اطبع هذه الصفحة


إخوتاه ! إخوتاه ! المنهجيةَ ، المنهجيةَ .

أبو الهمام البرقاوي

 
بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله الذي أضحك وأبكى، وأمات وأحيا، فعرفنا بلذة الفرح شدة الترح، وبحلاوة الحياة مرارة الوفاة ، وصلى الله على خير مبعوث، وأكرم وارث وموروث، محمد الذي أخرجنا من الضيق إلى الفسحة، وبعث إلينا بالحنيفية السمحة، صلى الله عليه صلاةً تزلف لديه، وتصعد في الكلم الطيب إليه، وعلى آله وصحبه وسلم.

وبعد .
إنّ النفسَ لها وقفاتٌ مع كثيرٍ مما يمرُّ بها، وإنّ أنفسَ ما مرَّ بي ذاك الشاب الجليل ، الذي انقادَ إليه قلبي بغير زمام، فعرفتُه مجتهدًا في الطلب، مبتغيًا أعلى الرتب، وإذا ما مررتُ به ، عجبتُ لتوقد نفسي وشعلتها همةً وعزيمةً.

كنتُ أتمنّى أن أتشبّثَ بهذه الهمة العالية، والدأبِ المتواصل في التنقلِ بين الدروسِ ، وبين الكتب ، فكان يأتيني كلَّ يومٍ ، فيكون لسانُه حدرا لفوائدَ جديدة، وملحٍ فريدة.
قد قال فلان في كتابه الفلاني، وردّ عليه فلانٌ في كتابِه الفلاني، وهذه الفائدة ترجع بذاكرتي لما ذكره العالم الفلاني، والمحدث الـ...!!!
وإذا رأيتَ مكتـبتَه ه قلتَ: ما أجلّه(هـا)، إذ لا أرى كتابًا إلا معطّرًا ومجلدًّا بلصاقٍ يحميهِ من الخراب!

رزقَ أخوكم ، بهمّة ضئيلة ، فبدأ بكتابٍ لعالمٍ ربّاني، = فاستـوقفني ما رأيتُ ، وراعني ما لمحتُه بعينيَّ! رأيتُه لا يكتبُ ما يقرأ، ولا يحفظُ أو يدوّن ما يسمع، بل ليس عنده وقتٌ لأن يكملَ حفظ القرآن، أو الأحاديث أو المتون-كما زعم - فقلت في نفسي! أيعقل أن يكونَ هذا نهجُ علماء مضيِّنا وسلفنا ؟!

إذ كيف يسمعون ولا يدوّنون، فطال العجب! ولا عجب ، فحال طلبة علم زماننا يؤسفُ له = بعدًا عن العمل بالعلم، والدعوةِ إليه ، والصبر عليهما ، وعن الأخلاقِ والمعاملة الحسنة ، بل أصبحنا نُعرفُ بكشرةِ البشرة، وصمتِ السمت.
فقلتُ له – على استحياءٍ -! لم لا تدوّن ما تقرؤه ؟ قال لي: تكفي القراءة ! قلتُ له: أنا مبتدئ في الطلب، لكن لا أحبُّ أن أقرأ كتابًا ، إلا أن أدوّن أهم ما فيه، فما سمّي الإنسان إلا لنسيه! فقال : هذه طريقتكَ، ولكلٍّ وجهةٌ هو مولِّيها!
تمرّ الأيامُ سراعًا، فإذا صاحبنا يحملُ فتحَ الباري، لابن حجر! ومرة لابن رجب! ومرة فتاوى شيخ الإسلام! ومرة سبلَ السلام! ومرةً نيلَ الأوطارِ! ومرةً الشرحَ الممتعِ! ومرة يلخص المغني! ومرة المحلى !

فقلتُ –وكلّي عيٌّ وحصرٌ-!: إنّ صاحبَنا أقوى من رأيتُ من طلبةِ العلم، كيف لا؟ وهو المثابر الذي قرأ الكتب المطوّلة، إذ أصبحَ معيارًا لأهل العلم.
وبعد سنواتٍ من تعرفيِ عليه، وبدايته في الطلب = زرتُه في بيتِه، فهو شيخيْ الذي مكث أوقاتا طويلةً يتابعني في الحفظ ، والمراجعة ، فقالَ لي : ما فوائدُك الجديدة؟

