اطبع هذه الصفحة


تَوْرِيْـقُ المِِـنَّةِ لحُفَّاظِ السُّنَّةِ
(نَصِيْحَتِي لابْني في حِفْظِ كُتُبِ السُّنَّةِ)

ذِيابُ بنُ سَعد آل حَمْدانَ الغامديُّ

 
بسم الله الرحمن الرحيم


الحَمْدُ لله رَبِّ العَالمِيْنَ، والصَّلاةُ والسَّلامُ على عَبْدِهِ ورَسُوْلِهِ الأمِيْنِ، وعَلى آلِهِ وأصْحَابِهِ الغُرِّ المَيَامِيْنَ، وعلى مَنْ تَبِعَهُم بإحْسَانٍ إلى يَوْمِ الدِّيْنِ .
أمَّا بَعْدُ :
فَهَذِهِ بَصَائِرُ عِلمِيَّةٌ وصُوَىً في طَرِيْقِ العِلمِ لِمَنْ رَامَ حِفْظَ السُّنَّةِ، قَدْ سَألَنِي إيَّاهَا كَثِيْرٌ مِنْ طُلَّابِ العِلمِ مَنْ مُحِبِّي السُنَّةِ والأثَرِ، مِمَّنْ تَاقَتْ نُفُوْسُهُم لِحِفْظِ دَوَاوِيْنِ السُّنَّةِ؛ ابْتِدَاءً بِالصَّحِيْحَيْنِ، ومُرُوْرًا بِالسُّنَنِ الأرْبَعِ، وانْتِهَاءً بِالمُوَطَّإ والمُسْنَدِ الأحْمَدِي .
فَكَانَ مِنَ حَدِيِثِهِم أنَّهُمْ يَجِدُوْنَ عَوَائِقَ في حِفْظِ «الصَّحِيْحَيْنِ»، و«السُّنَنِ الأرْبَعِ»، الأمْرُ الَّذِي أعْيَاهُم مِنْ مُدَافَعَتِهِ، وأوْقَفَهُمْ عَنْ مُتَابَعَتِهِ؛ حَيْثُ ثَقُلَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ في الحِفْظِ، وطَالَ بِهِمُ الطَّرِيْقُ وعَسُرَ، فَعِنْدَهَا تَحَمَّضَتْ نُفُوْسُ بَعْضِهِمْ مِنَ الكَرِّ بَعْدَ الفَرِّ، ومِنَ العَوْدِ بَعْدَ القُرِّ!
فَكَانَ غَايَةَ مَا عِنْدِي نَحْوَ مَا سَألُوْا : جَوَابَاتٌ مُخْتَصَرَةٌ، ومُنَاصَحَاتٌ مُعْتَصَرَةٌ، فَرَضَتْهَا الأمَانَةُ العِلمِيَّةُ، والنَّصِيْحَةُ الإيْمَانِيَّةُ في تَبْلِيْغِ العِلْمِ ونَشْرِهِ.
غَيْرَ أنَّي لمَّا رَأيْتُ الأسْئِلَةَ في تَكَاثُرٍ وازْدِيَادٍ، وطُلَّابَ السُّنَّةِ في إقْبَالٍ وارْتِيَادٍ، رَأيْتُ مِنْ حَقِّ عَامَّةِ طُلَّابِ العِلْمِ عَلَيْنَا أنْ نَرْسُمَ لَهُم طَرِيْقًا مُخْتَصَرًا في حِفْظِ «الصَّحِيْحَيْنِ» و«السُّنَنِ الأرْبَعِ»؛ كَي يَقْرُبَ لَهُمُ البَعِيْدُ، ويَسْهُلَ عَلَيْهِم العَصِيْبُ، فَكَانَتْ مِنِّي هَذِهِ المَنَارَاتُ العِلْمِيَّةُ، والتَّوْجِيْهَاتُ العَشَرَةُ على اخْتِصَارٍ كَمَا أمْلَاهُ الخَاطِرُ المَكْدُوْدُ، تَحْتَ عِنْوَانِ : «تَوْرِيْقِ المِنَّةِ لحُفَّاظِ السُّنَّةِ»، ومَا تَوْفِيْقِي إلَّا باللهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلتُ وإلَيْهِ أُنِيْبُ .
ووَرَّقْتِ الشَّجَرَةُ، أيْ : أخْرَجَتْ وَرَقَهَا، والمُرَادُ هُنَا : إخْرَاجُ السُّنَّةِ النَّبَوِيَّةِ فَضْلَهَا ومِنَّتَهَا على حُفَّاظِهَا مِنْ طُلَّابِ العِلْمِ .

* * *

وَقَبْلَ أنْ أجُرَّ القَلَمَ فِيْ تَرْسِيْمِ طُرُقِ حِفْظِ السُّنَّةِ، أحْبَبْتُ أنْ أذْكُرَ أمْرًا مُهِمًّا جَدَّا، أحْسِبُهُ مِنْ مُوْجِبَاتِ التَّذْكِيْرِ والنَّصِيْحَةِ لِعَامَّةِ طُلَّابِ العِلْمَ هَذِهِ الأيَّامَ .
وهُوَ مَا تَرَكَتْهُ أثْوَابُ الأمَاني، ومَا كَسِبَتْهُ مَعَاقِدُ العُهُوْدِ عِنْدَ طَائِفَةٍ مِنْ طُلَّابِ العِلْمِ مِمَّنْ تَظَاهَرَ لهُمُ الشَّيْطَانُ بالنَّصِيْحَةِ بِمَا يَعِدُهُم ويُمَنِّيْهِم، «ومَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إلَّا غُرُوْرًا» [النساء: 120]!
حَيْثُ أخَذُوْا عَهْدًا على أنْفُسِهِمْ : بِأنَّهُم سَوْفَ يَحْفَظُوْنَ كُتُبَ السُّنَّةِ ابْتِدَاءً بِالصَّحِيْحَيْنِ وانْتِهَاءً بِالسُّنَنِ الأرْبَعِ رِيْثُمَا يَتَأتَّى لهُمُ الوَقْتُ المُنَاسِبُ، وهَكَذَا أخَذَتْ بِهِمُ الظُّنُوْنُ سِنِيْنَ عَدَدًا؛ حَتَّى إذَا قَذَفَتْ بِهِم في أوْدِيَةِ النِّسْيَانِ، وفَيَافي الأمَاني والأطْلَالِ، قَامُوا يَتَحَسَّسُوْنَ مَوَاقِعَ حِفْظِهِم، فَلَمْ يَجِدُوا شَيْئًا، اللَّهُمَّ أمَاني ووُعُوْدٌ مَغْلُوْطَةٌ، لا حَقِيْقَةَ لهَا!
وهَكَذَا مَضَتْ بِهِم السُّنُوْنُ الخَدَّاعَةُ، وهُم بَعْدُ لم يَحْفَظُوا كُتُبَ السُّنَّةِ، وفَوْقَ ذَلِكَ أنَّهُم لم يَقْرَؤُوْهَا أيْضًا، فعِنْدَهَا اسْتَطَاعَ الشَّيْطَانُ أنْ يُغْرِيَهُم بِمِثْلِ هَذِهِ العُهُوْدِ المَكْذُوْبَةِ والأمَاني المَظْنُوْنَةِ؛ حَتَّى أوْقَعَهُم في أوْثَقِ حَبَائِلِ مَكْرِهِ : وهُوَ أنَّهُ لمَّا صَرَفَهُم عَنْ حِفْظِ كُتُبِ السُّنَّةِ؛ قَامَ بَعْدَهَا ليَصْرِفَهُم عَنْ قِرَاءَتِهَا، بِحُجَّةِ أنَّهُم مَا زَالُوا يَنْتَظِرُوْنَ الوَقْتَ المُنَاسِبَ كَي يَحْفَظُوْنَهَا، فَحُرِمُوا حِيْنَهَا الحِفْظَ والقِرَاءَةَ مَعًا، وهَكَذَا بَقَوْا على عَهْدِ الأمَاني؛ فَلَا حِفْظًا حَصَّلُوْهُ، ولَا قِرَاءَةً أتَمُّوْهَا!
فَكَمْ وكَمْ طَالبٍ للعِلْمِ تَمرُّ عَلَيْهِ السِّنِيْنَ تِلْوَ السِّنِيْنَ، وهُوَ بَعْدُ لم تَقَعْ عَيْنَاهُ على قِرَاءَةِ كُتُبِ السُّنَّةِ نَظَرًا، هَذَا إذَا عَلِمْنَا أنَّ قِرَاءَةَ كُتُبِ السُّنَّةِ نَظَرًا لَا يُعْذَرُ فِيْهَا طَالِبُ عِلْمٍ بِحَالٍ مِنَ الأحْوَالِ!
وأشَدُّ مِنْ هَذَا حَسْرَةً، أنَّكَ تَجِدُ كَثِيْرًا مِنَ المُنْتَسِبِيْنَ إلى قَبِيْلِ العِلْمِ مِنْ أهْلِ زَمَانِنَا : لم تُصَافِحْ قِرَاءَةُ «الصَّحِيْحَيْنِ» أسْمَاعَهُم، فإلى اللهِ المُشْتَكَى، وهُوَ نِعْمَ المَوْلى، ونِعْمَ النَّصِيْرُ .

