجد الفائدة عظيمة في ضبط هذا العلم .
انتهى والله أعلم وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

ملاحظة " الكلام مفرغ من الشريط إنشاء "

 

طلب العلم

  • مقدمة الموسوعة
  • منهجية الطلب
  • القراءة
  • دراسة الفنون
  • الحفظ
  • أدب الحوار والخلاف
  • متفرقات
  • المكتبة
  • الأفكار الدعوية
  • الموسوعة