فقلتُ له كلاما تطيبُ به الأرواح، وترتاحُ له القلوبُ، وتفتقُ فيه الآذان، وتشحذُ به الأذهان = للحنبليِّ المحقق " عبد القادر ابن بدارن " في منهجيّة طالبِ العلم، وأنّ التدرجَ أسٌّ له، وأن لا تقرأ كتابًا، بغيةَ أن ترجعَ إليهِ، فإنّ هذا مما يثبطكَ في ضبط ما تقرأ إلخ.... (1)
وإذا بهِ يتأوّه، ويقول: كل السنوات التي مضتْ لم أحصِّل منها على شيءٍ من العلمِ ، إلا نزرًا يسيرًا! فقلتُ له: خيرًا إن شاء الله؟ قال: كنا في خبطِ عشواءَ ، ولم نصبْ ، فلم نضبطْ ما قرأناه، ولم نجتهد في البحث العلمي، حتى ينبتَ لنا ريشٌ في الطلب! والله قد قرأتُ الشرحَ الممتع، وفتح الباري ......إلخ من الكتبِ المطوّلةِ

ولا أشعرُ أني قرأتُ منهنّ شيئًا ! لأني نويتُ أن أعيدَ كلّ ما قرأتُه، ولو ضبطت ما قرأتُ ؛ لكنتُ الآن في عداد أهلِ العلم، فوا أسفاه على هذه الأوقات اهـ .


حمدتُ اللهَ أنّي لم أقع في حفرةٍ، وقع فيها من كنتُ به أقتدي! وحمدتُ الله أن أراني أنموذجًا أعتبرُ به ما حييـتُ، فبعضكم قد لا يقتـنع بما يسمى " منهجية "، لكن ما كتبـته فيه تِبيـان لمن غفِل وجهِل ،ويكأنّ العلمَ يُرتقى بلا سلّم!
تعلمتُ من اسمِ المنهجيةِ = أن لا يكون شيخي كتابي، ولا علم إلا بالحفظ ، ولا حفظَ إلا بتَكرار ، وليس الحفظُ كلّ شيء، ولا توفيقَ إلا بإخلاص ، ولا عبرةَ بسماعِ الدروس دون القراءة ، ولا عبرةَ بالقراءة دون خفض الجناحِ عند المعلم ، ولا علمَ بالتعالم ، ولا رفعة إلا بالتواضع ، ولن تحلمَ بأن تصبحَ عالمًا إلا باجتهادٍ ، وطول زمان ، ومعرفة طرق التعليم.
ولا ينبتُ لطالبِ العلم ريشٌ حتى يبحث، قالها الشيخ صالح آل الشيخ.

مَنِ ادَّعى العلمَ و لم يوصف به **** فذاك قد عُرِّض للنَّقصِ
فالعلم معروفلأربابـــه **** يظهر بالنُّطق و بالفَحْصِ
 

قال الإمام البخاري – رحمه الله – يقال : الربّاني ، الذي يربّي الناسَ بصغارِ العلمِ قبلَ كبارِه .

قال الأستاذ محمود شاكر ( من أرادَ أن يردّ الناسَ عن كتبِ المبردّ ومن بعده إلى = ابن عقيل ، إلى ابن هشام ، إلى الأشموني ، ويحثّهم على استمداد النّحو من سيبويه وحده ، فقد أغراهم بأن يُلقوا أنفسهم في بحرٍ لجيٍّ لا يرى راكبُه شاطئًا يأوي إليه ، وما هو إلا الغرق لا غير ، كتاب سيبويه لا يعلم طالب العلم النحو ، إلا مهّد له الطريق ابنُ عقيل وابنُ هشامٍ والأشموني ) (3)

ختامًا:
منْ تكلمتُ عنه ، تبدلتْ أفكارهُ بجلسةٍ مع شابٍّ تغرّب في أحد البلاد، لكنه شكى لي ما حصل معه، حتى تكون رسالةً ، لمن له قلبٌ = فاللهَ أسألُ أن يوفّقه ، ويسدد خطاه ، ويعطيه مناه ومبتغاه.
واعذروني على الضعف في الكتابة ، فهذا ما قُدِّرَ عليكم من البلاء ، والله يحفظكم ويرعاكم .
 

أبو الهمام البرقاوي
( 26 / 6 / 1432 هـ) .
( 29 / 5 / 2011 م ) .
 

---------------------
(1) راجع ، المدخل إلى مذهب أحمد ص 265 لطائف وقواعد
(2) الموسوعة في المنهجية ، http://www.khayma.com/ibnkather/islamic%20study.htm
(3) أثر الحديث الشريف ( ص 200 ) لمحمد عوامة .


 

طلب العلم

  • مقدمة الموسوعة
  • منهجية الطلب
  • القراءة
  • دراسة الفنون
  • الحفظ
  • أدب الحوار والخلاف
  • متفرقات
  • المكتبة
  • الأفكار الدعوية
  • الموسوعة