* * *

ومِنْ طَرِيْفِ البِدَعِ الإضَافِيَّةِ؛ أنَّ نَفَرًا مِنَ الصُّوْفِيَّةِ ممَّنْ أذْكَوْا جَذْوَةَ التَّنَافُسِ بَيْنَهُم في تَحْصِيْلِ خَتَمَاتِ «صَحِيْحِ البُخَارِيِّ» في شَهْرِ رَمَضَانَ؛ حَتَّى إذَا مَا ظَنَنْتَ بِهِم غَيْرَ مَا ظَنُّوْهُ؛ قَامُوا يَكْشِفُوْنَ عَنْ بَوَاطِنِ هَذِهِ الخَتَماتِ في هَذَا الشَّهْرِ: وهُوَ أنَّهُم مَا أرَادُوا مِنْهَا كَبِيْرَ عِلْمٍ ولا عَمَلٍ؛ بَلْ أرَادُوا ذِكْرَ الصَّلاةِ على النَّبِيِّ ﷺ كُلَّما مَرُّوْا على ذِكْرِهِ عِنْدَ كُلِّ حَدِيْثٍ!
قُلْتُ : فَإنْ كَانَ لخَتْمِ «صَحِيْحِ البُخَارِيِّ» حَقٌّ؛ فَأهْلُ السُّنَّةِ أوْلى بِهِ مِنْهُم، ولكِنْ دُوْنَ تَقْيِيْدٍ بزَمَانٍ أو تَحْدِيْدٍ لمَكَانٍ .

* * *

وهَذَا أوَانُ الشُّرُوْعِ إلى ذِكْرِ التَّوْجِيْهَاتِ العَشَرَةِ المُعِيْنَةِ على حِفْظِ كُتُبِ السُّنَّةِ، كَمَا أدَّاهُ اجْتِهَادِي الكَلِيْلُ، وبَلَغَهُ فِكْرِي العَلِيْلُ، ومَا على المُحْسِنِيْنَ مِنْ سَبِيْلٍ، فمِنْ هَذِهِ التَّوْجِيْهَاتِ والوَصَايَا مَا يَلي باخْتِصَارٍ :
أوَّلًا : يَنْبَغِي على طَالِبِ العِلمِ مِمَّنْ تَغَيَّا حِفْظَ «الصَّحِيْحَيْنِ» أنْ يَسْتَحْضِرَ شَرْطَ الإخْلاصِ، وإلَّا فَلَا يَتَعَنَّى؛ لِأنَّ الطَّرِيْقَ مَسْدُودٌ في الآخِرَةِ!
ثُمَّ عَلَيْهِ بَعْدَئِذٍ أنْ يَحْمِلَ نَفْسَهُ على العَمَلِ بِمَا يَحْفَظُهُ مِنَ العِلْمِ، وإلَّا فَلا يَتَكَلَّفْ؛ لِأنَّ الطَّرِيْقَ مَسْدُودٌ في الدُّنْيَا والآخِرَةِ!
ومَا كَانَ حِفْظُ القَوْمِ إلَّا بِالعَمَلِ! لِذَا كَانَ مِنْ مَسَالِكِ عِلْمِ السَّلَفِ أنَّهُمْ يَعْمَلُوْنَ بِمَا يَعْلَمُوْنَ، لِذَا كَانُوْا يَسْتَعِيْنُوْنَ على الحِفْظِ بِالعَمَلِ .
ثُمَّ عَلَيْهِ أنْ يُوَطِّنَ نَفْسَهُ على هِمَّةٍ عَالِيَةٍ، وإرَادَةٍ جَازِمَةٍ، وفَهْمٍ صَافٍ، ووَقْتٍ مُنَاسِبٍ، وإلَّا فَإنَّ الَطَّرِيْقَ سَيَطُوْلُ، ورُبَّمَا انْقَطَعَ بِهِ وهُوَ بَعْدُ!
ثُمَّ عَلَيْهِ أنْ يَسْتَعِيْنَ باللهِ تَعَالى في حِفْظِهِ أوَّلًا، ثُمَّ لَهُ بَعْدَئِذٍ أنْ يَسْتَعِيْنَ بِمَنْ شَاءَ مِنْ طُلَّابِ العِلْمِ الصَّادِقِيْنَ على حِفْظِ «الصَّحِيْحَيْنِ»؛ تَسْلِيَةً لِلنَّفْسِ على المُوَاصَلَةِ، وتَنْفِيْسًا لِلقَلبِ على المُرَاغَمَةِ .
وإلَّا فَمَعَ نَفْسِهِ مُنْفَرِدًا أسْلَمَ لَهُ وأفْضَلَ؛ لأنَّهُ أجْمَعَ لنَفْسِهِ وقَلْبِهِ، وأنْفَعَ لضَبْطِهِ وحِفْظِهِ؛ لِصَفَاءِ الذِّهْنِ، واجْتِمَاعِ النَّفْسِ، وشَاهِدُ الحَالِ قَائِمٌ.
وأيَّا كَانَ الأمْرُ مِنْهُمَا؛ فَعَلَيْهِ أنْ يَقْطَعَ نَفْسَهُ عَنِ الصَّوَارِفِ والشَّوَاغِلِ، لِأنَّ الصَّوَارِفَ تَقْطَعُ عَلَيْهِ الطَّرِيْقَ، والشَّوَاغِلَ تُطِيْلُهُ بالمِلالِ والسَّآمَةِ، وكِلَاهُمَا عَائِقٌ قَلَّ مَنْ نَجَى مِنْهُمَا، والحَافِظُ هُوَ اللهُ تَعَالى!
ثُمَّ اعْلَمْ؛ أنَّ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ تَوْجِيْهَاتٍ هُنَا؛ لَمْ تَكُنْ خَاصَّةً بحَافِظِ السُّنَّةِ وقَاصِدِهَا، بَل هِيَ لَهُ، ولِكُلِّ مَنْ سَلَكَ طَرِيْقًا إلى طَلَبِ العُلُومِ الشَّرْعِيَّةِ بِعَامَّةٍ!

* * *

ثُمَّ ثَانِيًا : عَلَيْهِ أنْ يَبْدَأ أوَّلًا بِحِفْظِ «صَحِيْحِ البُخَارِيِّ»، ثُمَّ يُعَرِّجَ ثَانِيًا على حِفْظِ «صَحِيْحِ مُسْلِمٍ»، وفي تَقْدِيْمِ البُخَارِيِّ على مُسْلِمٍ بَحْثٌ جَاءَ مُفَصَّلًا في كُتُب عُلُومِ الحَدِيْثِ، ولاسِيَّما فِيما ذَكَرَهُ ابنُ حَجَرٍ رَحِمَهُ الله في كِتَابِهِ : «هَدْي السَّاري»، فَانْظُرْهُ مَشْكُوْرًا .
ومَنْ أرَادَ تَقْدِيْمَ «صَحِيْحَ مُسْلِمٍ» على «صَحِيْحِ البُخَارِيِّ»؛ فَلَهُ مَا يُرِيْدُ، بالشَّرْطِ المُعْتَبرِ عِنْدَنا، كَمَا جَاءَ هُنَا في تَقْدِيْمِنَا للبُخَارِيِّ على مُسْلِمٍ .

* * *

ثُمَّ ثَالِثًا : عَلَيْهِ أنْ يَحْفَظَ «صَحِيْحَ البُخَارِيِّ» كَامِلًا، أيْ : حِفْظَ أحَادِيْثِهِ وآثَارِهِ ومُعَلَّقَاتِهِ، وذَلِكَ مِنْ خِلَالِ نُسْخَةٍ صَحِيْحَةٍ مُعْتَمَدَةِ، ويَحْضُرُني الآنَ مِنْهَا : طَبْعَةُ مُؤَسَّسَةِ الرِّسَالَةِ ناشَرُونَ، وطَبْعَةُ دَارِ طَوْقِ النَّجَاةِ، ولِكُلٍّ مِنْهُما مَيْزَةٌ وفَضِيْلَةٌ .
تَنْبِيْهٌ : هُنَاكَ تَحْقِيْقٌ عِلمِيٌّ «لصَحِيْحِ البُخَارِيِّ» قَامَتْ بِهِ مُؤسَّسَةُ الرِّسَالَةِ، إلَّا أنَّهُ لم يَخْرُجْ حَتَّى سَاعَتي هَذِهِ، ومَا أظُنُّهُ إلَّا أفْضَلَ مِنْ غَيْرِهِ، والله تَعَالى أعْلَمُ .

* * *

ثُمَّ رَابِعًا : عَلَيْهِ أنْ يُحَدِّدَ لَهُ في الحِفْظِ كُلَّ يَوْمٍ عَدَدًا مِنَ الأحَادِيْثِ، لَا تَقِلُّ عَنْ خَمْسِيْنَ حَدِيْثًا تَقْرِيْبًا، وإلَّا يَكُنْ، فَهُوَ بِالخِيَارِ .
ولَهُ أيْضًا أنْ يَخْتَارَ مِنَ الأوْقَاتِ : أسْكَنَهَا للقَلْبِ، وأصْفَاهَا للذِّهْنِ، ولا أظُنُّهُ غَالِبًا إلَّا بَعْدَ صَلاةِ الفَجْرِ، وإلَيْهِ ذَهَبَ عَامَّةُ أهْلِ العِلْمِ .
وأيًّا كَانَ اخْتِيَارُ الوَقْتِ؛ فالعِبْرَةُ بِمَا هُوَ أنْفَعُ للحَافِظِ، وأجْمَعُ لحِفْظِهِ.

* * *

ثُمَّ خَامِسًا : عَلَيْهِ أنْ يُرَاعِيَ في حِفْظِهِ مَا يَلي :
أنْ يَحْفَظَ الأحَادِيْثَ القَصِيْرَةَ لَفَظًا ومَعْنًى، وأمَّا حِفْظُ الأحَادِيْثِ الطَّوِيْلَةِ فَلْيَكُنْ بِالمَعْنَى والتَّدَبُّرِ .
وإنْ كَانَ مِمَّنْ أُوْتِيَ ذِهْنًا صَافِيًا وحَافِظَةً وَقَّادَةً؛ فَلَهُ حِفْظُهَا كَالقَصِيْرَةِ لَفَظًا ومَعْنًى، ومِثْلُ هَذِهِ الحَافِظَةِ لَا يُقَاسُ عَلَيْهَا، بَلْ لهَا حُكْمُ النَّادِرِ .
ثُمَّ اعْلَمْ (هَدَانِي اللهُ وإيَّاكَ) : أنَّ أكْثَرَ رُوَاةِ الحَدِيثِ وأهْلِهِ (بَعْدَ عَصْرِ التَّدْوِيْنِ) لَمْ يَكُنْ حِفْظُهُم لِلأحَادِيْثِ الطِّوَالِ قَائِمًا على حِفْظِ الحَدِيْثِ بَفِصِّهِ ونَصِّهِ، بَل كَانَ حِفْظُهُم مُنْصَبًّا على المَعْنَى، ومَعَ هَذَا فَقَدْ كَانَ بَيْنَهُمْ نَفَرٌ : هُم حُفَّاظٌ مُتْقِنُونَ!
لِأجْلِ هَذَا؛ فَإنِّي أدْعُوْا إخْوَاني طُلَّابَ العِلْمِ ألَّا يَقِفُوْا كَثِيْرًا مَعَ حِفْظِ ألْفَاظِ الأحَادِيْثِ الطِّوَالِ، بَلْ يَكْفِي مِنْهَا المَعْنَى، الَّذِي لا يَسْتَقِيْمُ لَهُم إلَّا بَعْدَ التَّدَبُّرِ والتَّأمُّلِ في ألْفَاظِ الحَدِيْثِ .
ومَا ذَكَرْتُهُ هُنَا؛ لم يَكُنْ إلَّا بَعْدَ أنْ بَاتَ مَعْلُوْمًا لعَامَّةِ أهْلِ العِلْمِ أنَّ الأحَادِيْثَ النَّبَوِيَّةَ قَدْ دُوِّنَتْ في الدَّوَاوِيْنِ؛ لِذَا فَهِي مَحْفُوْظَةٌ مَصُوْنَةٌ مِنَ التَّصْحِيْفِ والتَّحْرِيْفِ .
كَمَا أنَبِّهُ هُنَا؛ أنَّ هُنَاكَ فَرْقًا بَيْنَ رِوَايَةِ الحَدِيْثِ قَبْلَ التَّدْوِيْنِ وبَعْدَ تَدْوِيْنِهِ، فَافْهَمْ هَذَا فَإنَّهُ عَزِيْزٌ .
هَذَا إذَا عَلِمْنَا جَمِيْعًا؛ أنَّ أكْثَرَ أهْلِ العِلْمِ مِنَ المُحَدِّثِيْنَ والفُقَهَاءِ وغَيْرِهِمْ قَدْ ذَهَبُوا إلى جَوَازِ رِوَايَةِ الحَدِيْثِ بِالمَعْنَى، بِشَرْطِ ألَّا يُحِيْلَ المَعْنَى، أو يُفْسِدَ المَبْنَى، في غَيْرِهَا مِنَ الشُّرُوْطِ المُعْتَبَرَةِ عِنْدَ أهْلِ الأثَرِ .

* * *

ثُمَّ سَادِسًا : عَلَيْهِ أنْ يُرَاعِيَ في حِفْظِهِ مَا يَلي :
أنْ يَحْفَظَ مِنَ «الصَّحِيْحَيْنِ» المُتُونَ دُوْنَ الأسَانِيْدِ، وهَذِهِ الحَيْثِيَّةُ لِمَنْ رَامَ الِاشْتِغَالَ بِالعُلُومِ الشَّرْعِيَّةِ الأخْرَى : مِنْ تَفْسِيْرٍ وعَقِيْدَةٍ وفِقْهٍ ولُغَةٍ إلى آخِرِهَا .
بِمَعْنَى : أنَّ مَنْ أرَادَ مِنْ نَفْسِهِ أنْ يَكُوْنَ طَالِبًا مُتَفَنِّنًا، ونَاظِرًا مَوْسُوْعِيًّا في أغْلَبِ العُلُومِ الشَّرْعِيَّةِ الأخْرَى، فَلا يَتَعَنَّى حِفْظَ أسَانِيْدِ كُتُبِ السُّنَّةِ!
أمَّا مَنْ أرَادَ النُّبُوْغَ والتَّخَصُّصَ في عِلْمِ الحَدِيْثِ، وأنَّ يَكُوْنَ مِنْ زُمْرَةِ المُحَدِّثِيْنَ، أيْ : يَكُوْنَ حَافِظًا مُحَدِّثًا، عَالمًا بعِلْمِ الرِّوَايَةِ والدِّرَايَةِ، مُشْتَغِلًا بكُتُبِ السُّنَّةِ تَصْحِيْحًا وتَضْعِيْفًا، ووَاقِفًا على رِجَالاتِهَا تجْرِيْحًا وتَعْدِيلًا ... فَلَهُ والحَالَةُ هَذِهِ أنْ يَحْمِلَ نَفْسَهُ على حِفْظِ أحَادِيْثِ الكُتُبِ السِّتَّةِ مَتْنًا وسَنَدًا، وإلَّا بَيْنَهُ وبَيْنَ حُفَّاظِ الحَدِيْثِ وأهْلِهِ بُعْدَ المَشْرِقَيْنِ، وقَدْ بَسَطْنَا الحَدِيْثَ عَنْ مِثْلِ هَذِهِ الحَالِ في كِتَابِنَا «أوْهَامِ الرَّائِدِ»، فَفِيْهِ زِيَادَةُ تَفْصِيْلٍ .
أمَّا أنْ يُرِيْدَ طَالِبُ العِلْمِ الاشْتِغَالَ بِحِفْظِ الأسَانِيْدِ، ثُمَّ يُرِيْدُ مَعَ هَذَا أيْضًا أنْ يَكُوْنَ إمَامًا في التَّفْسِيْرِ والفِقْهِ والعَقِيدَةِ؛ فَهَذَا شَيْءٌ قَدْ انْطَوَى بِسَاطُهُ مِنْ أزْمَانٍ بَعِيْدَةٍ، واللهُ المُسْتَعَانُ .
ومَعَ هَذَا فَهُنَاكَ نَفَرٌ لَا يَتَجَاوَزُوْنَ أصَابِعَ اليَدِ الوَاحِدَةِ مِنْ أهْلِ عَصْرِنَا قَدْ رَامُوْا مِثْلَ هَذِهِ المَرَاتِبِ، مِنَ الحِفْظِ والنُّبُوْغِ والتَّحْصِيْلِ والإحَاطَةِ بِأكْثَرَ العُلُومِ الشَّرْعِيَّةِ، ومَعَ هَذَا أيْضًا فَإنَّهُ لَا يُقَاسُ عَلَيْهِم، والوَاقِعُ شَاهِدٌ على مَا هُنَا، واللهُ خَيْرُ شَاهِدٍ .

* * *

لِذَا؛ فَمَنْ أرَادَ تَسَنُّمَ مَرَاتِبَ المُحَدِّثِيْنَ : فَعَلَيْهِ ألَّا يَقْتَصِرَ على حِفْظِ رِجَالِ الصَّحِيْحَيْنِ فَقَطَ، وإلَّا كَانَ مُغَالِطًا لنَفْسِهِ، مُخَالِفًا لتَرْسِيْمِ أهْلِ الحَدِيْثِ في نَهْجِ حِفْظِهِم للسُّنَّةِ!
فقُلِّي برَبِّكَ! مَا ذَا يُرِيْدُ الطَّالِبُ بحِفْظِ رِجَالِ الصَّحِيْحَيْنِ دُوْنَ حِفْظِ رِجَالِ السُّنَنِ الأرْبَعِ؟
هَذَا إذَا عَلِمْنَا أنَّ رِجَالَ الصَّحِيْحَيْنِ : قَدْ تَجَاوَزُوا القَنْطَرَةَ! كَمَا قِيْلِ .
فَالاقْتِصَارُ على حِفْظِ رِجَالِ الصَّحِيْحَيْنِ فَقَطُ : هُوَ في حَقِيْقَتِهِ تَحْصِيْلُ حَاصِلٍ، لا يَسْتَقِيْمُ والحَالَةُ هَذِهِ مَعَ مَنْ أرَادَ أنْ يَكُوْنَ عَالمًا رَاسِخًا مُتَفَنِّنًا في عَامَّةِ العُلُوْمِ الشَّرْعِيَّةِ؛ لأنَّ الزَّمَنَ يَسِيْرُ، والعُمُرُ قَصِيْرٌ، والعِلْمُ كَثِيْرٌ!
كَمَا فِيْهِ : مُنَاغَصَةٌ للإخْلاصِ، ومُدَاخَلَةٌ لسَبِيْلِ الرِّيَاءِ، كَمَا فِيْهِ مُسَارَقَةٌ لحُظُوْظِ النَّفْسِ!
ومَا عَسَاهُ يُرِيْدُ المُقْتَصِرُ على حِفْظِ رِجَالِ الصَّحِيْحَيْنِ؟
فَإذَا كَانَ يُرِيْدُ أنْ يَقِفَ على مَعْرِفَةِ صَحِيْحِ أحَادِيْثِ «الصَّحِيْحَيْنَ» مِنْ ضَعِيْفِهَا، فحَسْبُهُ أنَّ الإجْمَاعَ وَاقِعٌ على صِحَّةِ أحَادِيْثِ «الصَّحِيْحَيْنِ» إلَّا مَا كَانَ في أحْرُفٍ يَسِيْرَةٍ .
كَمَا عَلَيْهِ أنْ يَعْلَمَ : أنَّ للرِّيَاءِ مَوَاطِنَ وعُشَشًا لا يَخْلُو مِنْهَا مَجْلِسُ عِلْمٍ غَالِبًا، لاسِيَّما مَجَالِسُ الامْلاءَاتِ الحَدِيْثِيَّةِ، يَوْمَ كَانَ المُحَدِّثُوْنَ يَتَكَاثَرُوْنَ في سَرْدِ أسَانِيْدِ أحَادِيْثِهِم بَيْنَ طُلَّابِهِم، الأمْرُ الَّذِي دَفَعَ كَثِيْرًا مِنْ أهْلِ الحَدِيْثِ إلى الإمْسَاكِ عَنِ التَّحْدِيْثِ خَوْفًا مِنَ الرِّيَاءِ والعُجْبِ، (وقَلَّ أحَدٌ سَلِمَ مِنْهُم إلَّا مَنْ سَلَّمَهُ الله، وقَلِيْلٌ مَا هُم!)، لِذَا كَانَ أكْثَرُهُم يَتَحَرَّجُ مِنْ سَرْدِ الأسَانِيدِ إلَّا مَا لا بُدَّ مِنْهُ، وإنْ شِئْتَ أنْ تَقِفَ على أخْبَارِ المُحَدِّثِيْنَ المُسْنِدِيْنَ الصَّادِقِيْنَ، فَلا أخَالُكَ تَجِدُهُم إلَّا في كِتَابٍ أو تَحْتَ تُرَابٍ، أمَّا اليَوْمَ فَلَعَلَّ وعَسَى أنْ يَكُوْنُوا!
لِذَا كَانَ مِن لَطِيْفِ الشَّفَقَةِ والنَّصِيْحَةِ بطَالِبِ الحَدِيْثِ إذَا أرَادَ أنْ يَحْفَظَ نَفْسَهُ مِن دُخُوْلاتِ الرِّيَاءِ والسُّمْعَةِ : فَعَلَيْهِ أنْ يَحْفَظَ أسَانِيْدَ الكُتُبِ السِّتَّةِ جَمِيْعًا، كَيْ يَسْلَمَ مِنْ ذَا وغَيْرِه، لأنَّهُ بحِفْظِهِ للرِّجَالِ جَمِيعًا يَكُوْنُ بَعِيْدًا عَنْ مَظْنُوْنَاتِ الرِّيَاءِ والسُّمْعَةِ، لأنَّ العَادَةَ جَارِيَةٌ بَيْنَ أهْلِ الحَدِيْثِ أنَّ الرَّجُلَ إذَا أرَادَ أنْ يَدْخُلَ في زُمْرَةِ المُحَدِّثِيْنَ : أنْ يَكُوْنَ حَافِظًا لأسَانِيْدِ كُتُبِ السُّنَّةِ، لاسِيَّما أسَانِيْدُ الكُتُبِ السِّتَّةِ، لأنَّهُ بِهَذَا سَوْفَ يَقِفُ ضَرُوْرَةً على مُحَاكَمَةِ رِجَالِ كُتُبِ السُّنَّةِ رَدًّا وقَبُوْلًا، جَرْحًا وتَعْدِيْلًا، لِذَا كَانَ في حِفْظِهِ للرِّجَالِ هُنَا تَحْقِيْقًا لدَعْوَاهُ، وتَصْدِيْقًا لانْتِسَابِهِ للمُحَدِّثِيْنَ، وإلَّا كَذَّبُوا دَعْوَاهُ، وحَذَّرُوا مِنْهُ!

* * *

ثُمَّ سَابِعًا : على طَالِبِ العِلْمِ ألَّا يَقِفَ كَثِيْرًا مَعَ مُرَاجَعَةِ أحَادِيْثِ «البَابِ» الَّذِي قَدْ حَفِظَهُ .
أيْ : لَيْسَ عَلَيْهِ أنْ يَأْخُذَ عَهْدًا على نَفْسِهِ بألَّا يُغَادِرَ بَابًا مِنْ أبْوَابِ «صَحِيْحِ البُخَارِيِّ» إلَّا وقَدْ أتْقَنَهُ عَنْ ظَهْرِ قَلبٍ، بَل يَكْفِيْهِ مِنْ ذَلِكَ أنْ يُرَاجِعَهُ مَرَّتَيْنِ أوْ ثَلَاثَةً فَقَط، لِأنَّهُ سَوْفَ يَقِفُ ضَرُوْرَةً على مُرَاجَعَةِ أكْثَرِ الأحَادِيْثِ تِبَاعًا، وذَلِكَ عِنْدَ حِفْظِهِ لِمَا سَيَأْتي مِنَ بَقِيَّةِ أحَادِيْثِ «الصَّحِيْحِ»، يُوَضِّحُهُ مَا يَلي :
أنَّ أحَادِيْثَ البُخَارِيِّ، فِيْمَا قِيَلَ : أنَّها تَزِيْدُ على نَيِّفٍ وثَلَاثِمَائَةٍ وسَبْعَةِ آلافِ حَدِيْثٍ بِالمُكَرَّرِ (7397)، كَمَا جَاءَ ذَلِكَ في طَبْعَةِ الرِّسَالَةِ نَاشِرُوْنَ .
وبِدُوْنِ المُكَرَّرِ نَحْوُ ألْفَيْنِ وسِتِّمَائَةِ حَدِيْثٍ تَقْرِيْبًا (2600)، الأمْرُ الَّذِي سَيَقِفُ بطَالِبِ العِلمِ ضَرُوْرَةً على مُرَاجَعَةِ أكْثَرِ الأحَادِيْثِ الَّتِي مَرَّتْ مَعَهُ سَابِقًا .
وبِهَذَا؛ يَسْتَطِيْعُ حَافِظُ «صَحِيْحِ البُخَارِيِّ» أنْ يَقْطَعَ بِأنَّهُ في حَقِيْقَةِ الأمْرِ لم يَحْفَظْ مِنَ «الصَّحِيْحِ» إلَّا أقَلَّ مِنَ الثُّلُثِ تَقْرِيْبًا، بِمَعْنَى أنَّهُ لَمْ يَحْفَظْ إلَّا الأصُولَ غَيْرَ المُكَرَّرَةِ، ومَا جَاءَ بِطَرِيْقِ التَّكْرَارِ فَهُوَ زِيَادَةٌ لَهُ في الحِفْظِ والتَّذْكِيْرِ لمَا مَضَى مِنَ الأحَادِيثِ .

* * *

ثُمَّ ثَامِنًا : عَلَيْهِ أيْضًا بَعْدَ حِفْظِهِ «لِصَحِيْحِ البُخَارِيِّ» ألَّا يَقِفَ كَثِيْرًا مَعَ مُرَاجَعَتِهِ .
أيْ : لَيْسَ عَلَيْهِ أنْ يَأْخُذَ عَهْدًا بِألَّا يُغَادِرَ «صَحِيْحَ البُخَارِيِّ»؛ حَتَّى يُتْقِنَهُ حَدِيْثًا حَدِيْثًا .
بَل عَلَيْهِ أنْ يَنْتَقِلَ إلى حِفْظِ «صَحِيْحِ مُسْلِمٍ» مُبَاشَرَةً، لِأنَّهُ سَوْفَ يَقِفُ ضَرُوْرَةً على مُرَاجَعَةِ أحَادِيْثِ «صَحِيْحِ البُخَارِيِّ» تِبَاعًا، وذَلِكَ عِنْدَ حِفْظِهِ لأحَادِيْثِ «صَحِيْحِ مُسْلِمٍ»، يُوَضِّحُهُ مَا يَلي :
أنَّ أحَادِيْثَ مُسْلِمٍ، فِيْمَا قِيَلَ : أنَّهَا تَزِيْدُ بِالمُكَرَّرِ على سَبْعَةِ آلافِ حَدِيْثٍ تَقْرِيْبًا (7563)، كَمَا جَاءَ ذَلِكَ في طَبْعَةِ الرِّسَالَةِ نَاشِرُوْنَ .
وبِدُوْنِ المُكَرَّرِ قَرِيْبًا مِنْ أرْبَعَةِ آلَافِ حَدِيْثٍ (4000) .
ثُمَّ إذَا أرَدْنَا أنْ نَتَحَقَّقَ مِنْ زَوَائِدِ «صَحِيْحِ مُسْلِمٍ» على «صَحِيْحِ البُخَارِيِّ» فَلا بُدَّ أنْ نَقِفَ على أقْوَالِ أهْلِ العِلْمِ في تَحْرِيْرِهِم لضَابِطِ الاتِّفَاقِ بَيْنَ الأحَادِيْثِ، وذَلِكَ مِنْ خِلالِ مَذْهَبَيْنِ ووَسَطٍ، كَمَا يَلي :
المَذْهَبُ الأوَّلُ : مَنْ حَدَّ ضَابِطَ الاتِّفَاقِ بَيْنَ الأحَادِيْثِ : بالنَّظَرِ إلى اتِّفَاقِ مَخْرَجِ الحَدِيْثِ سَنَدًا ومَتْنًا مَعًا، كَما لو أخْرَجَ البُخَارِيُّ المَتْنَ مِنْ طَرِيْقِ أبي هُرَيْرَةَ، وخَرَّجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيْقِ ابنِ عُمَرَ، فَكِلاهُما : حَدِيْثَانِ، وهَكَذَا .
فَكُلُّ حَدِيْثٍ اخْتُلِفَ مَخْرَجُهُ يُعْتَبَرُ : حَدِيْثًا آخَرَ، ولَو اتَّفَقَ لَفْظُهُ ومَعْنَاهُ .
وهَذَا التَّحْقِيْقُ هُوَ الجَارِي على اصْطِلاحِ جَمْهُوْرِ المُحَدِّثِيْنَ؛ لأنَّهم لا يُطْلِقُوْنَ الاتِّفَاقَ على الأحَادِيْثِ إلَّا فيْما اتَّفَقَتْ على المَخْرَجِ سَنَدًا ومَتْنًا .
وعَلَيْهِ جَرَى اصْطِلاحُهُم في مَعْرِفَةِ ضَابِطِ زَوَائِدِ الأحَادِيْثِ بَعْضِهَا على بَعْضٍ، وذَلِكَ بالنَّظَرِ إلى اخْتِلافِ الرَّاوي، ولو اتَّفَقَتْ مُتُوْنُ الأحَادِيْثِ، وكَذَا بالنَّظَرِ إلى اخْتِلافِ بَعْضِ الألْفَاظِ ولو بزِيَادَةٍ يَسِيْرَةٍ، سَوَاءٌ في زَوَائِدِ الصَّحِيْحَيْنِ أو غَيْرِهِمَا مِنْ كُتُبِ السُّنَّةِ .
المَذْهَبُ الثَّاني : مَنِ اعْتَبَر اتِّفَاقَ الأحَادِيْثِ : بالنَّظَرِ إلى اتِّفَاقِ اللَّفْظِ فَقَطُ، دُوْنَ اعْتِبَارٍ في اخْتِلافِ الرَّاوي، وهَذَا مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الحَافِظُ أبو بَكْرٍ الجَوْزَقيُّ رَحِمَهُ الله .
وعَلَيْهِ؛ جَرَى اصْطِلاحُهُ رَحِمَهُ الله في مَعْرِفَةِ زَوَائِدِ مُسْلِمٍ على البُخَارِيِّ : بالنَّظَرِ إلى اخْتِلافِ اللَّفْظِ لا باخْتِلافِ الرَّاوي .
أيْ : كُلُّ حَدِيْثٍ اخْتُلِفَ مَخْرَجُهُ، واتَّفَقَ لَفْظُهُ يُعْتَبرُ عِنْدَهُ : حَدِيْثًا وَاحِدًا .
كمَا لو أخْرَجَ البُخَارِيُّ المَتْنَ مِنْ طَرِيْقِ أبي هُرَيْرَةَ، وخَرَّجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيْقِ ابنِ عُمَرَ، فَكِلاهُمَا : حَدِيْثٌ وَاحِدٌ .
القَوْلُ الوَسَطُ : وهُوَ التَّفْرِيْقُ بَيْنَ أحَادِيْثِ الصَّحِيْحَيْنِ وبَيْنَ غَيْرِهَا مِنَ الأحَادِيْثِ .
بمَعْنَى : أنَّ مَذْهَبَ الجَمْهُوْر مُتَحَقِّقٌ ومُتَعَيِّنٌ في ضَبْطِ اتِّفَاقِ أحَادِيْثِ غَيْرِ الصَّحِيْحَيْنِ مِنْ كُتُبِ السُّنَّةِ الأخْرَى، وأنَّ مَذْهَبَ الحَافِظِ الجَوْزَقيِّ جَارٍ ومُتَّجِهٌ في أحَادِيْثِ الصَّحِيْحَيْنِ فَقَط .
وجَاءَ تَرْجِيْحُ هَذَا القَوْلِ عِنْدَنَا لأمُوْرٍ سَيَأتي ذِكْرُهَا إنْ شَاءَ الله .
عِلمًا أنَّني لا أعْلَمُ أحَدًا سَبَقَني إلى هَذَا الجَمْعِ، إلَّا أنَّهُ مِنَ المَسَالِكِ العِلْمِيَّةِ الَّتِي يَسَعُهَا بَابُ الاجْتِهَادِ، لاسِيَّما وأنَّني لم أخْرُجْ عَنِ الجَمْعِ بَيْنَ القَوْلَيْنِ، ولم أخْرُجْ عَنْهُما، وإلى هَذَا الجَمْعِ بَيْنَ الأقْوَالِ المُخْتَلِفَةِ ذَهَبَ إلَيْهِ طَائِفَةٌ مِنْ أهْلِ العِلْمِ، كَمَا جَاءَ عَنْهُم مَبْسُوْطًا في كُتُبِ الأصُوْلِ، فمِنَ الأمُوْرِ المُرَجِّحَةِ عِنْدَنَا لهَذَا القَوْلِ أمْرَانِ :
الأمْرُ الأوَّلُ : أنَّ غَالِبَ أحَادِيثِ الصَّحِيْحَيْنِ، لا يَحْتَاجُ تَصْحِيْحُهَا إلى مُتَابَعَاتٍ وشَوَاهِدَ، لكَوْنِهَا صَحِيْحَةً بذَاتِهَا، خِلافًا لأحَادِيْثِ كُتُبِ السُّنَةِ الأخْرَى الَّتِي يَحْتَاجُ تَصْحِيْحُ أكْثَرِ أحَادِيْثِهَا إلى مُتَابَعَاتٍ وشَوَاهِدَ، ممَّا هُوَ مَعْلُوْمٌ لَدَى أهْلِ الشَّأنِ .
لِذَا؛ فَقَدِ اسْتَقَرَّتْ كَلِمَةُ عَامَّةِ المُسْلِمِيْنَ على أنَّ عَزْوَ الحَدِيْثِ إلى الصَّحِيْحَيْنِ أو أحَدِهِمَا؛ لهُوَ كَافٍ في صِحَّةِ الحَدِيْثِ وقَبُوْلِهِ، خِلافًا للرَّافِضَةِ المَجُوْسِيَّةِ، وغَيْرِهِم مِنْ أهْلِ البِدَعِ والأهْوَاءِ!
الأمْرُ الثَّاني : لقَدْ تَقَرَّرَ مِنْ قَاعِدَةِ أهْلِ الحَدِيْثِ : أنَّ جَهَالَةَ الصَّحابيِّ لا تَضُرُّ .
وعَلَيْهِ؛ فَلا جَرَمَ مِنْ رِوَايَةِ الحَدِيْثِ المُتَّفَقِ عَلَيْهِ في «الصَّحِيْحَيْنِ» مِنْ أيِّ طَرِيْقٍ مِنْ طُرُقِ الصَّحَابَةِ، سَوَاءٌ جَاءَ مِنْ طَرِيْقِ صَحَابِيَّيْنِ أو ثَلاثَةٍ، كَمَا لَوْ أخْرَجَ البُخَارِيُّ ومُسْلِمٍ حَدِيْثًا مِنْ طَرِيْقِ أبي هُرَيْرَةَ، وخَرَّجَهُ أيْضًا البُخَارِيُّ مِنْ طَرِيْقِ ابنِ عُمَرَ، وخَرَّجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيْقِ ابنِ عَبَّاسٍ، فَلَيْسَ بالضَّرُوْرِيِّ أنْ يَعْزُوَهُ المُسْلِمُ إلى ثَلاثَتِهِم، بَلْ بحَسْبِهِ أنْ يَعْزُوَهُ إلى أحَدِهِم، لأنَّ كُلَّ الصَّحَابَةِ عُدُوْلٌ مُوَثَّقُوْنُ في قَوْلِ عَامَّةِ أهْلِ العِلْمِ .

* * *

ومِنْ خِلالِ اخْتِلافِ أهْلِ العِلْمِ في ضَابِطِ الاتِّفَاقِ بَيْنَ الأحَادِيْثِ، يَتَّضِحُ لَنَا : أنَّ زَوَائِدَ مُسْلِمٍ على البُخَارِيِّ تَخْتَلِفُ أعْدَادُهَا باخْتِلافِ أصْحَابِ المَذْهَبَيْنِ، كَمَا يَلي :
فعَلى مَذْهَبِ جَمْهُوْرِ المُحَدِّثِيْنَ : فَإنَّ عِدَّةَ زَوَائِدِ أحَادِيْثِ مُسْلِمٍ على البُخَارِيِّ لا تَتَجَاوَزُ ألْفًا ومَائَتَيْنِ حَدِيْثًا (1200) تَقْرِيبًا .
وعلى مَذْهَبِ الحَافِظِ أبي بَكْرٍ الجَوْزَقيِّ : فَإنَّ عِدَّتَها نَحْوُ سِتَّمائَةِ حَدِيْثٍ تَقْرِيبًا (600)، وهُوَ المَذْهَبُ المُخْتَارُ عِنْدَنَا .
ومَهْما يَكُنْ مِنْ تَفَاوُتٍ بَيْنَ العَدَدَيْنِ إلَّا أنَّها تَسْلِيَةٌ لكُلِّ طَالِبٍ يُرِيْدُ أنْ يَحْفَظَ أحَادِيْثَ الصَّحِيْحَيْنِ، ثُمَّ هُوَ بحِفْظِهِ بَعْدَئِذٍ «لصَحِيْحِ مُسْلِمٍ» سَوْفَ يَقِفُ ضَرُوْرَةً على أكْثَرِ أحَادِيْثِ «صَحِيْحِ البُخَارِيِّ» .
وَبِهَذَا؛ يَسْتَطِيْعُ الحَافِظُ أنَّ يَقْطَعَ بِأنَّهُ في حَقِيْقَةِ الأمْرِ لَمْ يَحْفَظْ مِنْ «صَحِيْحِ مُسْلِمٍ» إلَّا سُدْسَهُ تَقْرِيْبًا، وذَلِكَ بحَسَبِ اصْطِلاحِ جَمْهُوْرِ المُحَدِّثِيْنَ، أيْ : نَحْوَ ألْفٍ ومَائَتَيْنِ حَدِيْثًا .
أمَّا إذَا أخَذْنَا بمُصْطَلَحِ الحَافِظِ الجَوْزَقيِّ، فحَقِيْقَةُ الحِفْظِ : لا يتجاوز تُسْعَ «صَحِيْحِ مُسْلِمٍ»، أيْ : نَحْوَ سِتِّمائَةِ حَدِيْثٍ، بِمَعْنَى أنَّهُ لَمْ يَحْفَظْ إلَّا الأصُولَ غَيْرَ المُكَرَّرَةِ وغَيْرَ المُتَّفَقِ عَلَيْهِ، ومَا جَاءَ بِطَرِيْقِ التَّكْرَارِ والاتِّفَاقِ فَهُوَ زِيَادَةٌ لَهُ في الحِفْظِ والتَّذْكِيْرِ لمَا مَضَى مِنَ الأحَادِيْثِ .
عِلمًا أنَّنَا قَدْ أخَذْنَا هُنَا بمَذْهَبِ الجَمْهُوْرِ مُوَاضَعَةً لمَا هُوَ جارٍ اليَوْمَ بَيْنَ طُلَّابِ العِلْمِ .
ثُمَّ أيْضًا تَأتي كُبْرَيَاتُ الحَقَائِقِ هُنَا : وهِيَ أنَّ الحَافِظَ في حَقِيْقَةِ الأمْرِ لَمْ يَحْفَظْ مِنَ أحَادِيْثِ «الصَّحِيْحَيْنِ» إلَّا رُبْعَهُما تَقْرِيْبًا، أيْ : نَحْوَ ثَلاثَةِ آلافٍ وثَمَانَ مَائَةِ حَدِيْثٍ (3800)، ومَا زَادَ عَلَيْهِمَا فَهُوَ مُعَادٌ مَا بَيْنَ مَكْرُوْرٍ ومُتَّفَقٍ عَلَيْهِ، الأمْرُ الَّذِي سَيَزِيْدُ الحَافِظَ تَرْسِيْخًا لمَحْفُوْظَاتِهِ، وتَذْكِيْرًا لمُطَالَعَاتِهِ .
تَنْبِيْهٌ : اعْلَمْ أنَّ تَحْقِيْقَ عَدَدِ أحَادِيْثِ الصَّحِيْحَيْنِ سَوَاءٌ المُكَرَّرُ مِنْهَا أو دُوْنَهُ، هِيَ مَحَلُّ خِلافٍ بَيْنَ أهْلِ العِلْمِ؛ لِذَا فَإنَّ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ عَدَدِ الأحَادِيْثِ فِيْهَما؛ فَهُوَ مِنْ بَابِ التَّقْرِيْبِ لا التَّحْدِيْدِ، والله تَعَالى هُوَ المُوَفِّقُ .

* * *

وتَقْرِيْبًا لمَا ذَكَرْنَاهُ هُنَا؛ يَتَّضِحُ بالحِسَابِ الآتي :
أحَادِيْثُ البُخَارِيِّ بالمُكَرَّرِ، نَحْوُ : (7397) حَدِيْثًا تَقْرِيْبًا .
وأحَادِيْثُ مُسْلِمٍ بالمُكَرَّرِ، نَحْوُ : (7563) حَدِيْثًا تَقْرِيْبًا .
ولهُمَا بالمُكَرَّرِ، نَحْوُ : (14960) حَدِيْثًا تَقْرِيْبًا .
وأحَادِيْثُ البُخَارِيِّ دُوْنَ المُكَرَّرِ، نَحْوُ : (2600) حَدِيْثٍ تَقْرِيْبًا .
وأحَادِيْثُ مُسْلِمٍ دُوْنَ المُكَرَّرِ، نَحْوُ (4000) تَقْرِيْبًا .
ولهُمَا بدُوْنِ المُكَرَّرِ، نَحْوُ : (6600) حَدِيْثًا تَقْرِيْبًا .
ولأفْرَادِ مُسْلِمٍ عَنِ البُخَارِيِّ، نَحْوُ : (1200) حَدِيْثًا تَقْرِيْبًا .
ولهُمَا بدُوْنِ المُكَرَّرِ، وبِدُوْنِ المُتَّفَقِ عَلَيْهِ، نَحْوُ : (3800) حَدِيْثًا تَقْرِيْبًا، أيْ : بمُعَدَّلِ خُمْسِ مَجْمُوْعِ أحَادِيْثِ الصَّحِيْحَيْنِ .
وهَذَا تَحْقِيْقُ جَمْعِنَا للآتي : (2600) + (1200) = (3800) حَدِيْثًا، والله تَعَالى أعْلَمُ .
والحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِيْنَ الَّذِي يَسَّرَ لَنَا حِفْظَ الصَّحِيْحَيْنِ، ومَا جَعَلَ عَلَيْنَا فِيْهِمَا مِنْ حَرَجٍ!

* * *

ثُمَّ تَاسِعًا : عَلَيْهِ بَعْدَ حِفْظِهِ «للصَّحِيْحَيْنِ»، أنْ يَقِفَ على قِرَاءَةِ شُرُوْحِهِمَا المُخْتَصَرَةِ .
هَذَا إذَا عَلِمْنَا أنَّ في قِرَاءَةِ شَرْحِ «الصَّحِيْحَيْنَ» زِيَادَةً للحَافِظِ في ضَبْطِ مَحْفُوْظَاتِهِ، وتَأكِيْدًا لَهُ في مَعْرِفَةِ المُتَّفَقِ بَيْنَهُما والمُنْفَرِدِ لهُما .
وأخَصُّ مِنْ تِيْكَ الشُّرُوْحِ : «التَّوْشِيْحَ شَرْحَ الجَامِعِ الصَّحِيْحِ» لِلحَافِظِ السُّيُوطِيِّ رَحِمَهُ اللهُ، تَحْقِيْقَ رِضْوَانَ بنِ جَامِعٍ .
وَكِتَابَ : «الدِّيْبَاجِ على صَحِيْحِ مُسْلِمِ بْنِ الحَجَّاجِ» للسِّيُوْطِيِّ، تَحْقِيْقَ أبِي إسْحَاقٍ الحُوَيْنِيِّ .
ثُمَّ إذَا أرَادَ الحَافِظُ بَعْدَئِذٍ زِيَادَةَ عِلْمٍ وفِقْهٍ؛ فَلَهُ أنْ يُعِيْدَ قِرَاءَةَ شَرْحِهِمَا مِنْ خِلَالِ المُطَوَّلَاتِ، وأخُصُّ مِنْهَا : «فَتحَ البَارِي بِشَرْحِ صَحِيْحِ البُخَارِيِّ» لِلحَافِظِ ابْنِ حَجَرٍ العَسْقَلَانِيِّ رَحِمَهُ اللهُ، تَحْقِيْقُ أبي قُتَيْبَةَ نَظْرٍ الفَارِيَابيِّ .
تَنْبِيْهٌ : هُنَاكَ تَحْقِيْقٌ عِلمِيٌّ لكِتَابِ «فَتْحِ البَارِيِّ» قَامَتْ بِهِ مُؤسَّسَةُ الرِّسَالَةِ بإشْرَافِ الشَّيْخِ شُعَيْبٍ الأرْنَاؤوطِ، إلَّا أنَّهُ لم يَخْرُجْ حَتَّى سَاعَتي هَذِهِ، ومَا أظُنُّهُ إلَّا أفْضَلَ مِنْ غَيْرِهِ، والله أعْلَمُ .
ومِنْهَا كِتَابُ : «المِنْهَاجِ في شَرْحِ صَحِيْحِ مُسْلِمِ بْنِ الحَجَّاجِ» لِلحَافِظِ النَّوَوِيِّ رَحِمَهُ اللهُ .

* * *

ثُمَّ عَاشِرًا : عَلَيْهِ بَعْدَ حِفْظِ «الصَّحِيْحَيْنِ» أنْ يَحْفَظَ مُتُوْنَ السُّنَنِ الأرْبَعِ : ابْتِدَاءً «بِسُنَنِ أبِيْ دَاوُدَ» أوَّلًا، ثُمَّ يُعْرِّجُ على «سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ» (المُسَمَّى : بِالجَامِعِ الكَبِيْرِ)، ثُمَّ يُثَلِّثُ «بِسُنَنِ النَّسَائِيِّ» (المُجْتَبَى)، ثُمَّ يُرَبِّعُ «بِسُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ» .
تَنْبِيْهٌ : إنَّ مِنْ أفْضَلِ طَبَعَاتِ «السُّنَنِ الأرْبَعِ» ما أخْرَجَتْهُ مُؤخَّرًا مُؤَسَّسَةُ الرِّسَالَةِ العَالَمِيَّةِ ببَيْرُوْتٍ، وذَلِكَ مِنْ خِلالِ تَحْقِيْقٍ عِلمِيٍّ جَيِّدٍ، واللهُ تَعَالى أعْلَمُ .
وبَادِي ذِي بَدْءٍ؛ فلْيَمْشِي طَالِبُ العِلْمِ في حِفْظِهِ لِلسُّنَنِ الأرْبَعِ حَذْوَ القُذَّةِ بِالقُذَّةِ في حِفْظِهِ «لِلصَّحِيْحَيْنِ»، فَلْيَحْفَظِ الأحَادِيْثَ القَصِيْرَةَ لَفْظًا ومَعْنًى، وليَكُنْ حَفِظُهُ لِلطَّوِالِ بِالمَعْنَى والتَّدَبُّرِ، إلَّا إذَا كَانَ مِمَّنْ رُزِقَ حَافِظَةً صَافِيَةٌ، فَلَهُ والحَالَةُ هَذِهِ أنْ يَحْفَظَ أحَادِيْثَ الكُتُبِ السِّتَّةِ بِألْفَاظِهَا، وقَدْ مَرَّ مَعَنَا بَيَانُ ذَلِكَ آنِفًا .

* * *

 ومِنْ بَقَايَا الحَقَائِقِ العِلْمِيَّةِ، والبَشَائِرِ المَرْضِيَّةِ للحَافِظِ مَا يَلي :
أنَّ الحَافِظَ «للصَّحِيْحَيْنِ» لَيْسَ عَلَيْهِ أنْ يَقِفَ كَثِيْرًا مَعَ مُرَاجَعَتِهِمَا، بَل عَلَيْهِ أنْ يَنْتَقِلَ إلى حِفْظِ «سُنَنِ أبي دَاوُدَ» مُبَاشَرَةً، لِأنَّهُ سَوْفَ يَقِفُ ضَرُوْرَةً على مُرَاجَعَةِ أحَادِيْثِ «الصَّحِيْحَيْنِ» تِبَاعًا، وذَلِكَ عِنْدَ حِفْظِهِ لأحَادِيْثِ «سُنَنِ أبي دَاوُدَ»، يُوَضِّحُهُ مَا يَلي :
أنَّ أحَادِيْثَ «سُنَنِ أبي دَاوُدَ»، فِيْمَا قِيَلَ : أنَّهَا خَمْسَةُ آلافٍ ومَائِتَانِ وأرْبَعٌ وسَبْعُوْنَ حَدِيْثًا تَقْرِيبًا (5274)، كَمَا جَاءَ ذَلِكَ في طَبْعَةِ مُؤسَّسَةِ الرِّسَالَةِ .
ثُمَّ إذَا نَظَرْنَا إلى حَقِيْقَةِ زَوَائِدِ «سُنَنِ أبي دَاوُدَ» على «الصَّحِيْحَيْنِ» فإنَّا نَجِدُهَا قَرِيْبًا مِنْ (1229) حَدِيْثًا، كَمَا جَاءَ ذَلِكَ في نُسْخَةِ الشَّيْخِ يَحْيَى اليَحْيَى حَفِظَهُ الله، الأمْرُ الَّذِي يَجْعَلُ طَالِبَ العِلْمِ يَقِفُ ضَرُوْرَةً على أكْثَرِ أحَادِيْثِ «الصَّحِيْحَيْنِ»، الأمْرُ الَّذِي سَيَزِيْدُ الحَافِظَ تَرْسِيْخًا لمَحْفُوْظَاتِهِ، وتَذْكِيْرًا لمُطَالَعَاتِهِ .
وَبِهَذَا؛ يَسْتَطِيْعُ الحَافِظُ أنَّ يَقْطَعَ بِأنَّهُ في حَقِيْقَةِ الأمْرِ لَمْ يَحْفَظْ مِنْ «سُنَنِ أبي دَاوُدَ» إلَّا رُبْعَهُ أو يَزِيْدَ تَقْرِيْبًا، وهَذَا بالنَّظَرِ إلى زِيَادَتِهِ على «الصَّحِيْحَيْنِ»، أمَّا إذَا حَذَفْنَا المُكَرَّرَاتِ مِنْهُ فَلرُبَّما نَقَصَ العَدَدُ أيْضًا!

* * *

ومِنْ بَقَايَا الحَقَائِقِ المَرْضِيَّةِ أيْضًا مَا يَلي : أنَّ أحَادِيْثَ «سُنَنِ التِّرمِذيِّ»، فِيْمَا قِيَلَ : أنَّهَا أرْبَعَةُ آلافٍ وثَلاثُ مَائَةِ حَدِيْثٍ تَقْرِيبًا (4300)، كَمَا جَاءَ ذَلِكَ في طَبْعَةِ مُؤسَّسَةِ الرِّسَالَةِ .
ثُمَّ إذَا نَظَرْنَا إلى حَقِيْقَةِ زَوَائِدِ «سُنَنِ التِّرمِذيِّ» على «الصَّحِيْحَيْنِ»، و«سُنَنِ أبي دَاوُدَ»، فإنَّا نَجِدُهَا قَرِيْبًا مِنْ (500) حَدِيْثًا، كَمَا جَاءَ ذَلِكَ في نُسْخَةِ الشَّيْخِ يَحْيَى اليَحْيَى، الأمْرُ الَّذِي يَجْعَلُ طَالِبَ العِلْمِ يَقِفُ ضَرُوْرَةً على أكْثَرِ أحَادِيْثِ «الصَّحِيْحَيْنِ» و«سُنَنِ أبي دَاوُدَ» .
وَبِهَذَا؛ يَسْتَطِيْعُ الحَافِظُ أنَّ يَقْطَعَ بِأنَّهُ في حَقِيْقَةِ الأمْرِ لَمْ يَحْفَظْ مِنْ «سُنَنِ التِّرمِذيِّ» إلَّا تُسْعَهُ تَقْرِيْبًا، أمَّا إذَا حَذَفْنَا المُكَرَّرَاتِ مِنْهُ فَلرُبَّما نَقَصَ العَدَدُ أيْضًا!

* * *

ومِنَ البَقَايَا المَرْضِيَّةِ أيْضًا : أنَّ أحَادِيْثَ «سُنَنِ النَّسائيِّ»، فِيْمَا قِيَلَ : أنَّهَا خَمْسَةُ آلافٍ وسَبْعمائَةٍ وأرْبَعٌ وسَبْعُوْنَ حَدِيْثًا تَقْرِيبًا (5774)، كَمَا جَاءَ ذَلِكَ في تَحْقِيْقِ أبي غُدَّةَ رَحِمَهُ الله .
ثُمَّ إذَا نَظَرْنَا إلى حَقِيْقَةِ زَوَائِدِ «سُنَنِ النَّسائيِّ» على «الصَّحِيْحَيْنِ»، و«سُنَنِ أبي دَاوُدَ»، و«سُنَنِ التِّرمِذيِّ» فإنَّا نَجِدُهَا قَرِيْبًا مِنْ (125) حَدِيْثًا، كَمَا جَاءَ ذَلِكَ في نُسْخَةِ الشَّيْخِ يَحْيَى اليَحْيَى، الأمْرُ الَّذِي يَجْعَلُ طَالِبَ العِلْمِ يَقِفُ ضَرُوْرَةً على أكْثَرِ أحَادِيْثِ «الصَّحِيْحَيْنِ»، و«سُنَنِ أبي دَاوُدَ»، و«سُنَنِ التِّرمِذيِّ» ممَّا سَيَدْفَعُهُ هَذَا إلى زِيَادَةِ مُرَاجَعَةِ حِفْظِهِ لمَا مَضَى .
وَبِهَذَا؛ يَسْتَطِيْعُ الحَافِظُ أنَّ يَقْطَعَ بِأنَّهُ في حَقِيْقَةِ الأمْرِ لَمْ يَحْفَظْ مِنْ «سُنَنِ النَّسائيِّ» إلَّا أقَلَّ مِنْ رُبُعِ العُشْرِ تَقْرِيْبًا، أمَّا إذَا حَذَفْنَا المُكَرَّرَاتِ مِنْهُ فَلرُبَّما نَقَصَ العَدَدُ أيْضًا!

* * *

ومِنَ البَقَايَا المَرْضِيَّةِ أيْضًا : أنَّ أحَادِيْثَ «سُنَنِ ابنِ مَاجَه»، فِيْمَا قِيَلَ : أنَّهَا أرْبَعَةُ آلافٍ وثَلاثُ مَائةٍ ووَاحِدٌ وأربَعُوْنَ حَدِيْثًا تَقْرِيبًا (4341)، كَمَا جَاءَ ذَلِكَ في طَبْعَةِ مُؤسَّسَةِ الرِّسَالَةِ .
ثُمَّ إذَا نَظَرْنَا إلى حَقِيْقَةِ زَوَائِدِ «سُنَنِ ابنِ مَاجَه» على «الصَّحِيْحَيْنِ»، و«سُنَنِ أبي دَاوُدَ»، و«سُنَنِ التِّرمِذيِّ»، «وسُنَنِ النَّسَائيِّ» فإنَّا نَجِدُهَا قريبًا من (200) حَدِيْثًا، كَمَا جَاءَ ذَلِكَ في نُسْخَةِ الشَّيْخِ يَحْيَى اليَحْيَى، الأمْرُ الَّذِي يَجْعَلُ طَالِبَ العِلْمِ يَقِفُ ضَرُوْرَةً على أكْثَرِ أحَادِيْثِ «الصَّحِيْحَيْنِ» و«السُّنَنِ الثَّلاثِ»، ممَّا سَيَدْفَعُهُ إلى المُرَاجَعَةِ والتَّذْكِيْرِ لمَا مَضَى مِنَ الأحَادِيْثِ .
وَبِهَذَا؛ يَسْتَطِيْعُ الحَافِظُ أنَّ يَقْطَعَ بِأنَّهُ في حَقِيْقَةِ الأمْرِ لَمْ يَحْفَظْ مِنْ «سُنَنِ ابنِ مَاجَه» إلَّا نِصْفَ العُشْرِ تَقْرِيْبًا، أمَّا إذَا حَذَفْنَا المُكَرَّرَاتِ مِنْهُ فَلرُبَّما نَقَصَ العَدَدُ أيْضًا!

* * *

ومِنْ بَقَايَا البَشَائِرِ المَرْضِيَّةِ، مَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الحَقَائِقُ العِلْمِيَّةُ في تَقْرِيْبِ أحَادِيْثِ المُسْنَدِ الأحْمَدِيِّ، يُوَضِّحُهُ مَا يَلي :
أنَّ أحَادِيْثَ «مُسْنَدِ الإمَامِ أحمَدَ» فِيْمَا قِيَلَ : أنَّهَا تَجَاوَزَتْ سَبْعًا وعِشْرِيْنَ ألْفًا وسَبْعَمائَةٍ وتِسْعَةً وثَلاثِيْنَ حَدِيْثًا تَقْرِيبًا (27739)، كَمَا جَاءَ ذَلِكَ في طَبْعَةِ مُؤسَّسَةِ الرِّسَالَةِ، وهَذَا بالنَّظَرِ إلى الأحَادِيْثِ المُكَرَّرَةِ، أمَّا أعْدَادُهَا بدُوْنِ المُكَرَّرِ، فَهِي (9886) حَدِيْثًا .
ثُمَّ إذَا نَظَرْنَا إلى حَقِيْقَةِ زَوَائِدِ «مُسْنَدِ الإمَامِ أحمَدَ» على «الصَّحِيْحَيْنِ»، و«السُّنَنِ الأرْبَعِ» (والدَّارمِيِّ)، فإنَّا نَجِدُهَا قَرِيْبًا مِنْ (3752) حَدِيْثًا، كَمَا جَاءَ ذَلِكَ محرَّرًا في قَوْلِ الشَّيْخِ صَالحٍ الشَّاميِّ حَفِظَهُ الله، الأمْرُ الَّذِي يَجْعَلُ طَالِبَ العِلْمِ يَقِفُ ضَرُوْرَةً على أكْثَرِ أحَادِيْثِ «الصَّحِيْحَيْنِ» و«السُّنَنِ الأرْبَعِ» .
وَبِهَذَا؛ يَسْتَطِيْعُ الحَافِظُ أنَّ يَقْطَعَ بِأنَّهُ في حَقِيْقَةِ الأمْرِ لَمْ يَحْفَظْ مِنْ «مُسْنَدِ الإمَامِ أحمَدَ» إلَّا سُبْعَهُ على التَّقْرِيْبِ، أمَّا إذَا حَذَفْنَا المُكَرَّرَاتِ مِنْهُ فَلرُبَّما نَقَصَ العَدَدُ أيْضًا!

* * *

وكَذَا مِنْ تَتِمَّاتِ البَشَائِرِ المَرْضِيَّةِ : أنَّ أحَادِيْثَ «مُوَطَّأ الإمَامِ مَالِكٍ» فِيْمَا قِيَلَ : أنَّهَا لا تَتَجَاوَزُ ألْفَيْنَ حَدِيْثٍ (2000)، كَمَا جَاءَ ذَلِكَ في طَبْعَةِ الرِّسَالَةِ نَاشِرُوْنَ .
ثُمَّ إذَا نَظَرْنَا إلى حَقِيْقَةِ زَوَائِدِ «مُوَطَّأ الإمَامِ مَالِكٍ» على «الصَّحِيْحَيْنِ»، و«السُّنَنِ الأرْبَعِ»، فإنَّا نَجِدُهَا قَرِيْبًا مِنْ (134) حَدِيْثًا، كَمَا جَاءَ ذَلِكَ في نُسْخَةِ الشَّيْخِ يَحْيَى اليَحْيَى، الأمْرُ الَّذِي يَجْعَلُ طَالِبَ العِلْمِ يَقِفُ ضَرُوْرَةً على أكْثَرِ أحَادِيْثِ «الصَّحِيْحَيْنِ»، و«السُّنَنِ الأرْبَعِ» .
ومَهْما يَكُنْ مِنْ تَقْرِيْبٍ وتَسْهِيْلٍ؛ إلَّا أنَّ الحَقِيْقَةَ مَا زَالَتْ قَائِمَةً هُنَا : وهِيَ أنَّ حِفْظَ الطَّالِبِ لأحَادِيْثِ الكُتُبِ السِّتَّةِ لم يَكُنْ في حَقِيْقَتِهِ إلَّا قَرِيْبًا مِنْ سُبُعِ مَجْمُوْعِ الأحَادِيْثِ، يُوَضِّحُهُ الحِسَابُ الآتي :
مَجْمُوْعُ أحَادِيْثِ الكُتُبِ السِّتَّةِ بالمُكَرَّرِ : قَرِيْبًا مِنْ (34649) حَدِيْثًا .
وبدُوْنِ المُكَرَّرِ : قَرِيْبًا مِنْ (5754) حَدِيْثًا، أيْ : بمُعَدَّلِ سُدُسِ المَجْمُوْعِ تَقْرِيْبًا!
هَذَا إذَا عَلِمْنَا أنَّ الحَافِظَ للكُتُبِ السِّتَّةِ في حَقِيْقَةِ الأمْرِ لم يَحْفَظْ إلَّا الأصُولَ، ومَا جَاءَ فِيْهَا بِطَرِيْقِ التَّكْرَارِ والاتِّفَاقِ فَهُوَ زِيَادَةٌ لَهُ في الحِفْظِ والتَّذْكِيْرِ لمَا مَضَى، الأمْرُ الَّذِي سَيَزِيْدُ الحَافِظَ تَرْسِيْخًا لمَحْفُوْظَاتِهِ، وتَذْكِيْرًا لمُطَالَعَاتِهِ .

* * *

ومِنْ أوَاخِرِ البَشَائِرِ لا آخِرَهَا؛ مَا ذَكَرَهُ وحَرَّرَهُ شَيْخُنَا صَالحُ بنُ أحمَدَ الشَّامِيُّ حَفِظَهُ الله : وهُوَ أنَّ مَجْمُوْعَ أحَادِيْثِ الكُتُبِ التِّسْعَةِ (الصَّحِيْحَيْنِ والسُّنَنِ الأرْبَعِ وسُنَنِ الدَّارمِيِّ والمُوَطَّأ والمُسْنَدِ)، بالمُكَرَّرِ : هُوَ اثْنَانِ وسُتُّوْنَ ألْفٍ وتِسْعِمائَةٍ وسَبْعَةٌ وثَلاثُوْنَ حَدِيْثًا تَقْرِيبًا، (62937) .
وعَدَدُهَا بغَيْرِ المُكَرَّرِ : هُوَ سِتَّةَ عَشَرَ ألْفٍ ومِئَتَانِ وتِسْعُوْنَ حَدِيْثًا، (16290)، أيْ : بمُعَدَّلِ رُبْعِ المَجْمُوْعِ تَقْرِيبًا . انْتَهى .
فالحَمْدُ لله رَبِّ العَالميْنَ، الَّذِي يَسَّر لَنَا الدِّيْنَ، ومَا جَعَلَ عَلَيْنَا في تَعَلُّمِهِ مِنْ حَرَجٍ!
فَائِدَةٌ عَزِيْزَةٌ : لَقَدْ بَاتَ مِنْ خَاصَّةِ النَّصِيحَةِ أنْ أذَكِّرَ نَفْسِي وطُلَّابَ العِلْمِ لاسِيَّما ممَّنْ رَامَ حِفْظَ السُّنَّةِ أنْ يُوَطِّنَ نَفْسَهُ على حِفْظِ «الصَّحِيْحَيْنَ»، فلا يَسْتَطِيْلَ مُدَّتَهُما ولا يَسْتَثْقِلَ حِفْظَهُما؛ لأنَّ عَلَيْهِما مَدَارُ أحَادِيْثِ كُتُبِ السُّنَّةِ في الجُمْلَةِ، لاسِيَّما في الأصُوْلِ، كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ الحَافِظُ أبو عَبْدِ الله ابنُ الأخْرَمِ رَحِمَهُ الله .
بمَعْنَى : أنَّ الحَافِظَ «للصَّحِيْحَيْنَ» سَوْفَ يَسْهُلُ عَلَيْهِ كَثِيْرٌ مِنَ مَجَامِيْعِ أحَادِيْثِ كُتُبِ السُّنَّةِ السِّتَّةِ في غَيْرِهَا، والله تَعَالى أعْلَمُ .

* * *

وأخِيْرًا؛ فَمَنْ وَصَلَ بحِفْظِهِ إلى الكُتُبِ السِّتَّةِ؛ فَقَدْ فَازَ ورَبِّ الكَعْبَةِ بخَيْرِ الدَّارَيْنِ، وحَازَ رِضَا رَبِّ العَالمِيْنَ، وبَاتَ مِنْ وَرَثَةِ سَيِّدِ الأنْبِيَاءِ والمُرْسَلِيْنَ!
ولْيَهْنَئْهُ العِلْمُ والإيْمَانُ؛ حَيْثُ انْتَظَمَ اسْمُهُ في سِلْكِ حُفَّاظِ السُّنَّةِ، وانْخْرَطَ بنَفْسِهِ مَعَ زُمْرَةِ أهْلِ العِلمِ الرَّبَّانِيِّيْنَ ممَّنْ لَهُمْ قَدَمُ صِدْقٍ في العَالَمِيْنَ .

والحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِيْنَ، والصَّلاةُ والسَّلامُ على عَبْدِهِ ورَسُوْلِهِ الأمِيْنِ
 

وكَتَبهُ
ذِيابُ بنُ سَعد آل حَمْدانَ الغامديُّ
(6/10/1431)
الطائف المأنوس
Thiab1000@hotmail.com
 


 

طلب العلم

  • مقدمة الموسوعة
  • منهجية الطلب
  • القراءة
  • دراسة الفنون
  • الحفظ
  • أدب الحوار والخلاف
  • متفرقات
  • المكتبة
  • الأفكار الدعوية
  • الموسوعة